طاقة واقتصاد

البطارية
مارد الطاقة داخل القمقم

  • Battery Recycling Center
  • Car Batteries Awaiting Recycling
  • 28a

قد لا تمثل صناعة البطاريات على صعيد الاقتصاد العالمي أكثر من جزء ضئيل مما تمثله صناعة النفط والغاز. ولهذا السبب، قلَّما تحظى البطارية بالاهتمام الذي تستحقه، على الرغم من أنها جزء لا يتجزأ من عالم الطاقة ككل.
ميشيل حنَّا يطلعنا على عالم هذه الطاقة المحبوسة داخل القمقم الصغير، والدور المتعاظم الذي باتت تلعبه في حياتنا اليومية، حتى صار ارتباط تطورنا ورفاهيتنا بالبطارية
لا يقل متانة عن حالنا مع مصادر الطاقة الأخرى، وأهمها بالطبع الزيت والغاز.

ليس من المبالغة في شيء القول إننا لو حذفنا البطاريات من الوجود، لتغيرت حياتنا رأساً على عقب. فإلغاء البطارية، يعني إلغاء الهواتف النقالة، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، والساعات العاملة على رقائق الكوارتز، وكل أجهزة التحكم عن بعد، وأجهزة الراديو والموسيقى المحمولة، والمصابيح اليدوية… ومثل هذه الخسارة الأكبر من أن نتحملها، تهون أمام موت الأقمار الصناعية وانقطاع الاتصالات عبرها، وتوقف أجهزة «البايسمايكر» التي يعتمد عليها نبض القلوب الضعيفة، وعجز السيارات والطائرات عن الإقلاع، إلا إذا وجد مصنعوها طريقة لإشعال الوقود بعيدان الكبريت!

إن تشغيل مصنع واحد لصهر الحديد قد يتطلب طاقة توازي أو تزيد على كل الطاقة التي يستهلكها العالم من خلال البطاريات. ولكن تلك الكميات الصغيرة من الطاقة المبعثرة داخل حاويات صغيرة متعددة الأشكال والوظائف أصبحت ذات دور لا غنى عنه في حياة الإنسان، ويوازي في أهميته أهمية أكثر الصناعات حيوية. وقبل الوصول إلى عالم البطاريات اليوم، نتوقف للحظة أمام تاريخها، وأنواعها الأساسية.

تاريخ البطارية
يعود تاريخ البطارية إلى العام 1771م عندما وجد عالم التشريح الإيطالي لويجي جالفاني أن عضلة ساق الضفدعة المقتولة حديثاً تنقبض إذا تم لمسها بواسطة فلزين مختلفين متصلين ببعضهما، وقد فسَّر جالفاني الأمر تفسيراً خطأ، حيث ذكر أن عضلات الضفدع تحتوي على كهرباء سماها الكهرباء الحيوانية! بعد ذلك أتى أليكساندرو فولتا ليوضح أن تفاعلاً كيميائياً حدث في المادة الرطبة التي تحتوي عليها عضلة الضفدع، فسار تيار كهربي بين الفلزين، ثم كرر التجربة عام 1799م، فاستبدل محلولاً من الملح بعضلة الضفدعة، واستخدم أقراصاً من الفضة وأقراصاً من الزنك وصّلها على التوالي، ليحصل على أول بطارية في التاريخ.

إلا أن فولتا لم يدرك أن فرق الجهد الكهربي قد تولد من تفاعل كيميائي، وكان يظن أن بطاريته هي مصدر لا ينفد للطاقة، لكن التفاعل كان مرهوناً بتوفر المتفاعلات كما بيَّن مايكل فارادي عام 1830م.

عام 1836م ظهرت بطارية دانيال التي طوَّرها الكيميائي الإنجليزي جون فريدريك دانيال، ليتلافى الكثير من عيوب بطارية فولتا، حيث استخدم عموداً من الزنك وغمسه في وعاء مسامي يحتوي على محلول من كبريتات الزنك، ثم غمر هذه المجموعة كلها في وعاء من النحاس يحتوي على محلول من كبريتات النحاس، وقد أعطت هذه البطارية تياراً أفضل بكثير من أسلافها. استُخدِمَت بطارية دانيال بعد ذلك على نطاق واسع في عالم ما قبل الشبكات الكهربيّة، وكان من أبرز مجالات استخدامها التلغراف الكهربائي.

لكن هذه البطاريات التي كانت تعتمد على المحاليل السائلة الموضوعة في أوانٍ، كثيراً ما كانت تنسكب وتتسرب أو تنكسر أوعيتها، مما يجعها غير مناسبة إطلاقاً للأجهزة المحمولة. وهكذا، وقرب نهاية القرن التاسع عشر، كانت الطريق قد مهدت لظهور البطارية الجافة. فتم التخلص من المحاليل السائلة واستخدام عجينة صلبة بدلاً منها، لتصبح البطاريات مناسبة أخيراً للأجهزة المحمولة.

وقبل أن يأفل القرن التاسع عشر، وتحديداً في العام 1896م، طرحت «شركة الكربون الوطنية» الأمريكية أول بطارية للبيع في الأسواق. وهي الشركة التي أصبح اسمها لاحقاً «إيفيرريدي» وتعرف اليوم عالمياً باسم «إنرجايزر».

وبعد ذلك بسنتين طرحت الشركة نفسها البطارية الشهيرة ذات القياس الذي يرمز إليه بحرف (D) للاستخدام في المصابيح اليدوية. ولا تزال هذه البطارية تنتج بالمقاييس نفسها حتى اليوم.

وفي العام 1906م، شهدت ولاية ويسكونسن الأمريكية تأسيس عملاق آخر في صناعة البطاريات: «شركة البطارية الفرنسية»، التي غيَّرت اسمها في العام 1934م إلى الاسم الذي نعرفه جميعاً «رايوفاك».

أنواع وأنواع
القابل للشحن وغير القابل
يصيبنا العجب من كثرة أشكال البطاريات وأنواعها: كبيرة وصغيرة، رفيعة وسميكة، مستديرة ومربعة ومستطيلة، بل وذات أشكال غير منتظمة أيضاً! ويتساءل المرء عن السبب في كل هذه الأشكال والأحجام. ولاشك أن حجم البطارية وقوتها يجب أن يتناسبا مع حجم الجهاز وكمية الطاقة التي يتطلبها تشغيله، لكن بعض البطاريات ذات الأشكال الفريدة والغريبة توحي إلينا بإمكان وجود اتفاقات معينة بين الشركات المصنِّعة للأجهزة وشركات تصنيع البطاريات، وذلك لصنع بطارية فريدة من نوعها حتى يضطر المستخدم لشرائها هي بالذات، في نوع من اتفاقات المصالح المشتركة التي تعظم أرباح الشركات وتسحب الأموال من جيوب المستهلكين.

هناك عدد من التصنيفات للبطاريات، لكن الشائع تقسيمها إلى بطاريات غير قابلة لإعادة الشحن، وتسمى أحياناً «البطاريات الأولية»، وأخرى قابلة لإعادة الشحن، وتسمى «البطاريات الثانوية».

يُستخدم النوع الأول مرة واحدة قبل التخلص منه، لأن البطارية تستهلك الكيماويات الموجودة بداخلها في تفاعل كيميائي غير قابل للعكس، أما النوع الثاني فالتفاعل الكيميائي الذي يحدث بداخله قابل للعكس عند تمرير تيار كهربي في البطارية أثناء عملية الشحن، وذلك في عكس الاتجاه الذي يتولَّد فيه التيار الكهربي داخل البطارية، ويمكن إعادة شحن هذا النوع من البطاريات لعدد معين من المرات قبل أن تبلى وتصبح غير قابلة للاستخدام.

إن أقدم أنواع البطاريات القابلة لإعادة الشحن التي ما زالت تستخدم حتى الآن هي بطارية السيارة، المعروفة أيضاً بـ«بطارية الرصاص – الحمض» (lead-acid battery). وتعطي هذه البطارية قوة عشرة آلاف وات، وتياراً كهربائياً يراوح بين 45 و1100 أمبير. وهناك أنواع حديثة من هذه البطاريات تحتوي على هلام (جيل) بدلاً من سائل المحلول، أو على ألياف زجاجية (فايبر جلاس) مشبعة بالملح، وذلك لتجنب مشكلة انسكاب السائل.

أما البطاريات الجافة القابلة لإعادة الشحن فمنها بطارية النيكل كادميوم، التي حلَّت محلها بطاريات الليثيوم الأكثر كفاءة بكثير، والتي تستخدم اليوم في كل الهواتف المحمولة وأجهزة اللابتوب. أما أحدث نوع من هذه البطاريات فهي بطاريات يطلق عليها خلايا الـيو إس بي USBCELL، والجديد أنها تحتوي على شاحن داخلي، ويمكن وصلها بأي منفذ USB في الكمبيوتر لشحنها دون الحاجة إلى شاحن.

سنلقي الآن نظرة على أشهر أنواع البطاريات الأولية والثانوية.

أنواع البطاريات الأوليّة
• بطارية الزنك والكربون: بطاريات متوسطة الكلفة، تستخدم في مختلف الأجهزة العادية، كأجهزة الراديو وكشَّافات الإضاءة الصغيرة مثلاً.
• بطارية كلوريد الزنك: شبيهة بالنوع السابق لكن عمرها أطول قليلاً.
• البطارية القلوية (الكالاين): أطول عمراً بكثير، وتستخدم في الأجهزة ذات الاستهلاك الكثيف للطاقة.
• بطارية أكسيد الزنك: وهي البطاريات المستديرة الصغيرة التي تستخدم في ساعات اليد والآلات الحاسبة وغيرها.
• بطارية الليثيوم وثاني كبريتيد الحديد: وهي البطاريات المستخدمة في بعض أنواع الكاميرات. عمرها طويل جداً قد يصل إلى سنوات عشر، إلا أنها غالية السعر.
• بطارية الليثيوم – كلوريد الثيونيل: وتستخدم في التطبيقات الصناعية، وفي أجهزة القياس الحساسة، وهي غالية نسبياً وذات عمر طويل.
• بطارية الزئبق: كانت تستخدم في السابق في الساعات الرقمية وأجهزة المساعدة على السمع، إلا أن استخدامها أصبح محدوداً بسبب سُمِّيتها.
• بطارية الزنك – الهواء: وتستخدم في أجهزة المساعدة على السمع.
• البطارية الحرارية: وتستخدم في التطبيقات العسكرية فقط.
• بطارية الماء المحفَّز: وتستخدم في الأجهزة التي تستخدم في الأرصاد الجوية.
• بطارية أوكسي هايدروكسيد النيكل: وتستخدم في الكاميرات الرقمية، وعمرها أطول مرتين من البطاريات القلوية.
• البطارية الورقية: وهي أحدث ما ظهر في عالم البطاريات، وقد تم التوصّل لها في أغسطس 2007م، وهي بطارية رفيعة جداً كالورقة، ويمكن طيّها ولفّها وتقطيعها لتأخذ أشكالاً مختلفة، وبسبب وزنها الخفيف وتكلفتها الرخيصة، فمن المتوقع أن تأخذ هذه البطارية مكانها سريعاً في عالم الإلكترونيات.

أنواع البطاريات الثانويّة
• بطارية النيكل كادميوم: وهذه البطاريات تفقد جزءاً من قوتها إذا تم شحنها، وما زال بها جزء من الطاقة، ولهذا يجب تفريغها بالكامل قبل إعادة الشحن، كما أنها لا تدوم طويلاً. كانت تستخدم قديماً في أجهزة الموبايل.
• بطارية هايدرايد معدن النيكل: تدوم أربع مرات أطول من بطارية النيكل كادميوم.
• البطارية القلوية القابلة لإعادة الشحن: مثل البطارية القلوية العادية، إلا أن التفاعل الكيميائي بداخلها قابل للعكس.
• بطارية الليثيوم: ويطلق عليها أحياناً بطارية أيون الليثيوم، وهي البطارية الشائعة حالياً في أجهزة الموبايل واللابتوب، وهي من أكثر أنواع البطاريات انتشاراً اليوم. تتميز بخفة وزنها وبأنها تدوم طويلاً. إلا أن بها عيباً غريباً، هو أن عمرها يعتمد أيضاً على تاريخ تصنيعها (إضافة إلى عدد دورات الشحن والتفريغ). فبطارية اللابتوب الجديدة مثلاً تفقد حوالي %20 من سعتها كل سنة.

محاذير ومتاعب بيئية
يمكن للبطاريات أن تنفجر إذا أسيء استخدامها، أو إذا كان بها عيب في التصنيع. ويحدث هذا عند محاولة شحن بطاريات غير قابلة للشحن. وحتى البطاريات القابلة لإعادة الشحن، فبإعادة شحنها بمعدل زائد، يتكون بداخلها خليط من غازي الأوكسجين والهيدروجين، يؤدي بدوره إلى زيادة الضغط داخلها واحتمال انفجارها، أو إلى انطلاق الحمض من داخلها إلى الخارج.

أما الآثار البيئية للبطاريات المستهلكة فتمثل تحدياً ضخماً نظراً لكميات المعادن السامة التي تحتويها مثل الزئبق والكادميوم والرصاص. وإلقاء البطاريات في صناديق القمامة العادية يعني إرسالها إلى الأفران حيث تحرق لتنفث غازاتها السامة والمسرطنة في الهواء. ولذا أصبحت في الدول المتقدِّمة مصانع خاصة لإعادة تدوير البطاريات، فيعاد استخراج معادنها الثمينة لإعادة استعمالها مرة ثانية، والتخلص من الغازات والسوائل السامة بطرق سليمة وفق ما تقتضيه القوانين الخاصة بهذا الشأن. ولإدراك ثقل المسألة البيئية في عالم البطاريات، نشير إلى أن الأمريكيين يشترون سنوياً حوالي 3 مليارات بطارية. وكل أمريكي يتخلص من 8 بطاريات جافة كل عام.

نمو الصناعة وأرقامها
بصـــــمت، كمــــا هـــــو أداء البطـــارية، تنمـــو صناعة البطاريات في العالم بسرعة صاروخية توازي التضخم في عدد الأجهزة الكهربائية المحمولة التي تغرق الأسواق أكثر فأكثر. والمصانع التي تأسست قبل نحو قرن ونصف قرن تشهد منذ سنوات قليلة نمواً سنوياً وضعها في مصاف الشركات العملاقة عابرة القارات.

فالتقرير السنوي لشركة «إنرجايزر» يشير إلى أن مبيعات الشركة للعام الماضي 2007م بلغت 3.365 مليار دولار، ووصلت أرباحها إلى 321 مليون دولار. في حين أن شركة «دوراسيل» القائمة أساساً على تسويق البطاريات القلوية، وتأسست في عام 1964م من خلال مصنع واحد، باتت تدير اليوم 10 مصانع على مستوى العالم إضافة إلى مصانعها العديدة المجمعة في ولاية كونكتيكت الأمريكية. وبلغت مبيعاتها الصافية للعام الماضي 2.57 مليار دولار. أما «رايوفاك» التي اشترت شركة «روف» في العام 1999م، وشركة البطاريات الأوروبية «فارتا» سنة 2002م، ومن ثم «ريمنغتون» في العام التالي، فاستمرت في التوسع وابتلاع الشركات الأصغر، ومنها شركة «نينغهو باوانغ» الصينية و«ميكروليت» البرازيلية، و«الصناعات المتحدة» الأمريكية، لتصبح عملاقاً عالمياً غيَّر اسمه من «رايوفاك» إلى «سبكتروم براندز».

وأخيراً وللدلالة على نمو صناعة البطاريات، كما نشهد اليوم ونتوقع له خلال السنوات القليلة المقبلة، نشير إلى أن شركة «آيباور للإلكترونيات» التي تأسست في العام 2002م في الصين حيث يوجد نحو 280 مصنعاً آخر للبطاريات، وتختص بإنتاج بطاريات الأجهزة الإلكترونية المحمولة، كانت قد باعت في العام 2004م، نحو 7 ملايين بطارية، غير أن هذا الرقم قفز في العام 2007م إلى 20 مليون بطارية!!

البطاريات قبل الجهاز
يعرف مستهلكو الإلكترونيات أينما كانوا في العالم، أنهم اضطروا في وقت من الأوقات لإبدال هواتفهم النقالة التي كانت صالحة للعمل، بأخرى أحدث منها، لأن بطارياتها لم تعد صالحة لإعادة الشحن، كما أن مصانع البطاريات أوقف إنتاج هذه الطرز منها.

وتتخذ المشكلة التي لا تزال قائمة حتى اليوم، بعداً كافياً لجر بعض منتجي الإلكترونيات وموزعيها إلى القضاء. وخاصة في عالم آلات التصوير الرقمي. إذ إن بعض الشركات تصمم لكل طراز من طرزها بطاريته الخاصة. والأخطر من كل ذلك هو أن بعضها يصنِّع بطارية واحدة لكل آلة تصوير، (أو أن الموزعين لا يستوردون غير بطارية واحدة لكل آلة). وبالتالي فإن عمر آلة التصوير ذات الثمن الباهظ بات مرهوناً بعمر البطارية القصير الذي لن يزيد على سنتين أو ثلاث سنوات. ولذا، يمكن للمستهلك أن يستفسر عن توافر البطاريات البديلة في الأسواق، ويضمن استمرار توافرها، حتى قبل أن يسأل عن مواصفات الآلة بحد ذاتها. ولعل في الإحجام عن الشراء في حال عدم الاطمئنان إلى مستقبل الطاقة اللازمة للآلة، ما قد يثني المصنِّعين عن هذا التسويق القسري لمنتجات قصيرة العمر.

أضف تعليق

التعليقات