إذا تصفحتَ الإنترنت واخترت عنواناً لبحثك: «10 أشياء ستختفي من حياتنا قريباً»، فستحصل على إجابات عديدة تحمل هذا العنوان نفسه، فإذا فتحت الإجابات واحدة بعد الأخرى، فستجد أنها متشابهة في المضمون، مع اختلاف بسيط في بعض الأحيان. لكنها جميعاً تشير إلى 10 أشياء ستختفي من حياة الأمريكيين والإنجليز، ولا تتناول في الإجمال حياة الشعوب الأخرى. ومطالعة خلاصة موجزة لهذه الإجابات أمر مفيد؛ لأن كثيراً من المضمون ينطبق على ما يمكن توقعه في بلادنا. فما هي الأمور العشرة التي يتوقع اختفاؤها قريباً من حياتنا؟ إليكم الحصيلة، مع بعض التصرف:
مكتب البريد
استعد لترى قريباً عالماً ليست فيه مكاتب بريد. فمكاتب البريد اليوم شبه عاطلة من العمل، وهي تعاني أزمة مالية حادة، قد لا تسمح بإبقائها تعمل في حال الاستنزاف المالي غير المفيد. فرسائل البريد الإلكتروني، وشركات الشحن السريع، ووسائل نقل الوثائق والملفات بالطرق الإلكترونية، باتت تُغني البشر عن معظم المهام التي كان يقوم بها البريد العادي. وبذلك انقطع مصدر الدخل الذي كان يجعل مكاتب البريد مشروعاً يمكن أن يسدد تكلفته على الأقل.
الشيك
بدأت المملكة المتحدة منذ مدة تُعد النظم المالية والنقدية والإدارية اللازمة للاستغناء عن نظام الدفع بالشيكات في سنة 2018م. فالتعامل بالشيكات يكلّف النظام المالي في المملكة المتحدة مليارات الدولارات في كل سنة. وسيؤدّي انتشار استخدام الدفع بالبطاقات الممغنطة، أو عبر الشبكة الدولية «الإنترنت»، إلى احتمال انحسار استخدام الشيكات في التعامل المالي. وهذا يسهم كذلك في اختفاء مكاتب البريد. فإذا لم تدفع يوماً ما يترتب عليك من دفعات، بواسطة حوالة بريدية، ولم تتلقَّ أي مبلغ بهذه الحوالات، وإذا صارت بطاقتك الممغنطة أو تحويلك بالإنترنت، هي البديل الذي تستخدمه، فما هي الحاجة إلى الشيكات إذن؟
الصحيفة
الجيل الجديد، ببساطة، لا يقرأ الصحف. فهو يتلقف الأخبار من هاتفه الذكي، أو من التلفزة عندما يرغب في ذلك. والجيل الجديد لا يشترك حتماً في الطبعات الورقية التي تُصدرها الصحف. وهذا ما يذكرنا بمصير بائعي الحليب، أو موظفي المصبغة، الذين كانوا يجولون على البيوت لأداء عملهم. موزّع الصحف مصيره مشابه. أما قراءة الصحيفة في موقعها على شبكة الإنترنت، فلا مفر من أن نستعد ليوم قريب، سندفع فيه بدلاً مالياً لقراءة الصحيفة. لقد أدت سرعة انتشار القراءة على الإنترنت، ووسائل القراءة الإلكترونية الأخرى، إلى قيام حلف بين ناشري الصحف والمجلات. وقد قابلوا المسؤولين في شركات «أبل» و«أمازون» وشركات الهواتف الخلوية الكبرى، من أجل طلب تطوير نظام خدمات قراءة إلكترونية مدفوعة الثمن.
الكتاب
تقول إنك لن تتوقف يوماً، مهما حدث، عن اقتناء كتاب الورق الملموس، الذي تحمله بيديك، وتقلِّب صفحاته صفحة صفحة. لقد قيل الشيء نفسه في اقتناء الأغنيات والموسيقى. ورفض كثيرٌ التخلي عن القرص المدمّج «السي دي». لكن كثيراً أيضاً سرعان ما بدّلوا رأيهم، حين اكتشفوا أنهم يستطيعون الحصول على «ألبومات» موسيقية بنصف الثمن، من دون حتى تجشُّم عناء مغادرة المنزل من أجل ذلك. الشيء نفسه سيحصل للكتاب. إذ يمكنك الآن أن تتصفح موجودات المكتبات على الإنترنت، بل يمكنك أن تقرأ عرضاً موجزاً لمضمون الكتاب قبل أن تشتريه. وأما السعر فهو أقل من نصف سعر الكتاب الورقي الذي تشتريه. ولا تنسَ السهولة العملية التي تتاح لك حينئذٍ. فمجرد أن تلمس الشاشة، تستطيع أن تقلب الصفحة، وتغوص في القصة، حتى لتكاد تتشوّق إلى معرفة خاتمة الرواية، وكأنك تقلب كتاباً حقيقياً. وستنسى أن الذي أمامك ليس كتاباً… من ورق.
الهاتف الثابت
إذا لم تكن عائلتك كبيرة، وكنت لا تُكثِر من اتصالاتك المحلية بالهاتف، فإنك لست بحاجة بعد الآن إلى الهاتف الثابت. معظم الناس يحتفظون بخط هاتفي أرضي ثابت لأنهم امتلكوا على الدوام خطاً ثابتاً ليس أكثر. لكنك تدفع مالاً مضاعفاً من أجل هذه الخدمة غير الضرورية. وجميع شركات الهاتف الخلوي تتيح لك الاتصال بجميع زبائنها عن طريق مزوّد الخدمة الخلوية نفسه، دون أن تدفع مالاً بدل دقائق المكالمات.
الموسيقى
هذه واحدة من أكثر قصص التغيير مدعاة للحزن. فصناعة الموسيقى تموت موتاً بطيئاً. وليس السبب الوحيد هو التنزيل غير المشروع. بل السبب الأول هو انعدام الموسيقى الجديدة الخلَّاقة، وعدم إتاحة فرصة لهذه الموسيقى إذا وُجدت، كي تصل إلى الناس الذين يودون سماعها. الطمع والفساد هما المشكلة. شركات الأسطوانات وشبكات الراديو تمارس ببساطة التدمير الذاتي. فأكثر من %40 من الموسيقى التي تُباع اليوم، هي موسيقى «من الكاتالوج»، أي موسيقى معروفة لفنانين معروفين ومشهورين. ويصحّ هذا القول أيضاً في الموسيقى الحية التي تقدَّم في حفلات خاصة. لتعرف مزيداً عن هذه المشكلة، المثيرة للقلق، راجع الكتاب «نهم التدمير الذاتي» (Appetite for Self-Destruction)، لستيف كنوبر (Steve Knopper)، والشريط التوثيقي: «قبل أن تموت الموسيقى» (Before the Music Dies).
… والانتحال أيضاً قد يختفي!
أحد المواقع التي ذكرت الأشياء العشرة التي ستختفي قريباً من حياتنا، ذكر شيئاً آخر، توقّع أن يختفي أيضاً: الانتحال.
والانتحال (Plagiarism)، هو نقل نص من مقالة أو كتاب، والادعاء أنه من بنات أفكارنا، وإغفال ذكر مصدره.
يقول الموقع إن الإنترنت، وهو من المصادر التي سهّلت كثيراً أعمال الانتحال، بتسهيل نقل النصوص، بكبسة زرّين (Copy-Paste)، يمكنه قريباً أن يعالج هذه الآفة، إذا تمكن المبرمجون من وضع نظام إلكتروني، يتعرّف على النصوص الأصلية، ويكتشف المقاطع أو الجمل المنقولة حرفياً عنها، فيكون تطابق جملة من سبع كلمات مثلاً، أمراً مقبولاً، أما إذا زادت الكلمات المطابقة تماماً للنص الأصلي على هذا العدد، أشير إلى الانتحال «بالجرم المشهود».
المهمة تبدو صعبة… لكن كم من الأمور التي بدت صعبة، تمكّنت العلوم الرقمية من تذليلها؟
مداخيل التلفزة
تشهد شبكات التلفزة انخفاضاً حاداً في مداخيلها. وليس السبب هو الحال الاقتصادية وحدها. فالناس باتوا يشاهدون التلفزة والأفلام من حواسيبهم. وهم يمارسون الألعاب الإلكترونية ويقومون بكثير من الأمور بواسطة الأجهزة الإلكترونية، ويُنفقون في هذا المجال الوقت الذي كانوا يُمضونه في مشاهدة التلفزة. وقد انحدرت حال العروض التلفزيونية الممتازة «برايم تايم شو» إلى أدنى مكانة بين البرامج العامة. وفي المقابل، تزداد أسعار الاشتراك بالكيبل ازدياداً صاروخياً، والإعلانات تُبث كل 4 دقائق ونصف الدقيقة، في المعدّل. ولا أسف لو اختفى معظمها. وليخترِ الناس ما يريدون أن يشاهدوه على الإنترنت، بواسطة «نتفلكس».
«أشياء» نملكها
كثير من الأشياء التي نملكها اليوم، قد لا نملكها في المستقبل القريب. ففي الإمكان أن نخزنها في «الغيمة» (The Cloud). اليوم لديك حاسوب، ومخزن «هارد دسك» تحفظ عليه صورك وموسيقاك وأفلامك ووثائقك. أما البرامج الإلكترونية فتحتفظ بها على أقراص مدمجة، أو «دي في دي». ويمكنك إعادة تنزيلها كلما أردت. لكن كل هذا يتبدّل الآن. فشركات «أبل» و«مايكروسوفت» و«غوغل» تضع اللمسات الأخيرة اليوم، على آخر «خدمات كلاود». وهذا يعني أنك حين تشغّل حاسوبك، يكون الإنترنت ضمن نظام التشغيل. وبذلك تكون «وندوز» و«غوغل» و«ماك أوس» متصلة مباشرة بالإنترنت. فإذا ضغطت على أيقونة، فإنك تفتح نافذة ما من «غيمة الإنترنت» (Internet Cloud). فإذا حفظت شيئاً، فسيكون محفوظاً في «الغيمة». ويمكنك أن تدفع مبلغاً شهرياً لمزوّد «الغيمة»، وفي هذا العالم الافتراضي، سيمكنك تناول موسيقاك أو كتبك، أو أي شيء من أي لاب توب أو جهاز إلكتروني يدوي. هذا هو النبأ السار، ولكن هل ستملك في الواقع شيئاً من هذه «المواد»، أم أنها يمكن أن تختفي فجأة في أي حادثة كبيرة؟ هل سيكون معظم ما نمتلك في حياتنا الخاصة متاحاً للاستعمال والنزوات؟ إن هذه الفكرة تدفعك إلى المسارعة إلى خزانتك، لتُخرج منها ألبوم صورك، أو تتناول كتاباً من على الرف، أو تفتح علبة الأقراص المدمجة، وتسحب محتواها.
الكتابة المتصلة
في الكتابة باليد عند الأوروبيين والأمريكيين، وكل اللغات التي تُكتب بالحروف اللاتينية، نوعان من الكتابة، واحد تتصل فيه الحروف المكتوبة، والآخر تكون فيه الحروف منفصلة، مثلما هي في طباعة الكمبيوتر. الكتابة المتصلة اختفت من كثير من المدارس، التي لم تعد تعلّم الأطفال الكتابة باليد، وتكتفي بالكتابة بالكمبيوتر. وقد أثبتت الأبحاث أن هذا خطر لأن عدم الكتابة باليد يُضعِف القدرة على القراءة. ومع ذلك فالكتابة بالحروف المنفصلة لا تتضمن هذا الخطر، طالما كنَّا نعلِّم أطفالنا الكتابة باليد.
الحياة الشخصية
إذا كان لنا أن ننظر بحنين إلى شيء ما، بعد كل هذا التغيّر الذي حدث ويحدث وسيحدث، فهو الخصوصية، التي تسمّى بالإنجليزية: Privacy.
لقد انتهت! ففي كل الشوارع عدسات تصوّر كل ما يجري، وثمة عدسات في معظم المباني، وحتى في الكمبيوتر والهواتف الخلوية. ويمكنك أن تكون على يقين، من أن هناك أناساً يشاهدونك 24 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع، ويعرفون من أنت، وأين أنت، ويلاحقونك في سيارتك، بنظام GPS، ونظام «غوغل»: Google Street View. يعرفون عادات الشراء لديك، وقد يكون ذلك مفيداً لهم في التأثير عليك لتغيير عاداتك هذه، وسيدفعونك لشراء هذه السلع أو تلك، بلا كلل أو ملل.
وبعد، ما الذي سيصيبنا من كل هذا التغيّر، ومتى، وكيف؟
انظر: Ten Things That Will Disappear In Our Lifetime