حياتنا اليوم

حكمةٌ حَكَمَتْ!

شيئاً فشيئاً، أصبحت هناك ظاهرة طاغية على حياتنا يمكنك أن تطلق عليها اسم التشابهية . فقد أخذت الأشياء تتشابه إلى درجة حرمت الناس من الاستمتاع بالتنوع والاختيار. وأصبح الإنسان وكأنه مخيرٌ بين أصناف على شيء من الاختلاف البسيط ضمن منتج واحد.

فإذا نظرنا إلى السيارات الجديدة في السنوات الأخيرة، نجد شبه اختفاء لأي تفرد في الشكل من الخارج أو الداخل، أو حتى في الأداء ضمن الفئات المختلفة، أي حسب قوة محرك كل واحدة. وبالنظرة المتفحصة إلى جموع السيارات التي تتحرك أمامك على الطريق، تكاد تعجز عن معرفة الواحدة من الأخرى، بدءاً بماركتها، وانتهاءً بالبلد الذي تنتمي إليه. لا تستطيع أن تقول إلا بالصدفة إن هذه السيارة يابانية أو ألمانية أو فرنسية أو أمريكية، وخاصة في الطرز المتوسطة الأكثر رواجاً. وإذا وُجد أي فرق من أي نوع كان، فهو لا يشكِّل خصوصية أصيلة بقدر ما يشكِّل اختلافاً طارئاً، بمعنى أنك نادراً ما تستطيع عزوه إلى الأسلوب الخاص للشركة المصنعة. وهذه مسألة محيّرة في مرحلة من التاريخ يكثر فيها الكلام عن الابتكار والأسلوب وفنون التصميم المختلفة. إذ فقدت أصناف السيارات كثيراً من نكهتها حتى الفاخرة منها، ومن الصعب أن نعزو ذلك إلى أسباب أخرى عدا الأسباب التجارية. وكأن هناك حكمة حكمت وأمرت بتقليد الموديل الناجح بهدف تحسين القدرة التنافسية، واتباع الشكل الذي راج . طبعاً هناك مقاييس التكلفة، فالأكثر مبيعاً هو أيضاً أقل تكلفة. وبالتالي، فإن المطلوب هو اللحاق بالأنموذج، والتهافت دائماً نحو صاحب أكبر فرصة للرواج.

أصبح التنافس في التشبه بالأكثر رواجاً. وهذا يؤدي بالتالي إلى إسقاط أي منتج كان يمكن أن تكون له فرصة لدى أصحاب الذوق المختلف أو الرغبة المختلفة. وهذا القانون ينجرُّ على أشياء كثيرة تتفاوت في أهميتها مثل محطات التلفزيون ولعب الأطفال والأجهزة الالكترونية وربما نمط الغناء! والحقيقة إذا وضعنا جانباً بعض الاستثناءات، فإننا نكاد لا نكون أمام مئة محطة تلفزيون نختار منها، بل أمام تلفزيون واحد علينا أن نختار إحدى قنوات بثه. أسلوب الأخبار، فبرامج المقابلات، المراسلون، الحفلات، المسلسلات.. كل شيء متشابه، ولا ينافس إلا في تقديم اختلاف بسيط.

وحين يدخل المرء أحد المحلات الكبيرة للعب الأطفال، وفيها مئات الأرفف، لا يجد بعد جولة متفحصة أي لعبة جديدة مختلفة بشكل لافت: سيارات الريموت كونترول ، الدمى الوبرية المنتفخة، الألعاب الإلكترونية.. إلى آخر العدّة المعروفة. أشياء مكررة ومكررة منذ سنين طويلة، والعنوان واحد: لن تجد هنا إلا الكثير الرواج ، ولن يُنتج أو يُستورد إلا ذاك الذي يبيع كثيراً! وكأن في جميع هذه المنتجات، انتفى المتلقي الفرد، بل أعطيت اختياراته تعريفاً مسطحاً بناءً على نمطٍ واحد نجح ثم ألغى الباقي.

عليك أن تقبل بالنوع الواحد الذي اختاره صندوق البيع. وأصبحت الأشياء التي تتمتع بشيء من الفرادة تمر من أمامك كشهب السماء وتختفي، ليسود ويطغى المشهد الأحادي.

منذ ثلاثة عقود، كان لكل صناعة سيارات طعم ونكهة.. الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والأمريكية. ثم جاءت السيارة اليابانية. بدأت وكأنها بلا شكل، ثم اتجهت لتقليد بعض الأنماط الناجحة الشكل، ثم في لحظة ما أو في غفلة من الزمن، أصبح الشكل الذي بدأ مقلِّداً وكأنه هو الشكل. ومع الوقت، أصبحت جميع السيارات وكأنها وليدته، من دون أن تقول، وأصبحت جميع السيارات وكأنها يابانية، وإن اختلفت من عام لآخر، فلا تختلف بتصميم فريد بقدر ما تختلف باتجاه واحد.

ولكل قاعدة استثناء، وما عليك إلا أن تبحث عنه..

أضف تعليق

التعليقات