قول آخر

ثقافتنا آسيوياً..
صفحة بيضاء

أمام معظم القضايا الثقافية المثيرة للجدل أو الانقسام أو النقد مثل القصة القصيرة، والشعر الحديث والرواية وحتى الرسم والموسيقى.. نجد «المثال الغربي» حاضراً في كل مناقشة، سواء أتمثل هذا الحضور بشكل دعوة إلى الاستفادة من «الدرس الغربي المتطور» في هذا الشأن أو ذاك، أم كان نقداً لما هو عليه حال هذه الشأن في الغرب.

والواقع أن هذا الحضور القوي للثقافة «الغربية» بصفتها «أستاذاً» أو «نداً» أو «تحدياً» أو «عدواً»، له أسباب كثيرة تفسره، أطلت منذ بدايات القرن التاسع عشر، أي قبل فترة الاستعمار الأوروبي المباشر لبعض البلدان العربية، وتستمر اليوم بفعل تطور وسائل الاتصال «والتبادل» على المستوى الثقافي بدءاً بحركة السفر وصولاً إلى برامج التلفزيون ونشر المطبوعات ما شابه.

لسنا هنا لاتخاذ موقف من نوع «مع وضد». ولكن للتساؤل عن السبب، أو جملة الأسباب الغامضة، التي دفعت المثقف العربي إلى الإشاحة بوجهه، وبشكل شبه تام، عن ثقافات عظيمة وعريقة مثل الثقافات الآسيوية. حتى أن النذر اليسير الذي يعرفه عنها وصله عن طريق الغرب، وليس مباشرة، رغم القرب الجغرافي.

لا يمكن لعاقل أن ينكر عظمة ثقافات مثل اليابانية والصينية، وبشكل خاص الهندية القريبة جداً إلينا جغرافياً، وتفاعلاً تاريخياً. وهذه الثقافات ليست مجرد منبت لبعض الأعلام في العصر الحديث وصل إنتاجهم إلينا عن طريق جائزة نوبل، أو فِلم سينمائي أمريكي.. إنها حضارات يتكامل فيها الأعلام الذين لمعت أسماؤهم على مستوى الإنسانية مع التحديات المحلية التي تثيرها مسيرة التطور على مستوى الآداب والفنون بأسرها. ومما لا شك فيه أن لهذه الثقافات أجوبتها المختلفة، وتقترح بعض الحلول، والمؤكد أنها نجحت في موضوعات عديدة مازلنا نتخبط فيها بحثاً عن حلول.

عندما نراجع الاستشهادات والأمثلة في الأبحاث المكتوبة أو في الحوارات الشفهية، قد لايطالعنا منها ما هو هندي أو صيني المصدر، أكثر من واحد على مليون (شخصياً، لا أذكر أني قرأت أو سمعت استشهاداً شفهياً هندي أو سيامي أو صيني المصدر)، حتى ليبدو وكأننا نصر أو نحرص على ألاَّ يتسلل إلى عقولنا شيء من المعرفة عن طريق الشرق.

وكما أننا لسنا هنا بصدد اتخاذ أي موقف من «التغرب» الثقافي، فإننا لسنا هنا للدعوة إلى «التشرق»، ولكن للاعتراف بوجود مساحة بيضاء في ثقافتنا الآسيوية، حتى في أبسط أشكالها المقتصرة على المعلومات المجردة.

فقد يمكن لمعالجة الإشكاليات الثقافية على المستوى الآسيوي أن يكون «درساً» مفيداً، وقد لا يكون كذلك. ولكن مما لا شك فيه أن سيكون لاستطلاع أحوال هذه الثقافات وما تنتجه، أثراً إيجابياً على ثقافتنا العربية، لا يقتصر على انتعاشها بالجديد المختلف، بل لأن كل معلومة مهما كانت دقيقة ومجرَّدة عندما تضاف إلى معلومة دقيقة ومجردة أخرى، تصبح قابلة لأن تكون مصدر فكرة.

أليس هذا هو تعريف الثقافة؟

أضف تعليق

التعليقات