طاقة واقتصاد

هل يكون المحتل صديقاً؟

  • US-Truppen

جرَّبت ألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، وجود قوات احتلال أمريكية في الغرب، وسوفيتية في الشرق، وبعد عودة الوحدة الألمانية في عام 1990م، أصبح من الممكن أن يتبادل الجانبان خبراتهما مع قوات الدولتين. وهذه الخبرات هي موضوع كتاب بعنوان: (القوات الأمريكية والجيش السوفيتي في ألمانيا: مقارنة بين التجارب والعلاقات والصراعات)، من تأليف الدكتور كرستيان موللر، ويستعرضه أسامة أمين، في السطور التالية.

المؤلف والكتاب
مؤلف الكتاب الذي نحن بصدد تناوله، من مواليد 1970م، أي إنه قضى نصف عمره في جمهورية ألمانيا الشرقية، والنصف الآخر بعد زوالها. في النصف الأول أدى الخدمة العسكرية في (الجيش الشعبي القومي)، حليف القوات السوفيتية، وفي النصف الثاني عاش في الشطر الغربي، ودرس في جامعة برلين، وعمل في معهد أبحاث علوم الاجتماع في مدينة هامبورج، لكنه ظل حتى فترة قصيرة المواطن الألماني الشرقي، وبقيت ذكريات حياته الأولى محور اهتمامه وأبحاثه الكثيرة. إلا أن هذا الكتاب، يتناول ألمانيا كلها، شرقها وغربها، مما يعطي انطباعاً بأن المؤلف تحول الآن للاهتمام بوطنه الجديد، جمهورية ألمانيا الاتحادية.
هذا الكتاب عبارة عن بحث أكاديمي للحصول على درجة الأستاذية، يقع في حوالي 400 صفحة، أي إنه ليس كتاباً للقارئ العادي، بل هو موجه في المقام الأول للمتخصصين، الذين احتفوا من جانبهم بهذا الكتاب، وإن وجدوا عليه مآخذ، كما هي عادتهم دوماً، لأنهم لا يرفعون عالماً أو كاتباً، مهما كانت مكانته، إلى درجة من القداسة، تجعله فوق النقد، والعالم أو الكاتب يعرف ذلك تماماً، ويتقبل النقد بصدر رحب.
يحتوي الكتاب على خمسة فصول، هي: مقدمة، تأملات حول الاحتلال العسكري والقواعد العسكرية في التاريخ، نظرة على القواعد العسكرية في ألمانيا المقسَّمة، نموذجان لتمركز القوات الأجنبية في مدينتين من شرق ألمانيا وغربها، ملخص ونتائج. علماً بأن الفصلين الثالث والرابع يشكلان العمود الفقري للدراسة، لذلك خصهما المؤلف بالجزء الأكبر من صفحاتها.

ثمن الهزيمة
في نهاية الحرب العالمية كانت ألمانيا قد فقدت كل شيء، جيشها مهزوم، قادتها انتحروا أو ماتوا أو أسروا، ولم يعد لها سيادة، أرضها مستباحة، والمدن عبارة عن خراب ودمار، والفقر في كل مكان، حتى أن أكبر رجال الكنيسة الكاثوليكية في مدينة كولونيا، وهو الكاردينال فرينجنس أعلن أن سرقة الفحم من حاويات القطارات، بغرض التدفئة حتى لا يموت الناس من البرد، هو فعل لا يخالف التعاليم الدينية المسيحية.
وانتشرت القوات الأمريكية في الشطر الغربي، الذي تحول بعد ذلك إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية، ذات التوجه الرأسمالي، والمنتمية عسكرياً إلى حلف شمال الأطلنطي، واحتلت القوات السوفيتية الشطر الشرقي، الذي أصبح بعد ذلك جمهورية ألمانيا الديمقراطية، ذات التوجه الشيوعي، والتي انضمت إلى حلف وارسو.
في البداية اعتبر الكثيرون من جنود الاحتلال، أن هذه البلاد مستباحة لهم، كل شيء ملك يمينهم، يحق لهم أن يدخلوا البيوت عنوة، ويفعلوا بأهلها ما يشاءون، ونظروا إلى الألمان باعتبارهم أناس بلا حقوق، بسبب ما ارتكبته بلادهم في ظل الحكم النازي، من جرائم في حق الآخرين في سنوات الحرب العالمية، الأمر الذي أدى إلى انتهاكات كثيرة، لم يتم الكشف عنها جميعاً حتى الآن، وتكفي الإشارة العابرة إلى أن جنود القوات السوفيتية، المعروفة باسم (الجيش الأحمر)، قاموا في الشهور الأخيرة من الحرب، باغتصاب مائة ألف مواطنة ألمانية في مدينة برلين وحدها.
وفي عام 1947م جرت (حركة إصلاح)، عملت على تحديد المناطق التي تتواجد فيها قوات الاحتلال، وانسحب الجنود وراء أسوار معسكراتهم، وفوق الأراضي التي جرى إعلانها مناطق عسكرية خاضعة لهذه القوات، إضافة إلى الأحياء السكنية، التي احتفظوا بها لإقامة عائلاتهم. وهي خطوة يمكن اعتبارها (فك اشتباك) بين المواطنين المدنيين الألمان، وبين جنود المحتل، والتي أدت إلى تخفيف حدة الانتهاكات المستمرة والجماعية لخصوصيات الألمان، ووضعت حداً لأوضاع لم يكن محتملاً استمرارها.
أصبحت أسوار المعسكرات والمناطق العسكرية، بمثابة الحدود الفاصلة بين عالمين، بين عالم القوات المحتلة، وعالم شعب واقع تحت الاحتلال، وبدأت مرحلة التوصل إلى أسس سياسية وقانونية للتعايش المشترك، من خلال وضع صيغ لحلول وسط، يقبل بها الجانبان، أو على الأصح يفرضها طرف، ويقبل بها الطرف الآخر.
في رسالته يطالب المؤلف مواطنيه، بعدم الحكم على تصرفات فردية من جنود الاحتلال، وعدم إصدار أحكام شاملة على هذه القوات، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، دون مراعاة الأحداث التي سبقتها، والخلفيات التي أدت لتمركز هذه القوات المحتلة في الأراضي الألمانية، ويعيد إلى الأذهان أن هذه القوات لم تكن الأولى من نوعها في تاريخ ألمانيا.

العدو الصديق والمحتل الحليف
يشير المؤلف إلى أن الأمريكيين الموجودين في الشطر الغربي، قالوا إنهم «قوة تحمي العالم الحر»، خاصة وأن بقاءهم استمد شرعيته بعد ذلك من خلال الشراكة بين البلدين في حلف شمال الأطلسي، أما السوفيت الذين استقرت قواتهم في الشطر الشرقي، والذين برروا وجود قواتهم أيضاً بالشراكة في حلف شمال الأطلسي، فقد قالوا إنهم جاءوا باعتبارهم «محررين للألمان من الحكم النازي»، وليسوا محتلين لهم، وأنهم بقوا لمساعدة هذه الدولة الشقيقة، في جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والعلمية والعسكرية.
يقارن الباحث كرستيان موللر بين تجارب الحياة اليومية مع جنود الاحتلال الأمريكي والسوفيتي في الشطرين، وكيف كانت علاقة السكان الألمان بهؤلاء الجنود، ومدى نجاح الدعاية الرسمية القائمة على ترويج الصداقة بين الجانبين، والترحيب بوجود هؤلاء الغرباء بين السكان الألمان.
وتوصل موللر إلى أن الألمان الغربيين لم يكونوا ينظرون للجنود الأمريكيين في المقام الأول باعتبارهم قوة احتلال، بل كانوا مقتنعين بأنهم يمثلون «الضمان والحماية من التهديدات» المحدقة بهم، -ولعل حصار السوفيت لبرلين الغربية في عامي 1948 – 1949م، ومنع وصول الطعام عنها، وقيام الطائرات الأمريكية بإلقاء المساعدات الغذائية من الجو لسكان المدينة المحاصرة، كان أفضل دعاية للصديق الأمريكي.
كان الأمريكيون هم ممثلو نمط جديد من الحياة، هم سفراء الرخاء، في بلد كانت مهمته تقتصر بعد الحرب، على إدارة الفاقة والعوز، ووجد عشرات الآلاف من الألمان عملاً في المعسكرات الأمريكية، وتمتعوا بكثير من الامتيازات، منها الحصول على البضائع غير المتوافرة خارج هذه المعسكرات، مما جعلهم يرحبون في غالبية الأحيان بوجود هذا المحتل.
لكن القوات الأمريكية لم تكن دوماً صديقاً وضيفاً لطيفاً، فقد أظهر الضباط الأمريكيون مرات عديدة أنهم فوق القانون، وأنه لا يحق للسلطات الألمانية محاسبة أي جندي أمريكي، مهما فعل، بل تقتصر مهمتها حينئذ على ترك الأمر برمته لسلطات التحقيق العسكرية الأمريكية، التي تتولى التعامل مع ذلك الجندي، وكانت الدبابات الأمريكية تتسبب في أضرار بالغة بالشوارع والحقول الألمانية، دون أن تكترث بهذه الخسائر.
واختار المؤلف مدينة بامبيرج في الشطر الغربي، ليعرف من خلال انطباعات السكان آنذاك، كيف كان سلوك الجنود الأمريكيين، وتوصل إلى أنهم لم يكونوا يلفتون الأنظار إليهم في أغلب الأحيان في الحياة اليومية، إلا إذا تعلق الأمر بالعراك بين طرفين أمريكي وألماني، أو بحوادث الاغتصاب، أو بالمخالفات المرورية، وكانت الشرطة الألمانية تكتفي حينئذ برصد الواقعة، ونقلها إلى السلطات الأمريكية.
كما ينبه موللر إلى ملاحظة مهمة، هي أن الجنود الأمريكيين، الذين جاءوا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، كانوا مجندين يؤدون فترة الخدمة العسكرية، ولذلك كانوا من مختلف طبقات المجتمع، ومن كافة الولايات الأمريكية، وكان هؤلاء الجنود إجمالا أشخاص مدنيين، يقضون فترة مؤقتة في الجيش، يعودون بعدها إلى حياتهم المدنية العادية، وهو الأمر الذي لمسه السكان الألمان في التعامل معهم، وكان بين هؤلاء الجنود من ترك سمعة كبيرة في ألمانيا، مثل المغني إلفيس بريسلي، الذي بقي في ألمانيا في الفترة من 1 أكتوبر 1985، حتى 2 مارس 1960م-.
ولكن في مطلع السبعينيات اختلفت الصورة تماماً، بعد أن بدأت القوات الأمريكية في إرسال عسكريين متطوعين للعمل في الجيش، وغالبيتهم من أدنى طبقات المجتمع الأمريكي، والذين لا يعرفون شيئاً عن ألمانيا ولا شعبها، ولا يهتمون بذلك على الإطلاق، وانتهت سمعة الأمريكي المثقف والغني، بعد أن جاء الجندي الفقير الجاهل، وعندما بلغت الاحتجاجات العالمية أوجها على الجرائم التي ارتكبتها القوات الأمريكية في حرب فيتنام، فقدت القوات الأمريكية في ألمانيا الكثير من الاحترام والتقدير.
في هذا الإطار يشيد موللر بالحرية التي كان الرأي العام الألماني، والسلطات الألمانية، يتمتعون بها، حيث كان مسموحاً بتوجيه الانتقادات، والخروج في مظاهرات ضد الجيش الأمريكي، دون أي قيود.

القوات السوفيتية
في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، كانت القوات السوفيتية تسعى لكي يراها المواطنون هناك بمثابة الصديق، وكانت الآلة الإعلامية الرسمية تؤكد دوماً على هذه الصداقة بين الدولتين والشعبين، لكن كانت هناك الكثير من العوائق التي تحول دون ذلك، فقد رسخت في أذهان الشعب الألماني صورة عنصرية كريهة للروس، منذ نهاية القرن التاسع عشر، وجاء الحكم النازي ليتولى تحويل هذه الكراهية، إلى وقود لقتل ملايين الروس. وأسهم في استمرار الصورة السلبية للروس، ما سبق الإشارة إليه من الجرائم التي ارتكبها الجنود السوفيت في الأشهر الأخيرة من الحرب، بحق النساء الألمانيات، إضافة إلى ما فعلته دبابات القوات السوفيتية «الصديقة»، مع انتفاضة المجر في عام 1956م. وعلى الرغم من كل ذلك لم تقم السلطات الألمانية الشرقية، بتوجيه أي انتقادات إلى «الرفاق» السوفيت.
كان الشعار المرفوع في ألمانيا الشرقية «من يتعلَّم من السوفيت، يتعلم النصر»، ولكن من زار الدول الشيوعية، يعرف أن كل الشعارات لا تعني بالضرورة أي شيء، بل إنها كثيراً ما تكون بعيدة عن الواقع، فالجنود السوفيت لم يكونوا رمزاً للانتصار والعزة والشموخ، بل كانوا جنوداً فقراء، قادهم حظهم العاثر إلى هذه البقعة من العالم أو تلك.
كانت المعسكرات السوفيتية محاطة بأسوار عالية، وأسلاك شائكة، وأنظمة قاسية على من يخالف التعليمات، ولم يكن في هذه القوات ما يصلح أن يكون مثلاً أعلى للمواطنين الألمان، ولا نموذجاً لنمط حياة جذاب، يسعى المواطنون الشرقيون للتعرف إليه، والاقتداء به، ولا يغادر الجنود المعسكرات إلا بصحبة الضباط، الذين يسيئون معاملتهم في كل حين، وإذا فكر أحدهم في الهرب من الخدمة العسكرية، فإنه يتعرَّض إلى عذاب لا يطيقه البشر.
كل هذه الحقائق جعلت سكان ألمانيا الشرقية، يستبدلون مشاعر الكراهية لهؤلاء الجنود، بالشفقة عليهم، وبالتعاطف معهم، لأنهم أصبحوا في أعينهم سجناء في الجيش السوفيتي الأحمر، فالجنود الذين يأخذون البنزين من المعسكرات، ليبادلوه بالطعام، ويسعون لبيع الأسلحة التي سرقوها من مخازن الجيش، لم يعودوا يثيرون الخوف أو الاحترام.
في مدينة يوتربوج الواقعة في جمهورية ألمانيا الشرقية، كان هناك 20 ألف جندي سوفيتي، مقابل السكان الذين لم يتجاوز عددهم 14000 نسمة، ويعد المؤلف أن هذه المدينة كانت تضم مجتمعين متوازيين، كان كل منهما يعيش في عالمه المنفصل عن الآخر، وفي حين لم تمنع القوات الأمريكية جنودها من الاتصال مع المواطنين الألمان، فإن الجنود أنفسهم لم يرغبوا في ذلك، وعلى العكس من ذلك فإن القوات السوفيتية كانت قد حظرت على أفرادها الاتصال بالألمان، لكن الجنود تجاهلوا هذه التعليمات قدر الإمكان، وسعوا لإقامة العلاقات مع المواطنين الألمان الشرقيين حتى رحيل القوات السوفيتية عن جمهورية ألمانيا الديمقراطية في عام 1994م.
ولم يخل الأمر في غرب ألمانيا وشرقها من وجود علاقات بين المواطنين الألمان والجنود الأمريكيين أو السوفيت، والتي لم تقتصر على علاقات العمل، أو التجارة، أو المشاحنات بين الجيران، بل وصلت أحيانا إلى علاقات صداقة وطيدة، وحب مدى الحياة.
حرصت جمهورية ألمانيا الاتحادية قبل ضم شطرها الشرقي إليها، أن تتوصل إلى اتفاق حول انسحاب هذه القوات السوفيتية، ودفعت أموالاً طائلة مقابل هذه الخطوة، أما القوات الأمريكية فمازالت موجودة في الأراضي الألمانية الغربية، بل على العكس يعترض المواطنون الألمان على أي قرارات برحيل القوات الأمريكية من مدنهم، لأنهم يخشون فقدان أماكن عملهم لدى هذه القوات، وتطالب السلطات المحلية ببقائهم، خوفاً من تراجع القوة الشرائية، وافتقاد الأموال التي ينفقها الجنود الأمريكيون هناك.

تقييم الكتاب
يشيد المتخصصون في الدراسات التاريخية والسياسية بهذه الدراسة، لأنها الأولى من نوعها في هذا المجال، رغم مرور سنوات طوال على تحقق الوحدة الألمانية، وتوفر إمكانية جمع هذه المعلومات من قبل، لكنهم ينتقدون اقتصار الدراسة على الرؤية الألمانية، وتجاهل رؤية الجنود الأمريكيين والسوفيت لهذه العلاقة، مما يجعلها أحادية النظرة برأيهم، كما يجدون أن بعض نقاط المقارنة بين الشطرين الشرقي والغربي، لم تكن دقيقة، مثل اختيار المؤلف لمدينة بامبيرج، التي يبلغ عدد سكانها 70000 نسمة، مقابل 7000 جندي أمريكي، ومدينة يوتربوج التي يزيد عدد الجنود السوفيت فيها على عدد السكان الألمان، كما ورد سابقاً، لكن هذه الانتقادات لا تؤثر على النتائج الإجمالية للدراسة، حسب رأيهم.
كما يرى باحثون آخرون أن هذه الدراسة لم تتوصل إلى شيء جديد، لم يكن معروفاً من قبل، لكن الفضل يعود إلى المؤلف في البرهنة على صحة الانطباعات السائدة، عن نجاح القوات الأمريكية إجمالاً في كسب قلوب السكان الألمان، بمبررات منطقية أحياناً، وبدعاية أفلام هوليود، ونمط الحياة الأمريكية عموماً أحياناً أخرى، وفي المقابل فشل القوات السوفيتية في تحقيق هذه النتيجة، بسبب تدخلها المستمر في سياسة ألمانيا الشرقية، ودعمها لنظام الحكم المتسلط بزعامة إريش هونيكر، وهو النظام الذي حرمهم من كل الحريات، مما جعل الألمان الشرقيين لا يذرفون دمعة على هذه القوات عند رحيلها.
يعيب هؤلاء الباحثون على المؤلف، أنه حين رسم صورة الأمريكان أو الروس، لدى الألمان، لم يفرق بين الفئات العمرية المختلفة ، ولا بين الطبقات الاجتماعية المتعددة، ويرون أنه لا يمكن الحديث عن صورة واحدة مشتركة بين جيل الأجداد والآباء والأبناء الأحفاد، ولا بين أساتذة الجامعة والمثقفين من جانب والعامل البسيط والمزارع من جانب آخر.
وعودة إلى السؤال عن إمكانية تحول المحتل إلى صديق، لنجد الإجابة بين سطور هذه الدراسة الأكاديمية، فالمحتل الأمريكي الذي أدرك منذ البداية، أنه لن يبقى إلا الأبد، سعى لكسب ود الشعب الألماني، فأعاد تعريف العلاقة بين الطرفين، لتكون شراكة بدلاً من الاحتلال، واحترم إرادة الشعب، وسيادة حكومته، وكان تدخله من وراء الكواليس، فأصبح صديقاً، واستمر بقاؤه حتى اليوم موضع ترحيب من الغالبية، أما المحتل السوفيتي الذي حرص دوماً على التشديد على أنه صاحب الكلمة العليا في الدول التابعة له، فإنه بقي قوة احتلال في عيون غالبية أفراد الشعب، رغم أنه أسهم بالكثير في التطور العلمي والصناعي، وتنمية الثقافة في ألمانيا الشرقية، وبقى حتى اليوم في ذاكرة الألمان محتلاً، ولذلك لم يشعروا باستعادة سيادتهم على أراضيهم، إلا بعد أن رحلت قواته.

أضف تعليق

التعليقات