قصة مبتكر
قصة ابتكار
ثيودور مايمان
السكين الســويسـرية
ولد ثيودور هارولد مايمان في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأمريكية، في العام 1927م. وكان أبوه مهندساً يهوى العمل على تطوير الأجهزة الكهربائية، فانتقلت هذه الهواية إلى الابن الذي أحب في صغره اللعب بالأجهزة والمعدات. ومع الأيام، كبرت معه هوايته. فعمل في مراهقته في إصلاح الأجهزة الكهربائية وأجهزة الراديو التي كانت من أهم الأجهزة المنزلية آنذاك. وفي العام 1949م أكمل مايمان دراسته الجامعية وحصل على شهادة البكالوريوس في الفيزياء من جامعة كولورادو الأمريكية. ثم اتجه بعدها إلى الدراسة في جامعة ستانفورد المرموقة ليحصل على شهادة الماجستير في الفيزياء عام 1951م، ثم الدكتوراة في التخصص نفسه عام 1955م. انضم مايمان إلى العمل في مصانع هيوز للأبحاث بولاية كاليفورنيا الأمريكية، والتي كانت واحدة من أهم معامل الأبحاث الأمريكية في ذلك الوقت. وكان مايمان مهتماً بدراسة استخدام الموجات الكهرومغناطيسية في توليد شعاع ضوئي نقي ومتماسك، وهو ما نعرفه الآن بالليزر. تعود أولى النظريات والأفكار التي يعتمد عليها الليزر إلى آينشتاين، ومن بعده العالِمين تشارلز تاونز وآرثر شالو. ويرجع الفضل لميمان في تحويل هذه النظريات والأفكار إلى شيء مادي ملموس. ففي تاريخ 16 مايو للعام 1960م استطاع أن يطلق أول شعاع ليزر بواسطة الجهاز الذي قام بتركيبه. وهو الأول من نوعه الذي يتم تركيبه وتشغيله في العالم. واعتمد مايمان في تركيب جهازه على تسليط شعاع من الضوء على وسط اختاره ليكون من الياقوت الصناعي الذي يستحث الضوء جزيئاته. كما قام مايمان بتركيب سطحين من الفضة على جانبي أنبوب الياقوت، بحيث ينعكس الضوء ذهاباً وإياباً، ويكتسب قوة أكبر مرة بعد مرة. وعن طريق هذا الجهاز، تم ما كان يتمناه الرجل، حين انبعثت نبضات ضوئية شديدة التركيز، لتعلن نجاح تجربته وجهازه. وقد نشر مايمان اكتشافه في مقال بمجلة العلوم المرموقة «نيتشر»، وقال عنه العالم الأمريكي تشارلز تاونز، إنه المقال الأهم الذي نشرته «نيتشر» خلال مئة عام من تاريخها. وبفضل عمله المهم على الليزر، تم ترشيح مايمان مرتين لجائزة نوبل، ومُنح عضويتي الأكاديميتين القوميتين للعلوم وللهندسة. كما حصل على جائزة أوليفر باكلي التي تمنح للأعمال والأبحاث المهمة في علم الفيزياء وذلك في عام 1966م. وفي عام 1987م حاز «جائزة اليابان»، وهي الجائزة العالمية التي تمنحها «مؤسسة اليابان للعلوم والتكنولوجيا». كما منحته العديد من الجامعات الجوائز والدرجات الفخرية، كان آخرها في عام 2002م من جامعة سايمون فرازير الكندية. توفي ثيودور مايمان في العام 2007م بمنزله بمدينة فانكوفر الكندية. وأقيمت مراسم وداعه في يوم 16 مايو، وهو التاريخ نفسه الذي شهد الميلاد الفعلي لليزر على يديه في معمله في ولاية كاليفورنيا الأمريكية.
في عام 1891م اكتشف كارل إلسنر الذي يمتلك شركة لصناعة المعدات الجراحية، أن سكين الجيب التي يستخدمها جنود الجيش السويسري هي في الواقع مصنوعة في مصانع ألمانية. فقد كان الجنود السويسريون يحتاجون لسكين صغيرة لاستخدامها في تجهيز الأسلحة وقطع الأسلاك وفتح علب الطعام. ولما كانت المصانع السويسرية تفتقر إلى الموارد اللازمة لتصنيع السكين بنفسها، أرسلت الحكومة في طلب 15 ألف سكين للجيب من أحد المصانع الألمانية الضخمة. أصابت إلسنر الغيرة الوطنية، وقرر أن يعمل على الأمر بحيث يتم تصنيع سكين الجيب التي يحتاجها الجنود السويسريون في سويسرا. فعمل في البداية على محاكاة السكين المستوردة من ألمانيا، التي كانت تحتوي على نصل قاطع ومثقاب وفتَّاحة علب ومفك. لكنه لم يكن راضياً عن أدائها كثيراً. وبعد سنوات خمس من محاولات التطوير، توصل إلسنر في عام 1896م إلى تركيب نابض خاص، سمح له بأن يجهِّز السكين بضعف عدد الأدوات التي كانت تحملها السكين القديمة. أسس إلسنر شركة لصناعة منتجه المتطوِّر، وأطلق عليها اسم «فيكتوريا» وفاءً لذكرى والدته الراحلة. ثم في عام 1921م، تم اكتشاف الصلب المقاوم للصدأ، وسرعان ما اعتمدته الشركة ليكون المادة الأساسية لتصنيع سكينها، نظراً لصلابته ومقاومته لعوامل التلف. وتغير اسم الشركة بعد ذلك إلى «فيكتورينوكس»، ليكون المقطع الأخير «إينوكس» الذي يختصر كلمة معناها «غير قابل للصدأ»، دليلاً دائماً على الجودة العالية التي تتميز بها هذه السكين. استمر عمل إلسنر وشركته على تطوير المنتج، وإضافة المزيد من الأدوات والتحسينات عليها. وأصبحت «فيكتورينوكس» الشركة الوحيدة التي يعتمد عليها الجيش السويسري. إلى أن ظهرت شركة جديدة تحمل اسم «فينجر» كمنافس قوي يعرض إنتاجه الجديد على الجيش. وفضلت الحكومة السويسرية حينئذ لأسباب سياسية وربما تجارية أيضاً، أن تقسم الأمر بين الشركتين، بحيث تمد كل منهما الجيش بنصف حاجته من سكاكين الجيب. وفي الوقت الذي تمسكت فيه «فيكتورينوكس» بشعار «سكين الجيش السويسري الأصلية»، سمحت لفينجر بأن تستخدم شعاراً يقول: «سكين الجيش السويسري العبقرية». وبعد عقود طويلة، وتحديداً في عام 2005م قامت «فيكتورينوكس» بضم شركة «فينجر» إليها، لتعود مرة أخرى المصنع الوحيد لسكين الجيب السويسري الشهيرة. وخلال رحلتها الطويلة التي امتدت عبر ثلاثة قرون، منذ ظهورها في نهايات القرن التاسع عشر، وحتى وقتنا الحالي، استمرت السكين السويسرية في التطور، لتشمل أدوات جديدة، وتوفر لحاملها نطاقاً أوسع من الاستخدامات المختلفة. فوجدت طريقها إلى جيوب العمال، والمهندسين، والرحَّالة، والمسافرين، ومتسلقي الجبال، والرياضيين، والغواصين، وحتى روَّاد الفضاء، وصارت رمزاً صغيراً للنجاح في جمع الفكرة الذكية إلى التجديد وإتقان التنفيذ.