اطلب العلم

مسيرة الاختراع

لتسارع وتيرة المنجزات العلمية سمة قلَّما نلتفت إليها, ألا وهي أن هذا التسارع بات يسمح لنا بمراقبة مسيرة اختراع معين بين ظهور فكرته الخيالية, وصناعته, وتطوير هذه الصناعة وصولاً إلى الاكتمال.

في الماضي, كان يستحيل على جيل واحد أن يشهد بنفسه كل مراحل هذه المسيرة, فما بين الطائرات الأولى والطائرات النفاثة أكثر من جيلين, وما بين آلة التصوير الأولى وآلة التصوير الرقمية أربعة أجيال أو خمسة. أما اليوم, فإن الجيل نفسه الذي شهد ولادة الهاتف الخلوي مثلاً, هو نفسه الذي يشهد وصول هذا الاختراع إلى مرحلة مابعد الاكتمال.. إلى الترهل.

فقبل عشرين سنة كانت أجهزة الهاتف الخلوي ضخمة وتحتل حقيبة يحملها صاحبها في يد والسماعة في اليد الأخرى. ولكنه كان يستجيب إلى حلم أو حاجة, ألا وهي القدرة على الاتصال من دون التقيد بمكان معين.

وظهرت أجهزة الجيب الصغيرة. كلنا نذكر أنها كانت تعاني بعض المتاعب في بدايتها, وبشكل خاص سرعة نفاد الطاقة من بطاريتها, ولكن هذه الأجهزة راحت تتطور شيئاً فشيئاً حتى صارت طاقة البطارية تكفي عدة أيام, وتحسن الإرسال والاستقبال. وتوسعت الذاكرة التي تحفظ الأرقام وتتلقى الرسائل المكتوبة.. وبذلك, وصل هذا الاختراع إلى الاكتمال. والمقصود بالاكتمال، هو القدرة على أداء وظيفته الأساسية كاملة.

ولكن تطوير هذا الاختراع لم يتوقف. فراحت الإضافة تتوالى عليه: ألعاب للتسلية، آلة تصوير, اتصال بالإنترنت, عدسة فيديو, وأخيراً حاسوب شخصي.. والكل في جهاز لا يزيد حجمه على علبة سجائر.. وإذا استمرت الأمور على المنوال نفسه, فقد نشهد جيلاً رابعاً من الجوال يضم فرن ميكروويف وغسالة ملابس.

المهم أن الجوال في النماذج التي تُسوَّق اليوم هو حفيد اختراع وليس اختراعاً في ذاته. ولعل ما صاحب إطلاق آخر نماذج الجوال من حملة إعلامية عالمية تظهره وكأنه حدث لم يسبق له مثيل (اصطفاف الألوف أمام أبواب المتاجر منذ عشية يوم تسويقه)، يؤكد أن هذا الاختراع أصبح مجرد نتاج يقبل الناس عليه بدوافع عديدة وتكاد الغاية الأساسية من اختراعه أن تصبح في آخر قائمتها.

هل يمكن القول إن المخترعات تترهل؟
نعم, إذا جردنا مفهوم الترهل من النكهة السلبية التي يتضمنها. لأن مهارة التسويق، وهي اليوم أقوى من أي وقت مضى, قادرة على إبقاء هذا الاختراع لمَّاعاً وجذاباً, ومثيراً للدهشة المستحقة فعلاً.. إذ لا يهم المستهلك في شيء إذا كان الاختراع الأساس هو المدهش أم التطوير والإضافة, التي تبقى الأبواب مفتوحة أمامها, طالما أن هنالك مستهلك

أضف تعليق

التعليقات