في هذا الخريف، كما في خريف كل عام، توقف العالم عند محطة ثقافية تشده بأسره: إعلان أسماء الفائزين بجوائز نوبل..
وفي كل عام تتكرر على مسامعنا أولاً التوقعات وأسماء المرشحين المعقولين واللا معقولين، ومن ثم خيبة الأمل والتحليلات التي تتناول موضوعية هذه الجائزة أو عدم موضوعيتها. والغريب في الأمر أن الترقّب الإعلامي ينصبُّ في الدرجة الأولى على جائزة نوبل للآداب، ثم السلام (أي السياسة)، أما الجوائز العلمية للطب والفيزياء والكيمياء والاقتصاد، فلا يبدو أنها تثير انقساماً أو ضجيجاً على صعيد واسع.
والطعن بسلامة قرارات اللجنة المانحة لهذه الجوائز ليس حكراً علينا نحن العرب أو على مثقفي العالم الثالث «المفترى عليه» كما قد يتبادر إلى الذهن. ففي بريطانيا قام ضجيج في أواخر السبعينيات بسبب حرمان كبار أدبائها لفترة طويلة من هذه الجائزة. وفي بلادنا خفّ الغضب قليلاً بعد منح نجيب محفوظ جائزة نوبل للآداب سنة 1988م، غير أنها لم تبرد تماماً. فبسبب المهابة العالمية التي تتمتع به هذه الجائزة، صار منحها يشبه في بعض جوانبه بطولة «المونديال»، أي مناسبة تتحرك فيها المشاعر القومية في كل مكان متلطية بمقاييس النقد الأدبي، وتقويم الفائز مقارنة بالخائب.
قد يكون من الصعب تبرئة هذه الجائزة من مؤثرات العوامل السياسية، ولكن من التجني تصويرها وكأنها مجرد تأييد سياسي أو حملة دعائية لهذا التيار أو لتلك الثقافة. فالمقاييس الأكاديمية وآلية عمل لجنتها تكفل لها أقصى حدٍ ممكن من الجدية والاستقامة في التعامل مع المرشحين. ولكن طالما أن عليها في النهاية أن تختار واحداً من مجموعة مرشحين ينتمون فعلاً إلى النخبة، فمن الممكن هنا، وهنا فقط، أن يتسلل المؤثر السياسي إلى القرار. مع الإشارة إلى أننا لا نعرف مرة واحدة وصل فيها العامل السياسي إلى حد رمي الجائزة كيفما اتفق على أي كان.
بعبارة أخرى، يمكن القول أن جائزة نوبل هي تقدير أكاديمي يصل إلى حد القرار الذي لا يُنقض بعالمية صاحب الجائزة، ومن جهة ثانية فهي لا تخلو من ومضات سياسية يتفق معها البعض أو يختلف. ولكن ذلك لا ينتقص من مكانتها في شيء، بل ربما كان العكس صحيحاً.
ففي كل بلد هناك أدباء «مرشحون» دائماً لجائزة نوبل. منهم من لم يتمكن حتى من انتزاع اعتراف بني قومه بقيمة إنتاجه وينتظر الجائزة لفرضها عليهم، فيستنفر المريدين والأصدقاء لترويج الشائعات الموسمية.. ومنهم الكبار الذين يستحقون فعلاً هذه الجائزة، ولكنها لم تصلهم لسبب من الأسباب، أو تأخرت في الوصول إليهم، كما هو حال الروائي الكولومبي غابريال غارسيا ماركيز، الذي قال فور تلقيه نبأ فوزه بجائزة نوبل لعام 1982م: «أنا سعيد للغاية، لأني لم أعد مرشحاً لجائزة نوبل».