تحتوي كل خلية على مادة مميزة فيها شفرة لصفات تلك الخلية، سواء أكانت لكائن من خلية واحدة أو من ملايين الخلايا. فجميع خلايا جسمك متطابقة في تلك الشفرة، وهذه الشفرة مؤلفة من أجزاء تسمى «المورثات» (جينات)، والمورث مركب كيماوي له تعبير عن صفة أو وظيفة .. فمثلاً الخلية التي تقوم بإفراز عصارة معوية تطابق خلية الجلد في تسلسل المورثات، إلا أن المورث المسؤول عن العصارة المعوية لا يعمل هناك، والعوامل التي تحدد عمل المورث من عدمه من القضايا التي أعيت العلم.
هذا النظام الثابت التسلسل والترتيب في شفرة المادة الوراثية هو ما يُعرف باصطلاح «الجينوم». وهذا الجينوم ثابت ومميز في كل أنواع المخلوقات الحية، وهو بمثابة السجل لصفات كل نوع. فمثلاً موقع الجين المسؤول عن تكوين «بروتين أ» في خلاياك يطابق موقع الجين في جسم أي إنسان آخر. والخلل في هذا الجين أو اختفاؤه يؤدي إلى عدم تكوين البروتين، ويكون هذا الخلل إما وراثياً أو عارضاً. ويسعى العلم حالياً إلى تحديد كل بروتين يؤدي عدم تكوينه أو تكوينه بصورة مختلفة إلى حدوث خلل في النظام البيولوجي للإنسان، ومن ثم تحديد التقنية التي يتم من خلالها التدخل والتي تناسب حالة الجينات سواء باستئصال الجين المعطوب أو زرع جين سليم. فقد بدأت دراسة الجينوم البشري منذ أن وضع كل من واطسن وكريك نموذجهما الشهير من الحمض النووي عام 1953م. وقد تلى ذلك في عام 1972م نقل بعض العلماء لأحد الجينات من مخلوق حي إلى آخر، وكانت تلك شرارة ثورة الهندسة الوراثية، حيث تبعتها سلسلة مؤتمرات ما بين عامي 85 و88م لمناقشة الاستراتيجية المناسبة للتعرف إلى ما سمي في ذلك الوقت بالمخزون الوراثي البشري.
تسعى دراسة الجينوم إلى معرفة إمكانية حدوث الاختلالات الجينية ومدى تأثيرها على صحة الإنسان، كما بات بالإمكان دراسة المخزون البشري لشجرة العائلة بعد أخذ خلايا من أجسام أفرادها، ومن ثم استقصاء الأمراض والتاريخ المرضي.
تحدِّد خريطة الجينوم كل التفاصيل الخاصة بكل جين: نوعه, موقعه من السلسلة الوراثية, تركيبه, علاقته بالجينات الأخرى. ففي عام 1990م بدأ مشروع مشترك بين ست دول وهي: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين واليابان لدراسة الجينوم البشري والذي سمي بـ «HGP» اختصاراً لـ «Human Genome Project»، والهدف منه رسم مايسمى بالخريطة الجينية البشرية. وقد كان المخطط المالي لهذا المشروع هو شركة «سيليرا جينوميكس»، وتم الشروع في العمل المكثف من أول لحظة بعد تكليف فريق العمل بقيادة فرانسيس كولينز. بلغت تكلفة المشروع قرابة 5 مليارات دولار وزعت نسبها على الدول الست كما يلي: الولايات المتحدة الأمريكية: %55، بريطانيا: %23، اليابان: %10، فرنسا: %2.5، ألمانيا: %1.5، الصين: %1.
ماهي الفوائد المرجوة من دراسة الجينوم البشري؟
معظم تطبيقات الخريطة الجينية في المستقبل ستنصب على الوصول إلى تصميمات للأدوية، مبرمجة على أساس جيني كالبروتينات العلاجية وهو مايسمى بـ «ثورة البروتيوم». وهي أنواع البروتينات المختلفة كالأنسولين والثايروكسين التي يتم تركيبها وفقاً لـ RNA المراسل. ويقصد بالبروتينات العلاجية، البروتينات المنتجة بواسطة تكنولوجيا الجينات للاستخدام في المعالجات.
إن عدد البروتينات المتوقع أن يتم رصدها والتعرف إلى وظيفتها وتركيبها يربو على المليون. وكلها تقع تحت وطأة تشفير جيني من الجينوم البشري والذي يتكون من 100000 جين، وهذا المشروع هو المسمى بـ «مشروع البروتيوم البشري» وهذا المشروع هو الخطوة الأساسية بعد اكتمال رسم خارطة الجينات، لأن ذلك سيفيدنا في تصميم أدوية بروتينية خاصة.
فقد اهتمت شركات أدوية عملاقة بمشروع البروتيوم البشري واعتبرته هدفاً اقتصادياً رئيساً في استراتيجيتها مثل Celera Genomics وGen Ped اللتين تقومان بمشروع مشترك لهذا الغرض. كما تعاضدت شركتا Structural Genomics وSyrix في وضع الشكل الثلاثي الأبعاد للجزيء البروتيني الوراثي.