الرحلة معا

اليوم الوطني
رفرفة الصغار لعيون الوطن

ليس اليوم الوطني ورقة تقرأ ثم تلف وتوضع على الرف، ولا هو احتفال تلفزيوني عابر تدبج فيه الأغاني والقصائد والتصريحات ثم تتبخر مع نهاية اليوم. ولا هو أيضا إجازة من المكاتب والمدارس نحفل فيها بالفراغ، الذي يملك كثيرون منا أكياسا هائلة منه، إلى درجة الشكوى من تدني مستويات الإنتاجية وضآلة الإحساس بالفعل التنموي على المستوى الفردي.

اليوم الوطني، إذا أذنتم، هو حالة زمنية يفترض أن تكتسب صفة الديمومة ويفترض أن تحظى بشعور جميع المواطنين بالفرح والمسؤولية. والمواطنون هنا ليسوا فقط من نُسبغ عليهم صفة الاعتيادية في الوجود والتأثير، بل هم الوزير ورئيس الشركة ومدير الجامعة ومدير المدرسة والمدرس والتاجر والعامل والطالب وربة البيت. لا يُستثنى أحد من مسؤولية الإحساس باليوم الوطني، وبالتالي فإن كل الناس تنطبق عليهم شروط الفرح ومظاهره حين يزورنا هذا اليوم كل عام. ولذلك تحدث الناس هذا العام مطولاعن مظاهر اليوم الوطني العامرة في العيون والشوارع والمكاتب والمدارس، بل والسيارات التي غيرت ألوانها إلى الأخضر معلنة عبر سائقيها الشبان بأن يومنا الكبير، الساكن في حنايانا، قد حل بين ظهرانينا ونحن نحتفي به ونمتن للرجال والنساء الذين وضعوا لبنات وجوده الأولى ليكون لنا ترابنا الآمن كما لكل إنسان ترابه الآمن.

لقد كان مثار أحاديث الناس، وهم يتداولون يوم أمس الوطني، رفرفة أطفال المدارس بأعلامهم في الطريق إلى مدارسهم، وهذا بالنسبة لي بيت القصيد. ففي سنوات ماضية كان يومنا الوطني يمر عابرا لا يشعر به الناس إلا من خلال تصريحات تقليدية يدلي بها بعض المسؤولين للصحف، التي لم تصل إلى الآن إلى حالة مرضية في استقراء مدلولات هذا اليوم، بصفتها الطاقة المجنَّدة لرصد القديم والجديد من هذه المدلولات. فالصحافة بطرفيها، المقروء والمرئي، تتحمل مسؤولية ضخمة في مخاطبة الناس وتثقيفهم وزيادة معلوماتهم عبر برامج ومواد صحافية متعوب عليها، إذ لا يكفي أن تذهب الصحيفة إلى الأسهل من تصريحات المسؤولين للمناسبة أو طرح أسئلة من قبيل كيف تعيشون وكيف تأكلون وكيف كنتم تسلكون الطريق إلى الرزق والحج؟!

لابد من ممارسة الاحتراف الإعلامي حين تقدم المواد الإعلامية الخاصة باليوم الوطني، بحيث تجذب المادة القارئ أو المشاهد الذي ملَّ الطرح التقليدي، بعدما تعرف عبر تعرضه لوسائل إعلامية، عربية وأجنبية، على المواد الإعلامية التي تمكث في الذهن وتلك التي تذوب مع أول سطر أو أول مشهد. وإذا كان شبابنا في الشارع ابتكروا وسائلهم الخاصة اللافتة في يومهم الوطني فإنه لن يعوز صحفنا أن تبتكر موادها التي تضعنا فعلا في قلب الحدث الوطني الأهم، وتنقلنا عبر رواسي ورواسخ هذه المواد إلى حالة من التأثر والشعور الفردي والمجتمعي بالمسؤولية الوطنية الملقاة على عواتقنا.

أما إذا عدت إلى بيت القصيد، بعد هذا الاسترسال الذي أبعدني قليلا عنه، فإن أطفالنا بأعلامهم وأنشوداتهم وقصص المدرسة الوطنية هم مدار اهتمامنا وامتناننا نحن الذين سبقناهم إلى المدارس والمكاتب والمصانع والمعامل، لكن حظهم مع اليوم الوطني أوفر من حظنا. ولذلك من السهل على ابنك أو ابنتك من الآن وصاعدا أن يسجل في دفتره أو تسجل في دفترها ماذا يعني اليوم الوطني وماذا فعل أو فعلت في الإجازة لمناسبة حلوله. سهل على الإنسان السعودي من الآن أن يذكر يومه الوطني ومعانيه الكبيرة كما يذكر كل إنسان على وجه الأرض معاني أيامه الكبيرة التي كانت من أسباب انتمائه واجتهاده وبذله لعيون وطنه.

وما أريد أن أؤكده في هذا السياق هو أن تبذل المدرسة ويبذل البيت الكثير من جهد الابتكار لاحتفال اليوم الوطني التي نُشرك به أطفالنا، بحيث يعلق هذا اليوم وتعلق معانيه في أذهانهم وقلوبهم من الصغر وبالتالي نضمن أنهم سيحملون هذه المعاني معهم حين يتولون المسؤولية باختلاف مواقعها وأنواعها. كما أننا سنضمن، دون شك، تحصينهم ضد موبقات عصرنا وعواتيه التي تتربص بالوطن وقدراته وحاضره ومستقبله.

يومنا الوطني هو يوم ميلاد كل منا، فلنصنع لهذا اليوم كل عام كعكة وندعو الأطفال لتفريقها على أهل البيت، وإذا سألونا ما المناسبة قلنا لهم: اليوم هو اليوم الوطني وهو حلو المذاق مثل الكعكة. وكل كعكة وأنتم بخير.

أضف تعليق

التعليقات