علوم

حامض، حلو، مالح، أومامي وكوكومي

كم مذاقاً يمكننا أن نميّز؟

page 27الذوق إحدى الحواس الخمس، إلى جانب البصر والشم واللمس والسمع. وأداة حاسة الذوق عند الإنسان، هي اللسان، وحتى بعض أجزاء الفم والبلعوم. لكن الدراسات العلمية الحديثة أخذت توسّع مجال معرفتنا لحاسة الذوق، من أجل الرد على مسائل عديدة، منها: لماذا يفترق ذوق شخص عن شخص، أو كيف يمكن استثمار معرفة الأذواق في صناعة الطعام، أو حتى، هل يمكن أن تكون لمعرفتنا المحسَّنة للذوق وأسلوب عمله فائدة ما في المجال الطبي والصحي؟ أو قد تكون الأبحاث مجرّد استجابة لفضولنا: لماذا يستحبّ بعضنا إفطاراً من البيض واللّحم، ويفضِّل آخرون شيئاً من الجبن والمربّى؟

كانت المذاقات الأساسية التي تعارف عليها الناس منذ القدم أربعة: الحامض والحلو والمالح والمرّ. لكن هذه المعرفة الأساسية تظل قابلة للتطوير، على النحو الذي طوّرنا به اعتقاد الإغريق بأن العناصر الأساسية التي تتكون منها المادة هي أربعة: النار والهواء والماء والتراب. أما ألوان قوس قزح السبعة التي اعتُمدت ألواناً أساسية مدة من الزمن، فقد تبيَّن أنها جميعاً يمكن إعادة تكوينها من ثلاثة ألوان، هي: الأحمر والأخضر والأزرق، وهي الألوان الأساسية المستخدمة في الطباعة.

هكذا، تبيّن أن طعم المأكولات على اختلافها، أغنى بكثير من أن تحصره أربعة مذاقات أساسية. ذلك أن التركيب الكيميائي للأطعمة أغنى من أن يتكوّن من نسبٍ مختلفة من هذه المذاقات الأساسية الأربعة وحدها. وقد عرّف اليابانيون مذاقاً أساسياً خامساً، بات معترفاً به من الناحية العلمية، سمّوه: «أومامي»، وهم في صدد تثبيت الحقيقة العلمية للمذاق السادس، وقد سمّوه: «كوكومي»، فنكون بذلك أمام ستة مذاقات أساسية، تتكوّن منها أنواع الطَّعْم والنكهة المختلفة، في خليط نسبٍ تتباين، بين طعام وطعام.

إن اكتشاف المذاق السادس وكل أسراره، يفتح المجال أمام استثمار هذا المذاق في نواحٍ عديدة، منها تطوير صناعة مطيّبات الطعام، وتسويقها في التجارة. لكن الأهم من ذلك، أن الاكتشاف يفتح المجال أيضاً أمام استثماره في المجالين الصحي والطبي، لا سيما عند الشيوخ الذين يفقدون حس المذاق وبالتالي الشهيّة إلى الطعام، ويفقدون معها القوة والصحة. فهل يكون في المذاق السادس سرٌّ تستفيد منه البشرية لمقاومة الشيخوخة؟

page 28 aكيف نتذوّق وماذا نُحب؟
عند كل إنسان بالغ نحو 10 آلاف بُرعُم تذوّق، منتشرة على الجانب الأعلى من اللّسان وفي نواحي الفم والبلعوم. والبراعم هذه، التي تجعل اللسان خشن الملمس، موزّعة على نحو 100 نوع، كل نوع مختلف عن الآخر في تلقي المذاق. وهي تستجيب لمختلف المواد المكوّنة للأطعمة التي نتناولها. ولكل تركيبة كيميائية من الطعام رد فعل واستجابة خاصة و«تفسير» مختلف لمذاق الطعام. وللبراعم في جذورها أعصاب تنقل المذاق إلى الدماغ، حتى تكتمل دورة معرفتنا لهذا المذاق. وإذا كانت المذاقات الأساسية أربعة، فإن مذاق «أومامي» الخامس الذي اكتُشف منذ نحو قرن، يختص بمذاق الأطعمة الدسمة كاللحوم.

غير أن الإنسان تعلّم في كثير من الحالات أن يطوّر ذوقه في الأطعمة أو المشروبات، فعلى الرغم من أن المذاق المرّ هو الذي علينا أن نتجنبه في الأصل، مخافة ابتلاع مواد سامة أو ضارة، إلا أن البشر تعلّموا أن يستطيبوا بعض المرّ غير السام أو الضار، من طعام أو شراب، مثل القهوة المرّة، والفلفل الحار. فمع أن هذا الفلفل ينشّط خلايا الألم في اللسان والفم، إلا أن نحو ثلث البشرية يأكلون الفلفل الحار كل يوم. ويشير هذا الأمر إلى أن الذوق «أمر يتعلّمه» الإنسان بالتجربة، مستنداً إلى الاستكشاف الذي يستخدم فيه براعم لسانه وفمه.

الأبحاث اليابانية
ما هي قصة المذاقين -الإضافيين- اللذين اكتشفهما اليابانيون؟
سُمّي «أومامي» (Umami) بالمذاق الخامس، بعدما اكتشفه العالِمْ كيكوناي إيكادا (من جامعة طوكيو الإمبراطورية، الآن: جامعة طوكيو) سنة 1908م. فقد اكتشف هذا العالِم في شوربة «داشي»، المكوّنة من تونا وأعشاب بحرية، طعماً ليس له تصنيف مع المذاقات الأساسية الأربعة. وتبيَّن له في التحليل الكيميائي، أن مصدر هذا الطعم، هو الغلوتامات الأحادية الصوديوم، فأعطاها اسماً يدمج كلمتين يابانيتين، تعنيان: لذيذ، وطَعم. وقد حظي هذا الاكتشاف بعد شكوك، باعتراف العلماء في العالم.

أما «كوكومي» (Kokumi) الذي يواصل العلماء أبحاثاً حوله منذ 1980م، فثمة بَعْدُ شك في أنه قد لا يكون ظاهرة فيسيولوجية. واسمه مركب من كلمتي: غني، وطعم، ويوصَف بالسماكة وأنه يثير الحماسة و«يملأ» الفم، ومن مصادره الثوم والبصل. وقد أثبتت التحاليل الكيميائية أن المواد التي تعطينا هذا المذاق، هي «ببتيدات غلوتاميل غاما». لكن الأبحاث لا تزال تدرس علاقة بعض خلايا الذوق في اللسان، أو أي جزء آخر من الفم، تلتقط هذه الكيمياء و«تفسّرها» مذاقاً خاصاً.

وإذا كان ثمة شك لا يزال قائماً في شأن «كوكومي»، فإن هذا الشك ظل أيضاً قائماً حيال «أومامي» بعض الوقت، حتى اكتشف العلماء الخلايا المتلقية للغلوتامات في اللسان والقناة الهضمية. لكن سنوات الشك هذه، لم تمنع النجاح التجاري الذي أحرزته هذه النظرية، إذ ازدهرت صناعة الغلوتامات الأحادية الصوديوم وبيعها، بعدما تأسست لهذا الغرض شركة صناعية سنة 1909م، أخذت تصنع وتبيع مطيبات الطعام المصنوعة من هذه المواد الكيميائية.

الفائدة التجارية والصحية
page 28 bاكتشف تاكاشي ساسانو (من جامعة توهوكو) أن فقدان المسنين القدرة على تذوّق «أومامي»، على علاقة بسوء التغذية لديهم. فما كان منه إلا أن أضاف إلى وجبات طعام متطوعين مسنين، مواد غنية بمذاق «أومامي»، ولاحظ تحسناً في شهيّتهم ووزنهم وصحتهم عموماً. لكن دراسات أخرى وجدت العكس، إذ إنها لاحظت أن «أومامي» تؤدي إلى الشبع، وبالتالي تلجم الشهيّة. والواقع أن كلا الأمرين يمكن أن يكون صحيحاً، فقليل من الملح يفتح الشهيّة، أما كثيره فمنفّر للآكل. وإذا كان «أومامي» حافزاً للشبع، فيمكن إذاً أن يكون مفيداً لتخفيف السمنة بالحمية الغذائية.

«كوكومي» واحتمالاته
يظن بعض الباحثين أن «كوكومي» قد يكون في مثل نجاح «أومامي». فقد حاول دكتور موتوناكا كورودا أن يختبره لمعرفة كيف يؤثر هذا المذاق في الطعام الذي تضاف إليه «ببتيدات غلوتاميل غاما» مع مادة «فاليل غلايسين». فمزج بعض هذه المواد بشوربة دجاج وزبدة فستق قليلة الدسم. فوجد المتطوعون في الاختبار، أن الطعام أدسم من المعتاد. لذلك اقترح كورودا أن تُستخدَم هذه الطريقة لجعل الأطعمة القليلة الدسم أطيب مذاقاً، تماماً مثلما أدت «الغلوتامات الأحادية الصوديوم» إلى تحسين الشهية، للأطعمة القليلة الملح.

فهل يمكن مع «كوكومي» أن تتكرر قصة نجاح «أومامي» التجارية والصحية؟ المسألة لا تزال قيد البحث، لكن الثابت الآن هو أن الأطعمة، إذا أضيف لها غذاء غني بمادة «ببتيدات غلوتاميل غاما»، فإن المذاق يصبح ألذ طعماً. لكن كورودا لا يظن أن «كوكومي» هو المذاق الأساسي السادس، ويرى الباحث الدانماركي أولي موريتسن أنه قد يكون و«أومامي» وجهين لعملة بيولوجية واحدة.

الذوق
أصل معنى كلمة الذوق، تحسس طعم الشيء واستكشاف نكهته ومذاقه بلساننا. ونستخدم في أحيان كلمة التذوق ومشتقاتها، في حالات المبالغة، فنقول عن أحدهم، إنه لم يذق طعم الأكل، أي إنه لم يأكل شيئاً البتة، حتى إنه لم يذقه. ونقول أحياناً: لم أذق طعم النوم، تعبيراً عن الأرق.Taste_high_lifeومن حاسة الذوق التي أداتها الأساسية اللسان، نقول إن فلاناً ذوّاقة، أي إن حاسة «الذوق» لديه رفيعة مرهفة، يمكن الاستدلال الصحيح بها والوثوق بحكمها. أما صنعة المتذوق، الذي وظيفته في المطاعم الكبرى ومصانع الطعام والشراب، فهي أن يتذوّق الشيء بعد إعداده ليجيزه أو يحجبه، ويكون حكمه مبرماً.

وفي لسان العرب: الذوق مصدر ذاق الشيء، والمذاق طعم الشيء. وتقول: ذُقتُ فلاناً وذُقتُ ما عنده، أي خبرتُه. وتذوّقت الطعام، أي ذُقتُه شيئاً بعد شيء، وأمرٌ مستذاقٌ أي مجرَّبٌ معلوم. والذوق يكون فيما يُكرَه ويُحمَد. قال الله تعالى: {… فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ …} (سورة النحل: آية 112)، أي ابتلاها بسوء ما خُبرت من عقاب الجوع والخوف.

وبذلك أسبغ القرآن الكريم على كلمة الذوق، وما يشتقّ منها، معاني مجازية لا تتعلق بحاسة اللسان.

وفي هذا أيضاً نقول في المرء، إنه صاحب ذوق، إي إنه ذو رهافة حس وتصرّف لائق. ومن المعاني المجازية التي نمر بها في قراءاتنا أحياناً، عبارة: أذاقه مرّ العذاب. لكن اللفظ قد يتخذ معنى إيجابياً طيباً حين نقول: إن فلاناً يتذوق مختلف الفنون، من موسيقى وشعر ورسم…

وقد يكون الذوق في حسن اختيار ألوان الملابس أو الأثاث في المنزل.

أضف تعليق

التعليقات