قصة مبتكر
قصة ابتكار
كرت إينوتش
صينية مكعبات الثلج
ولد كرت إينوتش عام 1894م في هامبورج بألمانيا. وبعد خدمته العسكرية في صفوف الجيش الألماني خلال الحرب العالمية الأولى، عاد إلى مسقط رأسه ليعمل في شركة والده لتوزيع الكتب والمجلات، وليدرس في الوقت نفسه في الجامعة، حتى حصل على الدكتوراة في العلوم الاجتماعية. وترقى لاحقاً في السلم الوظيفي للشركة بالتدريج، حتى أصبح مديراً عاماً لها عام 1920م، ثم شريكاً، ثم مالكاً حصرياً لها بوفاة والده. في عام 1931م استرعى انتباه الناشر الشاب شركة صغيرة للنشر تحمل اسم «تاشنتز»، إذ قامت هذه الشركة بتجربة محدودة في إنتاج كتب بأغلفة ورقية بلغات أوروبية عدة منها الإنجليزية والفرنسية منذ العام 1845م. فكَّر إينوتش أن الكتب، بسعرها الأرخص بكثير من تلك المجلَّدة، يمكن تسويقها لجماهير عريضة، فأسس داراً للنشر سماها دار «الباتروس»، وأنشأ فرعاً لها في لندن. لم يكن اختيار الاسم خبط عشواء، فإينوتش أراد لمنشورات الدار الوصول إلى أنحاء مختلفة في القارة الأوروبية، والاسم كان بداية، حيث إن الكلمة -المأخوذة من الكلمة العربية «القطرس» وتطلق على طائر بحري يسمى أيضاً بنسر البحر- مشتركة بين العديد من اللغات الأوروبية، إضافةً إلى ما فيها من رمزية ملائمة لرسالة الدار في تعدي الحدود والثقافات. كانت منشورات الدار إعادةً لإصدارات طبعت من قبل، لكنها أتت هذه المرة بأغلفة ورقية رقيقة مقارنةً بالتغليف الثقيل للكتب المجلدة، وأتت أيضاً طويلة بمقياس 7x4 تقريباً. نجحت الباتروس نجاحاً منقطع النظير منذ أن ظهرت في السوق. واشتهر شعارها «رسم الطائر» مباشرة، مما مكَّن إينوتش من شراء «تاشنتز» وضمها تحت جناح «الباتروس». إلا أن النجاح العريض سرعان ما تلاشى. فالنازية الصاعدة في ألمانيا حظرت نشر كتب «الباتروس»، وأغلقت الدار بأمر عسكري، فهرب إينوتش إلى أمريكا عام 1940م، حيث كان في انتظاره نجاح آخر. في هذه الأثناء كان ناشرٌ آخر يلاحظ ما أحرزته كتب الباتروس من نجاح. كان آلان لين رئيساً لدار نشر مرموقة تعاني وقتذاك من مصاعب مادية عديدة هي دار «بودلي هيد» للنشر. وفي محاولة منه لإنقاذ شركته، قام لين بإنشاء شركة جديدة تماماً تحت لواء الشركة الأم باسم «بنجوين» أو «البطريق». وقام، ودون أدنى ذرة من تراجع أو خجل، باستعارة فكرة الباتروس، وألوان شعارها، وتصميم أغلفة كتبها. الكتب، كتب بنجوين هذه المرة، نجحت نجاحاً هائلاً خلال سنة من تقديمها للأسواق البريطانية، وشكَّلت ثورةً في سوق النشر آنذاك. وما زالت شركة «بنجوين» تتصدر شركات دور النشر العالمية حتى اليوم. لكن الحكاية لم تنته هنا. فعندما علم لين بفرار إينوتش إلى أمريكا، عرض عليه مباشرةً تولي إدارة فرع بنجوين هناك. قبل إينوتش العرض، وحققت بنجوين نجاحات كبرى في أمريكا على يديه، إلى أن استقال منها، وتنقل بين شركات نشر مختلفة، حتى وفاته عام 1982م في نيويورك عن عمر يناهز الثامنة والثمانين.
بينما كان المبتكر الأمريكي لويد جروف كوبمان يتمشى في إحدى الغابات ليجمع الكرز عام 1928م، لاحظ أن الثلج لا يلتصق بحذائه الطويل المصنوع من المطاط، بل يُنزع عنه بسهولة. وضع الملاحظة هذه جانباً، ومضى يجمع الكرز لفطيرته المفضَّلة. وعلى مائدة الغداء بعد عدة أيام مع صديقه ومحاميه وقتذاك، ذكر الملاحظة له، فشجعه صديقه على التفكير بابتكار يسمح له بالاستفادة من هذه الملاحظة البسيطة. في اليوم نفسه جرَّب كوبمان أن يملأ أكواباً مصنوعة من المطاط بالماء ويجمدها، ولما حاول أن يخرج الثلج منها، وجده ينزلق بسهولة ويسر، فصمم صينية ثلج معدنية مع فواصل من المطاط، وأخرى معدنية أيضاً لكن بأكواب من المطاط، وصينية أخرى صنعت كاملة من المطاط، وقام بتسجيل براءات اختراعها على يد الصديق المحامي. لكن فكرة مكعبات الثلج لا تبدأ مع كوبمان، فرغم بساطة الفكرة وربما ما يبدو عليها من قلة أهمية، فإنها مرت بمراحل كثيرة حتى وصلت إلى مشروباتنا اليوم. ففي العام 1844م، قام الطبيب الأمريكي جون جوري ببناء ثلاجة تصنع الثلج لاستخدامه في تبريد غرف المرضى بالحمى الصفراء، والبعض يعزو لثلاجة جوري الفضل في أول مكعبات صغيرة للثلج عرفها التاريخ، وإن كان هذا استنتاجٌ لا يوجد عليه دليل مباشر، ذلك أنه قائم على ما ورد في مذكراته من أن مرضاه كانوا يعالجون أيضاً بشرب العصيرات المثلَّجة. في العام 1914م ابتكر فرد وولف جهازاً للتبريد سماه «دوميرل». لكن هذا الجهاز لم يلق نجاحاً تجارياً. فقد احتوى لأول مرة صينيةً بسيطة لصنع الثلج، أوحت لصانعي الثلاجات في تلك الفترة بإدراج شبيهاتها في منتجاتهم هم أيضاً، فشاعت في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي صواني الثلج المدرجة «مجاناً» مع كل الثلاجات الجديدة التي يبتاعها العامة. وفي العام 1933م ظهرت أول صينية مرنة على يد المبتكر جاي تنكهام، بحيث تُثنى الصينية من جانبيها ليسمح لمكعبات الثلج بالتحرر من الصينية بسهولة. كان تنكهام نائباً لرئيس شركة «جنرال يوتليتيز» التي تنتج معدات المطبخ والمنزل، وسمّي الابتكار صينية ثلج ماك كورد، وبيعت لأول مرة في تلك السنة بنصف دولار أمريكي. ولاحقاً، ظهرت بناءً على صينية ماك كورد تصميمات عدة لصينيات الثلج، منها ما كان من البلاستيك، ومنها ما كان من الألومنيوم. واليوم، وبالرغم من أننا ما زلنا نطلق عليها صينية «مكعبات الثلج»، إلا أن العديد من المصممين استمتعوا بخاصية تشكل الماء على شكل قالبه، فصمموا قوالب بأشكال أسطوانية مختلفة، بينما قدمت ديزني صينيات ثلج معروفة بقوالب على شكل شخصيات عالم ديزني المفضلة.