مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
سبتمبر – أكتوبر | 2021

السفر والسياحة الافتراضية


د. أبوبكر سلطان

لصناعة السفر والسياحة أهميّة هائلة في الازدهار الاقتصادي والاجتماعي، فهي تنشئ فرص عمل، وتوفِّر وظيفة فريدة للمرأة وللأقليّات والشبان أيضاً، وهي عنصر أساسي في إجمالي الناتج المحلي، تعتمد عليه الدول. كما تواصل السياحة تَصَدُّر توقعات النماء العالمي على المدى الطويل، مع دخل كبير يبلغ 1.5 بليون دولار من السياح الدوليّين في 2019م. وكان قطاع السفر والسياحة أحد أكبر قطاعات الاقتصاد في العالم، وبالإضافة إلى فوائد السياحة الدوليّة، تُشكّل السياحة الداخلية دعامة أساسية في معظم دول منظمة التعاون الاقتصادي.

ويُوفِّر الواقع الافتراضي بيئة إشارات رقمية للمستخدمين عن الواقع لتسهيل اتخاذ قراراتهم السياحية، ولتقديم محتوى افتراضي يسهل التعامل معه، بهدف وضعهم في بيئات افتراضيّة لشتى الحالات وجعلهم يمارسون تلكم البيئات كما لو كانت حقيقيّة دون الانتقال الماديّ لمعاينتها.

أدَّت التطورات الحديثة في تقنيات الواقع الافتراضي وغيره في المتسلسلة الافتراضية (continuum)، التي هي مدرج يُراوَح بين الواقع الافتراضي تماماً والواقع الحقيقي تماماً، ويشمل جميع الاختلافات والتركيبات الممكنة للأشياء الحقيقية والافتراضية، إلى تحسّن التفاعل بين الإنسان والآلة بإنشاء أنظمة “سيبرية – مادية”، وابتكار تطبيقات نافعة لاستدامة “الاقتصاد المعرفي”.

ويؤدي التفاعل التصوري بين الإنسان والآلة إلى فاعلية التدريب أثناء العمل والتعلّم الشامل، وانتشار الثقافة والفن، وجودة الرعاية الصحيّة، وذكاء “إنترنت الأشياء الصناعي” (IIoT) والصناعات، وازدهار التجارة والسياحة… إلخ. وعلى الرغم من أن هذه التقنيات لا تزال في مراحل الاعتماد الأولى، فيُتوقع تسبّبها في تصدّع (disruption) تقنيات الأعمال القائمة لتحل محلها.

وأدى ظهور تقنيّات الواقع الافتراضي والمعزَّز والمختلَط إلى تشكيل بيئة جديدة تدمج الكائنات المادية والافتراضية على مستويات مختلفة. ونظراً إلى تطور الأجهزة المحمولة والمُتضمَّنة (embodied)، مع الاتصالات التفاعلية المادية، فإن صورة تجربة العملاء تتطوّر إلى أنواع جديدة من التجارب المختلطة المتداخلة، التي تدمج المنظورات التقنيّة (المتضمَّنة) والنفسيّة (الوجودية) والسلوكيّة (التفاعليّة) لتوفّر تصنيفاً جديداً للتقنيّات الحاليّة والمحتملة التي قد تدعم تجارب العملاء في قطاعات الخدمات المختلفة.

وتتميز برامج التدريب القائمة على الواقع الافتراضي بتقليص الوقت %40 وبتحسّن أداء الموظفين %70 مقارنةً بالتدريب التقليدي، وتقليص تكاليف الانتقال وإبطاء إهلاك المرافق والمعدات. ويتّسم هذا التدريب بجعل السيناريوهات والمحاكاة المكلفة أو الصعبة أو المتعذّرة في متناول اليد. وبلغ رضا المشاركين في برنامج تدريبيّ افتراضي %30، مقارنةً بالأساليب الأخرى. وتفوق %70 من الموظفين الذين تدرّبوا بالواقع الافتراضي على المجموعات المدرَّبة بتقنيات أخرى. وتقوم “مايكروسوفت” بتطوير حلول تدريب باستخدام الواقع المختلَط في شركات الطيران لفرق المهندسين وطاقم مقصورة الطائرات. وتستخدم المطاعم الواقع المعزَّز لتدريب موظفيها بكفاءة وفاعليّة. وتجعل برامجُ التدريب بالواقع المعزَّز منحنى التعلم أسلس وأسرع. ومؤخراً، غيّرت “فيسبوك” اسمها واعتمدت اسم “ميتا فيرس” (metaverse)، أي ما بعد الكون، [ميتا، أي: ما بعد، وفيرس: من كلمة universe] تعبيراً عن التحوُّل من موقع “ويب” إلى إنترنت ثلاثي الأبعاد تفاعلي منغمس، أي “بيئة مادية-افتراضيّة” للتواصل الاجتماعي والتعلّم والتعاون؛ باستخدام أجهزة الواقع الافتراضي أو نظّارات الواقع المعزَّز أو تطبيقات الهواتف الذكيَّة، بدلاً من مجرد النظر السلبيّ.

ولصناعة السفر والسياحة أهميّة هائلة في الازدهار الاقتصاديّ والاجتماعيّ، فهي تنشئ فرص عمل وتوفر وظيفة فريدة للمرأة والأقليات والشبان أيضاً، وهي عنصر أساسي في إجماليّ الناتج المحليّ، تعتمد عليه الدول. وجاوزت فوائد السفر والسياحة إلى ما هو أبعد من آثارها المباشرة، من حيث الإسهام في [Answer Message (telecommunications) ANM] والتوظيف؛ مع مكاسب غير مباشرة للدول تنتشر عبر النظام البيئي والبشري بأكمله وسلسلة التوريد والروابط مع القطاعات الأخرى، بدعم تقنيّات الرقمنة (digitalizing)، وخصوصاً المتسلسلة الافتراضية.

وإذا نحّينا تأثير جائحة “كوفيد – 19” جانباً، نجد أن القدرة التنافسية لصناعة السفر والسياحة، في تحسّن ومستويات متصاعدة في جميع أنحاء العالم. وتُظهر تحسينات البنية التحتية للنقل الجوي زيادة ملحوظة في السعة وعدد شركات الطيران. ويتقدَّم الانفتاح الدوليّ باطّراد، بقيادة اقتصادات الدول ذات الدخل المنخفض. وتوطّد الاتصال الرقمي بتزايد عدد هواتف مستخدمي الهاتف المحمول (أكثر من سكان العالم)، والإنترنت (أكثر من نصفهم)، مما يعني استطاعة مزيد من الاقتصادات استثمار خدمات السياحة الرقمية. وقد يفوق الطلب المستقبلي على خدمات النقل، تحسينات البنية التحتية. وفيما تُعد المعاهدات البيئية العالمية وتعهُّد الدول الصناعية بانبعاثات خالية من الكربون علامات مشجعة لاستدامة نماء قطاع السفر والسياحة، إلا أن استمرار تغيّر المناخ ومستجدات الوباء قد يهدِّدان إنفاذ سياسات تعافي السفر والسياحة في المستقبل.

اقتصاد السفر والسياحة

على الصعيد العالمي، تواصل السياحة تَصَدُّر توقعات النماء العالمي على المدى الطويل، مع دخل كبير يبلغ 1.5 بليون دولار من السياح الدوليّين في 2019م. وكان قطاع السفر والسياحة أحد أكبر قطاعات الاقتصاد في العالم إذ شكّل %10.4 من مجمل الناتج المحلي العالمي (9.2 تريليونات دولار)، ويشغِّل %10.6 من جميع الوظائف (334 مليوناً)، وعُزي إليه استحداث 1 من كل 4 وظائف جديدة. وشكّل إنفاق الزوار الدوليّين %27.4 من صادرات الخدمات العالميّة (1.7 تريليون دولار). لكن نتيجة الوباء، تكبد القطاع خسائر بلغت نحو 4.5 تريليونات دولار، مع انخفاض إسهامه %49.1 في إجمالي الناتج المحلي، مقارنة بعام 2019م ليصل ناتجه المجمل إلى 4.7 تريليونات دولار؛ وانخفض إنفاق الزوار المحليّين %45 والدوليّين %69.4.

وقبل الوباء، كان قطاع السفر والسياحة أحد أكثر القطاعات تنوعاً بالوظائف على مستوى العالم أيضاً، فقد شغلت النساء %54 من وظائف السفر والسياحة (نحو ضعف عدد الوظائف النسائية في القطاعات الأخرى)، ونسبة شبان أعلى من %30 في كل من كندا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أي أكثر من ضعف النسبة في الاقتصاد الأوسع.

وتتصدر الولايات المتحدة العالم في صادرات السفر والسياحة الدولية وتحتل المرتبة الثالثة من حيث مجمل عدد الزيارات السياحيّة. ففي 2019م، حقق قطاع السفر والسياحة إجمالي ناتج محلي بنحو 1.9 تريليون دولار. وأسهمت صناعة السياحة بأكثر من 1.6 تريليون دولار في الناتج الاقتصادي عام 2017م، أي %2.8 من إجمالي الناتج المحلي، ودعمت السياحة أكثر من 16.5 مليون وظيفة (%10.5 من مجموع التوظيف). وشكّلت صادرات السياحة %11 من جميع الصادرات، ونحو %32 من صادرات الخدمات. وجاوزت نفقات الزوار الدوليّين 251 بليون دولار، مما أسفر عن فائض تجاري قيمته 77 بليون دولار. وستستقبل الولايات المتحدة 95.5 مليون زائر دولي سنوياً بحلول عام 2023م (أي ضعف ما كان عام 2000م). ولكن بتأثير الوباء، تكبّد قطاع السفر والسياحة خسارة 766 بليون دولار عام 2020م، وانخفاضاً %41 في مساهمة القطاع في إجمالي الناتج المحلي؛ وانخفضت وظائف السفر والسياحة %33.2 (%7.5 من إجمالي التوظيف).

وفي دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، يسهم قطاع السياحة إسهاماً مباشراً بنسبة %4.4 في إجمالي الناتج المحلي، و%6.9 من العمالة و%21.5 من صادرات الخدمات عام 2018م. وكل دولار يُنفقه السياح الدوليون في المتوسط يولد قيمة مضافة محلية تقدر بـ89 سنتاً، مقارنةً بـ81 سنتاً للصادرات الإجمالية . وتجاوز نماء السياحة المتوسط العالمي منذ 2014م، بعد مرحلة من النماء المُطّرد في السنوات الأخيرة. وبالنسبة إلى المستوى العالمي، يفد دول (OECD) أكثر من نصف السياحة (%56.9)، وهي تحقق %61.1 من الإيرادات. وبالإضافة إلى فوائد السياحة الدولية، تُشكّل السياحة الداخلية دعامة أساسية في معظم دول (OECD) المسؤولة عن %75 من الإنفاق السياحي، وكانت أزمة الوباء وراء تسريع تحوُّل صناعة السياحة بتغيير سلسلة القيمة والعلاقة مع المسافر، واستخدام الرقمنة عاملاً ميسّراً.

وستؤثر التطورات السريعة في الاقتصاد التشاركي (مع تمكينه بأنظمة الدفع عبر الهاتف المحمول، وتقنيات “بلوكتشين”، والذكاء الاصطناعي، والمتسلسلة الافتراضية) على مستقبل المنتجات والخدمات السياحيّة. ونجاح السياحة ببساطة ليس زيادة الوافدين والوظائف والدخل فقط، بل أيضاً استفادة المجتمعات المحليّة والصناعات الغذائيّة الصغيرة والمتوسطة بشكل متساوٍ. ومن أولويات سياسات سياحة المستقبل:
• الترويج للعقلية الرقمية وتحديث أطرها القانونية والتنظيمية.
• تعزيز قدرة شركات الرقمنة.
• تشجيع الاستيعاب والاستثمار في التقنيّات والمهارات الجديدة للتحوُّل الرقمي.
• التحوُّل إلى المقاصد السياحيّة الذكيّة.
• تعزيز نماذج السياحة وسلاسل القيمة والنظم البيئيّة المدعومة رقمياً.
• توسيع البنية التحتيّة الرقميّة وسهولة وصول المستهلكين إليها.

ولكن تواجه الحكومات حالياً قضايا مهمّة لتغيير ديناميّات صناعة السياحة وتوسّعها وتعافيها في المستقبل، مثل: نماء الطبقة الوسطى وتبنّي التقنية والتحوُّل الرقمي ونفاذ الشركات العملاقة في السوق. ويُشكل نماء الطبقة الوسطى وتبني التقنية عاملين رئيسين يجعلان مستقبل المشهد السياحي الرقمي المنشود فيه شك.

الواقع الافتراضي والمعزَّز والمختلَط والممتد

ما الواقع الافتراضي؟
لا يوجد تعريف متَّفَق عليه للواقع الافتراضي. لكن في سياق السياحة، يُوفر الواقع الافتراضي بيئة إشارات رقميّة للمستخدمين عن الواقع لتسهيل اتخاذ القرار، ولتقديم محتوى افتراضي سهل التعامل معه. والتصوُّر والغمر والتفاعل ثلاثة مكوّنات حيوية للواقع الافتراضي، بهدف وضع المستخدمين في بيئات افتراضية لشتى الحالات وجعلهم يمارسون تلكم البيئات كما لو كانت حقيقية دون الانتقال الماديّ لمعاينتها.

من أهم مخاوف الاستثمار في تقنية الواقع الافتراضي، عدم قيام سوق راسخة لتقنيّة الواقع الافتراضي وعدم اختبار التقنيّة وبطء تبني الشركات. 

وتتضمّن تقنيّات السياحة الافتراضية القدرة على التفاعل مع فيديو 360 درجة، أو مؤتمر عبر الهاتف، أو جولة فيديو، أو تجارب “جوجل للفنون والثقافة”. وتُتابع مستشعِرات أو كاميرات أجهزة الرأس حركة المستخدم بست درجات من الحرية وتنفذها حوسبياً في البيئة الافتراضية. وتَركّز معظم الإنفاق على الواقع الافتراضي في المجال الاستهلاكي، ومعظم الاستثمار التجاري كان في قطاعي التدريب والصيانة الصناعيّة.

ما الواقع المعزَّز؟
تبدو تقنيّتا الواقع الافتراضي والواقع المعزَّز متشابهتين، لكنهما مفهومان مختلفان تماماً موجودتان بطريقة أو بأخرى منذ سنوات.

ففيما يحل الواقع الافتراضي محل الواقع المادي، فإن الواقع المعزَّز يضيف إليه عناصر رقميّة باستخدام كاميرا الهاتف الذكيّ لتتبُّع البيئة المحيطة وتركيب معلومات عليها. وكلاهما تقنيتان قويتان لم تتركا بصمتيهما بالكامل مع المستهلكين إلى الآن، مع ذلك فهما يبثان كثيراً من الأمل في تبنّي قطاعات مختلفة في المستقبل، إذ اتضح نماء التقنيتين السنوي بوتيرة أسّية.

وتُتيح نظّارات الواقع المعزَّز، مثل “سنابشوت لينز”، و”النظارات الذكيّة اللاصقة” للمستخدم معرفة الواقع المادي معزَّزاً بمعلومات إضافية حول ما يراه، حتى بعد مضي سنوات، مثل الوقت أو الصور المجسَّمة العائمة (الهولوجرام، [وهو تطبيق ينشئ صورة افتراضية مجسَّمة]). وبالإضافة إلى الترجمة المباشرة، تُستخدم أجهزة الرأس في التعليم، والصحة، والصناعة؛ ولكن الواقع المعزَّز يقتصر الآن على الهواتف الذكية.

وتُحرِّر هذه التقنيّة حركة المستخدم أثناء عرض الصور المعزَّزة بالمعلومات. وتُتيح نظارات “هولولينز” [HoloLens، وهي تطبيقات ترفيهيّة لإجراء محادثة سمعية وبصرية] والنظارات الذكيّة الأخرى وضع تطبيقات عائمة وزخارف ثلاثية الأبعاد. وفيما يغطي الواقع الافتراضي مجال الرؤية بالكامل ويَحِلّ محلَّه، لا تظهر تطبيقات الواقع المعزَّز إلا على شاشة الهاتف الذكي أو الحاسب اللوحي، ويعرض الصور في منطقة محدودة مع “3 درجات من الحرية” فقط. وللمحافظة على مواضع ثابتة للصور الثلاثية الأبعاد أثناء تتبُّع موقع المستخدم، تتطلَّب تطبيقات الواقع المعزَّز “6 درجات حرية”. لهذا السبب، تستخدم “هولولينز” كاميرا مجسِّمة وميزة التعرف على الأنماط لتحديد مكانها؛ كما توظف الهواتف الذكيّة كاميرات خلفيّة متعدِّدة لتتبّع عمق المشهد.

ما الواقع المختلَط؟
يجمع الواقع المختلط [Mixed Reality] بين كل من الافتراضي والمعزَّز معاً لتتفاعل الكائنات الواقعيّة والرقميّة. وبدأت تقنية الواقع المختلّط في الظهور الآن مع نظارات “هولولينز”.

ما الواقع الممتد؟
يغطي الواقع الممتد [Extended Reality. XR] جميع التقنيّات التي تعزّز حواسّنا، سواءٌ أكانت غامرة أم كانت تقدّم معلومات إضافيّة عن الواقع الفعلي أو تنشئ عوالم محاكاة تصورية. ويتناول الواقع الممتد واجهة الشاشة بين “شخص – حاسب” ويُعدّلها، إما من طريق الغمر في البيئة الافتراضية، أو بإضافة معلومات للمستخدم (تعزيز)، أو بكليهما (مختلط).

وفي 2020م، كانت قيمة السوق العالمي للواقع الافتراضي 6.1 بليون دولار، وستنمو بنسبة سنوية %27.9، لتصل إلى 20.9 بليون دولار بحلول 2025م؛ وسينتشر في %43 من شركات التصنيع خلال السنوات الثلاث المقبلة. وفي 2022م، سينمو طلب أجهزته أكثر من 16 مرة مقارنة بعام 2018م. ويستخدمه الآن أكثر من 171 مليون شخص حول العالم، و%78 من الأمريكيّين.

أما الواقع المعزَّز، فجاوزت قيمة سوقه 15.3 بليون دولار في 2020م مع نماء سنوي بنسبة %38.1، لتصل القيمة إلى 77 بليون دولار بحلول 2025م. وفي 2020م بلغت قيمة سوق الواقعَين المعزَّز [والممتدّ؟] الافتراضي مجتمعين 12 بليون دولار، مع نماء سنوي نسبته %54، ليصل إلى 72.8 بليون دولار في 2024م. وكانت قيمة سوق الواقع المختلط 155.85 مليون دولار في 2020م، وستنمو إلى 3417.64 مليون دولار في 2029م بنسبة نماء سنوية تبلغ %53.9 خلال 2019 – 2029م. وبلغت قيمة سوق الواقع الممتد 27 بليون دولار عام 2018م؛ وستنمو القيمة إلى 393 بليون دولار بحلول 2025م بنسبة نماء سنوي مركب تبلغ %69.4.

تطبيق الواقع الافتراضي والواقع المعزَّز في السياحة
يواجه قطاع السفر والسياحة عدم الاستقرار والتغيّرات بسبب الوباء والاندماج الاقتصادي الدولي، وتغيّر سلوك المستهلك. وقد بادرت شركات السياحة إلى استثمار التقنيّات الرقميّة لزيادة فرص النجاح أو البقاء في السوق. وهكذا، استحدثت مبتكرات الرقمنة لمعاينة المقاصد والمنتجات السياحيّة افتراضياً واتخاذ قرارات الحجز الصائبة مسبقاً. وعادةً يُمعن مديرو تسويق السياحة النظر إلى الواقع الافتراضي على أنه أداة تسويق لجذب العملاء، ولدعم تخطيط السفر والحجوزات، ولتدريب موظفي الشركات على المنتجات وللإعلانات. وأهم مزايا الواقع الافتراضي قدرته على تزويد المسافرين تجربةً مباشرة غامرة تفاعليّة مسبقة حول الرحلة، وهذا أفضل من قراءة روايات السياح الآخرين أو مشاهدة الوسائط التقليدية.

ولكن مع انخفاض أسعار أجهزة الرأس للواقع الافتراضي، عادة ما تتدهور جودة الصورة. ومع ذلك يمكن ببساطة تجربة الجهاز باستخدام ورق مقَوّى وشاشة عرض مثبتة على الرأس، ودعم الجهاز بعدستين وتطبيق، أو نظارات مُثبتة على هاتف ذكي، أو حاسب لوحي دون أجهزة عرض. وتُعَد الفوائد المحتملة للواقع الافتراضي في التسويق السياحي، إلى جانب صناعة الألعاب، وهي من أهم مجالات استخدامه، ثم التعليم والطب. ولا يوفر الواقع الافتراضي مزايا التسويق السياحي فقط، بل أيضاً الترفيه أثناء السفر والتدريب والتعليم المتعلقين بالسياحة وزيارة المتاحف والأماكن الأثرية. وبجانب المجالات الأخرى، تحوّلت منصات التسويق السياحي من الكتيبات، إلى الصور، ثم الفيديو، والآن إلى الواقع الافتراضي والمعزَّز.

ومع ذلك، ليست الأجهزة وانتشارها العائق الرئيس الوحيد لمزيد من التبني، بل غالباً الافتقار إلى المحتوى المناسب.

ومن أهم مخاوف الاستثمار في تقنية الواقع الافتراضي، عدم قيام سوق راسخة لتقنيّة الواقع الافتراضي وعدم اختبار التقنيّة وبطء تبني الشركات.

ولكن ما زالت صناعة السياحة في مرحلة تجريبيّة مع أشكال بسيطة من التطبيقات الافتراضيّة لما هو ممكن تقنياً. وحديثاً، بيّنت نتائج مقابلات، تحسُّن الإقبال على الشراء ومعدَّلات دوران العملاء وتسريع اتخاذ القرار، المدعومين بتبني الواقع الافتراضي. ويُعزَى هذا إلى شعور المستهلك بالوجود وقبوله التقنية. وعلى الرغم من مزايا السياحة الافتراضية فإن لها عيوباً من ناحية أخرى.

أمثلة عملية للسياحة الافتراضيّة

“تي يو آي”
“تي يو آي” (Touristik Union International TUI، الاتحاد السياحي الدولي) المجموعة السياحيّة الأولى في العالم بحجم مبيعات 18.5 بليون يورو عام 2017م، ويشمل نشاطها تنظيم الرحلات والسفر، والطيران، والفنادق، والرحلات البحرية عبر الإنترنت. وتستخدم المجموعة جولات افتراضية منذ 2016م في مكاتب السفر وعبر مواقع شركات العلامات التجاريّة. وتُطبّق “تي يو آي” الواقع الافتراضي بصور ثابتة بزاوية 360 درجة، لتمكين العملاء من استكشاف الرحلات البحرية، والفنادق والمطاعم، والمنتجعات الصحيّة، وشواطئ الاصطياف، مصحوبة بالموسيقى. ويمكن للمستخدمين التنقل عبر البيئة الافتراضية بواسطة مؤشر في جهاز الرأس أو تبعاً لإيماءات رؤوسهم ليتحركوا افتراضياً في الاتجاه المراد. ويُستخدَم أيضاً الواقع الافتراضي لبيع تذاكر العروض المسرحيّة الشهيرة، ويُظهِر للناس أمكنة جلوسهم وتغييرها لرؤية أفضل. وحديثاً تختبر المجموعة استخدام نظارات الواقع المعزَّز المجسِّمة لتمكين السائحين من مشاهدة لمسة من الخيال العلمي المستقبلي في منتجع “مايوركا” الإسباني. وفي مجال الفن والثقافة، يمكن للمستخدمين معرفة مزيد عن الفنان الذي يشاهدون لوحاته ومعرفة تفاصيلها على نحو فرديّ.

“الديانا”
شركة “الديانا” (Aldiana) لقضاء العطلات رائدة في تقديم جولات افتراضية، عبر متصفِّحات الإنترنت وكذلك نظارات الواقع الافتراضيّ. وتُقدّم الجولات الافتراضيّة إلى شركة “الديانا” الوكالة نفسها “ديجيميديا” (Digimedia) التي تقدِّمها لمجموعة “تي يو آي” بالميزات نفسها، مثل محتوى 360 درجة لقطاعات الفنادق، والسياحة، والرحلات البحرية، ووكالات السفر، والقطاع الصناعي. لكن لا يمكن للشركة تتبُّع وتيرة استخدام زوّار الموقع للجولات الافتراضية، وما إذا كانوا قد حجزوا أم لا.

“بريتش كولومبيا”
تُعدُّ شركة “بريتش كولومبيا” رائدة في توظيف الواقع الافتراضي لتسويق المقاصد ومعرفتها قبل الذهاب، والجولات الافتراضية السياحيّة عبر الإنترنت والتجارب الثقافية؛ وقد استخدمته أداةً ترويجيّة منذ ديسمبر 2014م. وتشمل تجربة الواقع الافتراضيّ مقطع فيديو بزاوية رؤية 360 درجة في قارب افتراضي لغابة محمية على طول ساحل المحيط الهادئ في كولومبيا البريطانية؛ مع عنصر تفاعلي لخيارات، مثل لحظات مع الطبيعة في الجبال والغابات والتزلق. ولم يكن هدف الشركة من مشروع الواقع الافتراضي مخاطبة المستهلكين وإنشاء الحجوزات فقط، بل أيضاً جذب اهتمام وكالات السفر ومنظمي الرحلات لمعالجة الميزانيات التسويقية العالية التكلفة.

“نافيتير”
تقدِّم “نافيتير” (Naviter) حلولاً تقنية مبتكرة لقطاعي الخطوط الجوية والسكك الحديد منذ 1993م. وتتّخذ الشركة نهجاً مختلفاً لتطبيق تقنية الواقع الافتراضيّ، فتقدّم حلولاً وخدمات تقنيّة لمنظومة السفر بأكملها بما في ذلك الطيران، والمطارات، وتأجير السيارات، ومشغّلي الرحلات البحريّة، والعَبَّارات، والفنادق. وتساعد واجهات برمجة التطبيقات الرقمية في إنشاء تطبيقات للهاتف المحمول والويب قابلة للارتداء، لتقديم المنتجات المناسبة في الوقت المناسب عبر جميع قنوات البيع الذاتية المباشرة. واستحوذت الشركة على نظام حجز لشركات النقل المنخفض التكلفة لتطوير أنموذج أولي لكيفية البحث عن الرحلات الجوية وحجزها باستخدام الواقع الافتراضي. وبها، يشعر المستخدمون كما لو كانوا يقفون في غرفة في الهواء الطلق يرتدون ملابس إلكترونية وقفازات متّصلة. ومن خلال هذه القفازات، يمكنهم تحديد الكائنات واختيار التواريخ في ملف التقويم للشراء بالنقر على بطاقة افتراضية على ماسح ضوئيّ افتراضيّ. ومن الممكن أيضاً اختيار المقاعد وحجزها بواسطة إسقاط صورة رمزية تمثّل أحد الركاب في مقعد على خريطة ثلاثيّة الأبعاد. ويوفّر النظام أيضاً خيار حجز مقعد سيارة مستأجرة في تمثيلٍ رسوميٍ لسيارات مشهورة قبل الحجز مثل “أودي” أو “لامبورجيني”.

المصادر:

tuigroup.com
aldiana.com
diginetmedia.de
destinationbc.ca
navitaire.com


مقالات ذات صلة

ظهر مفهوم ريادة الأعمال الخضراء حديثاً، نتيجة لنمط الإنتاج والاستهلاك وطريقة الحياة التي فرضتها الثورات الصناعية المتعاقبة، التي أدَّت إلى تغيُّراتٍ جذرية على العصر الذي نعيش فيه، لم تكن موجودة عند انطلاق الثورة الصناعية وريادة الأعمال التقليدية، تمثَّلت في تغيُّر مناخي خطير يهدِّد الحياة على الكرة الأرضية، واستنفاد لمواردها الطبيعة، وغير ذلك من الآثار السلبية.وقد […]

يُشير الذكاء الاصطناعي إلى تقنيات تُحاكي ذكاء الدماغ البشري، وأي آلة تقوم بوظائف عقل الإنسان. وظهر المصطلح في عام 1956م، ثم تبعه مصطلح “تعلم آلة” بعده بثلاث سنوات. ولأهميته، فمن المتوقع أن يتضاعف الإنفاق العالمي على تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث سينمو من 50.1 بليون دولار في 2020م إلى أكثر من 110 بلايين دولار في 2024م. […]

أدى الطلب المتسارع والمتزامن على الأجهزة الرقمية وصناعة الطاقة الخضراء (مثل توربينات الرياح والألواح الشمسية والمركبات الكهربائية) إلى زيادة الطلب على المعادن بشكل يثير تساؤلاً حول استدامة التحوُّل إلى الطاقة الخضراء. فقبل الانتقال التام نحو تبنيها، لا بد من تحديد القيود التي قد تعوق الوصول إلى هذا الهدف، ومنها جملة القيود المتوقعة في سلسلة الإمداد بالمعادن […]


0 تعليقات على “السفر والسياحة الافتراضية”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *