تواجه الكتابة للأطفال من جهة وللشباب من جهة أخرى، مأزقاً مشتركاً يتمثَّل في تصنيف كل منهما بسبب ضبابية الحدود الفاصلة ما بين هاتين المرحلتين من العمر. الكاتب السعودي للأطفال فرج الظفيري، رئيس تحرير مجلة «مكِّي»، يناقش هنا المقولة التي تخلط بين هذين اللونين من الأدب، ساعياً إلى رسم حدود واضحة ما بينهما استناداً إلى مراحل عمرية محددة.
في أواخر يناير من العام 2005م كنت في القاهرة، وتزامن ذلك مع معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السابعة والثلاثين. وقد قابلت اثنين من المؤلفين الشبان ممن عملوا مع الدكتور نبيل فاروق. وكنتُ حينئذ رئيس تحرير مجلة «باسم» للأطفال.
ودار الحديث معهما شيقاً وممتعاً، وسألني أحدهما: هل بينك وبين الدكتور نبيل فاروق شيء؟ وكان يقصد خلافاً. فأدركتُ على الفور أن في الأمر سرَّاً لا بد من استجلائه، فقلت له: نعم. ولم أدع فترة الصمت تطول، فقلت: بيني وبينه مودة ومحبة، ورسائل على المحمول.
تنفَّس الاثنان الصعداء، وقال أحدهما: يقولون إنك لا تريد أن يكتب الدكتور فاروق في مجلة باسم؟
فطلبت منهم الاستزادة من هذه التهمة التي لُفقت لي في غفلة مني. كان مفاد ما تفضَّل به الأخوان أنني على غير وفاق مع د. نبيل، وأنني أتخذ موقفاً مما يكتبه.ويبدو أن بعضهم كان له أهداف في زرع خلاف بيني وبين شخص أُجلُّه وأقدِّره وأُثمِّن دوره الريادي في أدب الشباب والمغامرة.
ويبدو أن ذلك الساعي تمسك بكلمة قلتها عن سلسلتي «رجل المستحيل» و«ملف المستقبل» اللتين أبدع فيهما الدكتور نبيل، وذاع صيتهما في الوطن العربي، إذ كنت أقول ولا أزال أقول: إن هذه الروايات الرائعة ليست للأطفال بل هي للشباب.
ولأن شياطين الجن يزيدون على كل كلمة يسمعونها مائة كلمة، فإن إخوانهم من الإنس يزيدون ولا يقصِّرون.
…
فَهِمَ ذلك الساعي أن مثل تلك الكلمة التي قلتها طعن في شخص الدكتور نبيل فاروق، وأنه لا يحسن الكتابة للأطفال.
ولو كان لمثل ذلك الساعي أقل نصيب من بصر وبصيرة لتنبه لما هو مكتوب على الصفحة الثالثة من السلسلتين: روايات بوليسية للشباب.
ولم يدرك ذلك الساعي، أن الدكتور نبيل لم يقل عن سلسلته أنها للأطفال، ولم تصنَّف كتبه أكثر الكتب انتشاراً على أنها للأطفال، بل على أنها للشباب.
..
بعد يوم أو يومين أقامت دار ليلى على هامش معرض الكتاب ندوة للدكتور نبيل فاروق والدكتور أحمد خالد توفيق وغيرهما من المتعاملين مع الدار. وخارج المعرض التقيت الدكتور نبيل، وكان ذلك أول لقاء لي به. وعلى عجالة، دار حوار مختصر عن أدب الشباب وما قدَّمه في هذا المجال. وكان الرجل على علم يقيني وإدراك كامل أن ما يقدِّمه أدب شباب لا أطفال. فأين هذا الفهم لأولئك الذين يصرُّون على تصنيف تلك الروايات على أنها أدب أطفال؟
أهمية تحديد المراحل العمرية
قصدت أن أضع هذه المقدمة القصصية بين يدي قضية جدلية وهي الاعتراف بأدب الشباب، ومدى علاقته بأدب الأطفال أو أدب الكبار؟.
تتفاوت الاعتبارات في تقسيم المراحل العمرية للأطفال بين المهتمين بدراسة الطفولة، ومن هذه التقسيمات:
• مرحلة المهد: من الولادة إلى سنتين.
•
مرحلة الطفولة المبكرة: من 3 إلى 5 سنوات.
•
مرحلة الطفولة المتوسطة: من 6 إلى 9 سنوات.
•
مرحلة الطفولة المتأخرة: من 10 إلى 12 سنة.
وبعضهم يعرضها بطريقة أدق، ويدخل مرحلة المراهقة (ما قبل البلوغ)، ومرحلة ما بعد البلوغ في مراحل الطفولة. ومعلوم أن مرحلة الطفولة حسب مواثيق الأمم المتحدة تنتهي عند سن 18 سنة. على أن الباحثين في البلاد العربية (ويشاركهم بعض الغربيين) يكادون يجمعون على أن مرحلة الطفولة تنتهي عند سن 15 سنة في أبعد مدى زمني لها.
وهذا ما يؤيده الدليل الشرعي. فإن القرآن الكريم حدَّ منتهى الطفولة بالبلوغ }
{
(سورة النور/59) كما أن النبي (صلى الله عليه وسلم)، كان يعتبر من تجاوز 15 سنة رجلاً، يشارك في الجهاد في سبيل الله، وتجري عليه التكليفات الشرعية، وأقرَّ سعد بن معاذ، رضي الله عنه، في حكمه في بني قريظة بإلحاق البالغين بالرجال في الحكم.
ومن الملاحظات المهمة في هذا المقام أن علماء النفس وعلماء التربية وغيرهم لم يتفقوا على تقسيمات موحدة لمراحل النمو، إذ لا يوجد حدود فاصلة بين كل مرحلة وتاليتها، كما أن التداخل بين المراحل موجود، وذلك لوجود الفروق الفردية بين الأطفال، مع الاختلاف الواضح في النمو بين البنين والبنات، إضافة إلى تأثير البيئات المختلفة.
بين التداخل والفصل
المؤكد أن مراحل الطفولة تختلف كثيراً عن مرحلة ما بعد البلوغ، والتي هي حتماً من مرحلة الشباب التي هي أولى مراحل الرجولة. لذلك لا يرتضي من تجاوز البلوغ أن يقال عنه طفل.
إذا كان هذا الاختلاف موجوداً ومعترفاً به، فمن الطبيعي أن يكون ما يقدَّم للشباب مختلفاً عما يقدم للأطفال، ومنفرداً بخصائص وسمات فارقة.
وقد تتداخل بعض خصائص الأدب المقدَّم للشباب مع أدب الكبار، وهو تداخل طبيعي لأن الشباب كبار.
والقضية الجدلية هنا:أن الكثيرين من المهتمين بالأدب لا يعترفون بأن ما يقدَّم للشباب يستحق الانفراد بمصطلح أدب الشباب. فلا يتقبَّل بعض المهتمين بأدب الطفل من الكتَّاب والنقاد إدخال أدب الشباب في أدب الطفل، ومعهم الحق في ذلك، كما لا يتقبل الآخرون إدخال أدب الشباب في أدب الكبار.
وما دام أن هذا الأدب ليس إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فالحق الذي لا محيد عنه أن أدب الشباب أدب مستقل. فكما أن أدب الأطفال حظي باستقلاله، فكذلك أدب الشباب ينبغي أن يحظى باستقلاله. مع اعتبار كل منهما مرحلة في طريق القراءة، فأدب الطفل ينقل القارئ إلى أدب الشباب ومنه إلى أدب الكبار.
وقد يتبادر إلى الذهن السؤال عن بعض خصائص أدب الشباب، ويمكننا أن نلحظ بعض هذه الخصائص من خلال التالي:
•
الأسلوب: فيه سرعة في الإيقاع تتماشى مع روح الشباب المندفع والمتطلع للأمام دائماً.
•
الحدث: الأحداث مثيرة ومتتابعة، مع الاهتمام بتصوير الأحداث ووصف الحركة.
•
الموضوعات: هناك قضايا في أدب الشباب قد تكون من المحظور تقديمها للطفل لما لها من آثار سلبية، بينما تختفي هذه المحظورات في أدب الشباب، ومن ذلك العنف والقتل والانفعالات الحادة مثل الحب والحزن، وفي المقابل ينبغي تقديمها بطريقة مخفَّفة.
•
التربية والتعليم: يظهر بوضوح التركيز على التربية والتعليم في أدب الأطفال، بينما ينعدم ذلك في أدب الشباب، فالشباب ينفرون مما يشعرهم بأنهم لا يزالون تحت الوصاية وأنهم يتلقون التربية والتعليم حتى خارج أسوار المؤسسات التربوية والتعليمية.
•
استخدام الرسومات: أدب الطفل يعتمد كثيراً على الرسومات، بينما أدب الشباب لا يعنى كثيراً بالرسوم لأن الشباب لديهم القدرة على التخيل أكثر من الأطفال.
•
وجود روح المغامرة والبطولة، والتركيز على البطولات الفردية.
هذه بعض الخصائص، ويمكن إدراج الكثير غيرها، وليس هذا موضع بسطها. لكن يبقى سؤال وهو: هل هناك سن يمكن أن يقال إن أدب الشباب يستهدفه؟
في ظني أن أدب الشباب يستهدف المرحلة العمرية من 15 إلى 23 سنة وفي أقصى مدى 25 سنة. هذا التحديد ليس نهائياً، لكنه مبني على ملاحظة، وتصور. فالملاحظة من خلال ما رأيته وعايشته من اهتمام الشباب في هذا السن بأدب المغامرات والقصص البوليسية، والتصور أن هذا التحديد يتوافق مع المرحلة الثانوية والمرحلة الجامعية. وما بعد ذلك -في الغالب- ينشغل القارئ بحياته الخاصة، وتوفير سبل معيشته، فإن كان ممن بقيت جذوة حبه للقراءة متقدة، فسوف تكون قراءاته ذات منحى آخر مبتعداً عن أدب الطفل وأدب الشباب.