ملف العدد

الكرة الجميلة

  • 87a
  • 88a
  • 89a
  • 89b
  • 90a
  • 90b
  • 91a
  • 91b
  • 91c
  • 91d
  • 92a
  • 93a
  • 93b
  • 93c
  • 93e
  • 94a
  • 94b
  • 94c
  • 97a
  • 98a
  • 98b
  • 99a
  • 99b
  • 99d
  • 99e
  • 99f
  • 99g
  • 100a
  • 101a
  • 101b
  • cf1
  • cf2
  • cf3
  • cf4
  • cf5
  • cf6
  • cf7
  • cf8
  • cv
  • cv3

كانت الأرض صغيرة،
زرقاء زرقة فاتحة،
ووحيدة على نحو مؤثر،
وطننا الذي يجب أن نحميه
مثل تحفة مقدسة.
كانت مستديرة استدارة تامة.
أظن أنني لم أفهم يوماً
كلمة مستدير،
حتى شاهدت الأرض من الفضاء.

شاءت الصدف أن يُعدّ فريق القافلة هذا الملف للنشر في الذكرى الخمسين لانطلاقة أول مركبة تحمل قمراً صناعياً للفضاء الخارجي. وهذا الحدث الذي أطلق بدوره سباق ارتياد الفضاء بين الدول الكبرى، أطلق أيضاً أحلاماً لا حصر لها حول مستقبلٍ يغادر الإنسان فيه كوكبنا هذا وتقام مستعمرات بشرية في كواكب أخرى.
إلا أن شيئاً من هذا لم يحدث، وعادت الأنظار ومنها أنظار روَّاد الفضاء تحيط كرتنا الصغيرة التي نكرِّس لها هذا الملف فيما يزداد القلق حول مصيرها وسلامة بيئتها، دون أن يتوقف البحث عن كواكب بديلة في مكان ما من الفضاء الفسيح.

الأرض
كرة أم قرص مسطح؟
كيف ظنوها في الزمان الغابر؟
الأرض البسيطة!
نسأل: هل انبسطت الأرض؟
الجواب: لا. إن الأرض ما انبسطت، لكنها بسيطة لكل من سار ويسير
وسوف يسير عليها…
إنها بنظر كل عالم أرض مكورة، لكن تكوّرها لا يحسه السائر عليها أبداً…
كيف تخيّل الإنسان صورة هذه الأرض التي أمضى عليها القرون الطوال؟
الأرض عند البابليين
خال البابليون الأرض قرصاً مفرطحاً منبسطاً طافياً فوق الماء. وأحاط الماء القرص الأرضي، فتلك هي البحار. ومن وراء البحار قامت جبال تحمل قبة السماء هذه من أطرافها. ونجوم السماء كيف تظهر وتختفي إذن؟ إنها تدخل من ثقوب في القبة السماوية، ومنها تخرج. وخارج القبة السماوية كان ماء، ودليله المطر الهابط من السماء.

وبمثل هذا الرأي أخذت شعوب تلك الأعصر. وقد رصد البابليون الشمس والكواكب والنجوم في حركتها رصداً مرضياً، لكنهم لم يذكروا سبب تحرك هذه النجوم. ورأوا حول القمر شيئاً كالضباب فسموه الهالة. وكانت عندهم هالة حول القمر نفسه، فهي ظاهرة سماء، ونحن اليوم نعلم أنها ظاهرة جو أرضي. والمذنّب، رأسه وذيله، ظنوه ظاهرة جو. وهكذا خالوا الشهب، ونحن نعلم اليوم أنهما آتيان من الفضاء، فيما وراء الجو الأرضي.

… وعند قدماء المصريين
لم تختلف الأرض عند قدماء المصريين في البدء كثيراً عما كانت عند البابليين، وكان بينهم تجارة واتصال. ذلك على الرغم من سبق المصريين في الصناعة والفن والهندسة والحساب. وقد خال المصريون الأرض قرصاً بيضوياً مبسوطاً، ومن فوقه قبة حملت الشمس والقمر والنجوم، وزركشوا هذا الخيال بأن أدخلوا إلى الصورة شيئاً من عقائدهم الدينية، وصوراً سماوية وأرضية. ففسَّروا بها القوة التي تحمل السماء، والقدرة التي تثبت الأرض.

لكن الفراعنة اكتشفوا فيما بعد أن الأرض كروية، حين قاسوا المسافة بين أسوان والإسكندرية، وحسبوا قطر الأرض بدقة تثير الإعجاب. وقد عرفوا أن السنة الشمسية 365 يوماً، وقسموها اثني عشر شهراً، كل شهر 30 يوماً، وزادوا خمسة أيام يستتم بها العام. وأدركوا كذلك أن العام لا يكتمل بغروب النجم سوثيس إلا إذا أضافوا إلى 365 يوماً ربع يوم. وفوق ذلك أيقنوا أن دورة الفلك لا تعاود سيرتها الأولى، فتطلع النجوم ساعة أن كانت تطلع، وتغرب ساعة أن كانت تغرب، إلا بعد دورة كاملة تستغرق 1460 عاماً. وسموها الدورة السوثيسية، أي التي في آخرها يغرب النجم سوثيس في الوقت نفسه الذي كان يغرب فيه في أول الدورة.

.. وعند اليونان
بدأ اليونان، في العهد الهومري (Homer) نحو القرن التاسع قبل الميلاد، يتصوّرون الأرض والكون كما تصورهما المصريون والبابليون أولاً قبل خمسة آلاف سنة، قرصاً استقر فوق ماء، ومن فوقه قبة السماء. ولكن، كان من عُمُد الجمال عند اليونان تماثل الأشكال، والكون لا بد جميل، ولذا تراءى لهم أن مثل القبة فوق قرص الأرض، فلا بد من قبة تحتها مثل الأولى تماماً، وإليها تذهب أرواح البشر عند الموت. وعلى هذا النحو، بدأت فكرة الأرض التي تتوسط كوناً مكوّراً، هي مركز الكرة منه.

وجاء فيلسوفهم الأول طاليس (Thales) وتبعه الفيلسوف أناكسيمندر (Anaximander) فلم يغيرا هذه الصورة كثيراً: أرض مبسوطة كالقرص، من فوقها قبة، ومن تحتها قبة. وكان الفيلسوف فيثاغورس (Pythagoras) في القرن السادس قبل الميلاد، أول من قال في اليونان، إن الأرض نفسها كرة. وكان هذا على الأرجح تلبية للحاجة إلى رؤية جميلة للكون، فكون مكوّر يستدعي أن تكون في وسطه أرض مكورة. وهي كرة ثابتة حولها تتحرك الأجرام جميعاً. وقد تسربت فكرة كروية الأرض إلى اليونان من الفراعنة، مثلما يؤكد العالِمْ الفرنسي غيوم أندريه فيوتو. إذ قال أراستوثينيس في سنة 240 قبل الميلاد تقريباً، إن الأرض كروية، واستند في ذلك إلى رأي العلماء الفراعنة، الذين قاسوا المسافة بين أسوان والإسكندرية، واحتسبوا محيط الكرة الأرضية بدقة، بوضع النسب الحسابية للظل في كل من المدينتين. لكن الفراعنة كانوا يعرفون هذا قبل زمن طويل، إذ بنوا الأهرام، استناداً إلى معرفتهم الدقيقة لعلم الفلك.

لم تكن معرفة اليونان بالفلك على حقيقته، صحيحة، فكيف فسروا تحرك الأجرام السيارة حول كرة الأرض الثابتة، وهي تختلف في دورانها السنوي عن سائر نجوم السماء الثابتة مداراً؟

قال فيثاغورس إنها تتحرك في أكثر من مدار، فالشمس تدور في دائرة حول الأرض تقطعها في عام. في الدائرة الأولى اختلاف الليل والنهار، وفي الثانية اختلاف الفصول. وسيطرت هذه الصورة على خيال الأوروبيين، منذ فيثاغورس، وامتدت 16 قرناً بعد الميلاد، مع قليل من التغير. لكن أفلاطون رأى في شأن منطقة البروج أنها كانت دائرة واحدة، ثم انقسمت إلى دوائر سبع، في الأولى دار القمر، وفي الثانية دارت الشمس، وفي الثالثة عطارد، فالزهرة، فالمريخ، فالمشتري، وأخيراً زحل، كل في دائرة له (مدار) خاصة.

ورأى أرسطو بعد أفلاطون، أن من الفلاسفة، وهم علماء ذلك الزمان، من شك في صورة الأرض وأنها مكورة، كما خالها فيثاغورس وأفلاطون. فطلب أرسطو لتكور الأرض البراهين. وهي براهين معروفة مشهورة اليوم، منها اختفاء سفينة الشراع التي تخرج إلى البحر، إذ تختفي عن البصر ويظل شراعها مرئياً. ثم يختفي الشراع رويداً رويداً بسبب انحناء الأرض. ومن البراهين التي جاء بها أرسطو أيضاً بناء على ملاحظته، أن السائر في الأرض إلى مصر مثلاً، يرى من النجوم في الجنوب، ما لم يكن يراه وهو في اليونان، واتخذ ذلك دليلاً آخر على تكوّر الأرض.

.. وعند العرب
ومثلما أخذ اليونان عن الفراعنة، أخذ العرب عن اليونان، لكنهم طوروا كثيراً علم الفلك، ليبلغوا به مرحلة متقدِّمة، واستقر الرأي عندهم على أن الأرض كرة، وقالوا إن الشمس مركز النظام الشمسي. وكان هذا تقدماً كبيراً في هذا العلم. لكن علوم العرب لم تنتشر في أوروبة، وظلت قروناً في بطون الكتب العربية، وفي خرائط الجغرافيين والرحالة. ونُسي كل هذا، وساد أن الأرض هي الأصل الذي يدور حوله الكون كله. حتى جاء القرن السادس عشر واقتنع علماء الأوروبيين، ومنهم كوبرنيكوس، وجيوردانو برونو بأن الشمس هي المركز الذي تدور حوله الكواكب، والأرض معها، ولم تزد القرون التي جاءت بعد ذلك إلى اليوم إلا تثبيتاً لهذه الحقيقة.

الاستكشاف العربي
فحين ظهر الإسلام، وبدأ الفاتحون العرب يجولون في البلاد البعيدة، لم يكن لديهم شك في استدارة الأرض. فاخترعوا الأسطرلاب، للاسترشاد في سفرهم، ولا سيما في البحار. ورسموا صورة الكون مثلما تصوروه، على أحد جانبي الأسطرلاب.

وفي عهد الخليفة العباسي المأمون، نحو سنة 830م، أمر الخليفة بقياس المسافة بين تدمر والرقة، وبناءً على هذا القياس، احتُسب محيط الأرض على أنه 24 ألف ميل، أي 38616 كيلومتراً.

قال أبو علي أحمد بن عمر، المعروف بابن رستة، صاحب كتاب الأعلاق النفيسة، المتوفى سنة 897م: أجمعت العلماء على أن الأرض أيضاً بجميع أجزائها من البر والبحر، على مثال الكرة … قائمة في الهواء يحيط بها الفلك، من جميع نواحيها بمقدار واحد من أسفلها وأعلاها وجوانبها كلها تدور على قطبين، قطب في الشمال وقطب في الجنوب، بين القطبين مائة وثمانون درجة، لأن الفلك ثلاثمائة وستون درجة، مستديرة تعود آخرها على أولها، وهي تدور في كل يوم وليلة على القطبين دورة واحدة .

وفي القرن الميلادي الحادي عشر تعلَّم الأوروبيون من العرب أن الأرض كانت مستديرة، لكن المزاج الشعبي هناك كان مناهضاً لهذه الفكرة. وحتى أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، كان الأوروبيون يجادلون كريستوفر كولمبس، الرحالة الجنوي المولد، البرتغالي النشأة، أنه إذا مضى بسفينته إلى طرف المحيط، فسيسقط في الفراغ، لأنهم كانوا يظنون حتى ذلك الوقت، أن الأرض قرص مسطح تحيط به البحار من كل جانب، وتسقط مياهها في الفراغ، ويعود المطر ليملأها.

وجاء في كتاب الإدريسي الجغرافي العربي البارز: نزهة المشتاق، قبل كولمبس بنحو أربعمائة سنة: الأرض مدورة كتدوير الكرة، والماء لاصق بها وراكد عليها ركوداً طبيعياً، لا يفارقها… والنسيم محيط بها من جميع جهاتها وهو جاذب . بل انه يضيف أن استدارة الأرض غير صادقة ، أي انها بيضوية. وبذلك كان ينفي احتمال السقوط من طرف الأرض .

وقد أكد الجغرافي العربي المعروف الآخر، أبو عبيد البكري، أن الذهاب غرباً يصل بالسفن إلى مشارق الأرض، حين قال: وأوقيانوس البحر المحيط لا يُدرَى ما وراءه غرباً، إلى أقصى عمران الصين شرقاً . وأضاف قوله: والشمس إذا غابت في أقصى الصين، طلعت في الجزائر الخالدات، وبالضد . أي ان الليل في الصين يتفق وقته، مع النهار في غرب المغرب العربي. وإن دل هذا، فعلى أن العرب عرفوا تماماً قياس كرة الأرض، لأن خط الطول في الجزر الخالدات، يقابل خطاً في الصين.

كان البكري يقيم في مدينة ولبة الأندلسية، على مقربة من الدير الذي وسّط كولمبس نساكَه مع الملكين فردنند وإيزابيلا، ليقتنعا بمشروعه. بل ان كولمبس أقام سنوات في إشبيلية وتعلم الكثير فيها، وهي المدينة الأندلسية التي كتب فيها البكري ما كتبه من قبل.

وثمة علماء يؤكدون أن الفينيقيين خاضوا المحيط الأطلسي، الذي سمي بحر الظلمات (في معنى الأطلس: الظلمة)، وأن العرب سبقوا الأوروبيين إلى العالم الجديد، ويستدلون لذلك بالتقدم الذي أحرزه الجغرافيون العرب في علم الفلك، وبالكثير من الكتابات الموحية بقوة بهذا الأمر. بل ان بعضهم يقول إن جزيرة جُوَنا هاني (Juana Hani) وهي إحدى جزر سان سلفادور، وقد اكتشفها كولمبس قبل كل الجزر الأخرى، ليست سوى جون هانئ، التي ذكرها الجغرافيون العرب. والجون بالعربية هو الخليج. ويتفق هذا مع رواية فينيقية، مفادها أن هاني الفينيقي، قطع المحيط الأطلسي، مع جماعة كبيرة، في عدد من السفن، حتى بلغ هذه الجزر سنة 475 قبل الميلاد. وقد نشرت مجلة هربرز ويكلي في 4 من شهر نيسان/أبريل 1869م، عن اكتشاف تمثال في مقاطعة أونونداجا بولاية نيويورك، عليه نقوش فينيقية، وحجر كتبت عليه رسالة من هاني الفينيقي.

كذلك يعتقد الإدريسي في نزهة المشتاق، أن أسعد أبو كرِب الحميري، هو ذو القرنين الذي ذكر في الأشعار العربية الجاهلية، والذي بلغ مشارق الأرض ومغاربها . وعلى اسمه سمي بحر الأنتيل: البحر الكَرِبي (Caraibe). ويظن العلاّمة العربي نجيب البهبيتي، في كتابه: المعلقة العربية الأولى، أن شبه جزيرة يوكاتان، في المكسيك سميت على اسم يقطان، أحد أجداد بني قحطان، إلى آخر ما هنالك من إشارات وأدلة.

المهم في الأمر أن كولمبس، لم يكتشف أمريكا، بل كشفها للأوروبيين وحسب. لا لأن غيره سبقه إليها فقط، بل لأن ملايين البشر، وحضارات زاهرة جداً استوطنتها، حين كانت أوروبة غافلة عن هذا العالم، الذي سُمّي جديداً، وهو عالم يغالب عالمنا القديم قدماً. ولم يكن حساب كولمبس صحيحاً، فقد ظن أنه ذاهب إلى الصين، ولم يبلغها، بل اصطدم من غير قصد بشيء آخر.

وبعد إنجاز كولمبس رحلته الأولى سنة 1492م بسبع وعشرين سنة، أي في 20 أيلول/سبتمبر 1519م، انطلق فرنند دي ماجيلان البرتغالي، بخمس سفن عليها 239 رجلاً، من إشبيلية نفسها التي أقام فيها كولمبس، ليدور حول العالم، ويثبت أن الأرض كروية، بعدما أيقن الأوروبيون أن ما بلغه كولمبس لم يكن الهند ولا الصين.

وقد عادت بعثة ماجيلان من دونه، إلى إشبيلية، في 8 أيلول/سبتمبر 1522م، بسفينة وحيدة، بعدما عبرت البعثة مضيق ماجيلان، جنوب الأرجنتين، من الأطلسي إلى المحيط الهادئ، في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 1520م. وغرقت السفن واحدة بعد الأخرى، بل مات ماجيلان نفسه في قتال في إحدى جزر الفلبين، قبل أن تكمل السفينة الوحيدة الباقية فكتوريا، وعليها 18 رجلاً فقط، الرحلة إلى إشبيلية. وهكذا أيقن العالم، بكل من عليه، بلا نقاش، أن الأرض كروية.

ولم يرَ الإنسان كرة الأرض، حتى جاء عهد الصواريخ، وعصر الفضاء فرآها. وأول صورة في تاريخ البشر للأرض مكورة، صورتها مركبة فضاء أمريكية في يوم الثلاثاء 25 أغسطس/آب 1966م.

بطاقة هوية
المسافة إلى الشمس
149.60 مليون كيلومتر (وحدة فضائية)
زمن الدوران حول الشمس
365.242 يوماً
سرعة الدوران حول الشمس
29.78 كيلومتر في الثانية
زمن الدوران حول نفسها
24 ساعة
تسارع الجاذبية
9,81 أمتار بالثانية
سرعة الانفلات من الجاذبية
3107 أمتار في الثانية
الوزن
5,973,600,000 تريليون طن
الحجم
1,083,210 مليون كيلومتر مكَعَّب
القطر عند خط الاستواء
12756 كيلومتراً
القطر عند القطبين
12712 كيلومتراً
قطر النواة
6970 كيلومترا
المساحة
510,066,000 كيلومتر مربع
مساحة اليابسة
148,647,000 كيلومتر مربع (%29,1)
مساحة المحيطات
335,258,000 كيلومتر مربع (%70,1)
معدل درجة الحرارة
15 درجة مئوية
عدد السكان
6,446 مليون نسمة

شاهدوها من الفضاء
مشاهدة الأرض من الفضاء غير مشاهدتها من على سطحها. لا لأسباب تتعلق بالبصر، بل لأن البصيرة ترى من هناك فيها شيئاً، قد لا يخطر في البال، ونحن مشدودون إلى ترابها. كل رواد الفضاء الذين عادوا إلى كوكبنا، بعد رحلات شاهدوا فيها الأرض من بعيد، رجعوا وقد تبدلت رؤيتهم وتقديرهم لها. تهافتت من مشاعرهم الحدود السياسية، والفواصل بين الأمم. وصاروا كمن اتبع لتوه درساً موحداً، يقولون بعدما تلقنوه، إننا شعب واحد، وكل منا مسؤول عن حماية التوازن الدقيق والهش في الكرة الأرضية. نحن خدم هذه الأرض، وعلينا أن نعتني بها من أجل أجيالنا المقبلة.
فيما يلي مجموعة من أقوال هؤلاء الرواد، بعد عودتهم إلى الوطن … الأرض.

فجأة، من خلف حافة القمر، ظهرت، في لحظات بطيئة جليلة جلالا عظيما، جوهرة زرقاء وبيضاء مشعشعة، كرة خفيفة رقيقة بزرقة سماوية، متشحة بوشاح شفاف أبيض يدور، تخرج من خبائها شيئا فشيئا، مثل لؤلؤة صغيرة، إلى بحر غامض حالك السواد. وتمر أكثر من لحظات قبل أن تتيقن حقا من أن تلك هي الأرض… الوطن. لقد رأيت في مشهد الأرض، رفّة عين إلهية.
إدغار متشل رائد فضاء أميركي

أول ما شاهدت كان مشهداً عريضاً لمحيط أزرق برَّاق عميق، مع مشحات خضر ورمادية وبيض، وجزر مرجانية وسحب. بالقرب من الشباك، كنت أرى أن هذا المشهد الهادئ المتحرك بسلام، ينتهي عند حافة الكرة الأرضية المستديرة، وقد أحاط بها طوق مضيء رقيق أزرق، وما عداه فسواد الفضاء الشاسع. كتمت نفَسَي حيال المشهد. لكن شيئاً ما كان ناقصاً. شعرت شعوراً غريباً بعدم اكتمال الاحتفال. كان أمامي منظر بديع، لكن الصمت كان يحيطه. لم تكن ثمة مصاحبة موسيقية فخمة، لا سوناتا ملهَمة تُعزَف احتفالا، ولا سنفونية تصدح. كان على كل منا أن يضع لنفسه موسيقى لهذه الكرة الجميلة.
تشارلز ووكر رائد فضاء أمريكي

قبل رحلتي إلى الفضاء، كنت عارفاً كم ان كوكبنا صغير وهش. لكن حين شاهدته من الفضاء، بكل جماله الأخاذ وهشاشته، شعرت أن أمسّ واجبات الجنس البشري وأشدها إلحاحاً هو عشق هذا الكوكب، وحفظه للأجيال الآتية.
زيغموند يين رائد فضاء ألماني

تشرق الشمس حقاً مثل الرعد ، وتغيب بالسرعة ذاتها. ويدوم كل شروق وغروب بضع ثوانٍ فقط. لكنك تستطيع في هذا الزمن الوجيز، أن ترى طيف ثمانية على الأقل من الألوان، تظهر وتختفي، من الأحمر اللامع، إلى أشد الزرقة إشراقا وعمقاً. وفي يومك الفضائي ترى ستة عشر شروقاً وستة عشر غروباً. لكنك لا ترى شروقاً أو غروباً مثل الآخر قط.
جوزف ألن رائد فضاء أميركي

نظرت بعيداً إلى سواد الفضاء، وقد شعشعت فيه أضواء مجد الكون المتلألئ. رأيت الفخامة، لكنني لم ألمس ضيافة. تحت كان الكوكب المضياف. هنا، في داخل قوقعة الغلاف الجوي الرقيقة المتحركة، الهشة هشاشة لا تُصدّق، رأينا كل ما هو عزيز علينا، كل الدراما البشرية المضحكة والمبكية. هنا الحياة، هنا كل ما هو جيد.
لورين أكتون رائدة فضاء أميركية

تروى قصة صينية عن بضعة رجال، أُرسِلوا لإيذاء فتاة، فلما رأوا جمالها، تحولوا حُماةً لها بدل أن يؤذوها. بهذا أحسست لما رأيت الكرة الأرضية أول مرة. لم أتمالك إلا أن أعشقها وأحبها.
تيلور وانغ رائد فضاء صيني

ميشال غرانجيه
مهما كانت قيمة ميشال غرانجيه الفنية، فإنه فنان جعل حب الكرة الأرضية قضيته الأولى. ففي طول سنوات عمله العديدة في التصوير والرسم والنحت، أبدع غرانجيه فوق مئة لوحة موضوعها الأرض. إنه عاشق الكرة الأرضية ورسامها. ولد في مدينة روان (Roanne) الفرنسية في سنة 1946م، وحاز شهادة الفنون الجميلة في ليون سنة 1968م. يرسم بالأكليريك على ورق سميك جداً، ويكشط بالسكين، ليعطي انطباع الهشاشة والإحساس بالمدينة، وإمكان فك الأشياء وإعادة تركيبها. رسومه ملتزمة، فيها رسالة بليغة بكلام قليل. الأرض ليست همه الأول، إنها هوسه الدائم.

قيل فيه

إنه يرسم رؤاه الحرون. يحول الأرض إلى حقيبة، بيضة، بطيخة، يضعها على صحن، او في زجاجة… في لغة ريشته خفة، لكن فيها التزاما عميقا.
جيريل كراوس (نيويورك تايمز)

لم يعثر غرانجيه على الكلمة الصحيحة وحدها، بل خصوصا على النبرة الصحيحة، والحساسية الصحيحة.
بطرس بطرس غالي (أمين الأمم المتحدة العام السابق)

إنه يعمل بهوس متشعب، يتقدمه هوسه بالأرض. الأرض الممزقة، التي صارت غريبة عند جماهير ساكنيها. الأرض عنده مقلوبة، يدفعها بشر لا إيمان عندهم ولا قانون.
فيليب برتران (إذاعة فرانس أنتر)

رسومه دعوة إلى اللعب، إلى الحلم، أي إلى الوقت الضائع. ميشال غرانجيه يبذر الفوضى.
روبير دوانو (مصور)

ميشال غرانجيه، نحن بحاجة إليك في الزمن الذي تنتصر فيه الأممية النفعية، على حطام العالم الثالث، وبواسطة نهب البيئة.
جان إيف كوستو (عضو الأكاديمية الفرنسية)

كوكبه على مقياس إنساني. تبدو الأرض في بعدها الجديد هشة، خاضعة. مصيرنا هنا … عند رؤوس أصابعنا.
هنري باييه (محافظ متحف دالار)

الأم التي تحتضن مليون نوع حي
على طبقة واحدة من طبقاتها العديدة ما بين النواة والفضاء الخارجي, تحتضن الأرض الحياة. فقد أحصى العلماء حتى اليوم 1.7 مليون نوع مصنف من الكائنات الحية مابين البكتيريا المؤلفة من خلية واحدة والإنسان, ناهيك عن ملايين الأنواع التي ظهرت وانقرضت خلال التاريخ الطويل للأرض. ويقدر علماءٌ آخرون عدد الأنواع الحية اليوم بنحو 10 أضعاف هذا الرقم, إذ يشهد العالم سنوياً اكتشاف وتسجيل نحو 10 آلاف صنف جديد من الكائنات المجهرية الحيوانية والنباتية, وبعضها أكبر بكثير من ذلك. وقد يصاب المرء بالدوار وهو يعدد هذه الأنواع, ويقارنها بالفراغ الكامل في معرفتنا ما إذا كان لها ما يشبهها في شيء على الكواكب الأخرى.

المدهش أن هذه الطبقة الرقيقة من الأرض المعروفة باسم القشرة وتتضمن سطحها اليابس والماء المحيط به والقليل من غلافها الجوي, وفرت في تضاريسها المختلفة تنوعاً عملاقاً من المعطيات البيئية يسمح لكل نوع من ملايين الأنواع هذه أن تحيا في وسطها أي أن تولد وتتكاثر وتموت.

وخلال العقود الأخيرة, وفي إطار البحث عن الظروف الجغرافية الملائمة للحياة, سجَّل العلماء بعض الاكتشافات المهمة. ففي صحراء أتاكاما في التشيلي حيث لا تهطل الأمطار إلا مرة كل 10 أو 20 سنة عثر العالم لوبيز غارثيا على بكتيريا حية. كما اكتُشف نوع آخر من البكتيريا يعيش في بيئة بركانية تصل حرارتها إلى 80 درجة مئوية. أما بطل البقاء الصعب فهو بكتيريا تعرف باسم Bacilius subtilis, التي تستطيع العيش في الفضاء من دون حماية ولا أوكسجين, فقد بقيت عالقة بقمر صناعي لمدة 6 سنوات, كما أنها تعيش حتى على عمق 6000 متر في أعماق المحيطات.

ولكن بالانتقال من عالم البكتيريا إلى عالم الكائنات الأكبر حجماً, من نباتات وحيوانات يصبح الهامش الجغرافي المتاح للحياة ضيقاً أكثر فأكثر. حتى أن معظم الأنواع يرتبط في بقائه ببيئات محددة بكل ما فيها من معدل الحرارة إلى الغطاء النباتي وصولاً إلى التضاريس ونشاط الغلاف الجوي.

وعلى الرغم من أن الإنسان هو المخلوق الحي شبه الوحيد الذي استطاع بفضل العقل أن يتكيف مع بيئات مختلفة، فسكن الصحارى الحارة والمناطق المتجمدة في القطبين والغابات الاستوائية وسواحل البحار وقمم الجبال.. فإن ذلك لم يحرره من الانتماء إلى جزء متناهي الصغر من هذه القشرة. إنه المكان الذي يولد فيه, ويتماهى معه, ويصبح بالنسبة إليه تلخيصاً كاملاً للكرة الأرضية ولكل الحياة عليها.

الحياة كروية كالأرض تماماً
شوقي بزيع
لعل العلاقة بالأرض هي واحدة من أكثر علاقات الإنسان رسوخاً وفرادةً ومن أشدِّها اتصالاً بالقلب والوجدان. ولأنها كذلك، فقد شكلت العمود الفقري للفن والكتابة والإبداع، وظهرت تجلياتها عبر آلاف القصائد والروايات والمنحوتات واللوحات الفنية. فالإنسان بحد ذاته هو مخلوق ترابي بامتياز لأنه مجبول من الطين نفسه الذي اتخذه فيما بعد وطناً ومسكناً وحصناً. كما أنه عائد في نهاية المطاف إلى الرحم الأرضي الذي انفصل عنه والذي تطارده أضغاثه وتهيؤاته حتى نهاية العمر. وليس أجمل في هذا السياق من قول الشاعرة الفلسطينية الراحلة فدوى طوقان: هذه الأرض امرأة / في الأخاديد وفي الأرحام سرّ الخصب واحد .

وإذا كانت العلاقة بالأرض هي القاسم المشترك بين الناس جميعاً فإنها تبدو بالنسبة لنا نحن المنحدرين من القرى والأرياف أكثر صلابةً وعمقاً مما هي عليه عند المولودين في المدن.

إن الأبواب المفتوحة على الريف تمنحنا الشعور بالحرية من وراء ظهر العالم يقول الكاتب والناقد رامون لاسيرنا. فخلف تلك الأبواب تزدهر طفولات البشر وتتجول مخيلاتهم وسط مروحة هائلة من الأصوات والروائح والمرئيات. وليس غريباً والحالة هذه أن تتحول الأرض حين نغادرها إلى صخرة صلبة نشحذ فوقها نصال اللغة ونسند إليها ظهورنا المهيضة حين يتعبنا الترحال. وليس من المستغرب أيضاً أن تتحول الأرض, في بعدها الريفي على وجه الخصوص إلى معين دائم لشاعريَّات العالم المتوقدة. ذلك أنه لا يكون شعراً غنياً بلا طفولة غنية, ولا طفولة غنية خارج ذلك الفضاء المفتوح على مصراعيه، حيث يتاح للزرع أن ينبت وللضوء أن يتألق وللرياح أن تهب وللنجوم أن تتلألأ وللشهوات أن تتعظ وللخيال البشري أن يتجول حيث يشاء.

لايمكن لفكرة الوطن أن تتبلور تبعاً لذلك خارج الأرض التي تشكِّل العمود الفقري للهوية والظهير الأهم الذي تشتد إليه الجماعة في بحثها عن التشكل. فالأرض هي الجغرافيا التي نرسِّم بواسطتها الحدود بين الحضور والغياب. والأرض هي التاريخ الذي يتيح لنا أن نقيم علاقة ممكنة وواضحة بين الحاضر والماضي وبين الحاضر والمستقبل وبين الذاكرة والنسيان وبين الأسلاف والأحفاد، ومن دون هذا الناظم الترابي لن يكون للهوية أي معنى ولن يتاح للدم المراق أن ينتظم في سياقٍ رؤيوي وأخلاقي.

من الصعب أن أسترسل في الحديث عن الأرض دون الإشارة إلى علاقتي الشخصية بقريتي حيث ولدت قبل خمسة عقود ونصف. فمن بين هذه العقود كلها تظل السنوات العشر الأولى التي عشتها في القرية هي الخزان الهائل لكل ما عثرت عليه فيما بعد من ذهب الكتابة وبريقها اللانهائي.

فكلما هممت بالكتابة ينفتح أمامي سرادق من الصور والأطياف متصل بتلك العوالم الغامضة التي عبَّدت لي الطريق إلى الشعر وحقنتني بأمصال اللغة وعذاباتها المترعة بالحنين.

ليس الشعر في جوهره سوى تلفُّت بالعين والقلب إلى براءة الروح وبراءة اللغة. ومن دون العودة إلى الأرض الأم لا يمكن أن ينمو على صفحة الكتابة سوى البرد القارس والأعشاب السامة والجفاف الذهني. صحيح أن السفر والمنفى ضروريان أحياناً لاكتساب المعرفة والتجربة وللبحث عن أفق جديد للمخيلة، ولكن الصحيح أيضاً أن السفر لا قيمة له إذا لم يكن وسيلة لإعادة اكتشاف العلاقة الصعبة والجارحة بيننا وبين الأرض التي انبثقنا عنها بالولادة والتي تعود نعوشنا إليها لحظة الموت. إن قانون الجاذبية الأرضية لا يرتبط بالفيزياء وحدها بقدر ارتباطه بالقلب الإنساني. كما أن الدليل على كروية الأرض لا يتعلق بالجغرافية وحدها, والتي تؤكد أننا لا بد أن نعود دائماً إلى النقطة التي انطلقنا منها، بل يتعلق أيضاً بالحياة التي تعيدنا في حقبة الشيخوخة إلى زمن الطفولة وأعراضها. وهكذا، فالأرض ليست وحدها كروية. بل الحياة أيضاً.

مشروع هجرة
إلى كوكب آخر
في بداية عصر الفضاء قبل نصف قرن، كانت أنظار البشر ترى في الصواريخ والأقمار الاصطناعية نافذة على الكون، تخطيطاً للهجرة إلى كواكب أخرى. الغريب الآن أن معظم الأقمار الاصطناعية عادت وأدارت بصرها نحو الأرض. فما الشيء الخاص في الكرة الأرضية حتى نتمسّك بها؟
أفلا يمكننا، بما نملك من صواريخ وتكنولوجيا وعلوم تتقدم كل يوم مثلما تقدمت في قرون طويلة، أن نهجر الارض إلى كوكب آخر نكتشفه، بمناظيرنا الفضائية الجبارة؟
ألا توجد بين مليارات مليارات النجوم التي نشاهدها في الفضاء، نجمة ما تدور من حولها كواكب تناسب عيشنا نحن البشر؟
ألم يحن الوقت لنبحث بجد، عن بيت آخر ننقل إليه متاعنا وأبناءنا، بعدما بلغ الاكتظاظ السكاني حدود الامتلاء، بل تخطاها؟
ألم يبلغ تنافس الدول والقوى مرحلة تجعل المرء الحكيم يحلم فعلاً، بعالم آخر، يبدأ فيه من جديد، بعيداً عن التنافس وشح الموارد؟
أفلا ينذر التدهور البيئي بمستقبل، لا بد معه من التفكير الجاد بالرحيل، ما دام أصحاب الشأن لا يأبهون لمخاطر الاحترار والتلوث؟
لقد آن أوان الحلم، القابع على منتصف الطريق بين الخيال العلمي والحاجة الواقعية. فهيا بنا نحلم بهذا العالم الجديد الذي نشدّ إليه الرحال قريباً: الكوكب المختار الذي سنهجر الكرة الأرضية لنستقر فيه.

شروط المهجر المناسب
ما هي ملامح الكوكب الجديد الذي ينبغي أن نبحث عنه؟
المعلوم أن البشر يعيشون على الكرة الأرضية ضمن ظروف تحدّها حدود الضغط الجوي والحرارة. ذلك أن الإنسان لا يستطيع أن يبقى على قيد الحياة طويلاً إذا أحاطت به حرارة قائظة، أو برد شديد. وإذا كان في الإمكان أن يكيّف الحرارة في حدود معقولة، فيدفئ بيته في الشتاء، ويبرّده في الصيف، إلا أن العيش على كوكب مثل الزهرة، الذي تفوق الحرارة على سطحه 450 درجة مئوية، أمر غير ممكن، إلا ربما لحظات قصيرة للغاية، في إطار حماية مُحكمة. كذلك لا يمكن لمجتمعات كبيرة أن تستوطن كوكباً تسود في جوه حرارة دون الصفر بكثير، على سلم الدرجات المئوية. ويصطلح العلماء حين يتحدثون في المختبرات عن الحرارة العادية، على أنها 20 درجة مئوية.

إذن فالبحث جار عن كوكب حرارته بين الصفر وأربعين درجة، في معظم مناطقه، مدداً طويلة من السنة . والسنة على ذلك الكوكب المنشود، هي المدة التي يقضيها في الدوران حول شمسه.

أما الضغط فمسألة أصعب. فالمعروف أن ضغط الجو المسمى عادياً، في عرف العلماء، هو الذي يساوي 760 ملمتراً من الزئبق، في ميزان الضغط. ولا يستطيع الإنسان أن يعيش على نحو عادي، إذا ركب طائرة غير مضغوطة، وصعد بها في الجو فوق 2500 متر. فعلى هذا الارتفاع يقل مقدار الأكسيجين في كل لتر من الهواء %25. وحين يبلغ ارتفاع الطائرة 3000 متر، يحتاج المرء حتماً إلى كمامة أوكسجين، وإلا أصابته أعراض، قد تودي بحياته. ولهذا تكون الطائرات محكمة الغلق، ويكون الجو فيها خلال السفر على ارتفاع شاهق (فوق 10 آلاف متر في المعتاد من رحلات الطيران التجارية) مضغوطاً، كأنك على ارتفاع 2000 متر فقط. ولهذا أيضاً، يضع الطيارون الحربيون كمامات أوكسجين، لأن طائراتهم غير مضغوطة.

لا بد إذن من كوكب يكون فيه جو يحيط به أولاً، وأن يكون الضغط الجوي قريباً جداً من 760 ملمتراً من الزئبق. أضف إلى ذلك أنك ستحتاج إلى أوكسجين وماء في الموطن الجديد. ولا نعتقد أن في الإمكان حمل الماء والأوكسجين والطعام أيضاً من الكرة الأرضية، والمأمول أن يكون الكوكب الجديد قابلاً للزرع، وأن تكون تربته منبتاً مناسباً لما نستطيع أكله من خضار وفاكهة وأعشاب وأشجار.

كذلك لا بد من أن يكون توالي النهار والليل، قريباً من أربع وعشرين ساعة، وإلا اضطربت ساعة الإنسان البيولوجية، التي تنتظم وفقها الوظائف الحيوية في جسم الإنسان، بدءاً بالصحو والنوم، وصولاً إلى ما لا نتوقع من وظائف عمل الكبد والقلب وغيرهما.

قوة الجاذبية
يضاف إلى هذه الشروط، الأولية التي قد تخطر ببال أي تلميذ في الصفوف الابتدائية، شرط قد لا يخطر ببال. فلكل كوكب حجم وكتلة مختلفة. فالزهرة أصغر قليلاً من الأرض، والمريخ أصغر من الزهرة. ولذا فالجاذبية على سطحهما أقل منها على الأرض. أما القمر فالجاذبية على سطحه، أقل ست مرات منها على الأرض. والرجل الذي يزن على الأرض 80 كيلوغراماً، لا يزن على القمر سوى 13 كيلوغراماً. وحين تصعد إلى القمر، فباستطاعتك أن ترتدي ثوباً فضائياً ثقيلاً يزن 400 كيلوغرام، ولا يتأثر مشيك. أما إذا ذهبت إلى كوكب زحل، الذي يزيد حجماً 750 مرة على الأرض، فإن جسمك سينسحق على سطحه من قوة الجاذبية، إذا لم يسحقك ضغط جوه الكثيف.

المريخ وحده في المجموعة الشمسية التي ننتمي إليها، يبدو قابلاً للسكنى. فهو أقرب من كل الكواكب الأخرى، إلا الزهرة، والحرارة على سطحه تحوم حول الصفر على مقياس الدرجات المئوية. أما حجمه فهو مرتين حجم القمر، وسبع مرات أصغر من الأرض، ولذا فالجاذبية على سطحه معقولة للعيش البشري الطويل. لكن هل على سطحه ماء، وهل في جوه الرقيق جداً أوكسجين؟ سؤال لم يقطع فيه العلم بعد تماماً. ويبلغ الضغط الجوي فوقه مثل ما يبلغ على الكرة الأرضية، عند ارتفاع 18 كيلومتراً، ولا بد إذن من لبس بزة فضائية على الدوام عليه، لتعويض نقص الضغط والأوكسجين، ناهيك بالحرارة التي تميل إلى الانخفاض، معظم أيام السنة المريخية، وفي معظم مناطق الكوكب.

نظم شمسية أخرى
دعنا إذن من النظام الشمسي، الذي يقال إنه قريتنا الفضائية، ولننظر في عوالم أخرى، فلا شك في أن الخيار فيها أوسع بكثير، لأن شمسنا واحدة، أما الشموس التي نسميها نجوماً، فلا تعد ولا تحصى.

يقول ستيفان أودري، عالم الفضاء، من مرصد جنيف في سويسرا، إنه اكتشف أصغر كوكب، وأخف كوكب حتى الآن خارج النظام الشمسي. وهذا أمر مهم. فالكوكب المنشود يجب ألا يكون عملاقاً ينسحق على سطحه البشر، الذين سيعيشون عليه. والكوكب الصغير صعب الاكتشاف، بسبب صغره. ويدور هذا الكوكب المناسب على ما يبدو، حول نجمة قزمة حمراء اسمها غلييزي. حجم الكوكب خمس مرات حجم كرتنا الأرضية. ويدور على مسافة مناسبة من شمسه، لتظهر السوائل على سطحه، ويهمنا منها الماء بالطبع، إذا كان عليه ماء. أما الحرارة فيه فتراوح بين الصفر و40 درجة مئوية. إذن فهو المكان المناسب، لشد الرحال. لكن ما المسافة بيننا وبينه؟
20.5 سنة ضوئية!
لا يعني هذا الرقم شيئاً واضحاً، فكيف نفهم أن تكون مسافة رحلتنا 20.5 سنة ضوئية؟
يقطع الضوء 300000 كيلومتر في الثانية، وحساب المسافة إذن هو التالي:
الدقيقة الضوئية: 300000*60=18 مليون كيلومتر
الساعة الضوئية: 18*60=1080 مليون كيلومتر
اليوم الضوئي: 1080*24=25920 مليون كيلومتر
السنة الضوئية: 25920*365=9460800 مليون كيلومتر
20.5 سنة ضوئية: 9460800*20.5=193946400 مليون كيلومتر

ما أسرع الصواريخ التي بحوزة البشر الآن؟
لقد أطلقت وكالة الطيران والفضاء الأمريكية السنة الماضية صاروخ الآفاق الجديدة صوب كوكب بلوتو أبعد الكواكب السيارة المعروفة حتى الآن عن الشمس. وهو أسرع صاروخ أطلقه البشر على ما يبدو، وسرعته 36000 كيلومتر في الساعة.

كم يلزمنا من الوقت إذا ركبنا هذا الصاروخ، لنصل إلى الكوكب المقصود؟
فلنقسم المسافة على السرعة:
193946400 مليون:36000=5387400000 ساعة
والمعلوم أن في السنة 24*365=8760 ساعة.
ولذا فإن الرحلة إلى موطننا الجديد، بأسرع صاروخ نملكه اليوم، ستستغرق:
5387400000:8760=615000 سنة!!!
أكثر من نصف مليون سنة؟ بأسرع الصواريخ؟ هذه مفاجأة غير متوقعة، وغير سارّة!
ويبدو مشروع الهجرة هذا إذن بعيد المنال.
فلننظر في مشاريع أقرب.
ما أقرب نجمة إلينا؟ لعل من حولها كواكب تناسب نزوعنا إلى الهجرة صوب مواطن جديدة.

على مقربة من النظام الشمسي، نجد نظاماً من ثلاث نجوم، تشد بعضها إلى البعض جاذبية تبقيها في مجموعة واحدة. تسمّى هذه المجموعة الثلاثية ألفا سنتوري. وأما النجمتان الكبريان فيها، فهما أشبه بشمسنا، وهذه بشرى جيدة. واسماهما ألفا سنتورى أ، وألفا سنتوري ب. وأما الأقرب إلينا فهي الصغرى، وقد سُميت بروكسيما سنتوري. وتصنّف قزمة حمراء، أي انها نجمة في أواخر العمر.

لننظر إذن في أمر الاثنتين الأخريين.
كم تبعد هاتان النجمتان عن كوكب الأرض؟ يقول علماء الفضاء، إن المسافة التي تفصلنا عن ثلاثي المجموعة المذكورة، وهي أقرب النجوم إلينا في الفضاء الشاسع، هي 4.36 سنوات ضوئية. وبحساب سريع، نكتشف أن الصاروخ الذي نتباهى به اليوم، صاروخ الآفاق الجديدة هذا، حتى لو تسنّى له في رحلته الأسطورية الخيالية هذه وقود لا ينضب، يحتاج إلى … 130800 سنة حتى يصل إلى موطننا الجديد.

يبدو هذا الموطن هو أيضا مجرد حلم، سنفيق منه على الحكمة الموروثة: حافظ على قديمك فجديدك لن يدوم، بل ربما لن يكون.

شروط العيش
على كوكب المهجر
الحرارة
بين صفر و40 درجة مئوية
الضغط
760 ملمتراً من الزئبق
الحجم والجاذبية
قريبة من الأرض
ميزات ضرورية
ماء، أوكسجين

المريخ وحده في المجموعة الشمسية التي ننتمي إليها، يبدو قابلا للسكنى فهو أقرب من كل الكواكب الأخرى، إلا الزهرة، والحرارة على سطحه تحوم حول الصفر على مقياس الدرجات المئوية أما حجمه فهو مرتين حجم القمر، وسبع مرات أصغر من الأرض، ولذا فالجاذبية على سطحه معقولة للعيش البشري الطويل لكن هل على سطحه ماء، وهل في جوه الرقيق جدا أوكسجين؟ سؤال لم يقطع فيه العلم بعد تماماً

يقول ستيفان أودري، عالم الفضاء، من مرصد جنيف في سويسرة، إنه اكتشف أصغر كوكب، وأخف كوكب حتى الآن خارج النظام الشمسي وهذا أمر مهم فالكوكب المنشود يجب ألا يكون عملاقا ينسحق على سطحه البشر، الذين سيعيشون عليه والكوكب الصغير صعب الاكتشاف، بسبب صغره. ويدور هذا الكوكب المناسب على ما يبدو، حول نجمة قزمة حمراء اسمها غلييزي. حجم الكوكب خمس مرات حجم كرتنا الأرضية ويدور على مسافة مناسبة من شمسه، لتظهر السوائل على سطحه، ويهمنا منها الماء بالطبع، إذا كان عليه ماء

الخطر الآتي من الفضاء
الكارثة الأرضية الكبرى
الكارثة الأرضية الكبرى
…وفيما ينظر علماء الفضاء إلى أطراف الكون، يستمتع منهم البعض، وينظر آخرون بهلع، حين يرون الكويكبات، وقد عجَّت بها مدارات النظام الشمسي، وهم يتذكرون حادثة ذلك الكويكب الذي ضرب أرضنا قبل 65 مليون سنة، فأباد معظم الأجناس الحية التي كانت عليها.

الخطر الآتي من الفضاء جدي إذن، وقد أشارت إليه أخيرا مجلة إكونومست البريطانية، في عددها الصادر في 23 يوليو/تموز 2007م. ففي النظام الشمسي عشرات ملايين الكويكبات، منها ألوف تتحرك في مدارات تقرّبها من الأرض. وسيسقط واحد منها عاجلاً أو آجلاً، على كوكبنا.

ففي الماضي، سقطت كويكبات فعلاً على الأرض. لكن صفحة الأرض الناشطة والمناخ تسهم في تغطية آثار سقوط هذه الكويكبات، بسرعة نسبية. إلا أن صفحة القمر المبثرة، حيث تدوم الآثار مدة أطول بكثير، تنبئ بكثرة عدد الأجرام الفضائية التي تحوم في مدارات النظام الشمسي.

وتمتلك الأرض نظام حماية نسبية من الكويكبات التي يقل قطرها عن 35 متراً، لأن هذه الكويكبات تحترق في الغلاف الجوي، قبل أن تصل إلى سطح الأرض. ومع هذا فإن لدينا فوهات عديدة، أحدثتها كويكبات أكبر، استطاعت أن تصطدم بكوكبنا. ويحصي مركز معلومات الأرض في كندا أكثر من 170 فوهة، مصدرها سقوط كويكب في زمن ما على الكرة الأرضية. هذا ما بقي بادياً في أي حال، بعد فعل عوامل المناخ والطبيعة التي أزالت الكثير من الفوهات ولا شك.

ولحسن الحظ أن هذه الفوهات تعد أمراً نادراً، على الأقل في التاريخ البشري المعروف. ويتساوى احتمال خطر الموت أو لحوق الضرر من سقوط الكويكبات، على الصعيد الإحصائي، باحتمال الموت أو التضرر في الزلازل. ولكن على الرغم من أن الاحتمال ضئيل، إلا أن نتائج حدوث سقوط كويكب، قد تكون مرعبة. وهي تتناسب مع حجم الكويكب الذي قد يسقط، وسرعته. فالكويكب البالغ قطره أمتاراً، قد يسوِّي مدينة بالأرض. أما إذا كان أكبر، كأن يبلغ قطره كيلومتراً واحداً، فيمكنه عندئذ أن يحدث دماراً بيئياً في كل أنحاء الأرض.

قال ديفيد موريسون، وهو عالم في وكالة الطيران والفضاء الأمريكية (NASA) أمام مؤتمر، إن ضربة كويكب كبير، هي الحدث الوحيد (باستثناء الحرب النووية ربما) الذي يستطيع أن يهدد بقاء مجتمع الحضارة.

وتعطينا الأمثال السالفة من الحوادث التي مرت بها الأرض، صورة أوضح مما تعطيه الأرقام. ففوهة تشيكولوب، المدفونة تحت مكسيكو الحديثة، عمرها 65 مليون سنة، ويبلغ عرضها 180 كيلومتراً. ويعتقد العلماء أن الشهاب الذي أحدثها، وكان قطره 10 كيلومترات، أثار غباراً في الفضاء حجب الشمس مدة طويلة، وسبّب بذلك انقراض كل أنواع الدينوصورات. وفي سنة 1908م، انفجرت صخرة آتية من الفضاء، صغيرة نسبياً، يراوح قطرها بين 30 و50 متراً، فوق منطقة تنغوسكا، في محلة نائية من سيبيرية. واكتسح الانفجار، وهو أقوى مئات المرات من انفجار قنبلة هيروشيما الأمريكية الذرية التي ألقيت بعد سبع وثلاثين سنة على اليابان، أشجاراً تبلغ ارتفاعاً 80 متراً، في مساحة 2150 كيلومتراً مربعاً. الحظ وحده أوقع الحادثة في منطقة نائية نسبياً، غير مأهولة في العالم. ويحاول علماء الفضاء الآن أن يدرسوا إذا كان الكويكب المسمى 99942 أبوفيس، سيضرب الأرض، سنة 2036م ربما (المتوقع ألا يضربها، لكن الأفضل أن نتيقن من هذا الأمر).

ومن حسن حظ البشرية أن التكنولوجيا تقدمت إلى الحد الذي يتيح مبدئياً، تجنب اصطدام هذا الكويكب بالأرض. في سنة 1998م وافقت وكالة الطيران والفضاء الأمريكية، على محاولة رصد %90 من الكويكبات التي يفوق قطرها كيلومتراً، حتى السنة المقبلة 2008م، وتصنيفها. إذ انها قد تكون مصدر خطر على الكرة الأرضية. والفكرة التي تراود العلماء، هي أن أي كويكب يصنَّف خطراً على الأرض، يُدفع إلى مدار آمَن. والوسيلة التي تخطر أولاً في البال لفعل هذا، هو الأسلحة النووية. والجميل في هذه الوسيلة، هي أنك تستخدم بالتوازي، أداة كارثة، في تجنب أداة كارثة أخرى. لكن العلماء يوصون بالتريث. فتفجير الكويكب بقنبلة نووية، قد يحطمه فيجعله كويكبات أصغر، بعضها يظل على مسار تصادم مع الأرض.

ولذا اقترح البعض أسلوباً آخر. فقد ترسَل سفينة فضاء سريعة للغاية، تدفع الكويكب في مسار آخر، فلا يلتقي والأرض. وثمة طريقة ثالثة، هي إنزال سفينة فضاء على الكويكب، واستخدام محركاتها في دفعه صوب مدار آمن. ويقترح البعض أسلوباً أذكى، هو إرسال سفينة فضاء إلى جوار الكويكب واستخدام جاذبيتها الضعيفة في تحويل مساره، بعيداً عن الأرض. حتى الآن لا تزال هذه الأفكار كلها نظرية، على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يخطط لإرسال بعثة فضائية سنة 2011م لهذا الغرض، اسمها دون كيخوتي، لاختبار أسلوب دفع الكويكب.

وتوحي كل هذه المشاريع الاطمئنان، لكن أي مسعى لدفع كويكب بعيداً عن الأرض، يقتضي الكثير من الإنذار المبكر، وقد لا يكون هذا ممكناً على الدوام. لقد صنفت وكالة ناسا إلى الآن أكبر الكويكبات، قاتلة الحضارة . ولا يزال كثير من الكويكبات الصغرى غير مكتشفة حتى الآن. وقد ينجم منها ضرر بليغ. في سنة 2002م، مر كويكب متوسط الحجم (من 50 إلى 120 متراً) بجوار الأرض، على مسافة 121 ألف كيلومتر، أي ثلث المسافة بين الأرض والقمر. ولم يكتشفه الفلكيون، إلا بعد مروره بثلاثة أيام. والشهب التي تأتينا من خارج النظام الشمسي، أسرع من الكويكبات، ولكنها تأتينا باحتمال كوارث مماثلة.

لكن المشكلة الكبرى قد تكون عدم اكتراث البشرية. فالدولة الوحيدة التي تنفق في كشف الكويكبات الآن هي الولايات المتحدة الأمريكية. وحتى هناك، يرى الساسة أولويات أخرى. والكثير من العمل الآن يتولاه منظار أريسيبو الراداري، الذي تملكه جامعة كورنل، في بورتوريكو. إلا أن هذا المنظار يواجه مشروع خفض ضريبي، مع ان تشغيله يكلف تقريباً، مليون دولار فقط في السنة. وهو ثمن يبدو زهيداً جداً، إذا كان ذلك ما يترتب على البشرية أن تدفعه، من أجل بوليصة تأمين!

الأرض في القرآن
وعلاقتها بالإنسان
علاقة الإنسان بهذا الكوكب علاقة وجودية، ويبادلها العشق ما شاءت له العناية الإلهية أن يعيش، ثم يعود إلى رحم الأرض التي جاء منها، وليبعث منها بإرادة الله من جديد: ‭}‬مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى‭{‬ (طه/55).

من هنا كان حديث القرآن الكريم عن الأرض متشعباً وذا مرامٍ وأبعاد مختلفة، لكنه يمكن أن يقسَّم إلى منحيين كبيرين: مادي ومعنوي، تنضوي تحتهما فروع عدة، أو بتعبير آخر: منحى يتعلق بالشكل الظاهري والتضاريس وعلاقة الأرض بالكواكب والكون من حولها، ومنحى ذو صلة بعلاقتها بالإنسان وبالخالق. وإذا كنا لا نستطيع سبر أغوار المقاصد القرآنية في الآيات التي تحدثت عن الأرض في مثل هذا المجال، فإننا سنحاول رصد بعض اللمحات التي تشير إلى بعض أهم تلك المقاصد.

ورد ذكر مفردة الأرض ومشتقاتها في القرآن الكريم 461 مرة، وجاءت الكلمة للدلالة على الأرض جميعها في بعض المواضع، وللدلالة على جزء منها في مواضع أخرى. وقد وصف القرآن الأرض بصفات متعددة وهذا يتبين من قوله تعالى: ‭}‬وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ‭{‬ (الذاريات/20)، وتحدث عن وصف الأرض وخصائصها، وشكلها ومكونات أرضها، وثرواتها، وحركتها وتركيبتها الجيولوجية.

خلق الأرض وشكلها وتكوينها
لقد اقترنت آيات خلق الأرض مع خلق السماوات في مواطن كثيرة، كقوله تعالى: ‭}‬إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ‭{‬ (الأعراف/54). وقوله: ‭}‬وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ‭{‬ (الحجر/85).

كما تحدث عن بسط الأرض وتثبيتها بالجبال وعن الثنائية فيها كيما تستقيم الحياة: ‭}‬وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ‭{‬ (ق/7). و‭}‬أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً‭{‬ (النبأ/6-8).

كما تحدث عن تكويرها: ‭}‬خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ‭{‬ (الزمر/5)، بل بيضويتها: ‭}‬وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا‭{‬ (النازعات/30-32)، والأدحية عند العرب هي بيضة النعام.

وعن مكونات الأرض يقول تعالى: ‭}‬أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ‭{‬ (فاطر/27). ووصف قشرة الأرض بأنها على هيئة قطع متجاورة: ‭}‬وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ‭{‬ (الرعد/4)، وأن هذه القطع مثبتة بواسطة الجبال: ‭}‬وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً‭{‬ (النبأ/7).

وعن إحياء الأرض، أشارت الآيات إلى قدرة الخالق على إحياء الأرض بعد موتها، وإنبات النبات فيها، ومعظم تلك الآيات تشير إلى دور الماء في ذلك: ‭}‬وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ‭{‬ (الروم/24)، وقوله تعالى: ‭}‬وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ‭{‬ (يس/33).

الأرض والإنسان
أما في نسق المقاصد المعنوية، فتبدأ علاقة الإنسان بالأرض باستخلافه فيها وتمكينه منها وإعماره لها، ومن ذلك قوله تعالى: ‭}‬وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً‭{‬ (البقرة/30)، وقوله: ‭}‬وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ‭{‬ (الأعراف/10).

وعن تذليلها وجعلها مكاناً صالحاً لعيش الإنسان: ‭}‬الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء‭{‬ (البقرة/22)، وقوله: ‭}‬وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ‭{‬ (البقرة/36).

أما عن تسخيرها والكون بأجمعه للإنسان، فيقول تعالى: ‭}‬أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً‭{‬ (لقمان/ 20).

ودعت الآيات الإنسان للتأمل ودراسة الأرض، في قوله: ‭}‬قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ‭{‬ (يونس/101).

وقد نهى الله عن الإفساد فيها: ‭}‬وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ‭{‬ (البقرة/27).

وهكذا نجد أن القرآن الكريم قد فصل العلاقة بين الأرض والإنسان ودعاه للتأمل فيها وإحيائها وعدم الإفساد فيها بعد إصلاحها، فهي الأم التي مهما أساء إليها لا تزداد فيه إلا حباً، ومهما تولى عنها، فسيعود إليها وليس له إلا حضنها الدافئ يلقي بهمه إليه، وهل هو إلا منها وإليها؟

أضف تعليق

التعليقات