إذا حلّ شهر رمضان المبارك حضر العيد ببهجته وذكرياته و«أحواله». القافلة نقّبت في الدواوين العربية واكتشفت انطباعات العيد عند الشعراء ، السابقين والمعاصرين.
لا يذكر العيد إلا وتقفز أبيات أبي الطيب، قبل غيرها، إلى طرف لسان كل عربي:
عيدُ بِأَيَّةِ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ
بِما مَضَى أَمْ لِأَمْرٍ فِيكَ تَجْديدُ
أَمّا الأَحبّةُ فالبَيْداءُ دُونَهُمُ
فَلَيْتَ دونَكَ بِيداً دونَها بِيدُ
هي أبيات أرادها مخففة لآلامه لعجزه عن تحقيق آماله فاصبحت شعاراً لأمة بأكملها، تحكي حال كل عربي مهموم بأمته وهوانها على الناس وتعثرها عن اللحاق بركب الحضارة بعد أن كانت ملء السمع والبصر.
ولحق به شعراء معاصرون يبثون العيد همومهم ونجواهم فها هو عمر أبو ريشة يقول:
يا عيد، ما افْتَرَّ ثَغْرُ المجدِ، يا عيدُ
فكيفَ تلقاكَ بالبشرى الزغاريدُ
وكيفَ ينشقُّ عن أطيافِ عزّتنا
حلمٌ وراءَ جفونِ الحقّ مَوْؤُودُ
طالَعْتنا وجراحُ البغي راعِفةٌ
وما لَهَا مِنْ أُساةِ الحيّ تضميدُ
ثم يشكو فجيعتة والنزف المرير في خاصرة الوطن العربي فيبكي قائلا:
يا عيدُ كم فـي رَوَابي القدس من كَبِدٍ
لَها على الرفرفِ العلويّ تعييدُ
سالَتْ على العِزِّ إرواءً لغصّتِهِ
والعزّ عند أُباةِ الضَيم معبودُ
ويبقى مع ذلك بصيص أمل في انفراج لا محالة آتٍ فيقول:
سينجلي ليلُنا عن فَجْر مُعْتركٍ
ونحنُ فـي فَمِهِ المشبوبِ تغريدُ
ويربط الشاعر القروي أفراح العيد بشروط تحرر الأمة إذ لا معنى لعيد دون حرية فيقول:
أُكرِّمُ هذا العيد تكريم شاعرٍ
يتيه بآياتِ النبي المعظم
ولكنني أصبو إلى عيد أمة
محررة الأعناق من رق أعجمِ
ويورد عبدالعزيز المقالح صورة قاتمة للعيد في ظل التشرذم الذي ترزح تحت نيره الأمة العربية فيبكي قائلا:
وككل يوم مرّ يوم العيد
متعثر الخطوات، غير جديدِ
متورم القسمات ينعى نفسه
فـي طبله المتأوه المكدودِ
ويمرّ من حول المدائن والقرى
مرّ الغريب الآثم المطرودِ
وفي معرض حديثنا عن العيد والشعراء هنا نخبة أخرى من الشعراء منهم من خاطب العيد لعينه ومنهم من هنأ بالمناسبة وهناك من تطرق إليه عرضاً في سياق المدح والتقريظ.
في البدء يبادرنا ابن الرومي بهذه الأبيات الرقيقة:
قَدْ مَضَى الصَّوْمُ صَاحِباً مَحْموداً
وأتى الفِطر صاحباً مَوْدُوداً
ذهَبَ الصّومُ وهو يَحْكيكَ نُسْكاً
وأتى الفِطرُ وهو يَحْكيكَ جُودَا
أما سعيد عقل فيدندن العيد أهزوجة لأهل مكة المكرمة ويشدو مترنماً على نسق التواشيح الأندلسية:
غنيت مكة أهلها الصيدا
والعيد يملأ أضلعي عيدا
فرحوا فلألأ تحت كل سماً
بيت على بيت الهدى زيدا
وعند خليل حاوي يتخذ العيد شكلاً آخر هو أقرب إلى الفرح الجمعي مليء بأفراح الحصاد والأطفال إذ يقول:
مِنْ حصادِ الحقلِ عندي ما كَفَاني
وكَفَاني أَنَّ لي عِيدَ الحصادْ
أنَّ لي عيداً وعيدْ
كلّما ضَوَّأ فـي القريةِ مصباحٌ جديد.
ونازك الملائكة تأبى إلا أن تعم الأفراح الكون بأكمله فتغني للإنسانية بأجمعها مرددة صدى المثقف العربي ورؤيته الشمولية فتقول في قصيدة عيد الإنسانية:
فـي دمي لحن من الشوقِ جديدُ
والمجاليُّ حواليَّ نَشيدُ
ليلتي هذي ابتسام وسُعودُ
طافَ بالأفقِ فغنّاهُ الوجودُ
هي يا قيثارتي لحنٌ سعيدُ
هي شِعرٌ، هي وَحْيٌ، هي عودُ
هذه الليلةُ للعالمِ عيدُ
وهي، يا قيثارتي، الحُلْمُ الوحيدُ
ثم تنثني فتخاطب العيد في نفسها فتقول:
شاعرتي، حدِّقي، فهذي
جزيرةُ الشعر والنشيدِ
لاحت، على البعدِ، ضفَّتاها
أمنيةَ العالَمِ الجديدِ
قد ضحك العمرُ واسْتَنَامَتْ
عواصفُ اليأسِ والنُكودِ
وانْقَلَبَ اليأسُ بُشْرياتٍ
وأمنياتٍ، فأَيُّ عيدِ؟!
ويصور إيليا أبو ماضي حال الناس ليلة العيد وأمانيه لهذه المناسبة فيقول:
خرج الناس يشترون هدايا
العيدِ للأصدقاءِ والأحبابِ
فتمنيتُ لو تُساعِفني الدنيا
فَأَقضي في العيدِ بعض رِغابي
كُنتُ أُهدي، إذن، من الصبرِ أرطالاً
إلى المنشئينَ والكتّابِ
ثم يمضي في التمني حتي يهادي الطبيعة بعض أمانيه الشفيفة:
وإلى الحقلِ زهرَهُ وحلاه
من ندى لامعٍ ومن أَعشابِ
فقبيحٌ أن ترتدي الحلل القُشْبَ
وتبقى الرُبى بغيرِ ثيابِ
لم يكن لي الذي أردتُ فحسبي
أنني بالمنى مَلأْتُ وِطابي
ولوَ انَّ الزمان صاحبُ عقلٍ
كنتُ أُهدي إلى الزمانِ عِتابي
ومن الأعياد جاء فن المعايدة فهو مناسبة طيبة لتوجيه التهاني وربما التذكير بأن المعايد ما زال على العهد مقيم وحبل الوصل ممدود وللشعراء في ذلك باع طويل فها هو البحتري يقول:
مَضَى الشهرُ محموداً ولو قال مُنْجِداً
لأَثْنَى بِما أَوْلَيْتَ أَيَّامَهُ الشَهْرُ
عُصِمْتَ بِتَقْوى اللهِ والوَرَعِ الذي
أَتيتَ فلا لَغْوٌ لَدَيكَ ولا هُجْرُ
وقَدَّمت سَعْياً صالحاً لك ذُخْرُهُ
وَكُلُّ الذي قَدَّمْتَ مِنْ صَالحٍ ذُخْرُ
وَحَالَ عليكَ الحَوْلُ بالفِطْرِ مُقْبِلاً
فَبِاليُمنِ والإقبالِ قابَلَكَ الفِطْرُ
ويهنئ ابن الرومي أبا صقر بيوم العيد مهللاً:
اسْعَدْ بعيدٍ أَخي نُسْكٍ وإسلامِ
وَعيدِ لَهْوٍ طَليقِ الوَجْهِ بَسَّامِ
لا يُبعِدِ اللهُ أيّاماً لَنا جَمَعَتْ
إلى سكونِ لَيَالٍ أُنْسَ أَيّامٍ
أما المتنبي فيغرق في الثناء والتهنئة حتى يصبح المعايد (سيف الدولة) عيداً بحد ذاته:
هنيئاً لك العيدُ الذي أنتَ عيدُهُ
وعيدٌ لِمَنْ سمّى وضحّى وَعَيّدَا
وما زالتِ الأعيادُ لِبْسَكَ بَعْدَهُ
تُسلِّمُ مخروقاً وتُعطى مجّددا
وقال مادحاً ومهنئاً:
الصّوم والفِطْرُ والأعيادُ والعُصُرُ
مُنيرَةٌ بِكَ حتى الشمسُ والقَمَرُ
تُرِي الأَهِلَّةَ وَجْهاً عَمَّ نائِلُهُ
فَمَا يُخَصُّ بهِ من دُونِها البَشَرُ
ولما فتح هارون الرشيد هرقلة وعاد منتصراً إلى الرقة دخلها في آخر يوم من رمضان فعيَّد ثم جلس إلى الشعراء فبادره أشجع السلمي مادحاً ومهنئاً بهذه الأبيات:
لا زلت تنشرُ أياماً وتطويها
تَمضي بها لك أيامٌ وتُمضيها
مستقبلاً زينة الدنيا وبهجتها
أيامها لك نظمٌ في لياليها
العيدُ والعيدُ والأيامُ مقبلةٌ
إليكَ بالنصرِ معقودٌ نواصيها
وقال السري الرفاء في معرض المدح:
أنْتَ والعيدُ الذي عَاوَدْتُهُ
غُرَّتا هذا الزمانِ المُعْتَكِرْ
لَذَّ فيكَ المدحُ حتّى خِلْتُهُ
سَمَراً لم أَشْــقَ فيــه بِسَهَرْ
وتَوَلَّهَ الخالدي أبو بكر فجعل الممدوح وهلال العيد صنوين في البهاء فقال:
رَأَى العيدُ وَجْهَكَ عيداً له
وإن كانَ زادَ عليهِ جمالاً
وَكَبَّرَ حين رآك الهِلالُ
كَفِعْلِكَ حين رَأَيتَ الهِلالا
رَأَى مِنْكَ ما مِنْهُ أَبْصَرْتَهُ
هِلالاً أَضاءَ ووجْهاً تلالا
أما الصابئ فقد خلط الثناء والتهنئة بالرؤى الفلسفية فقال:
يا سيّداً أضحى الزّمانُ
بِأُنْسِهِ مِنْهُ رَبيعاً
أيّامُ دهرِكَ لم تَزَلْ
للنّاسِ أَعياداً جَميعاً
حتـــــى لأوْشــــــكَ بينَهـــــــا
عيدُ الحقيقةِ أن يَضِيعا
وهناك الكثير من الرؤى والأخيلة الشعريه ما يضيق عنه المجال ولكنا نكتفي بما أوردنا هنا كنموذج. وكل عام وأنتم بخير.