لا ريب أن القارئ قد اعتاد أن يسمع من وقت لآخر عن جماعات أو أفراد يخرجون على الناس بتوقعات عن انتهاء العالم، ويحددون لذلك تواريخ دقيقة، استناداً إلى بعض الحسابات والظواهر. وقد يميل البعض إلى إعارة هذه التنبؤات بعض الاهتمام، ولكن الأغلبية العظمى لا تأخذها على محمل الجد وتعتبر الموضوع ضرباَ من التسلية. ولكن عندما يكون المشكك في استمرار الإنسانية بعد القرن الحالي هو مارتن ريس، أستاذ البحث في جامعة كامبردج البريطانية، والرائد البارز في علوم الكون والفضاء، والرئيس السابق للجمعية البريطانية لتقدم العلم فقد يتطلب الأمر إعادة النظر.
مما لا شك فيه أن العلم قد تقدم بشكل هائل في القرن العشرين وفي كافة المجالات. ومما لا شك فيه أيضاً أن هذا التقدم سيستمر في القرن الحالي وسيكون مذهلاً نظراً لتطور التكنولوجيا، ووسائل البحث العلمي. ولكن للتقدم العلمي جوانب مظلمة قد لا يعرفها غير الباحثين والمقربين من أصحاب القرار.
فعلى امتداد التاريخ كان سقوط ضحايا الجنس البشري – وغير البشري – نتيجة للكوارث الطبيعية الخارجة عن تحكم الإنسان، مثل الزلازل والأعاصير والبراكين والفيضانات والأوبئة… ولكن المعادلة انقلبت مع التقدم العلمي الذي تحقق في القرن العشرين. فالكوارث التي حلّت في ذلك القرن كانت وراءها أيدٍ بشرية. إذ تدل الإحصاءات على أن الحروب وما رافقها من تداعيات، تمثلت بالمجازر والاضطهاد والتعذيب وحتى المجاعات قد حصدت أرواح 187 مليوناً من البشر، من دون أي عامل من العوامل الطبيعية. هذا عدا الخراب البيئي الذي ما زالت آثاره ممتدة في مناطق كثيرة من العالم.
وخلال القرن العشرين أيضاً، وقف العالم أكثر من مرة على حافة الحرب النووية، كان أخطرها أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962م. لذلك، قد لا يكون من المبالغة القول بأن البشرية كانت بالفعل على جانب كبير من الحظ؛ لأن تنفد بجلدها من مخاطر القرن العشرين وتحيا لتشهد قرناً جديداً.
ولكن هل سيحالف الحظ البشرية مرة أخرى لتعبر قرناً آخر أم يكون القرن الواحد والعشرين قرننا الأخير ونهاية المطاف؟
هذا هو السؤال الذي يحاول الكاتب الإجابة عنه، والذي استمد منه عنوان كتابه، فبالإضافة إلى الأخطار الطبيعية التي كانت وما زالت قائمة، فإن الأخطار الجديدة والحقيقية في القرن الحالي ستكون ناشئة عن اجتماع الجوانب المظلمة للتقدم العلمي وانتشار المعرفة العلمية على نحو واسع والوضع الدولي غير المستقر. فهناك أنواع من الاختبارات يشرحها المؤلف تحمل في طياتها أخطاراً قد تؤدي إلى كوارث ضخمة في حال فقدان السيطرة عليها. ويراهن الكاتب على أنه قبل العام 2020م سيحدث خطأ من هذا النوع يؤدي إلى وفاة مليون إنسان. هناك أيضاً موضوع التلاعب بتكوين الجينات ومحاولة إيجاد مخلوقات فائقة الذكاء لا هي بالآلة ولا هي بالإنسان والتي قد تخرج تماماً عن حدود السيطرة.
ولا ينسى المؤلف طبعاً أن يعرج على موضوع الإرهاب وامتلاك أفراد قلائل لتكنولوجيا متقدمة خاصة في المجالات النووية والبيولوجية مما يمكنهم بالتالي من القيام بأعمال إرهابية على مستوى واسع جداً وكارثي. ولا يغفل المؤلف عن تذكيرنا بأن مشكلة الاحتباس الحراري ما زالت قائمة وأن ارتفاعاً عاماً في مستوى الحرارة لخمس درجات مئوية سيؤدي إلى عواصف وفيضانات وارتفاع مستوى البحار والمحيطات وفوضى شاملة في تحركات المجموعات البشرية. الخلاصة أن البشرية في القرن الحادي والعشرين ستكون مهددة أكثر من أي وقت مضى.
على أن ريس يطرح في النهاية سؤالاً شبه فلسفي: وماذا يهم؟ هل يتغير هذا الكون الشاسع بأي شكل أو يتأثر باختفاء كوكب صغير ضئيل مثل الأرض، وهل نشكل شيئاً مهماً ومتميزاً فيه يهمنا المحافظة عليه بشتى السبل؟
إن تطور الحياة على الأرض استغرق بلايين السنين لتصل إلى ما هي عليه اليوم، وفي هذه الحالة فإن نهاية الحياة على الأرض ستعني فقدان شيء نادر جداً على مستوى الكون وليس مجرد خسارة ثانوية. وعلى الرغم من مسحة الكتاب التشاؤمية فإن رايس يذكر حرص الإنسان البالغ وقلقه على استمرار الحياة، ولعل هذا الحرص هو ما سينقذه من حافة الهاوية، كما يأمل الكاتب أن تكون توقعاته التشاؤمية خاطئة.