توحي بعض وسائل الإعلام في حديثها عن الطاقة البيولوجية المستخرجة من الذرة والسكر وما شابه، بأن العلم بات على قاب قوسين من اكتشاف بديل عن النفط وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى مثل الغاز والفحم. ولكن، بالرغم من أن ما تحقَّق في هذا المجال حتى اليوم يستحق الالتفات إليه، فإنه يبقى أقل من أن يخدش سوق الطاقة الأحفورية أو يؤثر عليها. أكثر من ذلك، فإن الدراسات الجديدة التي تناولت الطاقة البيولوجية من زواياها البيئية والاقتصادية وحتى الأخلاقية تعيد اليوم المفرطين في التفاؤل إلى أرض الواقع كما يبدو في بحث نشرته مؤخراً مجلة نيوساينتست يترجمه هنا بتصرف محمود زيَّان مضيفاً إليه بعض المعلومات المستمدة من مصادر أخرى.
هل الطاقة البيولوجية هي الحل الذي يشبه البيوت الزجاجية في مجال الزراعة لجميع هموم الطاقة؟ إن الأمر ليس بتلك السهولة كما يقول فريد بيرس في دراسة له نشرتها مجلة New Scientist البريطانية مؤخراً. إذ يقول: لقد بدأ التدافع نحو الذهب! نقِّبوا عن البترول واشتروا الذرة بقدر ما استطعتم، إنهما الاستثماران اللذان يضمنان الربح الأكيد .
وهذه هي، على الأقل، الرسالة التي يمكن أن نكون قد التقطناها من قراءة عناوين الصحف في الأشهر الماضية. قد قيل لنا: قريباً سوف يصبح توافر محصول الذرة مثل توافر الذهب الأسود. ولا يعود السبب بذلك إلى أن رقائق التورتيلا المكسيكي قد أصبحت الغذاء الأكثر رواجاً. ولكن السبب الحقيقي هو أن الذرة ومجموعة أخرى من المحاصيل قد تم الترويج لها على أنها مصادر الطاقة للمستقبل.
هناك أسباب عديدة لهذا الحماس المفاجئ لـ الطاقة البيولوجية ، إلا أن التأثير الإيجابي الحقيقي المفترض للطاقة البيولوجية هو في صورتها التي تحافظ على البيئة.
إن المؤيدين للطاقة البيولوجية يقولون إنها تخفض بشكل كبير الغازات المنبعثة من البيوت الزجاجية لأن المحاصيل تمتص، وهي تنمو، ثاني أكسيد الكربون من الجو. لهذا، فإنه من غير المفاجئ أن يدعم السياسيون والمدافعون عن البيئة في جميع أنحاء العالم هذه الفكرة، على أمل استخدام هذا الخيار العشبي البديل للطاقة لتزويد السيارات والقطارات والحافلات. حتى أن رجل النفط الأسبق، الرئيس الأمريكي جورج بوش، أصبح من الداعمين لهذا النوع من الطاقة. ففي خطابه السنوي عن حال الأمة الموجه في مطلع السنة الماضية نادى بالقيام بحملة قومية لتسيير السيارات على الطاقة البيولوجية.
ولكن، قبل أن تأخذنا الحماسة، ليس كل شيء هو فعلاً كما يبدو على السطح. فقد بدأ العلماء بالتشكيك في التأثيرات الاجتماعية والبيئية للبيوثينول (Bioethanol) والبيوديزل (Biodiesel)، مقدِّمين أسباباً تشكيكية حقيقية عما إذا كان بإمكان تلك المادتين تحقيق هذه الأهداف الكبيرة. ويجد المدافعون عن البيئة أنفسهم في مأزق شديد مع وجود نصف المجتمع الأخضر يحتضن الطاقة البيولوجية حتى آخر حبة ذرة، والنصف الآخر مستعد للتمهل ودراسة الموضوع بصورة أدق.
ويقول المعارضون لفكرة الطاقة البيولوجية: إنها لن تقتصر فقط على توافر مصدر للطاقة، إذ إنها سوف تلوِّث الغابات الاستوائية وتمتص مخزون المياه الجوفية وتدفع بعض السلالات الحيوانية إلى الانقراض وترفع الأسعار. كما أنها ستسرِّع امتلاك الشركات لقطاع الزراعة، وتخلق المجاعات وتجعل مستوردي الطاقة أكثر اعتماداً على الدول الأخرى. والأسوأ من ذلك، فإن اعتماد الطاقة البيولوجية لا يبطىء الارتفاع الحراري العالمي على الإطلاق، إذا لم تتحسَّن سبل التكنولوجيا المتبعة في تصنيعها. وفي المقابل، يقول مناصرو الطاقة العضوية: إنها ما زالت في مراحلها الأولى ويجب إعطاء التكنولوجيا المتبعة فيها الوقت والاستثمار الكافيين لتحقيق ما وعدت به. إذاً من الطرف المحق؟
سجال جديد لطاقة قديمة
يمكن أن يكون السجال جديداً، إلا أن الطاقة البيولوجية نفسها ليست شيئاً جديداً. فقد تم تصنيع طراز T لسيارة فورد الأولى عام 1908م ليعمل على مادة الأثينول، كما أن رودولف ديزل الذي اخترع محرك الديزل عام 1892م أجرى تجربته الأولى على زيت الفول السوداني.
لقد تم الابتعاد عن الطاقة البيولوجية عند ظهور الطاقة المستخرجة من النفط والتي كانت أقل كلفة، ولكن مع أزمة النفط التي ظهرت سنة 1970م عادت بعض الدول إلى استخدام الطاقة البيولوجية. فالبرازيل مثلاً تستخرج الأثينول بكميات كبيرة من قصب السكر منذ 30 عاماً. وفي العام الفائت أصبحت تستخرج وحدها حوالي نصف الأثينول البيولوجي المستخرج في العالم. وينص القانون البرازيلي على أن يكون %20 من البنزين الذي يُباع في المحطات ممزوجاً مع الأثينول البيولوجي الذي يمكن أن تتحمله معظم السيارات العادية. كما أن %15 من السيارات في البرازيل يمكنها أن تعمل على الأثينول البيولوجي الصافي. ووفقاً لدراسة صدرت في يونيو عن مؤسسة World Watch ، فإن البرازيل إن شاءت أن تصنِّع %10 من مجموع استهلاكها النفطي، فعليها أن تستخدم %30 من أراضيها الزراعية. لذلك فإنه ليس من المستغرب أن تقوم أماكن أخرى في العالم بتعظيم الطريقة البرازيلية. ولكن المشكلة أنه لا يمكن في معظم الدول الأخرى التوصل إلى النسب والأرقام نفسها.
إن الدراسة نفسها الصادرة عن المؤسسة قدَّرت بأنه من أجل التوصل إلى هدف الـ %10 هذا، فإن الولايات المتحدة تحتاج إلى %30 من أراضيها الزراعية كما تحتاج أوروبا إلى حوالي %72، والسبب ليس أن البرازيليين يستخدمون السيارات أقل من الأمريكيين أو الأوروبيين فقط، بل إن أرضهم الخصبة ومناخهم المواتي يساعدان على استخراج محصول أكبر، كما أن الكثافة السكانية لديهم أقل.
وهنالك دول أخرى غير الولايات المتحدة وأوروبا تأمل في أن تكون التجربة البرازيلية نموذجاً لحل سريع للمشكلات البيئية وهموم الطاقة-الأمن التي تشكو منها، فالصين مثلاً تخطط لخفض استيراد النفط وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بتسيير السيارات فيها على مادة الأثينول المصنوعة من نبات الـ Cassava أو المنيهوت، بينما تأمل كوبا بإعادة إحياء صناعة السكر الميتة لديها بتصنيع المحصول لاستخراج الأثينول، وتأمل هنغاريا أن تستبدل وارداتها من الطاقة الروسية بالأثينول المستخرج من الذرة.
إن زراعة الذرة ومن ثم تحويلها إلى أثينول تتطلب كمية كبيرة من الطاقة، كما أن زراعة محصول كبير تستهلك كمية كبيرة من الأسمنت والمبيدات التي لها تكلفة بيئية وأثمان متعلقة بالطاقة. والسؤال: هل الأمر يستحق ذلك؟ .
ليست أنظف من النفط
حاولت بعض مجموعات الأبحاث أخذ كل هذه الأمور في الحسبان وحاولت مقارنة الانبعاثات النفطية مع تلك التي تنبعث من الأثينول البيولوجي المستخرج من الذرة في كل مراحل الإنتاج من الحبة إلى المحرِّك. وواجهت تلك الدراسات بعض القضايا العلمية غير المؤكدة مثل السؤال عن كمية غاز النيتروس أكسيد المنبعث من البيوت الزجاجية، الناجم عن سماد النيتروجين الذي يُستخدم في زراعة الذرة. هنالك انقسام في الرأي حول ما يجب وما لا يجب أن تتضمنه تلك الحسابات. الأمر الذي يعني أن النتائج تختلف بشكل كبير. ولكن هناك دراسة قام بها دافيد بيمنتل في جامعة كورنيل الأمريكية في نيويورك خلصت إلى القول إن أثينول الذرة يؤدي إلى انبعاثات غازية من البيوت الزجاجية أكثر من حرق المواد النفطية.
هناك آخرون ليسوا بهذا القدر من التشاؤم. ففي مراجعة لدراسات عديدة نُشرت في مجلة Science في يناير الماضي، قدَّر ألكسندر فريل من جامعة كاليفورنيا في بركلي أن الأثينول البيولوجي يؤدي إلى %13 أقل من الانبعاثات الغازية من البيوت الزجاجية مقارنة مع كمية معادلة من البنزين. إلا أن الباحث توصل إلى هذا الرقم الإيجابي بعد أن افترض أن الفضلات البيولوجية التي تنتج بعد استخراج الأثينول البيولوجي، تستخدم كطاقة جافة في الأفران أو أنها تُطعم للحيوانات. ولكن معامل تكرير الأثينول البيولوجي لا تقوم كلها بمثل هذا العمل.
طاقة تنذر بخطر المجاعة
السبب الآخر الذي يدعو عدداً أكبر من الباحثين إلى معارضة الطاقة البيولوجية هو أن زراعة الذرة لاستخراج الأثينول تستهلك الأراضي التي تُستخدم في زراعة المواد الغذائية التي يحتاجها العالم. لن يجوع الأمريكيون إذا ما تم تصنيع الفائض من زراعة الذرة بدلاً من تصديره إلى الخارج. ولكن الانخفاض الذي سيحصل في الحبوب في العالم ستنتج عنه زيادة في الأسعار. ويرى الكثيرون في ذلك أمراً غير أخلاقي. ووفقاً لدراسات ليستر براون وهو معلِّق مخضرم وناشط في مجال السياسة الغذائية، فإن كمية الذرة المطلوبة لملء خزان وقود سيارة بالأثينول البيولوجي لمرَّة واحدة فقط تكفي لتغذية شخص واحد لمدة سنة. وهو يصف الازدهار في صناعة الأثينول البيولوجي كمنافسة بين الثمانمائة مليون شخص في العالم الذين يملكون سيارات والثلاثة مليارات نسمة التي تعيش على أقل من دولارين يومياً والتي يصرف الجزء الأكبر منها -أكثر من نصف مدخوله- على الغذاء.
وطبقاً لمنظمة الزراعة والغذاء التابعة للامم المتحدة (الفاو) فإن المنافسة قد بدأت فعلاً. وتقول المنظمة إن تحويل الذرة إلى أثينول هو السبب الرئيس في الانخفاض الحاد في مخزونات الحبوب العالمية، وهو السبب أيضاً في الارتفاع المتناسب مع هذا الانخفاض في أسعار الحبوب في النصف الأول من عام 2006م. وهذا ما تردد في تقرير رُفع إلى المستثمرين في بنك غولدن ساكس في يوليو الماضي الذي تنبأ بارتفاع أسعار الذرة مع زيادة استخراج الطاقة البيولوجية. ووصف موظف كبير في الشركة العالمية شل استخدام المحاصيل الزراعية في استخراج الطاقة بينما هنالك جزء كبير من سكان العالم يعانون المجاعة بأنه غير مناسب أخلاقياً .
إن اللافت هي الكمية الكبيرة من الأرض التي تحتاجها الطاقة البيولوجية لتترك مساهمة فعالة في استهلاك الطاقة. يقول جيسون هيل وبعض زملائه في جامعة سانت بول في مينيسوتا الأمريكية في دراسة نشرت في الأكاديمية الوطنية للعلوم في يوليو الماضي إنه حتى إذا ما عمدت الولايات المتحدة إلى تحويل جميع محصولها من الذرة إلى إنتاج الطاقة البيولوجية فإنها ستفي بـ %11 فقط من طلبها الحالي من البنزين. وتقدِّر مؤسسة World Watch أنه من أجل إنتاج %10 من الطاقة المطلوبة لوسائل النقل العالمية فقط، فيجب استخدام %9 من الأراضي الزراعية في العالم.
يقول المناصرون للطاقة البيولوجية إن مثل تلك الحسابات قد تكون مضلِّلة. وإن الأسعار المرتفعة الناتجة عن زيادة الطلب على الطاقة البيولوجية سوف تشجِّع زراعة مكثفة أكبر للذرة، وامتدادها على مساحات أكبر كانت معتبرة حتى الآن غير مستثمرة. ولكن زراعة مكثفة أكثر تحتاج إلى استخدام مواد كيمائية أكثر، مما يزيد من استهلاك الطاقة والانبعاثات الغازية من البيوت الزجاجية من طن واحد من الذرة. ويشير الدكتور هيل إلى أن تمهيد وحراثة الأرض سوف يؤدي أيضاً إلى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مما يؤدي إلى زيادة في الانبعاثات الغازية من البيوت الزجاجية جرَّاء تصنيع الطاقة البيولوجية.
وماذا عن غير الذرة؟
هذا بالنسبة للذرة. والسؤال هنا هل ستكون النتائج أفضل مع زراعة مواد أخرى؟ يقول لورنس إيغلز العامل في وكالة الطاقة الدولية في فرنسا، إن استخراج الأثينول من قصب السكر هو أفضل للبيئة من استخدام الذرة لأنها تتجنب المرحلة الأولى في استخراج الأثينول من الذرة وهي تحويل النشا إلى سكر. ويضيف إيغلز إنه بمعيار كل ليتر من النفط بالنسبة لهكتار من المحصول وبالنسبة لتقليل انبعاث الغازات من البيوت الزجاجية، فإن قصب السكر يتفوق على الذرة.
وقد استوعب بعض منتجي الأثينول البيولوجي هذه الفكرة. ونتيجة لذلك، تضاعفت أسعار السكر العالمية خلال الثمانية عشر شهراً الماضية، وهذا ما قاله الخبير ريتشارد أوكسلي رئيس مجموعة الاستشارات الصناعية Sugar online الذي يضيف إن جميع المنتجين الرئيسين مثل البرازيل والهند وتايلاند وغيرهم يعمدون إلى تغيير زراعتهم وزرع قصب السكر .
لكن المشكلة أن الأسعار المرتفعة أخذت تدفع المزارعين لتمهيد الأراضي وزراعة قصب السكر من دون الأخذ بالحسبان الآثار البيئية لذلك. ويخشى المهتمون بالبيئة مع زيادة الطلب على قصب السكر في الأسواق العالمية أن يهرع المزارعون البرازيليون إلى اقتحام غابات الأمازون الاستوائية إما لزراعة قصب السكر نفسه أو منتوجات أخرى تم استبدالها بقصب السكر.
ضغوط السكر على الموارد المائية
وكأن هذا كله لا يكفي. فإن مزارع قصب السكر تضع ضغوطاً كبيرة على الموارد المائية لأنها زراعة تتطلب الكثير من الري. وفي البلاد التي يقل فيها المطر يعمد المزارعون إلى استخراج المياه من الأنهار أو من الآبار الجوفية. وهكذا، وبالرغم من أن الري لا يشكِّل مشكلة كبرى في البرازيل فقط، بل أيضاً في البلدان الأقل حظاً، مثل ولاية مهاراشترا الهندية، حيث يتدافع المزارعون إلى زراعة القصب ليستغلوا الأسعار المرتفعة، ولكن مزارع القصب الموجودة قد استهلكت إلى الآن حوالي ثلثي مخزون المياه في الولاية، وقد خفضت مستوى المياه الجوفية إلى ما يصل إلى 50 متراً في بعض المناطق.
يشير أوكسلي إلى أنه على الصعيد العالمي لا أحد يبدو وكأنه مهتم بكمية المياه التي يتطلبها النفط البيولوجي. فالهند تعمد إلى استهلاك موارد المياه لديها بسرعة ستؤدي إلى جفاف الآبار والحقول الزراعية أيضاً كما أنها ستخفض مستوى مخازن القمح. فبالرغم من أن قصب السكر هو أكثر أماناً بالنسبة للزراعة في البيوت الزجاجية من الذرة لصناعة الأثينول، إلا أنه أسوأ بكثير بالنسبة للكميات الكبيرة التي يتطلبها من مخزون المياه في العالم.
هل نحن مخطئون بشكل كبير بظننا أن اللجوء إلى الطاقة البيولوجية سيقودنا إلى عصر الطاقة التي تحافظ على البيئة؟
فيما يشبه العودة إلى الصفر..
البحث عن مصادر أخرى
إن التكنولوجيا المتبعة في إنتاج الطاقة البيولوجية لا تزال في مراحل مبكرة ويفكر العلماء الذين يعملون في هذا المجال في أشياء كثيرة أخرى. إنهم يفكرون في طرق لإنتاج الطاقة البيولوجية من محاصيل غير غذائية ومن الفضلات البيولوجية. وهكذا يوفرون محاصيل الذرة وغيرها من المحاصيل الزراعية من أجل الغذاء. إنهم يفكرون بطرق للقيام بذلك مع المحافظة على النظام البيئي الطبيعي. وهم يعتقدون أنهم مع الوقت سيتمكنون من تحقيق ذلك.
لقد بدأ الباحثون الآن يكتشفون طرقاً ذكية لاستخراج الأثينول البيولوجي من دون استخدام المحاصيل الزراعية، وذلك بالتركيز أكثر على تحويل المواد العضوية الغنية بخلايا السلولوز (Cellulose) إلى الأثينول. فخلايا السلولوز هي المادة الأساسية في جميع النباتات الخضراء. تتكون جزيئياتها من سلاسل طويلة من السكر قاسية بما فيه الكفاية لتكوين جدران النباتات. وإذا ما استطعنا تفكيك تلك الجزيئيات لاستخراج السكر الذي تحتويه يمكننا تخميره للحصول على الأثينول.
إن تطوير طريقة فعَّالة لتحويل خلايا السلولوز إلى الأثينول قد يفتح الباب أمام الكثير من المواد غير الغذائية مثل السويتشغراس (Switch grass) وهو عشب بري ينمو في الولايات الشرقية وفي وسط غربي أمريكا، والقش وفضلات المحاصيل مثل القضبان ورقائق الخشب. ويقول المتحمسون لهذه الفكرة إن مصادر خلايا السلولوز تلك قد تنتج ضعف كمية الأثينول التي يمكن استخراجها من هكتار واحد من الذرة، وقد يتم ذلك في أراضٍ تعتبر حالياً غير صالحة اقتصادياً وليس لها أية أهمية بيئية.
ويظن البعض أن الفضلات المنزلية مثل الورق والكتب وبقايا الطعام قد يمكن استعمالها كمصادر لإنتاج الأثينول.
وتقدر خريطة الطريق التي وضعتها وزارة الطاقة الأمريكية في يونيو الماضي حول تحويل خلايا السلولوز إلى الأثينول، أن الولايات المتحدة يمكنها أن تُنتج ثلث حاجتها من الطاقة باتباع هذه الطريقة في العام 2030م. وتقدم توصية باستخدام محاصيل معدلة وراثياً مثل السويتشغراس من أجل صناعة أصناف قاسية مضادة للحشرات. وهذا يعني أنها ستكون بحاجة إلى القليل من الصيانة، تقل معها بشكل كبير كميات الطاقة والمواد الكيميائية المستخدمة فيها إذا ما قارناها بالمواد المستخدمة حالياً.
ولكن، حتى الوقت الحاضر ما زالت معظم الشركات مترددة بشأن الاستثمار في الأبحاث التي تتطلبها معالجة تلك المشكلات. لذلك أنشأت وزارة الطاقة مركزين جديدين للأبحاث التي ستضخ فيها 250 مليون دولار في السنوات القادمة، بهدف تطوير مواد الطـاقة البيولوجية المستقبليـــة. ويقــــول أوربــــــاش إن هذا المشروع يحمل كثيراً من المخاطر بالنسبة إلى القطاع الخاص ولذلك تقوم الحكومة به .
ولكن هناك شركة كندية واحدة بدأت تعمل على ذلك. فقد قامت شركة آيوغن (Iogen) في أوتاوا ببناء منشآت قيادية تستخرج منها الأثينول من خلايا السلولوز بكميات صغيرة وذلك خلال السنتين الماضيتين. وهي تستخدم نوعاً من الفطر الإستوائي المعدل وراثياً من أجل استخراج أنزيمات تفكك خلايا السلولوز والتي يمكنها من أن تهضم جميع أنواع المواد البيولوجية.
ومؤخراً جذبت هذه الشركة استثماراً بقيمة 30 مليون دولار من شركة غولدمن ساكس كما أنها أعلنت في يناير الماضي أنها ستدرس إمكانية بناء مصنع مكتمل في ألمانيا بالشراكة مع شركة شل و فولكسفاغن . وبانتظار معرفة صوابية تقديرات هذه الشركة، وحتى ولو صحَّت أكثر توقعاتها تفاؤلاً، فإن سنوات طويلة لا تزال أمام الطاقة البيولوجية لتصبح بديلاً -وجزئياً فقط- عن النفط.
أساسيات الطاقة البيولوجية
مصطلح الطاقة البيولوجية هو بمثابة المظلة التي تحتضن كل الصفات التي يمكن أن نصف بها الطاقة المأخوذة من المواد العضوية. وأهم مصدرين للطاقة العضوية هما البيوأثينول Bioethanol الذي هو بديل للبنزين، والبيوديزل الذي يدل اسمه على نفسه.
يمكن استخراج البيوأثينول بتصنيع المحاصيل النشوية أو المحاصيل المشبعة بالسكر مثل قصب السكر أو القمح أو الذرة. ففي حال المحصول النشوي يمكن تحويل النشاء إلى سكر بواسطة الأنزيمات. إذ يتم تخمير السكر باستخدام الخميرة من أجل استخراج الأثينول الذي يتم تقطيره فيما بعد. ومن ثم يمكن مزج الأثينول الصافي الذي يستخرج مع البترول وذلك بنسب مختلفة. ويمكن لمعظم السيارات حرق طاقة البترول الممزوجة مع البيوأثينول حتى نسبة %10 من دون إدخال أي تعديلات على المحرك، وهنالك سيارات جديدة يمكنها أن تحرق البيوأثينول الصافي.
ويشمل البيوديزل الطاقة المستخرجة من تصنيع مجموعة من الزيوت النباتية بما فيها زيت الصويا وزيت الكانولا وزيت النخيل وأيضاً الدهون الحيوانية. ويتم تصنيع الزيوت بطريقة تسمى عملية التحويل . حيث يتم مزج الزيت مع الأثينول ومادة مُحفِّزة أو مسرِّعة عادةً ما تكون الصوديوم هايدروكسايد من أجل تفكيكه. ومن ثم إعادة تصنيعه بشكل ملح عضوي. ويمكن استخدام البيوديزل أو الديزل البيولوجي مكان الديزل من دون أي تعديلات على المحرك. ومع أن هذه الزيوت يمكن مزجها مع الديزل العادي من دون أي تصنيع ويمكن حرقها في محرك الديزل، لكنها غير مستحبة من مصنعي السيارات، كما أنه لا يمكن أن يطلق على هذا المزيج تسمية البيوديزل أو الديزل البيولوجي .
حركة الديزل البيولوجي الارتجاعية
في وقت ما من صيف 2002م بدأت الشرطة في بلدة ولش الإنجليزية تشتم رائحة حيلة ما من أجل تفادي دفع الضرائب. إذ أخذ الناس في جنوب مقاطعة ويلز قبل بضعة أشهر يشترون كميات كبيرة مثيرة للشك من الزيت النباتي المستخدم للطبخ. ولكن بدلاً من أخذه إلى منازلهم من أجل استخدامه في الطهي بدأوا يفرغونه في سياراتهم وشاحناتهم التي تسير على الديزل.
سارت السيارات بشكل جيد على الزيت النباتي والاعتقاد بأنه مصفَّى وأنه مزوَّد بالقليل من الميثانول (Methanol) الذي يساعد على فعاليته في ساعات الصباح الباردة. أصبح الزيت النباتي بالمقارنة مع أسعار النفط المرتفعة بشكل جنوني، أرخص بكثير مما في محطات الوقود. ولكن هذا البديل لم يكن قانونياً لأن السائقين لم يدفعوا عليه ضريبة النفط. ولهذا أسست الشرطة، وبسرعة، مجموعة القلي وكانت مهمتها تنشُّق السيارات التي تسير على الزيت النباتي (الزيت النباتي ينتج رائحة مميزة).
ومع ذلك أدرك رجال الأعمال أهمية ما يقوم به هؤلاء الأشخاص بطريقة غير شرعية، وأخذوا يبنون المنشآت الشرعية لتحويل الزيت النباتي والدهون الحيوانية إلى ديزل بيولوجي. والديزل البيولوجي ليس فقط أرخص من الديزل النفطي، ولكنه، أيضاً، غير ضار للبيئة.
ويمكن استخدام أصناف كثيرة من الزيت النباتي مثل زيت الصويا وزيت دوَّار الشمس وزيت الكانولا وزيت النخيل. وجميع هذه الزيوت تصدر كميات من الانبعاثات الغازية مشابهة لتلك التي تنبعث من الأثينول المستخرج من قصب السكر وأقل بكثير من تلك المنبعثة من الأثينول المصنوع من الذرة. ويقدِّر أحد الخبراء الجامعيين أن الديزل البيولوجي يخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحوالي %41 أي أكثر بثلاثة أضعاف من الانخفاض الذي يقدمه الأثينول المصنوع من الذرة. علاوة على ذلك، فإن الكثير من المحاصيل التي يمكن استخراج الزيت النباتي منها يمكن زراعتها من دون استخدام مواد أساسية متعلقة بالري وبالكيميائيات الزراعية.
وتعتبر ألمانيا حالياً من أكبر المصنِّعين للديزل البيولوجي. لقد أنتجت، في العام 2005م، أكثر من بقية بلدان العالم مجتمعة. لكن هناك مشكلات تترافق مع الظهور المفاجئ للديزل البيولوجي كبديل للديزل العادي. فمثلاً، دوَّار الشمس والكانولا اللذان يعتبران المصدرين الأساسين للديزل البيولوجي في الوقت الحاضر، يُنتجان كميات أقل من الليترات بالنسبة للهكتار الواحد من المحصول إذا ما قارناه بالذرة وإنتاجه للأثينول البيولوجي.
ويقضي قانون الاتحاد الأوروبي، حالياً، بأن جميع مصادر الطاقة يجب أن تُمزج بـ %75.5 من الطاقة البيولوجية بعد عام 2010م، ولكن، لا تملك كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المساحات الكافية من الأراضي للحصول على المحاصيل اللازمة. لذلك فهي بحاجة إلى استيراد كميات كبيرة من الزيوت النباتية للوصول إلى هذا الهدف.
أما ماليزيا وإندونيسيا فتسيطران معاً على السوق العالمي لزيت النخيل. فالنخيل يُنتج كميات أكبر بكثير من الطاقة بالهكتار الواحد من المحاصيل الأخرى. ويسعى البَلَدان حالياً لزيادة إنتاجهما، وقد أعلنا في يوليو الماضي خطة مشتركة من أجل توفير %40 من منتوجهما من زيت النخيل لاستخراج الديزل البيولوجي. كما أعلنت إندونيسيا التي تمتلك 6 ملايين هكتار من النخيل لإنتاج الزيت، خططاً لتوسيع ذلك بما يعادل 3 ملايين هكتار، وذلك ممكن، جزئياً، بتحويل 1.8 مليون هكتاراً من الغابات في بورنيو وهي غابات تبلغ مساحتها مساحة ولاية ماساتشوساتس الأمريكية.
أُدينت خطط التوسيع تلك من قبل أصدقاء الأرض . ويقول إد ماثيو، وهو من الناشطين في حملات أصدقاء الأرض ضد إنتاج زيت النخيل، إن ازدهار صناعة زيت النخيل يدق ناقوس الخطر بالنسبة للحيوانات البرية، ويعرقل الحرب التي تقف بوجه تغيير المناخ العالمي. وهي المشكلة التي من المفترض أن تُسهم الطاقة البيولوجية في حلها . وتقول جمعية أصدقاء الأرض إن مزارع زيت النخيل هي السبب الأهم في تراجع الغابات الاستوائية في ماليزيا وإندونيسيا.