الرحلة معا

جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية..
بيت الحكمة الجديد

في اليوم الوطني للمملكة هذا العام، 4 شوال 1430هـ، الموافق 23 سبتمبر 2009م، يفتتح خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حفظه الله، جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، التي تقع في مدينة ثُوَل على ساحل البحر الأحمر، على بعد 90 كيلو متراً شمال مدينة جدة.

وقد خصَّت القافلة هذه الجامعة بملف يقدِّم صورة عنها للقارئ العزيز، لما ترى فيها من مستقبل مشرق ونتاج ثري يعود بالنفع على الوطن وعلى الإنسانية جمعاء.

لقد كانت هذه الجامعة حلماً راود الملك عبدالله لما يزيد على العشرين عاماً. فقد أراد، حفظه الله، أن يحدث نقلة نوعية في التعليم العالي في المملكة، وفي مجال البحوث العلمية التي تخدم المجتمع، كما أراد أن يوظِّف الاتصال الثقافي لخدمة العلم فعمل على أن تتجاوز تلك الجامعة الحدود وأن تستفيد وتفيد من كل مصدر ومكان.

كانت البداية عندما وقف خادم الحرمين في الاحتفال بتدشين الجامعة قبل عامين تقريباً، وتلا بيان تأسيس الجامعة أمام الحضور قائلاً:
«نعلن قيام (جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية)، آملين أن تكون منارة من منارات المعرفة، وجسراً للتواصل بين الحضارات والشعوب، وأن تؤدي رسالتها الإنسانية السامية في بيئة نقية صافية، مستعينة بالله، ثم بالعقول النيّرة من كل مكان بلا تفرقة ولا تمييز».

وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله ابن عبدالعزيز، حفظه الله، قد كلَّف أرامكو السعودية بإنشاء الجامعة خلال فترة قياسية. وقد وفَّت الشركة بوعدها، ونفَّذت هذا المشروع خلال الفترة المحددة، وبدأت الدراسة في الجامعة في الخامس عشر من رمضان 1430هـ، الموافق 5 سبتمبر 2009م.

وتجدر الإشارة إلى أن حلم الملك عبدالله له جذور في تاريخ العلوم عند العرب والمسلمين. فالعرب والمسلمون في عصورهم الزاهية ترجموا علوم الحضارات التي سبقتهم وأضافوا إليها. فكانت تلك العلوم أحد المصادر التي دعمت الحضارة العربية الإسلامية. كما أن الحضارة الإسلامية كانت أهم المصادر التي وظفتها أوروبا في عصر النهضة لبدء حضارتها التي لاتزال مستمرة حتى اليوم.

كما أن الجامعة سترسِّخ معاني التواصل والانفتاح في مجال الدراسة الأكاديمية والبحث العلمي حيث إنها ستضم ضمن طلابها وأساتذتها السعوديين وغيرهم من مختلف الجنسيات. وستركِّز الجامعة على التعامل مع المشكلات الطبيعية التي تواجه التنمية في المملكة مثل مشكلات المياه والزراعة والطاقة والتقنية. وستدرس الجامعة العلوم والتقنيات الحديثة على مستوى الدراسات العليا، وتدعم الاقتصاد الوطني والإقليمي والعالمي من خلال تشجيع إنشاء صناعات جديدة قائمة على المعرفة، وتهيئ بيئة خصبة للإبداع ومركزاً عالمياً للأبحاث والتطوير في مجالي العلوم والهندسة، وتوفِّر التعليم والتدريب لأجيال العلماء والمهندسين والتقنيين ذوي المهارات العالية.

ومن أهم مجالات البحوث التي ستركِّز عليها الجامعة تقنيات النانو. كما ستعمل الجامعة ضمن الجامعات ومراكز البحوث السعودية على تحويل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد معرفي، يستثمر العقول والقدرات الذهنية أولاً وقبل كل شيء.

كما أن من الملاحظ أن التعليم الجامعي في المملكة يمرّ هو الآخر بطفرة لم يمر بها من قبل. فعدد الجامعات تضاعف خلال السنوات القليلة الماضية. كما بدأت الجامعات السعودية في إحداث نقلات نوعية في أساليبها ومناهجها. فبدأ التركيز يتزايد على البحوث الموجَّهة لخدمة المجتمع، وتزايد تركيز التعليم على الفهم والبحث والابتكار. وبدأت الجامعات تستعين بمصادر أخرى لتمويل برامجها، وتنفتح على العالم بشكل أكبر.

فمن المتوقع أن تكون جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية إحدى الجامعات الرائدة في تطوير التعليم الجامعي في المملكة والمنطقة، وتحويله إلى قطاع يخرّج متخصصين يمتلكون قدرات نقدية وبحثية متميزة.

واليوم، وبحضور جمعٍ كبيرٍ من زعماء الدول الشقيقة والصديقة، تحتفل المملكة بافتتاح خادم الحرمين الشريفين لهذه الجامعة التي تُعد بحق دار حكمة أخرى، وتقف شاهداً على قدرة أبناء هذا الوطن على الإنجاز.

ولاشك في أن إنشاء هذه الجامعة خلال الوقت المحدَّد وبمواصفات عالمية هو دليل آخر على قدرة أرامكو السعودية وتميزها في تنفيذ المشاريع الكبرى، سواءً كانت تلك المشاريع تدخل ضمن نطاق أعمالها، أو ضمن المشاريع التي تنفِّذها خارج نطاق أعمالها خدمة للمجتمع.

فمن المشاريع التي أسهمت الشركة في تنفيذها جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، التي بدأت كلية للبترول والمعادن، ثم تطوَّرت لتكون إحدى أكثر الجامعات تميزاً في المنطقة. ومن تلك المشاريع أيضاً خط السكة الحديد الذي يربط المنطقة الشرقية بمدينة الرياض، ومشروع شبكة الغاز الرئيسة التي بُدء في تنفيذها في أواسط سبعينيات القرن الماضي وتم تدشينها في أوائل ثمانينيات القرن نفسه. ومن المعروف أن هذه الشبكة العملاقة هي الأساس الذي بنيت عليه المدن الصناعية الحديثة في مدينتي الجبيل وينبع.

ويأتي إنشاء جامعة الملك عبدالله كمشروع يدل على قدرة الشركة وطاقاتها البشرية على ابتكار الحلول واختزال الزمن لإنجاز مشاريع عملاقة في فترات قياسية وبمواصفات عالمية، كما تأتي الجامعة لتحقق أحد أهم استراتيجيات الشركة منذ نشأتها وعبر عقود من الزمن، المتمثلة في استقطاب الكفاءات واحتضان الإبداع، الذي أثمر عشرات براءات الاختراع، وتطوراً ملموسا على المستوى الدولي في صناعة الزيت والغاز على أيدٍ سعوديةٍ مبدعة.

أضف تعليق

التعليقات