طاقة واقتصاد

التسوّق في مصادر الطاقة
خيارات لا بدائل

  • 20-(cart-foreg)+
  • 23-(HU028581)
  • 24-(42-18378938)
  • 25-(26817187)
  • 26-(venturi-Eclectic)
  • 27-(42-17490441)

من الذُّرة مصدر الإيثانول إلى الذَّرَّة المتعثرة مع البيئة
هل يستطيع النفط أن يظل مصدراً أساسياً للطاقة في العالم، لا سيما مع تعاظم الحديث عن البيئة وضرورة حمايتها وتقليص أسباب تلويثها؟ وهل يمكن للعالم في سنوات قريبة مقبلة أن يستغني عن النفط، مع إقبال البحث العلمي والصناعي على تطوير ما يسمى بالطاقة البديلة، من الذَّرّة إلى الذُّرَة، لأسباب اقتصادية وأخرى بيئية؟
وكيف سيتطوّر سوق الطاقة في العالم، مع تزايد عدد سكان الكرة الأرضية، ومع نهوض اقتصاد بلدان منها الصين والهند، وزيادة حاجتها إلى الطاقة ومصادرها المتنوعة؟ وهل يمكن التوفيق بين مصلحة منتجي النفط ومستهلكيه، أم ان تناقض المصالح أمر حتم لا علاج له؟
في هذا التحقيق تقدِّم القافلة مختلف الآراء العلمية وبيانات الإحصاء، كما عبَّرت عنها المحافل الاقتصادية الجادة في العالم، ولا سيما مجلة بتروليوم إكونومست البريطانية، وصحيفة تشيكاغو تريبيون الأمريكية، وإدارة معلومات الطاقة الرسمية الأمريكية، وغيرها.
تُجمع دراسات استشراف المستقبل، على أن الربع القادم من القرن الواحد والعشرين سيشهد زيادة طلب الطاقة زيادة هائلة. إذ يشير توقع إدارة معلومات الطاقة، في وزارة الطاقة الأمريكية، إلى زيادة وتيرة استهلاك العالم في السنوات الخمس والعشرين القادمة %2 كل سنة، أي ان مجموع استهلاك العالم في العام 2030م سيزيد نحو %70 على الاستهلاك اليوم.

طلب متزايد
وستترتب نسبة كبيرة من هذه الزيادة على طلب دول نامية، ولا سيما الهند والصين، إذ يتوقع أن يتجاوز استهلاك الطاقة في الدول غير الأعضاء في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي في خمس سنوات، معدله في دول المنظمة أول مرة. أي ان الدول النامية ستفوق الدول الغنية في استهلاك الوقود. ويعزى جزء كبير من ذلك، إلى تزايد تعداد سكان العالم وتضيّق الفجوة في مستوى العيش بين دول العالمين المتقدِّم والنامي، ولكن سيبقى طلب استهلاك الطاقة في الدول الصناعية أيضاً منتعشاً. وعلى افتراض عدم تغيّر أي من عناصر هذا المسار قريباً، فلن يكون بد من طرق لتلبية الطلب الحاضر، مع مواصلة زيادة العرض في الوقت ذاته لمواكبة زيادة الطلب. وسيكون لزاماً إذن خلال العقود القادمة، زيادة الطاقة المتاحة للمستهلك حول العالم زيادة كبيرة.

في هذه الظروف، لا تزال المواد الهيدروكربونية تستأثر بنصيب الأسد من مصادر الطاقة.

ويشير توقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن أنواع الوقود الأحفوري ستحافظ على حصتها النسبية من السوق. وفي العام 2030م ستظل طاقة الزيت والغاز والفحم تستأثر بنحو ست من كل سبع وحدات طاقة يستهلكها العالم. وبسبب زيادة مجموع طلب العالم، يتوقع أن يزيد استهلاك الزيت والغاز والفحم زيادة مطردة، إذ سيزيد استهلاك الزيت، من نحو 85 مليون برميل في اليوم الآن، إلى نحو 120 مليون برميل في اليوم عام 2030م. وتتوقع إدارة معلومات الطاقة زيادة مصادر الطاقة المتجددة، ومنها الكهرباء المولدة بالطاقة المائية، في الربع القادم من القرن. ولكن حتى مع التطور التقني المتوقع في هذه المصادر المتجددة، فلن تزيد حصة مصادر الطاقة المتجددة في سد طلب الطاقة العالمي، إلا بنسبة %1 في السنوات الخمس والعشرين القادمة، من %8 الآن إلى %9 عام 2030م. وعند النظر في الطاقة البديلة، يلاحظ أن مصدراً مثل الإيثانول بدأ يلعب دوراً متنامياً لكنه غير موثوق فيه بعد، فيما أن الهيدروجين وخلايا الوقود لا يزال أمامها شوط طويل قبل أن تصبح مجدية في السوق. وهي جميعاً لا تزال تواجه عدداً من العقبات الفنية والتجارية التي تحتاج إلى حل.

ويرى الأستاذ عبدالله بن صالح بن جمعة، رئيس شركة أرامكو السعودية، في محاضرة ألقاها في مركز البيئة بجامعة هارفارد في مدينة بوسطن الأمريكية، وعنوانها: الطريق إلى مستقبل الطاقة ، أن طلب الطاقة المتنامي يعني أننا سنحتاج إلى إسهام كل المصادر، سواء أكانت هيدروكربونية تقليدية أم جديدة ناشئة، مثل الوقود الحيوي والهيدروجين. وبصفتي أحد رجال صناعة النفط، لا أرحب فقط بإسهام الوقود البديل، بل أعتقد أن هذا الإسهام سيكون ضرورياً إذا كان علينا أن نفي بحاجة مستهلكي الطاقة المتزايدة .

كم نستهلك، كم سنستهلك، كم سنحتاج؟
تستأثر الطاقة الأحفورية المستهلكة اليوم في العالم بنحو %85 من كل الطاقة المستهلكة. وحتى ندرك مسار الأرقام في هذا المجال، لا بد من مراقبة استهلاك الطاقة في سنوات ماضية. سنة 1998م كان الزيت يساوي %40 من مجموع إنتاج مصادر الطاقة في العالم. وسنتئذ كان العالم يستهلك 73.6 مليون برميل في اليوم (الغاز: %22.5 و82.2 تريليون قدم مكعبة في السنة، الفحم: %23.3 و5.01 تريليونات طن في السنة، الطاقة الذرية: %6.5 و2.3 تريليونات كيلووات ساعة في السنة، الطاقة المائية: %7.0 و2.6 تريليونا كيلووات ساعة في السنة، الطاقة البيولوجية وغيرها %0.7 و196 مليار كيلووات ساعة في السنة. (المصدر هو البيان السنوي في تقرير إنترناشونال إنرجي ).

وفي أرقام من سنة 1992م، قدر استهلاك البشر الطاقة من كل أنواع مصادرها في السنة الواحدة، بنحو 400 إكزاجول (أي ألف تريليون جول -مليون مليار جول- والجول هو الطاقة اللازمة لرفع كيلوغرام واحد نحو 10 سنتمترات عن سطح الأرض)، ويساوي هذا نحو 9500 مليون طن من مكافئ النفط في السنة.

وفي سنة 1992م كان الاستهلاك بحسب مصدر الطاقة هو التالي: النفط 131 إكزاجول (3128 طناً من مكافئ النفط)، الفحم 91 إكزاجول (2164 طناً من مكافئ النفط)، الغاز الطبيعي 75 إكزاجول (1781 طناً من مكافئ النفط)، الوقود البيولوجي 55 إكزاجول (1320 طناً من مكافئ النفط)، الطاقة المائية 24 إكزاجول (661 طناً من مكافئ النفط)، الطاقة الذرية 22 إكزاجول (532 طناً من مكافئ النفط).

وإذا كان عدد سكان العالم في تلك السنة يقدر بنحو 5300 مليون نسمة، وإذا افترضنا أن معدل استهلاك الفرد لم يزد ولن يزيد، على الرغم من أن الهند والصين تبدلتا تبدلاً كبيراً منذ سنة 1992م في أنماط الاستهلاك ومقداره، مع نهوض صناعتهما واقتصادهما، وإذا أخذنا بتقدير الأمم المتحدة أن سكان العالم سيراوح تعدادهم في سنة 2050م، بين 7.9 مليارات و10.9 مليار نسمة، فإن استهلاك العالم في سنة 2050م سيراوح بين 14.22 مليار طن و19.62 مليار طن من مكافئ النفط في السنة. فهل تستطيع المصادر البديلة أن تضيف الفارق بين ما ينتجه العالم اليوم من نفط وما سيحتاج إليه، وأن تسد الفراغ الذي سيتركه النفط، لو أوقف إنتاجه لأسباب تساق اليوم على الناس؟

احتياط يلبي حاجة العالم
ليس الزيت حاجة متزايدة عند العالم والشعوب فقط، بل انه أيضاً قادر على مواكبة زيادة الطلب، ولا يستطيع أي مصدر آخر حتى الآن أن يواكب. إذ لا يزال ثمة من الزيت ما يكفي لتلبية حاجة العالم عقوداً عديدة قادمة. فصناعة النفط كرَّست جهوداً وموارد هائلة لفهم طبيعة قاعدة مصادر كوكب الأرض النفطية. وخلصت إلى أن موارد النفط الباقية هائلة. فالاحتياط الثابت الآن من الزيت التقليدي يبلغ 1.2 تريليون برميل، حسب أرقام أرامكو السعودية، فيما يبلغ الاحتياط غير التقليدي القابل للاستخلاص أي الزيوت الثقيلة ورمال القار 1.5 تريليون برميل على الأقل. ويرى خبراء التنقيب والإنتاج، مع التقدم المستمر في التقنيات، إمكان العثور على تريليوني برميل من الحقول التي لم تكتشف بعد، وزيادة نسبة الاستخلاص من الحقول القائمة. وإذا اجتمع كل هذا، أمكن الحديث عما يزيد على 4.5 تريليونات برميل من الزيت القابل للاستخلاص، أي أكثر من 140 سنة من الحاجة، بوتيرة الاستهلاك الحاضرة.

وإلى جانب ما تبيحه التقنية الحديثة من آمال واعدة بتعزيز القدرة على استكشاف هذه الموارد وتطويرها ونقلها إلى المستهلكين، فهي تلعب دوراً مهماً أيضاً في حماية كوكب الأرض. ذلك أن تخفيف مضار إنتاج الطاقة واستهلاكها في البيئة الطبيعية، صار ضرورة متزايدة وحتماً مُلحّاً للمنتجين والمستهلكين وواضعي السياسة والمشرعين والمعنيين الآخرين. وثمة دور يتعين على كل هؤلاء أن يلعبه لتخفيف الآثار البيئية الناجمة من استخدام الطاقة، والموازنة بين المسؤولية حيال البيئة، والتزام توفير أسباب الرخاء والرفاه للمجتمعات والشعوب في الوقت نفسه. ويعد هذا التوازن المنشود من أهم التحديات التي تواجه كوكب الأرض اليوم.

تجربتنا الطموح
وفي هذا الإطار شرعت أرامكو السعودية منذ مدة، في عدد من البرامج لزيادة الطاقة، تنقيباً وإنتاجاً وتكريراً ومعالجة وتوزيعاً، للمحافظة على قاعدة الموارد وتوسيعها، ودعم طاقة الإنتاج وزيادتها من 11 مليون برميل في اليوم الآن، إلى 12 مليون برميل في اليوم عام 2009م. وستساعد مشاريع زيادة إنتاج الزيت الخام هذه في المحافظة على طاقة إنتاج فائضة تراوح بين 1.5 و2 مليوني برميل في اليوم، لضمان استقرار السوق، إذا طرأت ظروف غير متوقعة تؤدي إلى اضطراب إنتاج المنتجين الآخرين.

طاقة التكرير
ولدى أرامكو السعودية الآن طاقة تكرير تبلغ نحو أربعة ملايين برميل في اليوم، موزعة بالتساوي بين المصافي المحلية ومصافي المشاريع الدولية المشتركة. وخلال السنوات الخمس القادمة، ستدعم طاقة التكرير نحو %50، لتقترب من ستة ملايين برميل في اليوم. بل ان بعض هذا الاستثمار يوظَّف في الولايات المتحدة في مشروع موتيفا المشترك مع شل، لمعالجة شح طاقة التكرير في الولايات المتحدة. وتعمل مع شركاء دوليين في تطوير عدد من مجمعات التكرير والبتروكيمياء، عالمية المستوى في المملكة، لتلبية طلب العالم المتزايد منتجات مكررة ومواد بتروكيميائية ومشتقات.

الشجاعة السعودية
وقد لاحظت مجلة بتروليوم إكونومست التي تحظى باحترام واسع في المحافل الرصينة في العالم، في عددها الصادر في يونيو 2005م جهود المملكة العربية السعودية الشجاعة لزياد الإنتاج، في المدى القريب ، وقالت إن هذه الجهود تؤكد العزم على فعل ما تستطيع للمساعدة في العودة إلى أسعار معقولة . لكن السفير السعودي لدى الولايات المتحدة عادل الجبير قال للصحافيين في تكساس: لن يتبدل الحال إذا زادت السعودية شحن مليون أو مليوني برميل في اليوم، إلى الولايات المتحدة. إذا كنتم لا تستطيعون تكريرها، فلن تتحول إلى غازولين، ولن تؤدي إلى هبوط الأسعار .

وقالت المجلة أيضاً إن برنامج المملكة لزيادة الإنتاج جبار ، في كلا قطاعي النفط والغاز. فمن 11 مليون برميل في اليوم الآن ستزيد مشاريع توسيع الإنتاج مقدار ما تنتجه المملكة في اليوم، سنة 2009م إلى 12.5 مليون برميل، على الرغم من أن بعض الحقول يذوي وبعض البنى التحتية يشيخ. والزيادة المرتقبة، من جراء هذا الجهد، سيعوض التراجع ويتخطى إنتاج اليوم. فالمشاريع الجديدة لن تضيف 1.5 مليون برميل في اليوم، بل 2.3 مليونين، إلى طاقة الإنتاج. ذلك أن تراجع الإنتاج السنوي من خلال الحقول والبنى التحتية القائمة، يراوح بين 8 و%10. ولا يقتصر الجهد السعودي على زيادة طاقة الإنتاج بل يسعى كذلك في زيادة طاقة التكرير في المملكة.

ففي السنة الماضية أضيف 300 ألف برميل في اليوم إلى طاقة التكرير في حرض. وفي السنة الجارية تضاف 500 ألف برميل أخرى. وتمضي أيضاً على قدم وساق مشاريع فصل الغاز عن النفط في عدد من المواقع. ويعد مشروع أرامكو السعودية في خريص، وتكلفته 5 مليارات دولار أمريكي، أكبر مشروع تطوير سعودي نفطي في عقود من الزمان. فبالإضافة إلى معالجته 1.2 مليون برميل في اليوم، من النفط العربي الخفيف جداً، سيعالج أيضاً 115 مليون قدم مكعبة من الغاز في اليوم، و120 ألف برميل من الغاز الطبيعي المسال في اليوم. ناهيك بمشاريع حقل الشيبة في الربع الخالي وحقل النعيّم.

…الذُّرَة الأمريكية
وفيما لا بد من الاغتباط بتطوير مصادر طاقة متجددة ونظيفة واقتصادية، إلا أن نظرة إلى مراحل هذا التطوير في العالم، تشير إلى ضرورة تعزيز الجهود، وإلى عدم التسرع في القول بإمكان الاستغناء عن النفط.

فقد كتب كبير مراسلي جريدة تشيكاغو تريبيون غريغ بيرنز الخريف الماضي، مقالة استعرض فيها ما سماه انفجار الذُرَة وكان عنوانها: الإيثانول: نعمة أم نقمة؟ ، وأوضح الهجمة المتسارعة في بعض الولايات الأمريكية الزراعية لتوسيع زرع الذُّرَة، من أجل غرض استخراج الإيثانول، وهو وقود غير أحفوري، بل نباتي متجدد.

قال بيرنز إن ولايتي أيوا وإيلينوي وغيرهما تشهد إقبالاً لا نظير له على إنشاء مصانع الإيثانول، فيما يشتد طلب هذه المصانع الذُرة، من أجل تخميرها واستخلاص الوقود النباتي منها. ففي ولاية إيلينوي وحدها رصد 290 إعلاناً لعزم مستثمرين على إنشاء مصانع إيثانول. وفي الولاية الآن (أي الخريف الماضي) 6 مصانع تعمل فعلاً، ومصنع قيد الإنشاء، و34 طلب إنشاء مصنع. وروت المقالة عن مزارعين في ولاية أيوا، كيف تفرِّخ المصانع على مقربة من الأراضي والقرى الزراعية في كل اتجاه. ويحرّك هؤلاء المستثمرين مليارات الدولارات خصصتها الإدارة الأمريكية حوافز لمن ينشئ مصانع في هذا القطاع الجديد. أما المدن التي أنهكها الاقتصاد الراكد في الغرب الأوسط، فأقبلت على هذه المشاريع لمحاولة الخروج من وضعها هذا.

وأخذت المقالة تعدد الوجه الآخر من هذه العملة، والخطر المحدق بالصناعة الجديدة:
1 – فماذا لو تحول كل إنتاج الذّرة إلى صنع الإيثانول، وتوقف تصديرها. ماذا يحدث لكل الشركات والبنى التحتية المعدة أصلاً للتصدير، من أدوات تحميل وسفن شحن تعبر نهر المسيسيبي وغيره؟
2 – وماذا يحدث لقطعان البقر والدواجن الهائلة التي تعيش من الحبوب، لو تحولت هذه الحبوب إلى إنتاج الإيثانول، وماذا يحدث لسعر العلف حينئذ؟
3 – وماذا يحدث للبيئة الزراعية من جراء مستوى التلويث الذي ستأتي به هذه الصناعة إلى منطقة زراعية هي محور النتاج الزراعي الأمريكي، وما سيكون موقف المزارعين من هذه المصانع؟
4 وماذا يمكن أن يحدث إذا واصل سعر البنزين الأمريكي الهبوط من مستواه القياسي الذي أدركه الصيف الماضي، وماذا لو ظل سعر النفط في حدود معقولة؟
5 – وماذا لو اكتشفت المدن الكبرى أن مصانع الإيثانول ينبغي أن تنشأ بالقرب من المستهلكين، لا في الحقول الزراعية، لأنها أقدر على إدارة الصناعة من المناطق الريفية؟
6 – وماذا لو اكتشف العلماء نباتاً آخر أرخص من الذّرة، وأسهل زرعاً، يمكن صنع الوقود النباتي منه، بعد أن تكون مليارات لا تعد قد استثمرت في هذا القطاع؟
7 – وماذا لو حدث في كل عام ما حدث السنة الماضية لمصنعين ينتجان الإيثانول، حين تكدس إنتاجهما، واضطر مصنع ثالث إلى تأجيل عرض أسهمه على الجمهور نظراً لوضع السوق غير الملائم؟

وبعد كل هذه المخاوف التي خرج معظمها من عالم الافتراض والتحسب إلى عالم الأمر الواقع، عرضت المقالة تجربة بعض المستثمرين في القطاع، ومنهم ديفيد سيكوتا، الذي قال: إن بعض هذه المدن (المقبلة على حُمّى الإيثانول) ستتلقى جرعة من حس الواقع من حقائق صناعة الطاقة، فهي نقيض ما تعودوه .

واستعرضت المقالة بعض أرقام الإنتاج في زرع الذّرة وصنع الإيثانول، وهي تبين أن الأمريكيين ينتجون نحو 11 مليار بوشل (البوشل مقياس للحبوب يساوي 32.5 ليتر تقريباً) من الذرة في السنة، وأن صنع الإيثانول استهلك السنة الماضية نحو ملياري بوشل، أي %20 أكثر من السنة التي سبقت. وسيواصل الطلب الزيادة ما دامت المصانع تطلب المزيد، على ما يرى خبراء سوق الحبوب. ويستهلك المصنع الذي ينتج 100 مليون غالون في السنة من وقود الإيثانول، إنتاج 200 ألف هكتار من الحبوب. وتبدو صهاريج تخمير الحبوب بسيطة في الظاهر، وتوضع فيها الذرة مع الماء والخميرة. وبعد التخمر يقطر السائل ويستخرج منه الوقود. وتمزج الكحول الناجمة من التقطير بالكازولين، وأما المتخلف من الذرة فيُطعم للمواشي. غير أن بعض المواشي وكل الدواجن لا تأكل هده المخلفات، التي يأكلها البقر. وهذا يعني تبديل كل صناعة تربية المواشي وإحلال البقر محل كل ما عداها، حتى الدواجن، التي سيرتفع سعرها ارتفاعاً لا يمكن التكهن به.

وإذا كانت سوق الوقود تحتاج إلى الاستقرار في الإنتاج وثبات وتيرة تدفق المنتجات إلى السوق، فماذا تفعل صناعة الإيثانول في مواسم الجفاف وأوبئة المرض التي تصيب الزراعة من حين إلى آخر؟

وفوق هذا تراكم في ملفات مصانع الإيثانول سجل بيئي غير مشرق، حتى أن %83 من المصانع العاملة في صنع الإيثانول، كانت لها قضايا بيئية مع وكالات الرقابة، حسبما يقول المدعي العام في ولاية إيلينوي. ويخشى صاحب الأراضي تشاك فنفرتلو تلوث الهواء والمياه الجوفية، وتؤرقه فكرة مئات الشاحنات وهي تذرع الحقول جيئة وذهاباً، حيث يركب أولاده الدراجات الهوائية إلى مدارسهم. وفي بلدته، أسس صاحب مصرف محلي جمعية من السكان لمعارضة إنشاء مصنع خُطط لإقامته في الجوار. وفي بلدة أخرى وصل الأمر بالسكان إلى رفع دعاوى تتهم بعض الموظفين الرسميين بمخالفة القوانين في مسائل تتعلق بمصانع الإيثانول. وشكت بلدات غير هاتين، روائح كريهة تصدرها مخامر الإيثانول، على نحو قد يجعل تكلفة الوقود الجديد البيئية، تكلفة باهظة.

اليابان والذَّرَّة
ولا تبدو الطاقة الذرية في حال أفضل الآن من الطاقة المستخلصة من النبات في هذه المرحلة من مراحل تطويرها. إذ ترى بتروليوم إكونومست أن الزيت لا يزال مصدر الطاقة المسيطر في اليابان. كان يبلغ %77 من الحاجة إلى الطاقة. وتراجع الاستهلاك قليلاً في مرحلة الركود الاقتصادي، لكنه الآن (2005م) يبلغ 5.3 ملايين برميل في اليوم. ويتوقع أن يشتد الطلب في المستقبل فيضغط على شركات النفط لتوفر المزيد من المدد .

وتضيف المجلة المتخصصة، أن %90 من النفط الذي تستورده اليابان يأتي من الشرق الأوسط. ولذا تهتم اليابان بمشاريع الغاز في أقصى شرق سيبيريا. وتتخذ مركزاً في مشاريع أخرى في أذربيجان وكازاخستان.

وليست اليابان استثناء، فالصين أيضاً، وهي منتج كبير للنفط والفحم، لا تكتفي بإنتاجها، لتلبية الطلب المتعاظم. والحق أن طلب الطاقة الآن هو أحد أكبر التحديات التي تواجه النمو المستدام في شمال شرق آسيا. ومع ان نفط الشرق الأوسط يتوقع أيضاً أن يلعب دوراً في تلبية الطلب الإقليمي (في هذه المنطقة) في المدى البعيد، فثمة بدائل.

وذكرت المجلة أزمة طوكيو إلكتريك باور (شركة الطاقة الكهربائية في طوكيو) التي اضطرت إلى وقف العمل في 17 مفاعلاً ذرياً سنة 2004م، بعد ظهور شقوق سنة 2002م في بعض مفاعلاتها. وهي أكبر شركة طاقة خاصة في العالم. وقد أدت القضية إلى جعل اليابان أشد الدول في العالم في الاحتياط الذي تتبعه لأمان محطاتها الذرية، لكن هذا شيء واستعادة ثقة الناس في أن استخدام الطاقة الذرية آمن شيء آخر.

وحادثة تشرنوبيل في أوكرانية، في العهد السوفياتي ليست بعيدة عن الذاكرة. كذلك لا تسير أمور الطاقة الذرية في العالم بيسر وسهولة، مع اشتداد ساعد المنظمات البيئية، وتحرك السكان المحليين في كل مرة يظهر مشروع لإنشاء محطة ذرية هنا وهنالك. وإذا علمنا أن اليابان كانت تمتلك في سنة 2005م أربعة وخمسين مفاعلاً ذرياً لإنتاج الطاقة الكهربائية، وأن إنتاج هذه المفاعلات يسد %34 من حاجة البلاد إلى الطاقة الكهربائية، لأدركنا ضخامة المشكلة. ومن هنا، نشأت الحاجة إلى إعادة الثقة إلى القطاع وبه، باتخاذ ما يلزم من خطوات تكنولوجية وقانونية ورقابية وحتى سياسية.

الطاقة والتنمية
الطاقة تلعب دوراً مهماً في حياة الأفراد والمؤسسات في العالمين المتقدم والنامي. وفي أجزاء كثيرة من العالم، لا يزال يفتقر نحو 2.4 بليوني نسمة إلى أي نوع من خدمات الطاقة المعاصرة. ووفقاً لبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة، يعد الحصول على الطاقة المعاصرة ضرورياً لخفض نسبة الفقر إلى النصف بحلول العام 2015م، وهذا هدف يلقي بظل ثقيل على البيئة وصناعة الطاقة.

هذه القضايا حقيقية، ولا حلول بسيطة لها، بل انها تحتاج إلى معالجة يشترك فيها جميع الأطراف المعنية، مستهلكين ومنتجي طاقة وحكومات. ولما كان العالم يواجه مستقبلاً يحتاج فيه إلى الطاقة المشتقة من جميع المصادر، ولما كانت مصادر الطاقة البديلة تحتاج إلى وقت حتى تتمكن من النمو والإسهام في مدد الطاقة العالمي، فلا بد من إلقاء نظرة أقرب، على مصادر الطاقة الكبرى في السنوات القادمة. فإذا تجاهل العالم أهم مصادر الطاقة في العقود القادمة ومن أبرزها الزيت فإن هذا الإهمال يحبط المساعي البيئية والاقتصادية التي وضعها العالم نصب عينيه. فالحصول على طاقة اقتصادية ومضمونة المصدر ضروري لتعزيز الرفاه ومكافحة الفقر وتحسين مستوى عيش المجتمعات ودفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي الوقت نفسه، على عاتق المسؤولين تجاه الأجيال الحاضرة والقادمة مسؤولية حماية البيئة وأنماطها الطبيعية. وما يتقرر بشأن الطاقة، لا بد وأن ينسجم مع ما يتقرر في أمر التنمية الاقتصادية والبيئة. وهذا هو التحدي الحقيقي.

طاقة مساندة
يستهلك العالم اليوم نحو 210 ملايين برميل في اليوم من مكافئ النفط، معظمها من عدد محدود من المصادر، ومنها المصادر المتاحة للولايات المتحدة نفسها. فالزيت يسد نحو %40 من حاجة العالم إلى الطاقة، فيما يسد كل من الفحم والغاز الطبيعي أقل قليلاً من ربع الحاجة، وتلبي الطاقة المائية وبدائل أخرى نحو %8، والطاقة النووية %6. وعلى الرغم من كل هذا الاهتمام بمصادر الطاقة المتجددة والبدائل الأخرى، لا يزال الوقود الأحفوري، أي الفحم والزيت والغاز، يستحوذ على %85 من مجموع مدد الطاقة في العالم. ولما كان عدد بدائل مصادر الطاقة الممكنة محدوداً، فلا مفر من الاعتراف بأن الخيار المتاح لواضعي سياسة الطاقة والمنتجين والمستهلكين، خيار محدود نسبياً أيضاً. ومرونة الاختيار المتاحة للعالم مرهونة بالأفق الزمني المتاح، ولعل المستقبل يتيح متسعاً أرحب للاختيار.

ولا يغيب عن العارفين أن لكل من قطاعات الطاقة حركته الخاصة بمصادره. فلتوليد الكهرباء مثلاً ثمة مصادر تسهم كثيراً. إذ يعتمد قطاع توليد الكهرباء في الولايات المتحدة، طبقاً لوزارة الطاقة الأمريكية، على الفحم في نصف حاجته تقريباً، ويسد الغاز والطاقة النووية نحو %19 من الحاجة، والطاقة المائية %7. ويسهم الزيت بنسبة %3 فقط من الوقود المستخدم لتوليد الكهرباء، فيما تسد الحاجة الباقية، ونسبتها %2، مصادر الطاقة المتجددة الأخرى غير الطاقة المائية. وفي مقابل التنوع النسبي في مصادر الطاقة لتوليد الكهرباء، تجد أن الزيت هو مصدر نحو %97 من حاجة قطاع النقل، فيما يسد حاجة النسبة الباقية، الغاز المضغوط والوقود الحيوي والمصادر الثانوية الأخرى.

الوقود المفضَّل
والأسباب التي تجعل الزيت الوقود المفضَّل في قطاع النقل البالغ الأهمية واضحة، بعدما أثبتت التقنية المعتمدة على الزيت كفاءتها 150 سنة تقريباً، وهي تقنية لا تزال تتطور. كذلك يمتاز الزيت بوفرته وانتشار البنية الأساسية المرتبطة به في كل زوايا العالم، تنقيباً وإنتاجاً ومعالجة وشحناً وتخزيناً وتوزيعاً، علاوة على تركّز محتوى الطاقة فيه وجهوزه للنقل.

ويقول جمعة: ليس التزام أرامكو السعودية تجاه الأطراف التي تخدمها، مجرد أنابيب ومشاريع نفط، بل شراكة واستمرار في الوفاء بالوعد. فقبل نحو 75 عاماً، منحت المملكة العربية السعودية إحدى الشركات الأمريكية امتيازاً للتنقيب عن الزيت في المنطقة الشرقية من المملكة. وكان هذا الاتفاق بمثابة الأساس لنشأة أرامكو السعودية وتطورها، وعليه فلم ننس أبداً خلال العقود السبعة الماضية تلك القوة الهائلة التي حصلنا عليها من هذه الشراكة. وندرك اليوم أن استمرار نجاح شركتنا مرتبط بمدى قوة الاقتصاد الأمريكي والسوق الأمريكية. ولقد ظلت أرامكو السعودية سنوات عديدة واحداً من أكبر المصدرين للزيت إلى الولايات المتحدة، للمساعدة في المحافظة على مستوى عيش مرتفع ودفع عجلة تنمية الاقتصاد في هذا البلد .

ويضيف قوله: وبقدر ما تتطلع الولايات المتحدة إلى طاقة المملكة العربية السعودية، نتطلع نحن إلى الولايات المتحدة، فنحن في المقام الأول بحاجة ماسة إلى السوق الأمريكية وإلى إيراد صادراتنا إليها، قدر حاجة هذا السوق إلى نفطنا. وأمريكا بمثابة القاطرة التي تحرك اقتصاد العالم، وهي بذلك تساعد في المحافظة على طلب العالم سلعتنا الأساسية، الزيت الخام. وبصفتنا منتجاً للطاقة، نعوِّل على قوة اقتصاد العالم، وهذا الاقتصاد يعوِّل على الولايات المتحدة. أضف إلى ذلك أن العديد ممن نتعامل معهم من شركات النفط وشركات البضائع والخدمات الممتازة ومؤسسات البحث والتعليم موجودة في الولايات المتحدة. ومن ثم فما زلنا نتطلع إلى علاقات عمل مع الشركات الأمريكية، لسمعتها العريقة في مجال الابتكار والإبداع والخدمات الهندسية وخدمات حقول الزيت الرفيعة، كذلك نتطلع إلى معداتها البالغة الدقة والتطور، التي نستخدمها في جميع مواضع العمل لدينا. وما من شركة أو دولة، مهما يكن قدرها وإمكاناتها، تستطيع مواجهة هذه التحديات أو اغتنام هذه الفرص منفردة. بل ان تلبية طلب العالم المتزايد للطاقة، وفي الوقت نفسه حماية كوكبنا، يحتاجان إلى أسلوب عملي تتكامل فيه هموم المنتجين والمستهلكين وكل المؤثرين في سياسة الطاقة، وإسهامهم جميعاً .

وقال: دعونا إذن نبذل جهودنا بالتزامن على مختلف الصعد، لطرح مصادر الطاقة البديلة المتنوعة في السوق والعمل لتطوير استخدام أنظف وأجدى للمصادر الهيدروكربونية الحاضرة، والسعي في تقليل الآثار البيئية الناجمة من استخدام الطاقة. فبتنسيق جهودنا والبناء على قاعدة صلبة من الموارد والثقة والشراكة، سننجح إن شاء الله في صنع مستقبل الطاقة المستدامة، الذي نستحقه وتستحقه بلدان العالم .

أضف تعليق

التعليقات