قصة مبتكر
قصة ابتكار
وليام أوستن بيرت
الدراجة الهوائية
في بيئة تحيط بها غابات متشيغان، بعيداً عن البؤر الاقتصادية الأمريكية، اخترع مسَّاح الأراضي، الموظف الحكومي اللامع وليام أوستن بورت (William Austin Burt) أول آلة كاتبة، سنة 1829م، فأحدث ثورة في عالم الأعمال، لم تتوقف إلى يومنا هذا. وكان مخترعون قبل بيرت حاولوا في عدد من البلدان، أن يستحدثوا الكتابة الآلية بدلاً من اليدوية. ففي سنة 1714م، حصل المخترع الإنجليزي هنري ميل على براءة اختراع، لكنه لم يُفلح في إقناع الناس بالحاجة إلى هذا الاختراع. ومضى قرن كامل قبل أن تظهر الفكرة من جديد. ففي ألمانيا عمل مخترع الدرَّاجة الألماني كارل درايس، في صنع آلة كاتبة، وفي سنة 1820م نجح في اختراع آلة تضم 16 حرفاً. وفي الوقت نفسه كان بيرت في متشيغان يحاول جاهداً الوصول إلى الغاية نفسها. واختار اسم «تيبوغرافر» لآلته الجديدة. وفي 1829م، تمكن من تحسين الاختراع، وهو غير موقن كم سيكون اختراعه هذا مؤثراً في دنيا الأعمال. كانت الآلة الكاتبة الأولى من خشب، وكان حجمها ضخماً. وكانت الحروف مثبتة على مزلاج، يحركه الكاتب، حتى يقابل الحرف المناسب مكانه على الورق، فيدفعه الكاتب ليترك رسمه بالحبر في سياق الكلمة. واجتهد بيرت في تصغير حجم آلته. ودرَّب نفسه، حتى صار يكتب بالآلة بسرعة كتابته بيده. واعترف صديقه جون ب. شلدون، ناشر صحيفة متشيغان غازيت، بأن الآلة تفتح مجالاً مغرياً لتطوير العمل الصحافي. وسجل بيرت عندئذ الاختراع باسمه. لكن بيرت المهووس بالاختراع، لم يكن تاجراً جيداً، فلم يبع من آلته شيئاً. إلا أنه كان يضع اللبنات لتطويرها. وبهذا فتح الباب لغيره من المخترعين الذين أكملوا عمله. فقد تمكن الأمريكي كريستوفر لاثام شولز (1819 – 1890م) من دفع الآلة الكاتبة شوطاً بعيداً إلى الأمام سنة 1867م. فأضاف إليها مع أصدقائه كارلوس غليدن وجيمس دينزمور وصمويل سول، الأسطوانة المطاطية التي يُلَف من حولها الورق، وتثبيت الفاصل بين الأسطر، والانزلاج من اليمين إلى اليسار عند انتهاء السطر. كذلك وضع شولز نظام ترتيب الحروف المعروف اليوم باسم: QWERTY، الذي نصادفه على معظم لوحات المفاتيح في حواسيب اليوم. وفي سنة 1873م، باع شولز براءة الآلة إلى صانع المدافع الأمريكي فيلو رمنجتون، فبدأ هذا بإنتاج الآلة على نطاق تجاري، وباعها إلى المحامين والمكاتب التجارية والمصانع, وحتى المؤلفين. وكان مارك توين أول كاتب يسلِّم كتاباً إلى الناشر كتبه بالآلة الكاتبة، وهو كتاب «مغامرات توم سوير». ومنذئذ صعدت الآله الكاتبة صعوداً مدهشاً، حتى صارت اليوم، ووارثها الكمبيوتر، حاجة
لا غنى عنها في الأعمال، مهما كانت. وقد تحسنت على مدى السنين، فصارت تعمل بالكهرباء. ثم دخل النظام الرقمي في صنعها، واستوحيت في صنع الكمبيوتر، ابنها الشرعي.
كان مشهد راكب الدرَّاجة الهوائية، في أول عهدها، يثير الاستغراب. فكنت ترى شخصاً يمتطي سرجاً موضوعاً على هيكل من الخشب، يقوم على دواليب، فيما يدفع الراكب الدرَّاجة وقدماه على الأرض، كأنه يمشي، لكن وهو جالس على السرج. فكيف ظهرت الدرَّاجة ومتى؟ استجاب البارون كارل درايس فون ساوربرون (1785 – 1851م) لرغبة والده، فدرس علم الغابات قبل أن ينصرف إلى هوايته الحقيقية: الفيزياء والميكانيك. وبدءاً من سنة 1813م أخذ البارون الشاب يهتم بصنع مركبة تندفع بقوة الرجلين. وفي سنة 1814م عرض للجمهور طرازه الأول، وهو درَّاجة ذات أربع عجلات، تندفع على سكة، بقوة عضلات الرجلين اللتين تدوسان على مُخل، يصعد ويهبط. وقد اعتُمدت هذه المركبة طويلاً في السكك الحديد، عربةً لنقل الميكانيكيين المسرعين لإصلاح القطارات. وحصل درايس على براءة اختراع مدتها سنوات عشر، وعُيِّن أستاذاً للميكانيك في بادن. ولما كانت طرق تلك الحقبة غير مناسبة للعربات ذات الأربع عجلات، اهتدى درايس إلى عربة تسير على دولابين فقط، لمرونتها على الطرق الوعرة. وفي سنة 1817م، عرض للجمهور «درايسيان» (نسبة إليه) وهي مركبة خشب بدولابين، تندفع بقوة القدمين، ولها مِقوَد يوجهها. كان المشهد مضحكاً للناظرين، لكن الدرَّاج كان قادراً على الانتقال بسرعة 10 كيلومترات في الساعة، وتلك سرعة ممتازة، في ذلك العصر. وحظيت المركبة الجديدة بإقبال شديد لدى البورجوازيين والمفكرين المتحررين وأصحاب النظرة التقدمية آنذاك، واشترت نوادي الرياضة الكثير منها لمرتاديها. وانتشر في إنجلترا سباق بين الدرَّاجة والخيل. وصُنعت المركبة فيما بعد من حديد. وشاعت سنة 1818م حتى مُنع استعمالها، إلا على الطرق. ونشأت مدارس لتعليم قيادة الدرَّاجة. وواصل درايس تحسين اختراعه، فأضاف إليه صندوقاً ومكبحاً (فرامل). كذلك أضاف في مرحلة، شراعاً للاستفادة من قوة الريح في دفع الدراجة. غير أن درايس لم يستفد كثيراً من اختراعه، ذلك أن جيمس ستارلي الإنجليزي وبيار ميشو الفرنسي صنعا دراجة شبيهة، ونشبت دعاوى قضائية بين الثلاثة. ولم يدم عمر الدرَّاجة التي تُدفَع بالقدمين طويلاً، وتوقفت عن التطور، وأنفق درايس الكثير لإنتاجها على نطاق تجاري، لكنه مات سنة 1851م مفلساً. ولم تنتشر الدرَّاجة التي نعرفها اليوم إلا عند ظهور الدواستين، اللتين اخترعهما الإسكوتلندي كيركبتريك ماكميلان (1813 – 1878م) الذي صنع من النصف الثاني من القرن الميلادي التاسع عشر، عصر ظهور الدرَّاجة الهوائية الحقيقي. ومنذ ذلك الحين، راحت الدرَّاجة تتطور باستمرار، مع انتقاء المعادن التي تُصنع منها، وتحسُّن مرونة حركتها وقوة تحملها. وهي اليوم وسيلة النقل الشعبية الأولى في عدد كبير من دول العالم، لا سيما في آسيا، لرخص ثمنها عن أثمان وسائل النقل الأخرى، ولعدم حاجتها إلى الوقود.