ديوان اليوم

من صور الماء في الشعر

  • 74a

أعز مفقود وأهون موجود ، هذا ما يقوله أشهر تعريف بالماء، هذا السائل العجيب الجميل الذي لا حياة من دونه، والحاضر دوماً حيثما عاش إنسان أو حيوان أو نبات. الشاعر والأديب السعودي محمد الجلواح اختار التجوال بنا في ديوان الأمس على عدد من صور الماء عند الشعراء العرب قديماً وحتى بدايات القرن العشرين.
كثيرة هي الأبيات الشعرية الواردة في التراث العربي التي تناولت الماء عبر مدلولات متباينة ومؤتلفة.. هاكم هذه الباقة المُخـتارة من الأبيات المائية المشهورة..

– 1 –
أُقَسِّـمُ جسمي في جسوم كثيرة
وأحسو قراح الماء، والماء باردُ
لقد عبَّر شاعر الصعاليك عروة بن الورد (67 – 30 ق.هـ/ 560 – 593م) في هذا البيت أحسن تعبير عن حال الإنسان المعاصر الذي يكون منشغلاً بعدد من الأعمال في وقت واحد.. والقراح في اللغة: الماء الصافي.

– 2 –
والهجر أقتَل لي مما أراقبه
أنا الغريق فما خوفي من البلل!
هذا البيت لشاعر العربية الأكبر أبي الطيب المتنبي (303 – 354هــ / 915 – 965م)، وبلغتنا المعاصرة يتمثل به الشخص حين يكون غارقاً في أمر ما، فيخيل له أنه يخاف من جانب معين مما هو فيه فيقول هذا البيت أو كما نقول في الخليج (أنا بايع ومخلص)، أو ما يقترب من ذلك.

– 3 –
يقول الحسين بن منصور الحلاج (244 – 309هـ /
858 – 922م):
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له
إياك إياك أن تبتل بالماء..
أي عذاب هذا؟ وأي امتحان؟ وأي عقاب، ومن بوسعه، عاقلاً كان أم مجنوناً، أن يهرب من البلل في وسط الماء؟ إنها أبعد من أن يضع أحدهم طعاماً لجائع ويمنعه منه، أو يسلب حرية من إنسان هي مخلوقة معه.

– 4 –
قالـــت الضفدع قولا رددتـه الحكماء
في فـــمي مــــــاء وهل ينطق من في فيه ماء؟
هذان البيتان في غاية الحكمة للتعبير عمَّن لا يستطيع أن يقول ما في نفسه لسبب ما.

– 5 –
ترجو النجاة ولم تسلكْ مسالكها
إن السفينة لا تَجْري على اليَبَس
هذا البيت/الحكمة.. منسوب للإمام علي بن أبي طالب، كرَّم الله وجهه، ومنسوب للشاعر الكبير أبي العتاهية أيضاً، وقد ذهب عجز البيت مثلاً يردده الناس ويتمثلون به لواقعيته وبساطته، وهو يشير إلى أن الإنسان لا يمكنه الحصول على ما يريد من دون أن يهيئ الظروف المحيطة لذلك الشيء المراد.

– 6 –
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
أجزم أن الكثير يعرف قائل هذا البيت الذي وظَّف المصدر الأكبر للماء وهو البحر، ليكون اللغة العربية. رحم الله الشاعر الكبير حافظ إبراهيم (1288 – 1351هـ / 1871 – 1932م).

– 7 –
إذا قَلَّ ماء الوجه قَـلَّ حياؤه
ولا خير في وجه إذا قل ماؤه
رحم الله العبد الصالح / صالح بن عبدالقدوس (96 – 160هـ / 712 – 776م)، والناس لا تزال تستخدم هذا البيت الجميل، بل انك تجد من يتمثل به أو يقول باللهجة الشعبية (ليش أريق ماي وجهي على شي ما يسوى). أي أن لماء الوجه رمز خاص مرتبطاً بالحياء والكرامة.

– 8 –
كأننا والماء من حولنا
قوم جلوس حولهم ماء
هذا البيت مجهول القائل، هو تهكم شعري مائي. أي لا جديد في التعبير أو العمل، أو الصورة. وفوراً يقفز البيت الآخر المشابه له في التوظيف المعنوي، والطريف أيضاً. وهو للشاعر المعروف ابن الرومي (221 – 283هـ / 836 – 896م):

– 9 –
أقام يجهد أياماً قريحته
وفسَّر الماء بعد الجهد… بالماء!
والبيت لا يحتاج لتعقيب أو شرح.

– 10 –
إلى الماء يسعى من يغص بلقمة
إلى أين يسعى من يغص بماء؟

وقد يقال، ويكتب هكذا:
من غص بالزاد ساغ الماء غصته
فكيف يصنع من قد غص بالماء
لكن البيت الأول.. أشهر، وأقرب للقلب والأذن والمعنى. وهذا أيضاً لا حاجة لشرحه.

– 11 –
أدبٌ كمثل الماء لو أفرغـتَهُ
يوماً لسال كما يسيل الماء
هذا البيت الجميل للشاعر الأديب أحمد بن عبد ربه الأندلسي صاحب كتاب العقد الفريد (246 – 328هـ/ 860 – 939م)، وهو يحمل معنيين ما زالا يضجان حيوية وواقعاً حتى اللحظة. المعنى الأول أن الممدوح بهذا البيت له أدب سيال كالماء لا يصعب عليه قلم، ولا تعيقه عبارة ولا يتوقف عند معنى عويص فهو كثير الإنتاج، غزير الأدب والمعرفة والثقافة، وفي الوقت نفسه، أدبه نافع وحيوي للناس كالماء. والمعنى الآخر عكسه تماماً. أي أن الأدب السائر والمنتشر بين الناس ليس له ذلك العمق أو الطعم أو اللون أو الرائحة فهو من سهولة تناوله كالماء المبذول لكل الناس، فيما الأدب الحقيقي الإبداعي يجب أن يكون عزيزاً غير مبتذل.

– 12 –
يقول شاعر الجمال والتفاؤل إيليا أبو ماضي (1306 – 1377هـ / 1889 – 1957م) في إحدى روائعه:
والماء حولك فضة رقراقة
والشمس فوقك عسجد يتضرم
هذا بيت من قصيدته الشهيرة: كم تشتكي وتقول إنك معدم والأرض ملكك والسما والأنجم.

أضف تعليق

التعليقات