تتألّف نواة الأرض من كرةِ معدنية تبلغ حرارتها نحو 6000 درجة مئوية، وقطرها حوالي 1220 كلم. ويحيط بها رداء معدني سائل حرارته نحو 4500 درجة مئوية وسماكته حوالي 2400 كلم. وتحيط بهذا الرداء طبقة من الصخور الصلبة تسمى القشرة التي تتفاوت درجة حرارتها بين 870 درجة مئوية بالقرب من سطـح الأرض و2200 عند اتصالها بالرداء، وسماكتها حوالي 2900 كلم.
إن الفرق في درجات الحرارة بين هذه المكوّنات يُحدث ما يعرف بـ “التمدد الحراري”، الذي يولد تياراً كهربائياً، وبالتوازي مع دوران الأرض على محوريها، يولد الحقل المغناطيسي حول الأرض.
وبالنظر إلى عدم ثبات هذه المنظومة، يصبح من المنطقي أن يكون هذا المجال المغناطيسي غير مستقر، ومتغيراً في قوته واتجاهه واستقطابيته.
وهذا ما تمر الكرة الأرضية به الآن؛ إنها في حالة انعكاس مغناطيسيتها منذ حوالي 200 سنة. إذ يتبادل القطبان الشمالي والجنوبي الاتجاه، وهي عمليةٌ ستستمر لنحو 1500 سنةٍ مقبلة. حيث ستتغير إشارة البوصلة الحالية إلى عكسها. ويقول العلماء إنه خلال هذا التحوّل ضعفت قوة الحقل حوالي %10 حتى الآن، وهناك احتمال أن تضعف أكثر، وحتى التوقف لفترة معيّنة.
تمتلك الأرض درعين قويين ضد الأخطار العديدة الموجودة في الكون: الحقل المغناطيسي والغلاف الجوي. ومن دون الحقل المغناطيسي، فمن شأن الرياح الشمسية، وهي تيارات من الجسيمات المشحونة كهربائيــاً، أن تمــزق الغـلاف الجــوي حول كوكـب الأرض. وعلى هذا النحـو، يساعـد الحقل المغناطيسي للأرض في جعل الحياة ممكنة على كوكبنا.
والحال أن الانقلاب في القطب قد يسبب بعض المشكلات الفنية، لكنه لا يشكِّل خطراً على الحياة. فقد قام العلماء بأبحاث عديدة حول ما إذا أحدثت الانعكاسات السابقة كوارث، فلم يعثروا على أي شيء. وهناك احتمال ضئيل جداً، كما يقدّر العلماء، أن يختفي كلياً؛ فعند ذاك ستكون العواقب مقلقة.
فمن دون الحقل المغناطيسي الأرضي، ستكون تقنياتنا في خطر جرّاء العواصف الشمسية. ستتضرر شبكاتنا الكهربائية وأجهزة الكمبيوتر والأقمار الصناعية في الفضاء الخارجي وكافة الأجهزة الإلكترونية الأخرى لتعرضها لجزيئات عالية الطاقة من الأشعة الكونية والرياح الشمسية.
ستتعطل البوصلات التي نستخدمها في الملاحة على أنواعها وفي تنقلاتنا على الأرض، وسينعكس ذلك على حركتنا. صحيح أن أجهزة التموضع العالمية لا تعتمد على الحقل المغناطيسي، لكنها لا تشير إلى الاتجاه، بل تشير فقط إلى الموقع. والاعتماد على النجوم والكواكب لتحديد الاتجاه ليس دقيقاً.
والبشر ليسوا وحدهم في الاعتماد على الحقل المغناطيسي للأرض للملاحة. فعديد من الكائنات الحية مثل الطيور والسلاحف البحرية، وجراد البحر، ونحل العسل، وسمك السلمون، وذباب الفاكهة، جميعها لديها بوصلات بيولوجية يطلق عليها “المستقبِلات المغناطيسية” مبنية في أجسامها.
فمن دون الحقل المغناطيسي، يمكن أن تضيع السلاحف البحرية في البحر. وقد تطير الطيور المهاجرة في الاتجاه الخاطئ، مما يهدّد بقاءها. وقد يضيع نحل العسل في بحثه عن خلاياه، وسيؤثر ذلك على تلقيح الزهور والنباتات الأخرى. ومع تعرض قدراتهما الملاحية لخطر شديد، ستواجه هذه الكائنات والكثير غيرها خطر الانقراض، وستكون معاناة كوكبنا أكبر من أن تُقاس.
مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مارس - أبريل | 2019
ماذا لو اختفى الحقل المغناطيسي للأرض
مقالات ذات صلة
في عام 2077م، شهد معظم سكان أوروبا كرة نارية تتحرك في عرض السماء، ثم سقطت كتلة تُقدّر بألف طن من الصخور والمعادن بسرعة خمسين كيلومترًا في الثانية على الأرض في منطقة تقع شمال إيطاليا. وفي بضع لحظات من التوهج دُمرت مدن كاملة، وغرقت آخر أمجاد فينيسيا في أعماق البحار.
نظرية التعلم التعاضدي هي: منهج تتعلم عبره مجموعة من الأفراد بعضهم من البعض الآخر من خلال العمل معًا، والتفاعل لحل مشكلة، أو إكمال مهمة، أو إنشاء منتج، أو مشاركة تفكير الآخرين. تختلف هذه الطريقة عن التعلم التعاوني التقليدي، فبين كلمتي تعاون وتعاضد اختلاف لغوي بسيط، لكنه يصبح مهمًا عند ارتباطه بطرق التعليم. فالتعلم التعاوني التقليدي […]
حتى وقتٍ قريب، كان العلماء مجمعين على أن الثقافة هي سمةٌ فريدةٌ للبشر. لكن الأبحاث العلميّة التي أجريت على الحيوانات، منذ منتصف القرن العشرين، كشفت عن عددٍ كبيرٍ من الأمثلة على انتشار الثقافة لدى أغلب الحيوانات. وعلى الرغم من الغموض الذي يلفّ تعبير الثقافة، حسب وصف موسوعة جامعة ستانفورد الفلسفيّة، هناك شبه إجماعٍ بين العلماء […]
اترك تعليقاً