طاقة واقتصاد

ذروة إنتاج النفط..
بين النظريات والواقع

  • ng-end-of-cheap-oil-copy
  • oil-pump-jack-1
  • SorryOutOfGas
  • 01-OIL_0051R
  • 23
  • 26
  • cmimg_402
  • Fig_3-752219

سيطرت فكرة انتهاء عصر النفط على كثير من الكتابات، إلا أن تأثيرها لم يصل إلى سياسات النفط العالمية. هناك كثيرون ممن يعيش على نشر أبحاث ودراسات تزعم بأن البشرية على حافة الهاوية, وأنها ستفاجأ يوماً ما بانتهاء عصر النفط لأنه سينفد قريباً ولن تجد البشرية بديلاً له بعدما اعتمدت عليه كمصدر للطاقة لأكثر من قرن.
وتقول هذه المزاعم إن البطء في اكتشاف آبار نفط جديدة، هو دليل على أننا استخرجنا أغلب النفط, وبدأنا في الانحدار إلى الهاوية بتناقص إنتاج الآبار الحالية. لكن هل هذه النتيجة السوداء مبنية على دراسات علمية؟ وهل هي ما توصلت إليه الأبحاث الميدانية والاكتشافات التقنية الحديثة؟ أسعد الوصيبعي* يقودنا في رحلة عبر «كتاب سراب النفط» لريتشارد هاينبرغ (ترجمة أنطوان عبدالله)، ومصادر أخرى، للإجابة عن هذه الأسئلة.

* أثناء وضع اللمسات الأخيرة على هذا العدد، بلغنا نبأ وفاة كاتب هذا المقال مع ابنته، في حادث مروري مؤلم. رحمهما الله رحمة واسعة.

من أوائل من قال بفكرة «ذروة إنتاج النفط وانحداره» هو عالم الجيولوجيا ماريون كنج هابرت، 1903 – 1989 (Marion King Hubbert)، الذي وضع نموذجاً واستنتج بناءً عليه، أن إنتاج النفط من أي منطقة (أو حقل) يمر بمنحنى يشبه الجرس (bell curve)، وأن معدل إنتاج النفط يزداد بشكل تدريجي ويستمر هذا الازدياد مع اكتشاف مكامن جديدة، إلى أن يصل إلى الذروة (ذروة النفط Peak Oil)، فيبدأ بعدها معدل إنتاج النفط في الهبوط ثم يصل إلى الجفاف ونهاية عمر الحقل.

وبناءً على أن النفط في أي منطقة محدَّد، فإن تطبيق هذه المعادلة على كل حقول النفط الموجودة في المنطقة يعطينا النمط نفسه من تصاعد معدَّل إنتاج النفط إلى أن يصل إلى الذروة ثم يبدأ بعدها بالهبوط. وربط هبرت هذا المنحنى بمنحنى آخر هو اكتشافات النفط. فلاحظ أنها هي الأخرى تتبع النمط نفسه من الوفرة في اكتشاف مكامن النفط إلى أن تصل هذه الاكتشافات إلى قمتها الهرمية قبل أن تبدأ في التباطؤ وانخفاض معدل الاكتشافات الجديدة.

هبرت يتوسع
وعندما تمكّن هبرت من فرضيته، توسع في تطبيقها. فبعدما كان يحاول اكتشاف عمر كل حقل على حدة، عمد إلى توسعة تطبيقات الفرضية لتشمل الولايات المتحدة كاملة. وتنبأ هبرت في عام 1956م، إلى أن النفط في الولايات المتحدة سيصل إلى ذروته على الأرجح في عام 1965م وعلى أعلى تقدير في عام 1970م. وكانت هذه التنبؤات مبنية على النمط نفسه، وبمتابعة لاكتشافات حقول النفط في تلك الفترة. وبالفعل بدأ معدل إنتاج النفط في الولايات المتحدة بالهبوط بعد عام 1970م مما عزز فرضية هبرت وقرب تكهناته والتواريخ التي تنبأ بها إلى الواقع الذي حصل في تلك السنوات. ومنذ ذلك الوقت صارت لمثل هذه التكهنات مصداقية بنيت على تطابقها مع الواقع في أكثر من مرة.

الفرضية الأمثل
وسار على فرضية هبرت كثيرون سواه، معتبرين أنها الفرضية الأمثل في دراسة إنتاج النفط، ومحذرين العالم من أن إنتاج النفط سينحدر يوماً ما ويخلف بعده صراعات دولية ومفاجأة للبشرية وتطورها. ومن هؤلاء كولين كامبيل صاحب كتاب «أزمة النفط المقبلة»، وكاتب مقالة «هل انتهى النفط الرخيص؟». وكانت إضافة كامبيل إلى فرضية هبرت، هي التعمق في الرسوم التوضيحية والإشارة إلى أن الاعتماد على مخزون النفط المعلن خضع لتعديلات قبل إنشاء «أوبك» وبعده. ويمكن أن تلخص أفكار كامبل بالنقاط التالية:
• إن انتاج النفط اليوم يتركز على النفط التقليدي، وهو يمثل الأغلبية الساحقة مما تم إنتاجه (%95 تقريباً)، وهو ما يمثل الاهتمام الأكبر للدول المصدرة والمستوردة للنفط.
• بلغت ذروة إنتاج النفط (في أمريكا) في الستينيات من القرن الماضي وبلغت ذروة الانتاج في أغلب بقاع العالم في عام 1997م!
• بقية الدول (من ضمنها دول الخليج العربي) ستصل إلى ذروة إنتاجها في عام 2005م!
• النفط غير التقليدي لن تكون له تأثيرات كبيرة سوى تأخير الأزمة النفطية عاماً أو عامين.

شفق الصحراء
ومن الذين اتبعوا هبرت أيضاً، ماثيو سايمون صاحب كتاب «الشفق في الصحراء» (Twilight in the Desert)، وتحدث فيه عن قصة اكتشاف النفط في المملكة العربية السعودية، متنبئاً بأن معدل إنتاج النفط سيبدأ بالهبوط تبعاً لمنحنى هبرت إن لم يكن بدأ في الهبوط. وتحدث سايمون عن أساليب استخراج النفط وتأثيرها السلبي على فترة حياة آبار النفط والكميات الممكن استخراجها، مشيراً إلى أن الشركات استنزفت كثيراً من آبار النفط باستعجالها لاستخراج كميات كبيرة منها في أقرب فرصة. وقارن سايمون بين تكهناته في انتهاء عصر النفط وبلوغ قمة إنتاج النفط في عام 2005، وبين تصاعد الطلب العالمي على النفط. وراهن على أن العالم سيفاجأ بانخفاض إنتاج النفط، وهذا سيؤثر في أسعاره إلى أن يصل سعر البرميل إلى 200 دولار في عام 2010.

هبوط ونزاعات
ومثل سايمون وهبرت، هناك كثيرون تنبأوا بأن العالم مقبل على نزاعات وصراعات بعد أن يكتشف أن معدل إنتاج النفط بدأ في الهبوط عالميًا ويمكن أن يكون هذا نهاية للتقدم البشري. ويعزو هؤلاء هذا القلق إلى أسباب عدة منها:
• انحدار إنتاج الآبار المكتشفة
• عدم اكتشاف آبار جديدة
• استهلاك العالم المستمر في التصاعد لإنتاج النفط
وبالنظر إلى مثل هذه الفرضيات، يعود الفرد ليتساءل: هل العالم مقبل على أزمة نفط فعلاً؟ هل الكيانات الدولية والاقتصادية العالمية ستصحو يوماً لتواجه معضلة تصاعد الطلب على النفط مع بدء الهبوط في إنتاجه؟ أليس هناك ما يمكن فعله؟

إن من ينظر إلى سياسات الطاقة في كل أنحاء العالم، لا يرى آثار الهلع بانتهاء عصر النفط كما تدعي الفرضيات السابقة. والدراسات العلمية والبحوث في مجال إنتاج النفط، ما برحت تشير إلى أن الأرض لا تزال محملة بكثير من النفط القابل للاستخراج، وهناك كثير مما يمكن فعله بعد التطور التقني ما يجعل التفكير في «ذروة إنتاج النفط» شيئاْ من الماضي.

وسننظر إلى هذا التقدم من عدة زوايا، بداية بنظرة نقدية إلى «ذروة النفط» والفرضيات المبنية عليها. ثم بالنظر إلى الاستكشافات الحالية وما دلت عليه من مكامن لـ «النفط التقليدي» عالمياً. ونستعرض بعض التقنيات التي تطورت عبر السنوات التي أدت إلى رفع كفاءة إنتاج النفط من الحقول المنتجة حالياً. ثم ننتهي بـ «النفط غير التقليدي» ودوره في ظل الطلب المتزايد على النفط وما هي العوامل التي يمكن أن تحد من إنتاجه.

أولاً: نظرة نقدية إلى «ذروة النفط»
إن النظر إلى منحنى هبرت والفرضيات التي بنيت عليه، لا يعطينا المرجع العلمي الدقيق الذي يُمَكّننا من تتبع كل نقطة فيه بطريقة عملية. لقد بنى هبرت منحنياته بطرق تقريبية مستنداً إلى معلومات تاريخية وتقنيات قبل ما يقارب 60 سنة. والفرضيات التي أتت بعد هبرت، كانت تحوم حول الفكرة والمنهج نفسيهما وإن أضافت بعض المبررات لاستمرار تدفق النفط، في الوقت الذي تطورت فيه التقنيات التي سمحت بتمديد عمر الحقل واستخراج كميات أكبر من النفط من حقول لم تكن عملية في وقت من الأوقات.

تغافل المتسارعين
إن دراسة «ذروة النفط» يجب أن تكون مرتبطة بديناميكية التقدم العلمي والاكتشافات النفطية، وهذا ما تغافل عنه هبرت والمتسارعون بالهلع من ذروة وهمية للنفط عالمياً.

فروسيا كانت أكبر منتج للنفط في عام 2011 إذ ارتفع معدل إنتاجها إلى 9.8 مليون برميل يومياً من 6 ملايين برميل يومياً في أواخر التسعينيات. والمنحنى الذي يرسمه إنتاج النفط في روسيا لا يمثل منحنى هبرت «الجرسي» الذي يصل فيه إلى أن إنتاج النفط يبدأ بالهبوط بعد الذروة. وهناك حقول كثيرة عادت إلى الحياة واستطاعت ضخ المزيد من النفط بفضل التطور التقني في استكشاف النفط واستخراجه بكفاءة أعلى. وإذا اتسعت هذه الدائرة لتشمل كل قارات العالم، فإننا لا نلحظ ذاك النمط الجرسي الذي تحدث عنه هبرت، بل رأينا ارتفاعات وانخفاضات تدعمها السياسة وقوة الاقتصاد والاستثمار في كل قارة ودولة.

إن النظر إلى هذه الأرقام الإنتاجية وربطها في المتغيرات التقنية التي ظهرت خلال الثلاثين سنة الماضية، يعطينا مؤشراً أكثر دقة بأن العالم استطاع أن يدعم الطلب المتزايد على النفط باستكشاف وإنتاج عشرات الملايين من براميل النفط يومياً بطرق تؤمن استمرارية تدفقه دون أن نفترض ذروة للنفط يأتي بعدها انهيار وأزمة حضارة بشرية.

ثانياً: ما تحتويه الأرض من النفط
لقد بلغ ما استهلكه العالم من النفط والغاز المسال في عام 2011، نحو 32 مليار برميل. ويبلغ الاحتياطي الإجمالي من النفط نحو 1.3 ترليون برميل. وهذا يعني أننا على علم تام بأن ما نعرفه عن مكامن النفط اليوم يعطينا ما يكفي إلى 40 سنة، بناءً على معدل استهلاكنا حالياً. إن هذا الاحتياطي يشير إلى النفط التقليدي رخيص التكلفة الذي يمكن استخراجه، علماً بأن كثيراً من النفط يبقى في الحقول حتى بعد أن تستنزف، وتُعد في فئة الحقول المستهلكة. وفي إحصائية US Geological Survey هناك ما يقارب من 7 إلى 8 تريليونات برميل من النفط، لكن هذا لا يعد هو الاحتياطي من النفط، لأن الاحتياطي يقتصر فقط على ما يمكن استخراجه.

ويقول الرئيس السابق لشركة «شل» مارك مودي ستاورت: «لقد أنتج العالم إلى الآن أقل من ترليون برميل من النفط! هناك ترليون آخر من النفط التقليدي الذي يمكن إنتاجه بتكلفة تتفاوت بين 8 و10 دولارات للبرميل. وهناك تريليونا برميل من النفط الذي يمكن إنتاجه بتكلفة أقل من 20 دولاراً للبرميل».

التكلفة والتقنية
وهكذا يستمر تصاعد تكلفة الإنتاج على هذا النمط، إلا أننا نعرف أن هذه التكلفة تقل كلما تقدَّمت تقنية استكشاف النفط واستخراجه. فالمملكة العربية السعودية فيها نحو 260 مليار برميل، أي ما يقارب خُمس الاحتياطي العالمي. وهذا الاحتياطي يمكن أن يرتفع إذا ما أخذنا التقدم التقني المحتمل مستقبلاً في الاعتبار. وهذا ما يعرف بنمو الاحتياطي (Reserve Growth). ونمو الاحتياطي هو الزيادة المتوقعة في كميات النفط، والغاز، والغاز الطبيعي المسال، والتي يمكن إضافتها إلى الاحتياطي عبر التوسعة، أو المراجعة، أو عبر زيادة كفاءة الاستخراج، أو الزيادة في مكامن النفط وحقوله.

ومما يشار إليه حسب هذا التصنيف، أن نمو الاحتياطي يُعنى بالحقول المُكتشفة والموجودة حالياً، وليس الحقول التي ستكتشف لاحقاً. ويلفت ليناردو ميغرو في دراسة له عن مستقبل النفط بعنوان «النفط: الثورة المقبلة» (Oil: The Next Revolution)، إلى أن نمو الاحتياطي في كثير من الحالات، نتج بفعل تطوير حقول النفط وبالتالي يعزز من المبدأ الذي يقول إن الزيادة الناتجة عن نمو احتياطي الحقول هي أكبر من النقصان الناتج عن إنتاج النفط منها.

ارتفاع الاحتياطي
ويشير إلى دراسة أجراها جيولوجيون من (U.S. Geological Survey) على 186 حقل نفط عالمياً اكتشفت قبل عام 1981، تفيد بأن الاحتياطي في هذه الآبار ارتفع من 617 مليار برميل في عام 1981، إلى 777 ملياراً في عام 1996. وربما يكون لسياسة الإنتاج والتصدير في دول «أوبك»، دور في زيادة الأرقام، إلا أن هذه الأرقام لا تزال في محلها، ولا يزال كثير من هذه الحقول محتفظ بصدارته في الإنتاج.

إن من الصعوبات التي تواجه معرفة كميات النفط الكامن أو الاحتياطي، هي عدم وجود طريقة تشمل تطور التقنيات وعامل الخطر الناتج من الحروب وغيرها من الكوارث. وأجرى ليناردو دارسة تحليلية وأنشأ قاعدة بيانات متضمنة كل حقل من 23 دولة، مستقياً معلوماتها من مصادر مختلفة، وقارن بينها للتحقق. ثم أضاف إليها كل الاستثمارات الجارية والمقبلة مؤكدة بعقود موقعة، وحلل الكميات التي ستضاف في خلال السنوات المقبلة حتى سنة 2020، على حسب الدول والحقول.

وأظهر ليناردو تفاصيل هذا التحليل بشفافية في دراسته معلناً عن كل الحقول والأسباب التي تدعو إلى التغير في الاحتياطي والإنتاج. والمبهر في هذا التحليل وهذه الدراسة، أن النتيجة التي توصّل إليها أن هذه الدول ستستطيع إنتاج نحو 50 مليون برميل يومياً (أي %58 زيادة على الإنتاج الحالي الذي يقدَّر بـ 86 مليون برميل يومياً). ثم نظر إلى عوامل المخاطرة التي قد تؤدي إلى تباطؤ الإنتاج أو أي عوامل سياسية يمكنها أن تؤثر في إنتاج النفط، فخلص إلى أن الزيادة الفعلية في الإنتاج يمكن أن تقدر بنحو 28.6 مليون برميل يومياً.

طفرة جديدة
وما استنتجه ليناردو في هذه الدراسة، هو أن العالم سيشهد طفرة في إنتاج النفط في السنوات المقبلة نتيجة لكل الاستثمارات المدفوعة في الاستكشاف وتطوير الإنتاج، وهذه الاستثمارات في ازدياد وستصل في عام 2012 إلى نحو 600 مليار دولار، وهذا رقم قياسي في الاستثمار من شأنه أن يعطي نتائج أكبر في زيادة اكتشاف النفط وتطوير طرق الاستخراج. كما أشارت الدراسة إلى تحول من الدول الرئيسة المصدرة للنفط، إلى الدول الغربية مثل الولايات المتحدة وكندا لأنه ضمنها النفط غير التقليدي.

ثالثاً: التقدم التقني في استخراج النفط
مما لا شك فيه، أن التقنية اليوم سمحت باستخراج كميات هائلة من النفط لم تكن في الحسبان قبل عقود قليلة. فمعدل استخراج النفط مقابل الكميات الحقيقية الموجودة في الحقول، قفز بفعل التطور التقني ليبلغ %60 في بعض الحقول. وهذا المعدل يختلف من حقل إلى آخر، حسب الإمكانات التقنية المتوافرة والاستثمارات في إنتاجية الحقل.

فالمعدل العالمي (recovery factory) يبلغ %35 (أي يمكن استخراج 35 برميلاً من كل 100 برميل موجودة في الحقل) فيما كان يقارب %20 في عام 1980. والمعدل في الولايات المتحدة وكندا والنرويج وبريطانيا يبلغ %45، في حين يتراوح في العراق ما بين 15 و%20. وتُعد هذه المقارنة مؤشراً مرتبطاً بالاستثمارات والتقنيات التي تسخر في الاكتشاف والاستخراج. ففي حين تم حفر نحو مليون بئر في ولاية تكساس وحدها، لم يحفر في العراق سوى 2300 بئر منذ اكتشاف النفط فيه.

تقنيات المسح
إحدى هذه التقنيات هي تقنية المسح ثلاثي الأبعاد (3 D Seismic Exploration) التي تمكِّن الجيولوجيين من مسح قطع صخرية وعرضها على شاشات ضخمة والتفاعل معها من خلال معامل مخصصة. في الماضي كانت الطريقة التي يحصل فيها الجيولوجيون على مسح مساحة صخرية معينة، هي الرسومات المسحية ثنائية الأبعاد والتي تستلزم معالجتها استخدام كمبيوترات هائلة. ومن ثم يقومون بربط هذه الصور بعضها مع بعض بطريقة يدوية للحصول على فكرة كافية عن تكوين طبقات الصخور.

أما اليوم، فأصبح بالإمكان رسم خريطة كاملة عن الطبقات الصخرية ووضعها في معامل يمكن للجيولوجيين مطالعتها والتحكم بها والنظر إليها وتحليلها من وجهات متعددة بصور ثلاثية الأبعاد، لمعرفة أفضل الأماكن والطرق للحفر واستخراج النفط. إن ما يوفره تقدُّم التقنية وانخفاض تكلفة الطاقة الحاسوبية في هذه الأيام، يصب مباشرة في انخفاض تكلفة إنتاج النفط ورفع كفاءته. وكلما تقدَّم الزمن، انخفضت تكلفة استخدام هذه التقنية وأصبح بإمكان الدول استخدامها ورفع طاقتها الإنتاجية.

التكسير الهيدروليكي
وهناك تقنية أخرى، هي التكسير الهيدروليكي (Hydraulic Fracturing). وهي عبارة عن استخدام تقنية تكسير الصخور وربما يتداخل معها الحفر الأفقي (Horizontal Drilling) للبحث عن النفط (والغاز). والهدف الرئيس من هذه التقنية هو التمكن من استخراج النفط الموجود في صخور أقل مسامية ويكون فيها النفط أقل تدفقاً. وتتم عن طريق حفر البئر ثم إدخال سلك يحتوي على كتل تفجيرية تقوم بفتح ثقوب في الماسورة التي أنزلت بعد الحفر. ثم إنزال كميات من الماء والرمل مخلوطاً بمواد كيميائية (تركيزها أقل من %1)، ويعمل هذا الخليط على تكسير الصخور مما يسمح للنفط والغاز بالتدفق من بين تشققات الصخور إلى البئر المحفورة حيث يتم دفعه إلى السطح.

إن تقنية التكسير الهيدروليكي أضافت كثيراً من مكامن النفط إلى الاحتياطي الممكن استخراجه في حقول اعتبرت في السابق غير منتجة.

إن التقنيات الحديثة مثل 3D Seismic Exploration وتقنيات الحفر الأفقي وتقنية التكسير الهيدروليكي وغيرها، وإن كانت متوافرة منذ فترة، لم تصل إلى حيز التطبيق في كثير من حقول النفط في العالم، إما بسبب الضغوط الاقتصادية والسياسية أو بسبب تسارع حكومات هذه الدول إلى استخراج كميات كبيرة من النفط في أسرع وقت. اليوم أصبحت هذه التقنيات متوافرة، وأضافت ثورة المعلومات خلال السنوات الماضية إمكانات أوسع للبحث واستخراج النفط بتكلفة أقل. وبفضل التقنيات الحديثة ستتطور طرق الحفر والاستكشاف في أعماق البحار أيضاً باستخدام غواصات خاصة تقوم بعملية الحفر ومتابعة كل التحديات المرتبطة بها على عمق بضع كيلومترات في قاع البحر.

أعماق البحار
إن استكشاف النفط على اليابسة واستخراجه، تطورا على مدى أكثر من 130 عاماً، ولكن استكشاف النفط في أعماق البحار (على أعماق 50 متراً وأكثر) لم يبدأ إلا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وتم اكتشاف ما يقارب من 600 مليار برميل من النفط في أعماق البحار استخرج %40 منها. إلا أن اللافت في الأمر، أن الاستكشاف في أعماق المحيطات خصوصاً المناطق البعيدة عن اليابسة، لم يصل إلى النضج بعد ولم تستكشف كل الأماكن.

وإضافة إلى التقنيات التي دخلت حيز التطبيق، هناك كثير غيرها في طور التجربة مثل تقنية استخراج النفط باستخدام ثاني أكسيد الكربون (CO2 enhanced oil recovery) التي تعد باستخراج النفط بكفاءة تصل إلى %60 من النفط الموجود في الحقل، وإن كان الحقل استهلك خلال مراحل الاستخراج الأولى. إن كل هذه التقنيات وغيرها ستفتح مستقبلاً، ما يمكننا من خفض تكلفة إنتاج النفط ورفع كفاءة الآبار المحفورة وإمكانية اكتشاف مزيد من النفط التقليدي من غير أن نرتعب من ذروة النفط لعشرات السنين.

رابعاً: النفط غير التقليدي
يُعد «النفط غير التقليدي» أحد المصادر التي لم تُستغل بعد، نظراً إلى التكلفة المرتفعة لاستخراجه وتحويله إلى نفط سائل يمكن تكريره واستخدامه باستخدامات النفط التقليدي نفسها. ذلك لأن «النفط غير التقليدي» لا يوجد على شكل سائل في مكامن يمكنه أن يتدفق طبيعياً حين حُفرت الآبار، ولكنه مخزون في داخل الصخور. ويمكن تشبيه «النفط التقليدي» بالماء الموجود في الإسفنج فيمكن عصره واستخراج الماء، أما «النفط غير التقليدي» فهو كالماء الموجود في الطين وتتطلب عملية معالجته لانتزاع السائل منه، جهداً أكبر. وعادة ما ينظر إلى «النفط غير التقليدي» على أنه الطفرة التي ستولد في السنوات المقبلة لوجود كميات هائلة منه وتطور التقنية لتقليل تكلفة إنتاج مثل هذا النوع من النفط. وهناك أنواع مختلفة وتكتلات في العالم تندرج تحت مسمى «النفط غير التقليدي» منها: «النفط الثقيل جداً» و«النفط الرملي».

فـ «النفط الثقيل جداً» عادة ما يوجد في صورة شبه جامدة في درجة الحرارة الطبيعية، ولذلك فهو صعب الاستخراج والنقل والتكرير. وعادة ما يحتوي هذا النوع على درجات عالية من الكبريت والنيكل. إلا أنه يوجد في طبقات أعلى من الأرض (وربما هذا يشير إلى أن مثل هذا النوع من النفط هو في الأساس تكون على شكل نفط تقليدي ،إلا أنه تحوَّل عبر الزمن إلى نفط قريب من السطح بكثافة أكبر واختلط بعناصر أخرى). وتقدَّر كمية المخزون من هذا النوع بما يقارب تريليوني برميل، لكن نسبة استخراج النفط منه لا تزال قليلة مقارنة بالنفط التقليدي، إذ تقدَّر الكميات القابلة للاستخراج منه بـ 297 بليون برميل. ولكن هذا التقدير مبني على التقنيات الحاضرة اليوم ويمكن أن يرتفع معدل كفاءة استخراج النفط إلى %50 من الكميات المتوافرة. وتوجد أكبر الحقول في فينزويلا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية. وتخطط منطقة ألبرتا في كندا لإنتاج 3 ملايين برميل من النفط يومياً من هذا النوع في عام 2020.

«الصخر الزيتي»
«الصخر الزيتي» (Shale Oil) هو صخر رسوبي يحتوي على مادة عضوية تسمى «كيروجين»، وهذه المادة تتحول إلى نفط عبر عملية التسخين والتقطير حيث يتم تسخين هذه الصخور إلى درجات حرارة مرتفعة تتحول فيها المركبات الكيميائية إلى حالة البخار. وحالما يتم تبريد هذا البخار يتقطر على شكل نفط. وتوجد هذه الصخور في أماكن مختلفة من العالم وبكميات هائلة إذ تقدَّر كمية النفط الموجودة فيها بما يعادل 3 تريليونات برميل من النفط، إلا أن كفاءة استخراج هذا النوع من النفط هي أقل من %20 باستخدام التقنيات الحالية. إضافة إلى ذلك، فإن التكلفة العالية في عملية استخراج النفط بهذه الطريقة تقدر بـ 70 دولاراً إلى 95 دولاراً للبرميل، ما يجعل هذا النوع من النفط خارج المعادلة الاقتصادية في الوقت الحالي. إلا أن هذا لم يمنع دولاً كثيرة من الاستثمار في معامل استخراج تجريبية مثل الولايات المتحدة التي يقدّر إجمالي الاحتياطي فيها من هذا النفط بـ 800 مليار برميل.

العرض يفوق الطلب
خلاصة القول إن معظم الفرضيات والتنبؤات حول «ذروة النفط» مبنية على أنماط تشاؤمية تنظر إلى تحليلات تاريخية لإنتاج النفط وهي غير مكتملة ولا تأخذ في الاعتبار التقدم التقني والتقدم في الإنتاج، وأثبت كثير من الدول وحقولها مثل روسيا، أنها لا تتبع منحنى هبرت. وأظهرت التحليلات العلمية والدراسات الإحصائية أن استكشاف مكامن النفط في ارتفاع دائم. ومنذ أن ظهرت هذه الفرضيات وإنتاج النفط لا يزال في ارتفاع. والتحليلات العلمية التي استعرضناها بينت أن في العالم كثيراً من مكامن النفط وكثيراً من التقدم العلمي والاستثمار في تطوير تقنيات النفط، وهذا كفيل باستخراج كميات أكبر ورفع احتياطي العالم، مما دعا أحد الدارسين إلى توقع أن يرتفع العرض على النفط بما يفوق الطلب في الأعوام العشرة المقبلة مما قد ينبئ بانخفاض هائل في سعر النفط.

وفي المقابل، هناك كثير من مصادر الطاقة (البديلة) التي يمكنها أن تخفف من الطلب على النفط، لكن هذا لن يحدث في المستقبل القريب، فهذه الأنواع من الطاقة لا تزال تمثل أقل من %8، مقارنة بالطاقة من النفط والفحم والطاقة النووية مما يدع المجال واسعاً للإنسان للسعي إلى تطوير تقنيات استكشاف النفط واستخراجه ورفع كفاءة استهلاكه.

————————————————————————————————-

ويبقى النفط محركاً للاقتصاد العالمي..

يعُد كثيرون النفط من السلع العالمية المحركة للنمو الاقتصادي وازدهاره. لكن موارد النفط، كما هو معلوم، محدودة وسيبلغ ذروة الإنتاج في نهاية المطاف. ونظرية «ذروة إنتاج النفط» التي كان ماريون كنج هوبرت أول من تحدث بها عام 1949، كانت محور نقاشات ودراسات توقعت أن ينضب النفط سريعاً وأن تكون نتائجها كارثية على الاقتصاد العالمي.
وسارت تلك الدراسات التي تجاوز عددها الـ 30، في ركب هوبرت وتوقعت مثله أن تكون ذروة الإنتاج العالمي للنفط بحلول عام 2000، أو يكون بلغها بالفعل. لكن لحسن الحظ أن مواعيد كثيرة ضربت وذهبت، ولم تصادف بلوغ الذروة. وبعيداً من هذه التوقعات، فإن بلوغ ذروة إنتاج النفط قد يستغرق عقوداً، وربما لأسباب أخرى تختلف عن محدودية الموارد.
ولكن لماذا أعيد تسخين المناقشة حول «ذروة إنتاج النفط»؟ لقد أسهم الفائض في إنتاج النفط العالمي، في المساعدة على استقرار الأسعار خصوصاً عند نمو الطلب أو تعطل الإمدادات نتيجة حرب أو حوادث في بعض الدول المنتجة. لكن هذا الاحتياط أخذ يتناقض ببطء لا سيما بين عامي 2003 و 2005، مما انعكس على أساسيات العرض والطلب وبالتالي ارتفاع الأسعار.
وهذا التراجع أعاد نظرية هوبرت إلى الضوء وأنه لم يكن مخطئاً في توقعه بأن تكون «ذروة إنتاج النفط» عام 2000، مما أغرى بعضهم بأن يضعوا كتابات وينتجوا أفلاماً عن النتائج الكارثية لهذه الذروة، متناسين أسباب نقص الإمدادات كالأعاصير في خليج المكسيك والأحداث الأمنية التي شهدها العراق وتأثر إنتاجه بها، والتوجهات السياسية في فنزويلا والاضطرابات في نيجيريا، وما واكب ذلك من ارتفاع حاد في الطلب من الاقتصادات النامية كالصين والهند.
وانعكس الخلل بين العرض والطلب تناقصاً في فائض الطاقة الإنتاجية وارتفاع الأسعار التي تسبب فيها أيضاً ضعف الدولار الأمريكي بين عامي 2007 و2008، خصوصاً أن المستثمرين يستخدمون النفط وسلعاً أخرى، كوسيلة للتحوط مقابل ضعف الدولار.
ونتيجة لكل هذه العوامل، فإن تحقيق الاستقرار في السوق التي بلغت ذروتها، يتطلب وقتاً وليس له أي علاقة بفائض الإنتاج. وهذا الأمر يستغرق، بمعدل وسط، 5 سنوات.
وفي الحقيقة، فإن الاحتياطات ليست وحدها هي الحل، بل إن الدول والشركات في حاجة إلى قدرات جديدة واستثمارات مبكرة، كما فعلت المملكة العربية السعودية التي كانت سبّاقة إلى الاستجابة لحاجة السوق ورفعت إنتاجها من 10 ملايين برميل يومياً إلى 12 مليوناً.
أما فيما يتعلق بالأرقام، فقدّرت احتياطات العالم المؤكدة عام 1980 بنحو 667 مليار برميل. ومذذاك أنتج أكثر من 711 مليار برميل حتى عام 2001، وهذا يعني أن هذا الاحتياط استنفد كله. إلا أنه بلغ عام 2001 نحو 707 مليارات برميل، وواصل ارتفاعه ليبلغ عام 2011 نحو 1653 ملياراً، أي بزيادة %30 عن عام 2001، وذلك على الرغم من الإنتاج التراكمي الذي بلغ 321 مليار برميل خلال السنوات العشر الأخيرة، وبالتالي فإن الاحتياطات في ازدياد.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الجهود الراهنة ترمي إلى تعزيز هدف منشود يعرف بـ «كفاءة الطاقة»، أي الحد من كمية الطاقة اللازمة لتوفير المنتجات والخدمات كالمنازل المعزولة التي تحتاج إلى كميات أقل من الطاقة للتدفئة والتبريد، ومصابيح «الفلورسنت» المدمجة التي تحتاج إلى ثلث الطاقة التي تتطلبها المصابيح المتوهجة، إضافة إلى اعتماد تكنولوجيا أكثر كفاءة في عمليات الإنتاج. ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، فإن تحسين كفاءة استخدام الطاقة في المباني، والعمليات الصناعية والنقل، يخفض استهلاك الطاقة عالمياً إلى الثلث بحلول عام 2050، ويسهم في خفض انبعاث الغازات الدفيئة عالمياً.
لهذا ليس هناك عذر للتأخر في الحد من هدر الطاقة. فالنفط لا يزال محركاً للاقتصاد العالمي إنما يجب استخدامه بحكمة أكبر.

وليد الملحم
مدير إدارة هندسة المكامن بمنطقة الأعمال الجنوبية – أرامكو السعودية

أضف تعليق

التعليقات