الرحلة معا

تجربة المرشح.. ووعي الناخب
المواطن لم يكن متلقياً

من المؤكد أن التجربة الانتخابية التي مررنا بها، طيلة الأسابيع الماضية، أسست عدداً من مفردات العمل الديمقراطي، ووضعت إشارات إلى الرغبة الشعبية بالمشاركة وصنع القرار، وفق صيغة حضارية متزنة.
لقد كانت تجربة ملأى بالحماس والسعي إلى صناعة الفعل الشعبي وممارسته من خلال إحدى المؤسسات التنموية المهمة، حيث تحتلّ البلديات دوراً حيوياً في تنفيذ سياسات التنمية، وتفعيل الخدمات، ورعاية جوانب من الشأن الصحي. ولذلك فإن دخول المجلس البلدي يعني، في الحد الأدنى على الأقل، اقتراب المواطن من مواقع صنع القرار في البلديات، أخذاً باعتبارات الاحتياجات التي تفرضها أولويات كل مدينة وقرية.

وبصرف النظر عن النتائج التي آلت إليها العملية الانتخابية، بين فوز وخسارة، فإنه كون التجربة بكراً وجديدة على المجتمع من شأنه – بلا شك – أن يفرز عدداً من التساؤلات المشروعة حول التفكير الانتخابي الذي جسدته الحملات التي كانت بدورها فعلاً جديداً وشبه مفاجئ لرجل الشارع الذي راحت تصافحه الإعلانات المهندمة في الصحف، وفي تقاطعات الطرق، وفي أي اتجاه وقعت عيناه عليه..!

الحملات الانتخابية، نفسها، كانت ظاهرة في ذاتها، ظاهرة احتفالية تخطّت – بما انطوت عليه – جوهر الممارسة الانتخابية، وفاجأت رجل الشارع بنوعٍ من الدعاية المبالغ فيها، وهو أمر يثير التساؤلات حول فهم طبيعة الطريق الذي يؤدي إلى صوت الناخب، ذلك الطريق الذي لا يخلو من عقبات، بل إنه في أبسط تعقيداته أو عقباته يتمثل في معرفة المرشح لنفسه ولإمكاناته.

إن أول تساؤل مشروع إزاء ذلك الضخّ الدعائي هو: هل كان الأداء الانتخابي واعياً لواقع العلاقة بين احتياج المواطن البسيط وبين إمكانات جهاز البلدية التي سيكون المرشح جزءاً من مجلسها الاستشاري في حال فوزه؟

وبصيغة أخرى: هل المرشح على استعداد لتمثيل الناخبين في مطالبات ليس للبلديات فيها لا ناقة ولا جمل، وليس من صميم اختصاصها لا من قريب ولا من بعيد..!

إن ما حدث بالمجمل هو مجازفة بالتعبير عن الطموحات الذاتية، ورسم أحلام أقرب ما تكون إلى إرادات مثالية في نفس المرشح، وهو يعرف أنها وعود يتمنى تحقيقها، إلا أن هناك واقعاً لا بد من مراعاته حين يُطلق أي منا وعداً، أو يتحدث عن طموحات وأحلام. وبالتالي؛ فإن إطلاق وعود من العيار الثقيل؛ لا يعني أنها مجرد وعود انتخابية كما تعبر الأدبيات، بل يعني، فيما يعني، المراهنة على أن الناخب ليس أكثر من متلق على درجة غير معقولة من البساطة.

الحكمة العربية تقول: إذا أردتَ أن تُطاع فأمر بما يُستطاع ، وعلى هذا القياس كان أمام المرشحين أن يقولوا: إذا أردتَ أن تُصدََّق فعِد بما تستطيع . فما يحتاجه كلّ مرشح هو أن يصدّقه ناخبوه، وحتى يصدّقه الناخبون فإنه ملزم بأن يفهم طبيعة موقعه بعد فوزه، وقبل ذلك ملزم بأن يكون مدركاً لطبيعة الطريق الذي يسلكه إلى صوت الناخب، والقدرة على الحصول عليه.

وقد شاهدنا الحقيقة التي يجب أن تكون قاعدة لأية عملية انتخابية؛ فالقدرة على الحصول على صوت الناخب لم تكن في الظهور الإعلاني وبذل مئات الآلاف في الولائم، كما أنها لم تكن في القدرة على اجتذاب المثقفين والمؤثرين اجتماعياً إلى المخيمات وبث الإيحاءات بين الناخبين.

قد تكون تجربتنا جديدة، وغير مصقولة، وتواجهها كثير من الالتباسات، لكنها أثبتت أن المواطن ليس متلقياً ساذجاً وخاضعاً للدعايات الرائجة والسخاء الانتخابي الخاطف. وليس من قبيل المبالغة قولنا: إن التجربة قد أفرزت رغبات ذاتية تمثلت في محاولات البروز الشخصي المدعوم بالأموال والخلفيات الاجتماعية والوجاهات، إلا أن المواطن كان أذكى من هذه التصرفات، وحين وجد الناخب نفسه صاحب القرار في غرفة الانتخاب فإنه اتخذ قراره عن قناعته، وقد يكون تأثر بالدعاية والإعلان على درجة من الدرجات.. إلا أن قراره النهائي كان مبنياً على ما صدّقه واقتنع به..!

أضف تعليق

التعليقات