خلال فصل الصيف اللاهب، تتعلَّق أعيننا بأرقام مؤشر الحرارة. نعرف أن 45 درجة مئوية تُعد مقبولة في بيئتنا، ونعرف أن الماء يتجمد عند الصفر المئوي ويغلي عند درجة 100، وذلك وفق معيار اقترحه السويدي (أنديرس سِلسيوس) عام 1742م وما زال يُنسب إليه إلى اليوم.
لم يكن سِلسيوس أول من اخترع ميزان الحرارة، فقد سبقه إلى ذلك الإيطالي الأشهر (غاليليو غالي). كما أن آخرين أمثال (فهرنهايت) و(كالڤن) قرنوا أسماءهم مع وحدات معيارية أخرى لقياس الحرارة. لكن وحدة سِلسيوس هي المعتمدة رسمياً عبر معظم دول العالم حالياً.
وُلد سِلسيوس في أوبسالا بالسويد عام 1701م في مرحلة شهدت غلياناً من نوع مختلف. فالمنهجية العلمية كانت تخضع لإعادة تقييم عبر أوروبا. وباتت التجربة سبيل توثيق الحقيقة. وقد كان تحديد الظروف الفيزيائية التي تُجرى التجارب تحتها، من ضغط ورطوبة ودرجة حرارة، ذا أهمية قصوى لضمان الموثوقية العلمية.
عُرف سِلسيوس أساساً كفلكي. راقب السماء وكانت له أسبقية في الربط بين ظاهرة الشفق القطبي والمجال المغناطيسي للأرض. واستمر هذا الاهتمام معه إلى نهاية عمره حين أسس عام 1741م أول مرصد فلكي بالسويد عُرف كذلك بـ (مرصد سِلسيوس).
بالعودة لميزان الحرارة، فإن ارتفاع درجة حرارة المادة يُفسّر فيزيائياً على أنه طاقة ناجمة عن تسارع حركة جزيئات هذه المادة. ما فكّر به سِلسيوس وسواه كان إيجاد معيار دقيق لقياس هذه «السرعة» في حركة الجزيئات، إذ كلما زادت السرعة، ارتفعت الحرارة.
ببساطة، قامت تجربة سِلسيوس على اعتماد عنصر (الزئبق) كمادة معيارية لقياس ارتفاع حرارة – سرعة – الجزيئات. كما اعتمد في هذه المسألة على ميزان سلفه اللدود (فهرنهايت).
وضع سِلسيوس أنبوباً من الزئبق في إناء ماء متجمد، لاحظ انكماش مستوى الزئبق في الأنبوب وحدد هذا المستوى كنقطة البدء في معياره، ثم وضع الأنبوب نفسه في ماء يغلي وحدد مستوى ارتفاع الزئبق كحد أعلى في ميزانه الجديد، ثم قسّم المسافة بين النقطتين إلى مئة درجة.
في البداية، اعتمد سِلسيوس درجة الصفر المئوية لغليان الماء ودرجة 100 لتجمده. لاحقاً وبعد وفاته بقليل عكس الفرنسي (جان-بيير كريستين) عام 1745م المؤشر المئوي إلى النحو الذي نستخدمه نحن اليوم. وسمّى المؤشر الحراري الجديد بالـ «سنتيغريد» أو الدرجة المئوية وهي تسمية معتمدة للآن. ويجادل مناصرو الدرجة المئوية بأنها أيسر استخداماً من منافستها العتيدة (الفهرنهايت) التي تقرِّر درجة تجمد الماء عند 32 ودرجة غليانه عند 212 فهرنهايت! ولم يتم اعتماد هذا الاقتراح بشكل حقيقي حتى العام 1746م حين عُرف حينها بـ «الميزان السويدي». ثم وبعد قرنين من الزمان – في العام 1948م – تم اعتماده عبر دول العالم.
عاش سِلسيوس 42 عاماً فقط إذ قتله السل في 1744م. لكن فكرته حظيت بالتطوير والقبول بعد وفاته وغيّرت من فهمنا للعالم. وبفضل المقياس المئوي بتنا نعرف مثلاً أن معدل درجة حرارة جسم الإنسان هو 37 مئوية. هذه المعلومة البسيطة كانت محورية في فهم آلية عمل أجسادنا وتطوير أساليب الرعاية الصحية بشكل باهر.