قول آخر

القصة القصيرة جداً في مصر

تناول الباحث المصري سامح الصاوي فى دراسة نشرتها القافلة له فى عددها الماضي تناول فيها مجموعة الكاتبة السعودية هيام حسون المفلح «كما القلق يتكئ الجمر ، أطلق الباحث فى نهاية دراسته سؤالاً عن موقف كتَّاب مصر من القصة القصيرة جداً التى كانت محور الدراسة. وكان سؤاله هذا يشبه إلقاء حجر فى الماء الراكد لتتسع الدائرة حول هذا الموضوع الذى يمثِّل الآن واقعاً جديداً في مجال القصة القصيرة.

والمتتبع للمشهد القصصي المصري في جوانبه المختلفة يجد أن القصة القصيرة جداً أصبحت الآن واقعاً ملموساً ومتميزاً، وأنها تحتل مكانة خاصة فى هذا المشهد، وأن المبدعين فى مجال السرد القصصي فى مصر قد ولجوا هذا المجال منذ مدة طويلة، وأصبح المصطلح راسخاً فى المشهد الأدبي المعاصر. وإن كنا لا نرى توصيف «قصص قصيرة جداً عبارة ظاهرة على غلاف عدد كبير من المجموعات القصصية على الساحة الأدبية المصرية اليوم، إلا أن معظم المجموعات القصصية التي تحتويها المكتبة القصصية الآن تحتفي بهذه الصيغة من الكتابة. فالتجريب في هذا المجال أضحى من الأركان الأساسية لدى معظم كتَّاب القصة فى مصر كتَّاباً كانوا أم كاتبات، وقد لقي صدى قوياً على مستوى النشر فى الدوريات المختلفة لاعتبارات التكثيف الشديد في حجم القصة وانطباعاتها الموحية والدالة لدى القرَّاء. لكن هناك بعض الحذر الذي يمنع كتَّابها القصة القصيرة جداً من نشر مجموعات خاصة تقتصر على هذا الجنس الأدبي وحده، فيفضلون أن يعرضوا تجاربهم فيها منثورة وسط إنتاجهم من القصة القصيرة التقليدية. فالمشكلة الأساسية لهذا الجنس الأدبي هي أن هذا اللون من الكتابة لا يحظى بالقبول الكافي والمطلق لدى بعض كبار الكتَّاب والنقاد. بل إن بعضهم يقفون حجر عثرة أمامه ويرفضون الاعتراف به، وكأنهم يمثلون الحرس الحديدي القديم أمام التغييرات التي يمر بها القالب التقليدي للسرد القصصي.

وللقصة القصيرة جداً فى مصر كتَّابها الذين يحتفون بها ويبدعون فى مجالاتها المختلفة، ويعد محمد المخزنجي وسناء البيسي من أول من كتب هذا اللون من الكتابة وأرسى دعائمه فى المشهد المصري المعاصر بصدور مجموعات المخزنجي القصصية منذ أوائل الثمانينيات وحتى الآن وهي مجموعات «الآتي، رشق السكين، البستان، ذبابة زرقاء، والموت يضحك، وسفر، وأوتار الماء، والغزلان تطير ، وصدور مجموعتي سناء البيسي «فى الهواء الطلق 1973، وهو وهي 1984 .

ويحتوي المشهد المصري على بعض النماذج المعبرة عن ريادة مصر لهذا اللون الأدبي، فنجد مجموعات «المسافر الأبدي لعلاء الديب 1999، «سردايب لعفاف السيد 1998، «لحظات في زمن التيه للسيد نجم 1994، «أطياف ديسمبر و«نقوش وترانيم 2003 لمي خالد، «شخص غير مقصود لمنتصر القفاش 1999، «بنات في بنات 2001 لصفاء عبدالمنعم، «بيت النسيان لعبدالفتاح الجمل 1999، «للجبل أغان أخرى 2001 للدكتورة هيام صالح، «أرجوحة لسمير الفيل 2002، «الجدار السابع لأحمد محمد عبده 2003، «ربما كالآخرين 2003 لأسماء شهاب الدين، «طوفان النار لمحمد حافظ صالح 2000، «تلك 1999 لأم العز السنيني، «همزة وصل .. همزة قطع لرضا إمام 2002، «دنيا صغيرة لابتهال سالم 2002. وهذه نماذج تضمَّنت العديد من القصص القصيرة جداً بل نجد بينها بعض المجموعات التي تحتوى على قصص قصيرة جداً فقط مثل مجموعة رضا إمام وأم العز السنيني. فمجموعتهما كلها من القصة القصيرة جداً الخالصة والمعبِّرة عن روح العصر فى الشكل والمضمون، وهي نماذج وأمثلة حية لما على الساحة المصرية فى هذا المجال.

إضافة إلى ذلك، فإن الدوريات الأدبية المصرية تحتفى بمثل هذا اللون من الكتابة القصصية. وتعد مجلات الثقافة الجديدة والقصة وإبداع وأدب ونقد ونصف الدنيا وجريدة أخبار الأدب والصفحة الأدبية لجريدة الأهرام، ساحات مهمة ومؤثرة لنشر هذا النوع من النصوص الإبداعية، وعرضها على جمهور مستعد لتقبل التجديد، وقادر على رؤية مزاياه، من دون أن يتقيد بعرضه على القوالب النقدية والمعايير التي يضعها أهل الاختصاص للحكم على عمل إبداعي معين.

ولعل هذه العجالة المتحلقة حول القصة القصيرة جداً في مصر هي التي جعلتني أتذكر هذه التسمية التى أطلقها عباس محمود العقاد على فن القصة القصيرة حينما كان يساجل نجيب محفوظ القاص الشاب على صفحات مجلة الرسالة في منتصف الأربعينيات حين أطلق على القصة القصيرة اسم «القصة الصغيرة فماذا لو عاش العقاد إلى يومنا هذا وقرأ هذا اللون من الكتابة القصصية وأي اسم كان سيطلق عليها؟

أضف تعليق

التعليقات