قضية العدد

لا علامات مقلقة على وقوعها

الزلازل في الجزيرة العربية

  • Screen Shot 2012-10-25 at 3.21.22 PM
  • shutterstock_98836256
  • shutterstock_115416436
  • 5AA_6049_4915
  • 5AA_6064_4930
  • ????? ??????
  • Jebel Abiyad  SBS 2

بسبب عجز الإنسان عن توقع مواعيدها، وأيضاً بسبب قدرتها على نشر الدمار بسرعة تفوق باقي الكوارث الطبيعية، تُعد الزلازل أكثر هذه الكوارث إثارة لقلق الإنسان أينما كان في العالم. وترتفع وتيرة هذا القلق في كل مرة تنقل وسائل الإعلام ما أحدثه زلزال هنا أو هناك، كما حصل خلال السنوات القليلة الماضية في جنوب آسيا واليابان وتركيا وإيران وهاييتي وغيرها.
وإن كان العلم لا يزال عاجزاً حتى الآن عن توقع المواعيد التي ستضرب فيها الزلازل هذه المنطقة أو تلك، فمما لا شك فيه أنه توصَّل إلى معرفة الكثير عن هذه الظاهرة الطبيعية المرعبة، وعن أسبابها، وبالتالي تحديد المناطق الأكثر عرضة لها من غيرها. فماذا عن الجزيرة العربية؟ وما هي مخاطر تعرض المملكة لزلزال مفاجئ؟
القافلة تعرض هنا أهم ما جاء بهذا الشأن في الورقة التي أعدها للملتقى الخليجي السابع للزلازل الذي عُقد في جدة، الجيولوجي عبدالرحمن كنكار، ومدير عام المركز الوطني للزلازل والبراكين هاني زهران، ورئيس اللجنة المنظمة للملتقى د. أحمد العطاس، وفيها ما يبقي قلقنا ضمن حدود معقولة.

قد يفاجأ القارئ عندما يعلم أن سطح الأرض يشهد سنوياً أكثر من مليون هزة مختلفة القوى، ولا يشعر الإنسان إلا بنحو الثلث منها. ولحسن الحظ، فإن عدد الهزات التي تخلِّف وراءها دماراً أو خسائر بشرية، هو أقل من ذلك بكثير.

وإن كانت الزلازل تنقسم من حيث طبيعتها إلى قسمين رئيسين هما الزلازل الطبيعية والزلازل الصناعية، وهذه الأخيرة هي عبارة عن اهتزاز القشرة الأرضية بفعل بعض الأنشطة الصناعية مثل التفجيرات الصناعية والنووية، وبناء السدود العملاقة، وتشكيل البحيرات الصناعية وغير ذلك.. فإن الزلازل الطبيعية هي الأكثر إثارة للقلق، لارتباط صور الخسائر الكبرى في الأرواح والممتلكات بها أكثر من غيرها، كما شهدنا جميعاً خلال السنوات القليلة الماضية.

وتصنَّف الزلازل الطبيعية بدورها إلى صنفين: الزلازل الحركية والزلازل البركانية. فتحدث الأولى نتيجة تحرك الصفائح التكتونية بالتصادم أو بالتباعد، مما يؤدي إلى تحرر الطاقة المتجمعة عن الإجهادات عندما تزيد على قوة تحمل صخور القشرة الأرضية. فتتحرك هذه القشرة بكل ما فيها وما على سطحها. أما الزلازل البركانية فتحدث نتيجة تحرك الصهارة تحت سطح الأرض، فيهتز هذا السطح بدوره، ونادراً ما تكون قوة هذه الزلازل كبيرة.

ومن الآثار التي يمكنها أن تنجم عن الزلازل نذكر: هبوط أو ارتفاع بعض المناطق من سطح الأرض، كظهور بعض الجزر أو المناطق الساحلية أو غرقها، والانهيارات والانزلاقات الأرضية خاصة عند سفوح المرتفعات وفي المناطق التي تحتوي فراغات تحت سطح الأرض مما يؤدي إلى تدمير ما هو فوقها، وأيضاً التشققات الأرضية التي قد تدمر المباني والبنى التحتية، وتميّع التربة الذي يؤدي إلى ما تؤدي إليه الانشقاقات من دمار في المنشآت، وموجات المد البحري العالي (تسونامي) التي تؤدي إلى إغراق المناطق المتاخمة للسواحل، وأخيراً الحرائق بسبب تلف شبكات الكهرباء والغاز وغيرها..

وتقاس الزلازل كما هو معلوم وفق قدرتها وشدتها. فالقدرة تقاس بالطاقة المتحررة من مركز الزلزال ويعبر عنها بعدد من الدرجات على مقياس ريختر. أما شدة الزلزال ومقدار التدمير الذي يحدث فيعبر عنه من خلال عدة مقاييس أخرى، أهمها مقياس ميركالي.

فماذا عن الجزيرة العربية؟
تقع المملكة ضمن ما يسمى بالصفيحة العربية، وهي إحدى الصفائح المكوِّنة للقشرة الأرضية، ويحدها من الغرب قاع البحر الأحمر، ومن الجنوب قاع خليج عدن، في حين تمثل جبال زاجروس ومكران في إيران وجبال طوروس في تركيا الحدود الشرقية والشمالية لهذه الصفيحة. كما يحد الصفيحة العربية من الشمال الغربي حد تماسي يسمى صدع البحر الميت الممتد من الطرف الشمالي للبحر الأحمر حتى جبال طوروس في تركيا مروراً بالبحر الميت، ومن الجنوب الشرقي حد تماسي آخر يمتد من الطرف الشرقي لخليج عدن حتى الطرف الشرقي لجبال مكران ويطلق عليه اسم فالق أوينز.

وبفعل حركة الصهارة السائلة في الدثار تحت القشرة الأرضية، تتحرك الصفيحة العربية باتجاه الشمال الشرقي مما يؤدي إلى اتساع مساحة البحر الأحمر بمعدل 15 ملليمتراً سنوياً، ولهذا يسمى هذا الحد للصفيحة العربية تباعدياً، كما هو الحد الواقع في عمق خليج عدن. وفي المقابل يزداد ضغط هذه الصفيحة على الصفيحتين الهندية والتركية، وتحديداً حيث تلتقي حدودها بحدودهما في جبال مكران وزاجروس الإيرانية وجبال طوروس التركية، ولذا تسمى هذه الحدود بالتقاربية. ونتيجة لهذا التقارب وتعاظم الضغط تقع الزلازل الكبرى في هذه المناطق، كما حدث في تركيا عام 1999م عندما أودى زلزال مدمر بحياة عشرين ألف شخص وهجَّر نحو ربع مليون مواطن وأوقع خسائر مادية قدرت بمليارات الدولارات.

وعلى نحو عام، يمكن القول إن الزلازل الحركية تتوزع في غالبيتها على حدود الصفيحة العربية، وخاصة على طول خليج العقبة – البحر الميت ومنتصف البحر الأحمر وخليج عدن والحدود الفاصلة بين الصفيحتين العربية والإيرانية. ولكن هذا لا يعني أن داخل المملكة هو بمنأى تام عن وقوع الزلازل. ففي العام 2011م، سجلت أجهزة الشبكة الوطنية للرصد الزلزالي وقوع بعض الهزات داخل المملكة، معظمها تحت الدرجات الثلاث على مقياس ريختر، مقابل عدد كبير جداً من الهزات التي تراوحت قوتها ما بين 0.78 درجة و6.22 درجة في كل من خليج العقبة وشبه جزيرة سيناء وإيران وخليج عدن ومنطقة البحر المتوسط.

التاريخ يحيلنا إلى الزلازل البركانية
من المعروف تاريخياً أن الصفيحة العربية وما جاورها قد تعرضَّت لزلازل مؤثرة ومدمرة، وخاصة في مناطق الشام والعراق ومصر. وتُعد المنطقة العربية من المناطق القليلة التي لديها وثائق تاريخية تصف قوة الزلازل وآثارها على المدن. وقد أفاض المؤرخون العرب في وصفها بدقة، ومن أبرزهم نذكر الإمام جلال الدين السيوطي وابن العماد على سبيل المثال.

وتشير مصادر تاريخية عديدة إلى أن المملكة تعرضت في الماضي للعديد من الزلازل التي شعر بها الناس في المناطق المأهولة مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة. وإن كان من المرجَّح أن الزلازل الكبرى التي كانت تقع عند حواف الصفيحة العربية هي من الزلازل الحركية، فإن واحداً من أشهر الزلازل التاريخية التي وقعت في المناطق الداخلية هو بركاني المنشأ.

ففي مطلع شهر جمادى الآخرة من عام 654هـ (1265م)، شعر سكان المدينة المنورة بهزات أرضية كانت خفيفة في بادئ الأمر، ولكنها راحت تتكاثر وتشتد خلال الأيام التالية حتى وصلت إلى 18 هزة أرضية، كان أقواها في اليوم الخامس الذي شهد ثوران البركان الواقع في حرة رهاط جنوب شرق المدينة. وصاحب ثوران البركان ظهور نيران عظيمة في سمائه وارتفاع عمود كثيف من الرماد البركاني الأسود والغازات، ثم اندفع منه سيل من الحمم السائلة باتجاه المدينة المنورة، ولم يتوقف انسياب هذه الحمم إلا على مسافة 12 كيلومتراً منها.. ومثل هذا الزلزال البركاني المنشأ، يدفعنا إلى التوقف أمام هذا النوع من الزلازل.

البراكين والحرات في المملكة والجزيرة العربية
البراكين نوعان: جامدة ونشطة. ويمكن للبراكين النشطة أن تثور من فترة إلى أخرى وقد يستمر نشاطها عشرات أو مئات السنين، ويقدَّر عددها اليوم في العالم بنحو 600 بركان، يتركز معظمها في المناطق المعروفة بحزام النار. وفيما يمكن لبعض البراكين أن تخمد نهائياً، فإن بعضها قد يخمد لمئات أو آلاف السنين ليعود وينشط بفعل تراكم ضغط الصهارة والغازات تحته.

وإن كانت البراكين تنتشر في معظمها عند حواف الصفائح التكتونية، حيث يقع أكثر من 85 في المائة من الزلازل الحركية والبركانية، فإن بعضها ينتشر داخل هذه الصفائح كما هو الحال في الجزيرة العربية، مما يشكِّل مبدئياً خطورة على المناطق المحيطة بها.

ويطلق على البراكين ومخرجاتها في المملكة اسم «الحرَّات»، ومفردها حرَّة، وهي طفوح بازلتية تكونت من حمم الصخور البركانية المنصهرة التي تدفقت من باطن الأرض إلى سطحها عبر فوهات بركانية.

وتغطي الحرات البركانية المميزة بالبازلت القلوي الأسود اللون مساحات شاسعة في الجزيرة العربية، حيث إنها تُعد من أكبر مناطق البازلت في العالم. وقد تكونت هذه الحرَّات أثناء النشاطات البركانية والحركية التي شكلت البحر الأحمر وخليج عدن ونظام الأخدود العظيم في شرق إفريقيا في الدهر الحديث (السينوزوي). وقد شهدت الجزيرة العربية (كجزء من الصفيحة العربية) 21 ثوراناً بركانياً تقريباً خلال 1500 سنة، كان آخرها الذي حدث في مدينة ذمار في اليمن عام 1937م.

أما في المملكة، فتقع معظم الحرات في الجزء الغربي منها، وتمتد طولياً من الجنوب إلى الشمال مع مرتفعات جبال الحجاز المحاذية لساحل البحر الأحمر، ويمتد فرع منها شمالاً عبر منطقتي الجوف والحدود الشمالية مخترقاً حدود المملكة مع الأردن. كما تنتشر بعض الحرَّات الصغيرة على امتداد السهل الساحلي للبحر الأحمر، خاصة في سهل تهامة من جنوب جدة إلى جازان، ويتراوح عمر الحرَّات في المملكة حوالي 30 مليون سنة أو أقل من ذلك. ويبلغ مجموع مساحاتها نحو 200 ألف كيلومتر مربع. وتقع معظم فوهات براكين الحرات الرئيسة على خط مستقيم تقريباً، يحاذي خط الطول 40˚ شرقاً، ما عدا حرة الهتيمة التي تكونت في وسط المملكة على الطرف الشرقي لجبال سلمى بالقرب من منطقة حائل.

ويبلغ إجمالي عدد الحرَّات في المملكة 13 حرة، هي: حرَّة الحرة، حرَّة عويرض، حرَّة الرحى، حرَّة الشاقة (لونيير)، حرَّة خيبر، حرَّة اثنبن وكورا، حرَّة الهتيمة، حرَّة رهاط، حرَّة المدينة، حرَّة كشب، حرَّة نواصف (البقوم)، حرة حضن، حرة السراة (سراة عبيدة)، إضافة إلى حرَّات السهل الساحلي الغربي (سهل تهامة).

ولإعطاء فكرة عن ماهية هذه الحرَّات ومساحاتها، نتوقف أمام أهمها.

حرَّة رهاط
تقع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، يبلغ طولها نحو 300 كيلومتر وأقصى عرضها 65 كيلومتراً، ومع ذلك فإنها تبقى ثاني أكبر حرَّة في المملكة من حيث المساحة بعد حرَّة خيبر.

ويتفرع من هذه الحرَّة عدد من الحرَّات الأصغر حجماً وتحمل أسماء مختلفة مثل: حرات شمال مكة، وشمال شرق جدة، وحرة العطاوية، وحرة الحزم. ومن أشهر مخاريطها جبال السهلة وبس والملساء ومطان ومصودعه.

تكمن أهمية حرَّة رهاط في أنها تتوسط عدداً كبيراً من المدن والبلدات التي تحيط بها من كافة الجهات، كما أنها هي الحرَّة التي شهدت أحدث ثوران بركاني في المملكة، وكان ذلك في العام 1265م، كما أشرنا سابقاً.

حرَّة الشاقة، أحدث موجه قلق
في العام 2009م، وتحديداً اعتباراً من التاسع عشر من شهر أبريل، سجلت محطات الشبكة الوطنية للرصد الزلزالي سلسلة من الهزات الأرضية في حرَّة الشاقة، تناقلت أخبارها وسائل الإعلام وأثارت موجة من الترقب والقلق على المستوى الوطني. وتقول مصادر المركز الوطني للزلازل والبراكين إن عدد الهزَّات التي تم رصدها وتسجيلها خلال بضعة أيام آنذاك بلغ عدة آلاف، معظمها كان متناهي الصغر، وبعضها كان محسوساً، أما أقصاها فكان بقوة 5.39 درجة على مقياس ريختر، ثم عادت لتخبو وتتوقف. وبذلك تكون هذه الهزات أحدث ما شهدته المملكة من الهزات الأرضية التي ارتقت آثارها إلى حد إثارة قلق السكان في المناطق المجاورة لمركزها، واقتصرت على ذلك والحمد لله.

وحرَّة الشاقة التي تُعرف أيضاً باسم «لونيير»، تقع بين العيص وأملج وتمتد من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي، وهي من الحرَّات الصغيرة نسبياً، يبلغ طولها نحو 56 كيلومتراً وعرضها نحو 55 كيلومتراً، وتغطي مساحة تقدَّر بحوالي 3575 كيلومتراً مربعاً. وقد انسابت الحرَّة – بحكم الميل – باتجاه الغرب من خلال وادي الحائل وشعيب العويند، حتى وصلت إلى السهل الساحلي على بعد 50 كيلومتراً من مدينة أملج.

ويتفرع من هذه الحرَّة حرَّات وألسن صغيرة ومخاريط يبلغ عددها أكثر من 180 مخروطاً بركانياً، نشأت فوق صخور القاعدة البلورية، ومن أشهر هذه المخاريط: المقراة وزطرة والعقبات والغضياء وحصينة والصفاة. وإلى الغرب من هذه الحرَّة ثمة حرَّة صغيرة على هيئة ذراع تسمى حرَّة «العتبة» يحف طرفها الجنوبي البحر الأحمر قرب مرسى البحير شمالي مدينة أملج.

وتحتوي حرَّة الشاقة على مظاهر بركانية ومعالم جيولوجية مميزة بفعل سلسلة من التدفقات البركانية التي تكونت على هيئة طبقات خلال فترات زمنية مختلفة. ومن هذه المعالم أنفاق طولية تكونت عندما انسابت الصهارة البركانية على سطح الأرض وبرد سطحها مشكلاً قشرة سطحية صلبة، بينما بقي الجزء الحار في الداخل سائلاً، إلى أن اختفى بعد فترة تاركاً خلفه هذه الأنفاق ذات الأحجام المختلفة. وأظهرت الرحلات الاستكشافية التي قامت بها هيئة المساحة الجيولوجية إلى حرَّة الشاقة، وجود هذه الأنفاق الطولية وقد انهارت أسقفها في بعض المواقع.

كان آخر ثوران بركاني شهدته حرَّة الشاقة قبل حوالي ألف عام عندما صعدت الصهارة البركانية إلى السطح عن طريق شقوق متوازية مع البحر الأحمر، وتشكل آنذاك مخروط واحد أو عدة مخاريط بلغ أقصى ارتفاع لها نحو 200 متر، وأقصى عرض نحو 1000 متر. وتتميز البراكين في حرَّة الشاقة بأنها أحادية التكوين ومن النوع الهادئ. ولكن قد لا يكون من الحكمة الاطمئنان أكثر من اللازم إلى هدوئها. فألف سنة في علم الجيولوجيا هي فترة قصيرة جداً. كما أن الهزات الأرضية التي شهدتها الحرَّة عام 2009م، لم تكن الوحيدة من نوعها. ففي العام 2007م أيضاً رصدت محطات الشبكة الوطنية للرصد الزلزالي نشاطاً زلزالياً ملحوظاً في هذه الحرَّة بدءاً من 11 أكتوبر وحتى 20 منه، وبلغ عدد الهزات التي وقعت آنذاك نحو 400 هزة تراوحت قوتها بين 0.89 و2.32 درجة على مقياس ريختر.

ما يمكن توقعه وما لا يمكن..
فيما يتعلق بالزلازل الحركية توصل العلم إلى قياس معدَّل حركة الصفائح القارية بالملليمترات سنوياً، ورسم خطوطاً واضحة لحدودها المتقاربة والمتباعدة، وبالتالي، تمكن من تأطير المناطق المرشحة أكثر من غيرها لوقوع الزلازل الحركية. أما المواعيد المحددة لوقوع هذه الزلازل فلا تزال بعيدة كل البعد عن تقديرها بدقة. فكلنا نعلم أن هذه الزلازل تضرب فجأة من دون أي سابق إنذار.

ولكن فيما يتعلق بالزلازل البركانية، وهي في معظم الأحوال، أقل تدميراً من الزلازل الحركية لأن دائرة تأثيرها تبقى نسبياً أصغر من الأولى، فإنها غالباً ما تعطي بعض المؤشرات على احتمال وقوعها مثل تبدل الحرارة السطحية في محيط المنطقة البركانية، انبعاث بعض الغازات من باطن الأرض عبر تشققات جديدة، وقوع سلسلة من الهزات الصغيرة تمهيداً لما قد يكون أكبر منها… وغير ذلك. وبالتالي فإن رصدها بدقة يمكنه أن يؤدي إلى إطلاق الإنذار في الوقت الملائم استعداداً لمواجهة الزلزال.

وعلى الرغم من أن المملكة لم تشهد في العصر الحديث أية زلازل مدمرة كتلك التي شهدتها البلدان الواقعة عند أطراف الصفيحة العربية، أو بلدان أحزمة النار، وهذا ما يبعث منطقياً على الاطمئنان النسبي، فإن كثرة الحرَّات والمواقع البركانية، وخاصة النشاط الزلزالي شبه الدائم في أعماق البحر الأحمر، يستدعي إبقاء العين ساهرة، بحذر، ولكن دون مبالغة في القلق.

رصد الزلازل والبراكين
الاهتمام بدراسة النشاطات الزلزالية والبركانية وتحديد مستوياتها، وإيجاد قاعدة معلومات دقيقة تسهم في القيام بدراسات بحثية للحد من مخاطرها وتقليل أضرارها، يُعد من استراتيجيات الدول المعرَّضة لمخاطر الزلازل، ولذلك أنشئ في المملكة «المركز الوطني للزلازل والبراكين» عام 2005م، وهو يُعد امتداداً لوحدة الدراسات الزلزالية التي كانت تعمل تحت إدارة الجيوفيزياء.
ومن أهم أهداف هذا المركز كان تطوير الشبكة الوطنية للرصد الزلزالي بالمملكة، فتم تحديث ودمج محطات الرصد التي جرى تسلمها من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، كما أعيد توزيع وتحديث مواقع المحطات التي تم تسلمها من جامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك سعود، إضافة إلى تطوير المركز الرئيس لاستقبال البيانات الزلزالية في المركز الوطني للزلازل والبراكين العامل ضمن هيئة المساحة الجيولوجية السعودية.

112 محطة مراقبة
تتكون الشبكة الوطنية للرصد الزلزالي التابعة للهيئة في الوقت الحاضر من 112 محطة رقمية حديثة للرصد إضافة إلى مركز استقبال البيانات الزلزالية من هذه المحطات الموزعة على معظم مناطق المملكة، مع تركيز واضح على المنطقة الغربية، لقربها من حافة الصفيحة العربية، ولكثرة الحرَّات فيها.
وتعتمد هذه الشبكات على الاتصالات بواسطة الأقمار الصناعية لنقل البيانات الزلزالية من محطات الرصد الموجودة في مناطق نائية ومنعزلة إلى مركز الاستقبال الرئيس.
وتمتاز شبكة الاتصالات المستخدمة في الشبكة الوطنية للرصد الزلزالي بكونها خاصة، لا يشترك فيها أي طرف آخر، ويتولى إدارتها وتشغيلها العاملون في الشبكة طبقاً لاحتياجاتهم. كما تمتاز بكونها ثنائية الاتجاه، مما يتيح للعاملين في المركز التحكم عن بعد في أداء محطات الرصد النائية، مثل تغيير تردد إرسال معين وقدرته، وكذلك معايرة اللاقط السيزمي في المحطة.
وتتكون كل محطة من المحطات التابعة للشبكة من لاقط سيزمي بعيد المدى، وجهاز لترقيم الإشارات، بحيث تتحوَّل إشارات اللاقط السيزمي الحركية إلى إشارات رقمية بمعدل مائة عينة لكل ثانية، وجهاز لإرسال البيانات من خلال طبق هوائي إلى القمر الصناعي «عربسات 5»، الذي يقوم بدوره بإعادة بث البيانات إلى مركز الاستقبال الرئيس في الهيئة. وتعتمد هذه المحطات على الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل مكوناتها.

الأهداف تتعدى الرصد
وإضافة إلى إنشاء الشبكة الوطنية للرصد الزلزالي، تحددت للمركز الوطني للزلازل والبراكين جملة أهداف استراتيجية أهمها:
– مراقبة النشاط البركاني حول الحرَّات في المملكة بسبب إمكانية التنبؤ بثوران البراكين وذلك من خلال مراقبة النشاط الزلزالي حول الحرَّات، وقياس النشاط الحراري فيها.
– التخفيف من المخاطر الزلزالية والتقليل من آثارها حفاظاً على الأرواح والممتلكات وذلك من خلال إجراء دراسات وبحوث متخصصة، وتحديد مكامن الخطورة، وتوعية المواطنين لجهة التعامل مع الحدث في كل مراحله.
– المشاركة في وضع الخطة الوطنية للطوارئ من خلال تحديد المكامن الأكثر عرضة للزلازل وتحديد أقصى قيمة زلزالية محتملة في كل مكمن، وتحديد أماكن الإيواء السريع طبقاً لمعايير ومعطيات محددة.
– المساهمة في تحديث مواصفات البناء وشروطه في المملكة من خلال تحديد قيم عجلة التسارع الأرضية وتحديث خريطة النطق الزلزالية، وإنشاء خريطة التمنطق الزلزالي الدقيق للمدن المهمة في المملكة.
– العمل كبيت خبرة وطنية، وتقديم الاستشارات العلمية والفنية في مجال الزلازل والجيوفيزياء والبراكين.
– التعاون مع الجهات الحكومية ذات العلاقة مثل وزارة الداخلية – المديرية العامة للدفاع المدني، الشؤون البلدية والقروية، والجامعات السعودية والهيئات العلمية ذات الصلة.

أضف تعليق

التعليقات