حياتنا اليوم

إدريس الشرايبي..
الذي حمل المغرب معه على الدوام

  • 68-69-(painting)

في مطلع شهر أبريل المنصرم، توفي في فرنسا الكاتب والروائي المغربي إدريس الشرايبي عن عمر ناهز الواحدة والثمانين، ونُقل جثمانه إلى المغرب ليدفن في الدار البيضاء. الكاتب
محمد القاضي يسلِّط الضوء على صورة هذا الأديب العربي الكبير الذي حظي بشهرة في المغرب وحتى في فرنسا، تفوق تلك التي حظي بها في المشرق.
ولد إدريس الشرايبي في 15 يوليو 1926م، بمدينة الجديدة، أحبِّ المدن المغربية إلى قلبه، نظراً إلى تاريخها الخاص، فخلَّدها في أعماله الروائية الكثيرة وفي مجموعته القصصية من كل الآفاق .

تلقَّى تعليمه بالكُتَّاب في مسقط رأسه، ثم انتقل إلى الدار البيضاء لمتابعة دراسته في ثانوية ليوطي ، وسافر بعدئذ إلى فرنسا عام 1946م ليدرس الكيمياء. فدخل تاريخ المغرب المعاصر كأول مهندس مغربي يحصل على دبلوم الدراسات العليا في الهندسة الكيميائية، وكان ذلك في العام 1950م.

إلا أن هذا الشاب سرعان ما شعر بالملل من وظيفته مهندساً، فما كان منه إلا أن غادرها من دون أسف كبير ليتابع دراسات متقطعة في الطب النفسي. وراح في سبيل تأمين معيشته يعمل في عدد من المهن المتواضعة من دون أن يستقر على حال. فعمل حارساً ليلياً وحمَّالاً وعاملاً في أحد المصانع، ثم مدرِّساً للغة العربية ومنتجاً في الإذاعة الفرنسية، وأخيراً وليس آخراً مدرساً للأدب المغربي في جامعة لافال بكندا.

كان الشرايبي يعشق السفر والترحال، لكنه انتهى مقيماً في فرنسا. ورغم ذلك، لم تبعده المسافات عن حب وطنه الذي حمله معه في وجدانه وأحاسيسه أينما حل وارتحل. هذه التجربة الغنية كان لها إسهام مؤكد في تمكين صاحبها من تقديم إنتاج متميز بعمقه وواقعيته.

من الهندسة الكيميائية
إلى الكتابة الأدبية
استهواه العمل الصحافي والأدب، وتفرغ للكتابة والإبداع الأدبي في القصة والرواية منذ الخمسينيات الأولى. فكان رائداً على أكثر من مستوى.

كان من المغاربة الأوائل الذين كتبوا بلغة المستعمر (الفرنسية) بعد رواية (موزاييك) لعبدالقادر الشطي التي صدرت سنة 1932م، من دون أن ينجرف نحو إرضاء الآخر عن طريق التصوير الفلكلوري للواقع المغربي، كما فعل الكثيرون من أبناء جيله. يضاف إلى ذلك أن الكاتب يعتبر واحداً من مؤسسي الرواية المغربية، كما يشهد على ذلك مؤلفه الماضي البسيط ، فضلاً عن أنه كان سباقاً إلى كتابة الرواية البوليسية من خلال نصه الناضج والمشوق المفتش علي . وأخيراً، فقد ظل الكاتب والأديب إدريس الشرايبي من بين الكتَّاب الذين حظيت أعمالهم بإقبال كبير من طرف جمهور القرَّاء في العالم الناطق بالفرنسية، وظلت روايته الماضي البسيط التي كتبها سنة 1954م تحافظ على ارتباط قوي بالكاتب، وأصبحت تدرَّس في عدة جامعات، على الرغم من ردود الفعل التي جابهها بها عند إصدارها أغلب المثقفين المغاربة، فيما قوبلت بالاحتفاء في أوساط المثقفين بفرنسا، كما حظي الشرايبي بعدد من الدراسات النقدية في المغرب وفرنسا وبلجيكا والجزائر، وترجمت أعماله إلى عدد من اللغات.

تواصل إنتاجه الغزير منذ الخمسينيات من القرن الماضي وحتى نهاية عمره، وحصل على جوائز أدبية من بينها جائزة إفريقيا المتوسطية على مجموع أعماله عام 1973م وجائزة الصداقة الفرنسية-العربية سنة 1981م، ثم جائزة مونديللو على ترجمته لكتاب ولادة في الفجر في إيطاليا. وانضم إلى اتحاد كتَّاب المغرب في 17 مايو 1961م.

وفي تكريم للراحل إدريس الشرايبي، حيَّا الكاتب الطاهر بنجلون ذكرى رجل ملتزم وشجاع ، فتح الطريق أمام عدد من أجيال الكتاب المغاربة .. وأضاف: إنه الأفضل بيننا، لقد كان أستاذنا. إنه كاتب كبير .

الكاتب المزعج
لُقِّب الكاتب إدريس الشرايبي بالكاتب المزعج نظراً لأسلوبه الساخر وتناوله العميق. تميز قلمه بالشغب الجميل والجرأة دون مهادنة والكلمة الصافية الصادقة، واللغة الساحرة والعميقة التي تشدك إليها، تلك اللغة الواصفة التي تضم في أحشائها الفكرة إلى الجمال، ويمتزج داخلها الإبداعي بالاجتماعي والسياسي والتاريخي والفكري. ثم القدرة على إثارة فضول القرَّاء وانتقاداتهم القوية، وذلك بسبب ما تميزت بها الكتابة الروائية لديه من جرأة فكرية وأدبية، ونقد قوي وقاسٍ للمجتمع وعاداته وتقاليده، ولما اعتبره ركوداً وجموداً ثقافياً غير مسوَّغ، فأثار الانتقاد بعد صدور روايته الأولى الماضي البسيط بسبب ما اعتبره أثراً إيجابياً للاستعمار المقترن بأفكار أوروبية جديدة، والقادر على أن يسهم في نهضة المغرب وتقدمه.

تدور هذه الرواية حول أزمة الشباب المغربي مع مجتمعه التقليدي، هذه الأزمة التي تتجلى من خلال ثورة الابن على أبيه المتسلِّط الذي لن يخجل من قتل ابنه الأصغر الرافض للانصياع له. فالأب يُخضِع كل الأسرة للخوف والصمت والعبودية. وحول هذه الرواية يقول طاهر ابن جلون إنها ظهرت حين كان المغاربة يقاومون من أجل الاستقلال، فاستقبلوا بشكل سيئ هذه الرواية التي تجرأت على نقد المجتمع التقليدي، فيما كانوا يريدون طرد فرنسا من المغرب باسم هذه الهوية الوطنية بالذات .

لقد استقبل النقاد الفرنسيون الرواية بترحاب كبير في مقابل اتهام كاتبها بالخيانة لبلده من طرف مواطنيه المغاربة الذين رفضوا نقده اللاذع للمجتمع التقليدي. ويرى الدكتور الأديب أحمد المديني: أن إدريس الشرايبي لم يذنب إلا في عرف من سطحوا الأدب منذ فجر الاستقلال .

كان على إدريس الشرايبي أن ينتظر سنوات طويلة، أي 13 سنة، لتخصص له المجلة الثقافية (أنفاس) التي كان يديرها الشاعر عبداللطيف اللعبي بين سنتي 1966 و1971م عددها الأول ليرد له الاعتبار لدى نخبة مثقفة كانت تفضل الغرب الغازي على مقاومة المحافظة والاستبداد السياسي الذي بدت ملامحه في ذلك الوقت. وحاول بعد ذلك أن يخفف لغته اللاذعة وكتب روايات قربته أكثر من المغاربة من بينها إرث مفتوح .

كان إدريس الشرايبي يعلن في كل لقاءاته أنه لا يتخلى عن ثقافته في كل ما يكتب، ولا عن مغربيته حاملاً معه تلك الثقافة وهو على يقين من أنها تفيد ثقافة أناس آخرين، عندما تنقلها إليهم بلغتهم، منطلقاً من أن الإنسانية في ذاتها، ثقافة كبيرة تتكلم أكثر من لغة، وتعبِّر عن الأشياء بأكثر الصيغ اختلافاً، لكن الأشياء التي تعبِّر عنها تلك اللغات والألسنة، واحدة لا تتغير، ولا تحكي غير القيم الإنسانية النبيلة والأبدية.

لا تأخذوا أحداً على محمل الجد
ظلَّت كتابات الشرايبي التي ولجت الفن الروائي العالمي من بابه الواسع محكومة إلى حد كبير بالسخرية الجادة والتهكم من الواقع. ونذكر مثلاً من الكلمات البليغة التي ترمز إلى فلسفة السخرية المعهودة في خطاباتها ما قاله في أحد لقاءاته بمدينة الجديدة (مسقط رأسه) لا تأخذوا أبداً أحداً على محمل الجد ولا حتى أنا . ورغم تنوع المواضيع والقضايا التي طرحها، بقيت كتاباته مطبوعة على عقود من الزمن بالجرأة الأدبية والفكرية والنقد الصريح اللاذع. وربما هذا ما جعل بعض النقاد يصفونه بالكاتب المزعج.

ويبدو هذا الوصف طبيعياً بالنسبة إلى مبدع متمرد ومفكر ثائر اختار الكتابة الروائية أداة لمناهضة كل أشكال الاستلاب ومظاهر التخلف، معتمداً في ذلك على أسلوب أدبي رائع وقلم سيال يروم أساساً إيقاظ الوعي الاجتماعي لدى القارئ.

وفي إعادة قراءة لمجمل أعماله، تقول جريدة لوموند الفرنسية، إن الشرايبي نقل الأدب المغربي إلى عصر الحداثة. مشيرة إلى أن روايته الماضي البسيط لا تزال حتى اليوم موضوع عدد كبير من الأطروحات الجامعية.. رغم مرور أكثر من نصف قرن على ظهورها.

أشهر أعماله الأدبية
1 – الماضي البسيط (غاليمار 1954م)
2 – الحمار (غاليمار 1956م)
3 – من كل الآفاق (1958م)
4 – الجمهرة (1961م)
5 – إرث مفتوح (غاليمار 1962م)
6 – صديق سيأتي لرؤيتك (1967م)
7 – الحضارة أمي (غاليمار 1972م)
8 – موت في كندا (1975م)
9 – مولد في الفجر (1986م)
10 – أم الربيع (1995م)
11 – رجل الكتاب (1995م)
12 – المفتش علي والمخابرات الأمريكية (غاليمار 1995م)
13 – أم الربيع (سوي 1995م)
14 – المفتش علي (دونويل 1996م)
15 – قرأ، سمع، شاهد (دونويل 1998م)
16 – تحقبق في البلد (سوي 1999م)
17 – العالم التائه (دونويل 2001م)
18 – العالم جانبا والرجل القادم من الماضي (2004م).

أضف تعليق

التعليقات