حياتنا اليوم

شيلا كولينيت
صديقة الأزهار البريّة

  • 70
  • 68a

عندما وصلت شيلا كولينيت إلى المملكة العربية السعودية لأول مرة في العام 1972م، كانت مثل أية سيدة أجنبية تأتي لزيارة زوجها الذي يعمل في المملكة. ولكن على مدى ربع قرن من الزمن أو أكثر، تركت هذه السيدة البريطانية في بلادنا هدية لا تقدر بثمن هي عبارة عن أول تعريف دقيق لمجمل النباتات الزهرية في المملكة. الزميل أحمد البوق يعرض لنا ملخصاً عن سيرتها.

لو سأل سائل: ما الذي تعنيه بالنسبة إليك الأعشاب البرية والنباتات الزهرية؟ لأجابته شيلا كولينيت: إنها حياتي وعمري كله..

فبعدما حازت كولينيت على دبلوم في علم النباتات في بريطانيا، سافرت في العام 1953م إلى بورنيو في إندونيسيا لتبحث عن أنواع محددة ونادرة من النباتات في غابات صباح والسرواك، وذلك لحساب المتحف البريطاني وحدائق كيو الملكية بعد ذلك بأربعة عشر عاماً، عادت إلى المملكة المتحدة لتعمل في مزرعتها الواقعة في منطقة تدعى الغابة الجديدة، حيث اشتغلت بتربية سلالة نادرة وأصيلة من الأبقار تعرف باسم شارو لايس .

بداية رحلتها السعودية
تروي شيلا كولينيت بنفسها كيف بدأت رحلتها إلى المملكة العربية السعودية فتقول: في ربيع العام 1972م، وصلت إلى المملكة لأول مرة، وذلك لزيارة زوجي الذي كان يعمل مستشاراً فنياً في وزارة البترول والثروة المعدنية..

بهرتني على الفور الأزهار الجبلية والصحراوية في السعودية. وعندما لاحظت أن أحداً لا يعرف أسماءها، اتصلت بأصدقائي في حدائق كيو الملكية في بريطانيا لأستفسر عن أسمائها. فأجابني أحد علماء التجنيس أن هناك القليل جداً من النباتات العربية في كيو. ولذا، وخلال رحلتي الثانية إلى المملكة بعد سنتين، قمت بزيارة المنطقة الواقعة ما بين جدة والطائف، وبدأت بتشكيل مجموعات من النباتات الزهرية التي تنبت هناك .

ربع قرن مع أزهار المملكة
وتضيف كولينيت: بحلول العام 1976م، كان جمع النباتات البرية ودراستها قد أصبح اهتمامي الرئيس. ومنذ ذلك الحين كنت أمضي سنوياً أشهراً عدة في المملكة خلال الربيع والخريف. وفي العام 1985م صدر كتابي الأول برعاية الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة في المملكة، وتضمن تعريفاً لنحو 1600 نوع من النباتات الزهرية، وفي العام 1999م، أضيفت مجموعة كبيرة من النباتات إلى محتوى الكتاب الأول، وصدر في حلة جديدة عن الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها ، بعنوان النباتات الزهرية الفطرية في المملكة العربية السعودية .

الكتاب بالإنجليزية (وتسعى الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها حالياً إلى ترجمته)، وهو يقع في 800 صفحة ويتضمن 2250 نوعاً من النباتات الزهرية الفطرية، مع شروحات وصور فوتوغرافية لكل منها.

تضمّن الكتاب 261 رسماً يدوياً توضيحياً لأنواع من الحشائش التي عصت على التصوير الفوتوغرافي (إما لأنها صغيرة الحجم جداً أو غير ذلك). كما تضمّنت هذه الموسوعة الأولى والفريدة من نوعها 66 نوعاً من النباتات التي لم تتمكن كولينيت من تصويرها أو جمعها، ولها نماذج في المتاحف والمعاشب المتخصصة. وبلغ عدد الشرائح المصورة التي التقطتها للنباتات الزهرية في المملكة حوالي 20 ألف صورة.

نهجها في العمل
تصف كولينيت نهجها في العمل بالقول إنه في البدء كان إلى حد ما عشوائياً. ولكنها سرعان ما عثرت على أفضل أماكن الحياة النباتية في مناطق الصخور الغرانيتية والرمال الحمراء الداكنة وحقول الصخور الكلسية وأعالي الجبال.

وتضيف: عندما أكتشف نبتة لم أرها من قبل، فإني أصورها، وأدون في كتابي تفاصيل مظهرها، وبيئتها، والموضع الذي كانت فيه، وأعطيها رقماً. بعد ذلك آخذ عينة منها وأجففها لتحديد هويتها. وفي هذا الإطار، فقد تلقيت دعماً لا يقدر بثمن من علماء التجنيس في حدائق كيو وأدنبره والمتحف البريطاني. فأنا لست عالمة تجنيس، ولذا لم أطلق أي اسم على أية نبتة اكتشفتها. ومع ذلك، هناك عشرون نوعاً من النباتات تحمل اسمي، من بينها نوع من الدفلي الوردية، وأوركيديا من بورنيو .

ذكرياتها عن السعودية
تعبّر شيلا كولينيت عن حنينها إلى المملكة بالقول: لقد اشتقت كثيراً إلى الصحراء. إنها بلاد يتخذ فيها كل شيء أبعاداً قصوى.. من المساحات الشاسعة الجرداء، إلى الوديان الكلسية المدهشة إلى غابات العرعر التي تمتد ما بين الطائف وأبها .

وعن ذكرياتها المميزة تقول: إنها أماكن التخييم العديدة في ربوع المملكة.. واحدة منها كانت في تنومة حيث كنت أستيقظ لأرى الندى على الأعشاب والعصافير تغرد ما بينها، تماماً كما لو كنت في المملكة المتحدة، كما قمت بعدة زيارات إلى جبل شدا وأمضيت الليالي على أمل أن ألمح أو أصور الثعلب الصخري النادر، أو النمس أو النيص.. وفي جزر فرسان كنت أستيقظ ليلاً لأسمع زفير الغزلان .

طاقة لا تنضب
ويبدو أن العيش على مدى عقود في أحضان الطبيعة وبين النباتات والأزهار البرية، أمدّ شيلا كولينيت بهمة لا تفتر وقدرة على العطاء لا تتوقف. فهي اليوم عضو في جمعية لينيان و جمعية المؤلفين البريطانيين .

تزور جنوب إسبانيا سنوياً لاكتشاف نباتات فطرية غير مألوفة وتصويرها. كما أنها تجوب بريطانيا وأوروبا وأمريكا لإلقاء محاضرات وعرض شرائح مصورة لأزهار نادرة. كما أنها تلّقت دعوة إلى زيارة المملكة العربية السعودية قد تلبيها خلال العام المقبل.

فإضافة إلى الهمّة والقدرة على العطاء، يبدو أن العالم الذي عاشته كولينيت أمدّها أيضاً بتفاؤل جميل بالحياة لم ينل منه عمرها المديد. فلدى سؤالها عن آلات التصوير التي استعملتها في عملها الموسوعي قالت: في الماضي كنت أستعمل آلة بنتاكس . أما اليوم فإني أستعمل آلة نيكون يدوية مع عدسة مقربة. وفي المستقبل قد أستعمل آلة تصوير رقمية..!

أضف تعليق

التعليقات