ماذا لو فاجأك صديقك الذي تعرفه منذ زمن بملامح وجه مختلفة.. بأنف آخر، وشفاه أخرى، وذقن مختلف، وعينين مختلفتين، لكنه يقسم لك إنه صديقك، بذاكرته وروحه.. هل ستصدقه؟!
هذا التساؤل لم يُطرح من وحي فيلم «فيس أوف» الذي أنتج في التسعينيات الميلادية، إنما أُثير بسبب ما يتردد في الأوساط العلمية حول عملية زراعة الوجه التي أصبحت ممكنة، وربما في القريب العاجل لجأ إليها من لا يعجبه وجهه. وسط المخاوف والانتقادات د.لبنى عبدالغفور تجول بنا في عالم زراعة الوجه، حيث الملامح مسروقة من الموتى!
هذا النوع من الزراعة مثار للانتقاد في الأوساط العلمية، حيث تفرض على المريض تناول الأدوية التي تُحجّم مناعته ما يجعله فريسة للأمراض
عالم الطب والتجميل يحفلان بالغرائب والأشياء التي لا تُصدق، أحياناً، فمن زراعة القلب والكلى والكبد وربط الأنسجة ببعضها في عالم الطب، ومن البوتكس لرفع الحواجب والفيلر لتعبئة الخطوط الغائرة وتقويم الأنوف في عالم التجميل، يتضافر الطب والتجميل في عمل أكثر ضرورة من التجميل وحده وأكثر تطلباً من الطب وحده ليقفا معاً تحت مسمى الطب التجميلي ليقوما بعمل رائع ومخيف، في الوقت نفسه، إنه زراعة الوجوه.
زراعات متعددة
دخلت عمليات زراعة الوجه مرحلة ثورية، وذلك منذ عام 2005م، عندما تمت في فرنسا أول عملية زراعة لنصف الوجه السفلي لسيدة في الثامنة والثلاثين تدعى ايزابيل دينوار. كانت قد تعرضت للعض من كلبها وهو يحاول إيقاظها من غيبوبة. ثم تتالت العمليات. ففي عام 2006م تمت عملية زراعة وجه لرجل في الصين تعرض لهجوم وحشي من دب ترك له وجهاً مشوهاً، حيث فقد جزءاً كبيراً من الأنسجة في جانب وجه الأيمن ما جعله يبدو بنصف وجه، وقد تم زرع أنسجة له من متبرع توفي في حادث مروري. أما في عام 2009م فخضعت كوني كولب وهي سيدة أمريكية لزراعة وجه بديل عن وجهها الذي تلفت ملامحه جراء إصابته برصاصة، حيث تلف الأنف والخدان وسقف الفم وإحدى عينيها. ولقد تمت زراعة هذا الوجه من متبرع توفي إكلينيكياً، إذ استأصل الأطباء من المتبرع أنفه، وشفته السفلى، وعظام خدّيه لتزرع في وجه هذه السيدة التي نعمت، بعدها، بوجه طبيعي، إلى حد ما، بعد ما كانت تحمل وجهاً مشوهاً لمدة خمس سنوات. لقد قام فريق طبي في مستشفى كليفلاند بقيادة رئيسة قسم أبحاث جراحة التجميل ماريا سيمونو بهذه العملية المعقدة التي استغرقت 22 ساعة واستطاعوا فيها أن يرمموا %80 من وجه كوني. الجدير بالذكر أن سيمونو أمضت سنوات عديدة للإعداد لهذه العملية المعقدة. فقد قام الفريق بعمليات زراعة وجوه على أجسام ميتة تم التبرع بها للأبحاث الطبية.
في عام 2010م تمت لأول مرة زراعة وجه بالكامل لرجل في إسبانيا كان قد تعرض وجهه بالكامل لتشوهات جراء إطلاق ناري في عام 2005م، ما أدى إلى تلف ملامحه. فقام فريق طبي مكون من 30 طبيباً في مستشفى دهيبرون الجامعي في برشلونة بإجراء عملية الزراعة التي استغرقت 24 ساعة.
أما أغرب عملية زراعة وجه وأحدثها فأجريت في فرنسا، في عام 2011م، حيث تم زرع وجه بالكامل لرجل في الخامسة والثلاثين من العمر عانى خللاً جينياً أصابه بتشوهات في الوجه، وكان الوجه الجديد قد فصل بالكامل من متبرع ميت، بكل ملامحه: بالأنف.. والشفتين.. والأجفان.. والأهداب. وكان انتزاعه لزرعه أشبه ما يكون مثلما حدث في فلم «فيس أوف» الذي اُستبدل فيه وجه جون ترافولتا بوجه نيكولاس كيج والعكس!
الجدل حولها
إن عمليات زراعة الوجوه باتت اليوم مثيرة للجدل، فبعد أن كانت في الماضي مستحيلة الحدوث أصبحت اليوم متداولة. حيث جعلت بعض المهتمين يتساءلون إن كانت أخلاقية أم لا! فزراعة الوجه، كما هو الحال، تتطلب التبرع مثلما يحدث في عمليات زراعة القلب في حال وفاة المتبرع، فمن غير المنطقي أن يمنح شخص وجهه وهو على قيد الحياة، بخلاف أن في حاله التبرع بالوجه فإن الشخص المريض يُمنح ملامح ظاهرة من المتبرع المتوفى، ما يسبب الضيق لأهل المتبرع وأصدقائه. كما أن المنتقدين يرون أن هذه العمليات ليست للمحافظة على الحياة، إنما، فقط، لتحسين الوضع!
أما على الصعيد الصحي فإنها مثار للانتقاد في الأوساط العلمية، إذ إن المريض سيخضع مدى الحياة لتناول أدوية تُحجِّم من المناعة لكي لا ترفض هذا الوجه المزروع، ما يسبب له تلفاً في أعضائه التي سلامتها تضمن له استمرارية الحياة. ويضيف المنتقدون أضراراً أخرى لها. إن أخطارها على المستوى الأخلاقي والقانوني يمكن التنبؤ بها، فربما مع تطورها وسهولتها اُستخدمت لأغراض غير نزيهة كتسهيل عملية فرار المجرمين من جرائمهم بارتدائهم أقنعة دائمة، أو هروب المسؤولين من المسؤوليات، كما سيسهل خداع الناس، ما يجعل الحياة أشبه بحفل تنكري!
صعوبات تواجهها
إن عمليات زراعة الوجه تواجه صعوبات كثيرة، سواءً على المستوى الجراحي أو النفسي الذي يظهر أثره في الجهات المانحة أو المتبرعة. فمن الصعوبة أن تجد أهل المتوفى وهم في حالة أسى يكون لديهم الاستعداد النفسي للتبرع بجزء واضح من فقيدهم للمريض مثل: الأنف أو الشفتين أو الخدين. أيضاً، من جهة أخرى تكمن الصعوبة في خضوع المريض للتقييم السريري والنفسي قبل إجراء العملية، ومدى تقبله لوجه لم يعتده، وربما كان لا يشبه وجهه الأصلي إطلاقاً. مما يجعله عرضه لآلام نفسية يصعب على المرء تحملها.
وبعدها تحتاج العملية عند الانتهاء منها لعدة شهور قبل أن يقرر الفريق الطبي، الذي أجراها، مدى نجاحها، وهذا الوقت الذي يلزم الأعصاب لتشفى. كما أن عمليات زراعة الوجه تتطلب جهداً ووقتاّ أكثر مما تتطلبه زراعة أيّ عضو آخر، وذلك مثل زراعة الجلد والعضلات وربط الأوردة والشرايين والخلايا العصبية التي تتيح للمريض سهولة تحريك قسمات الوجه. بالإضافة إلى آراء المنتقدين الذين يؤلبون الرأي العام أحياناً ضد مسيرة الأبحاث لزراعة الوجوه. كما أن الفريق الطبي الذي يقوم بهذه العمليات يضع اعتبارات كثيرة في هذا النوع من العمليات كي لا تتعرض للفشل. وهذه الاعتبارات هي: نوع نسيج البشرة، ونوع الجنس إن كان ذكراً أو أنثى، والعمر، ولون البشرة.
حياة جديدة
خلال سبع سنوات من 2005 م حتى 2011م كانت قد تمت حوالي 18 عملية لزراعة الوجه في العالم، وذلك في فرنسا والولايات المتحدة، وإسبانيا والصين. وخلال هذه السنوات السبع والعمليات عرضة للإخفاق والضجيج الإعلامي. ولعل فلم «فيس أوف» الذي سبق هذه العمليات حيث أنتج في عام 1997م أي قبل أول عملية بست سنوات، كان السباق في طرح الفكرة أمام الملأ من خلال فلم سينمائي، لكنه لم يكن السابق في إعادة الوجه الحقيقي لأصحابه. إذ حدث عام 1994م في الهند في إقليم البنجاب أن أُعيد وجه الطفلة سانديب التي لم تتجاوز تسعة أعوام، وكانت قد تعرضت لحادث بواسطة آله الحرث مما جعل جلدة وجهها وفروة رأسها تنفصل تماماًً عن جمجمتها، فهرع بها والدها إلى المستشفى وهو يحمل وجهها في كيس بلاستيكي. تمكن الجراح توماس ابراهام من إعادة زرع الشرايين والجلد، وكانت العملية ناجحة جداً ولم تخلف إلا بعض الندوب، مما منح سانديب الصغيرة أملاً في الحياة. وتعد هذه العملية هي أول عملية تضع الأبجديات الأولى في عمليات زراعة الوجه، ولكن بملامحها هي.. ولم تكن الملامح مسروقة!