قريبة جداً من حياتنا اليومية حتى الالتحام بها. ويألف الجميع وجودها بين أيديهم حتى نسيان الأسئلة الكثيرة التي يثيرها عالمها الخاص.
قد تبدأ الأسئلة بالدوافع إلى تفضيل هذه الجريدة عن تلك.. وتمر بالنظرة المبسطة إلى الصحافي على أنه كل شخص يقع مقر عمله في مؤسسة إعلامية، وتنتهي بصناعتها، هذا العالم المجهول بالنسبة إلى كل من لم يتعرف عليه من الداخل.
في هذا الملف يأخذنا خالد الطويلي ووليد شميط وإبراهيم العريس وبمشاركة محدودة من فريق التحرير، في رحلة إلى عالم الجريدة اليومية وإلى صناعتها وصانعيها.. هذه الصناعة التي تطورت يوماً بعد يوم على مدى أكثر من قرن ونصف قرن، وأرست سكك إنتاج وتقاليد عمل تجعل وصولها إلينا كل صباح بأخبار وحلة جديدة أمراً ممكناً.
حضورها الدائم في حياتنا اليومية أو من حولنا أمر بديهي. والاعتياد على واحدة منها دون غيرها أمرٌ بديهي أيضاً. ومن البديهي أن نجدها أينما كان من حولنا، في الأكشاك والمكتبات وعلى أيدي الباعة الجوالين، وحتى وصولها إلى باب البيت.
نمسك بها كل يوم، ورغم الاعتياد عليها لسنوات وسنوات، نتطلع إليها وكأننا نراها للمرة الأولى.
بالأمس قرأناها بدءاً بالعنوان العريض وصولاً إلى خبر صغير على الصفحة الأخيرة.. واليوم نعيد الكرة، وغداً سنعيدهاً.
ولكن ما بين البديهيات لا بد وأن يتساءل المرء بين الحين والآخر عن العالم الغامض والمجهول الذي أتت منه هذه الجريدة.. كيف تم جمع أخبارها؟ وكيف تمكنت من توليف كل هذه الأخبار المتنوعة واحترمت موعد وصولها إلينا اليوم كما كل يوم من دون تأخير؟ وما هي حقيقة أولئك الناس الذين يصنعونها؟ أهم كلهم عشاق مغامرات وبطولات كما تصورهم الأفلام السينمائية؟ ولماذا تختلف هذه الجريدة عن كل الجرائد الأخرى؟
الأسئلة لا تنتهي. ولعل المدخل إلى معظم الأجوبة يكمن في قضاء يوم مع جريدة يومية من أيام إنتاجها وحياتها، وقد يكون في الأمر بعض الفائدة للذين يطمحون بدخول عالم هذه المهنة المؤلفة من مهن عديدة لا يجمعها سوى رئاسة تحرير الجريدة والمطبوعة بحد ذاتها.
مما تتألف الجريدة؟
منذ نشأتها وحتى اليوم كانت السياسة هي العامود الفقري الذي تقوم عليه الجريدة اليومية. ولكن إلى جانب السياسة، ومنذ منتصف القرن التاسع عشر، أصبح الاقتصاد ومن ثم الثقافة وأخبار المجتمع على اختلاف أنواعها من ضمن اهتمامات الصحف، ثم الرياضة والعلوم والفنون وصولاً إلى التسلية… ولكل من هذه الاختصاصات قسم خاص به مستقل عن باقي أقسام الجريدة، ويرأس كلاً منه رئيس قسم. وبعض الصحف يطلق على رئيس كل قسم مدير تحرير لتمتعه بصلاحية اتخاذ القرار ضمن قسمه فقط، ولا يخضع رؤساء الأقسام (أو مديرو التحرير) إلا لسلطة رئيس التحرير.
إضافة إلى هذه الأقسام الرئيسة، هناك أقسام متخصصة لا تقل شأناً وتخدم كل الأقسام الأخرى مثل قسم التصوير، وقسم الرسوم البيانية والفنية والأرشيف والإعلانات والإخراج وصولاً إلى المطبعة التي تستلم كل الصفحات الجاهزة للطبع، وأخيراً التوزيع.
أما العناصر البشرية العاملة في الجريدة فتتوزع عموماً على ناحيتين: ناحية العمل الميداني الذي يضم المندوبين والمحققين والمراسلين والمصورين، وناحية العمل المكتبي الذي يضم المحررين وإدارات التحرير وكل الأقسام التنفيذية الأخرى.
أما العلاقة ما بين كل واحد والآخرين وكل قسم وآخر فهي، وإن بدت تحدياً بالغ الصعوبة إلا أنها ثمرة تطور مستمر لأكثر من قرن من الزمن، استفادت خلاله الجريدة من خطأ كل يوم لاستدراكه في اليوم التالي، فأرست نمط عمل يختلف بعض الشيء من جريدة وأخرى، ولكن أساسه شبه موحد، ويسمح لكل جريدة بأن تحصل على ما يكفيها من المواد الإخبارية والمقالات والصور وكل المستلزمات الأخرى للصدور بانتظام.
دورة الحياة اليومية
للجريدة اليومية حياة قصيرة تستمر أربعاً وعشرين ساعة فقط، تبدأ قبل ظهر كل يوم وتنتهي قبل ظهر اليوم التالي. فيبدأ يوم الجريدة عادة حوالي الساعة العاشرة صباحاً عندما يتوافد العاملون فيها إلى مكاتبهم. وبداية العمل شبه واحدة عند الجميع. قراءة جريدتهم أولاً بدءاً بالصفحات التي يعملون فيها وذلك للنقد والتقييم أكثر مما هو للاستطلاع. ومن ثم قراءة الجرائد المنافسة لرؤية ما إذا فات جريدتهم أمر مهم أو للاطلاع على الاختلاف في تناول الموضوع الواحد. ومن ثم الصحف العالمية المتخصصة في الموضوعات التي تثير اهتمامهم أكثر من غيرها.
بعد ذلك يعقد اجتماع التحرير بشكل شبه يومي ويكون ما بين رئيس التحرير أو من ينوب عنه ورؤساء الأقسام وتطرح فيه كافة الموضوعات من مدح عمل جيد تم إنجازه في عدد اليوم، إلى نقد الأداء السيء، إلى التخطيط المستقبلي، بالإضافة طبعاً إلى الاتفاق على كيفية التعامل مع الموضوعات الساخنة وتطوراتها المرتقبة اليوم.
وإضافة إلى اجتماع التحرير المركزي هذا تعقد اجتماعات فرعية للأقسام، كلٌ على حدة. فقسم الأخبار المحلية يتولى توزيع مندوبيه على الأماكن التي ستشهد نشاطات بارزة متوقعة وينسق لهذه الغاية مع المصورين، وفق أجندة معدة منذ الصباح. وتبدأ دورة العمل في كل الأقسام.
مسار الخبر
لكل جريدة هامش محدد من الحرية تستطيع أن تعدِّل ضمنه نمط إنتاج صفحاتها لجهة تنظيم العلاقة ما بين جميع المساهمين فيه، استناداً إلى هويتها العامة وإلى عدد صفحاتها والتقنيات المتوافرة لديها، وكفاءات العاملين أيضاً.
وللاطلاع على أساس هذه الأنماط أو أكثرها رواجاً يمكننا أن ننطلق ببساطة من موقع حصول الحدث الذي يستحق نشر خبره في جريدة اليوم التالي. إذا كان الخبر متوقعاً وللجريدة مندوب في موقعه، فعلى هذا المندوب أن يكتب الخبر معتمداً على حسه الصحافي في إبراز ما هو مهم فيه من دون إغفال أي جانب من جوانبه الأساسية. ويرسل هذا الخبر مكتوباً إلكترونياً أو يحمله على الورق إلى رئيس القسم أو سكرتير تحرير القسم إن وجد. وهنا، إذا كان الخبر منحصراً بحدث لا امتدادات له، يكتفي سكرتير التحرير بقراءته وإضفاء بعض التعديلات إذا استلزم الأمر لدواعٍ تحريرية أو من باب الرقابة الذاتية أو تحسين العنوان وما إلى ذلك… أما إذا كان الخبر يتعلق بحدث متشعب الامتدادات فعلى القسم التابع له أن ينتظر استكماله من المندوبين الآخرين، ومن وكالات الأنباء المحلية والعالمية إذا كان الخبر عالمياً.
ففي كل قسم من أقسام التحرير هناك متابعة لما تبثه وكالات الأنباء. وفي اليوم الواحد، من الممكن أن تأتي عشرات الأخبار حول حدث عالمي كبير، ولذا فلا بد من جمعها قبل تحريرها في نص موحد لا نقص فيه ولا تكرار. وهذه هي مهمة المحررين الذين تبدأ دورة عملهم المتواصل عصر كل يوم وتستمر حتى الانتهاء من إخراج الصفحات العائدة إلى أقسامهم.
ولكن على أي أساس يقوم المحرر بمعالجة هذا الخبر أو ذاك؟
عندما يصل رئيس كل قسم إلى مكتبه يجد أمامه عدداً من الصفحات البيضاء من صفحات الماكيت، ليس عليها إلا إشارة إلى المساحات المخصصة للإعلان. وتكون من إعداد سكرتاريا التحرير المركزية إن وجدت، أو المنسق ما بين قسم الإخراج وقسم الإعلانات. وبذلك تتحدد أمام كل قسم المساحة المتاحة أمام مواده الصحافية. ولذا، على رئيس كل قسم أن يبلغ المحرر المقبل على تحرير مادة إخبارية معينة بالحجم التقريبي المخصص لها. وفيما ينصرف المحرر إلى معالجة النص ووضعه في صيغته النهائية، يتم استحضار الصور من قسم التصوير، أو من الأرشيف أو مما تكون الوكالات قد وزعته. ولتفاهم المحرر مع رئيس القسم أو سكرتير التحرير الدور الأساس في اختيار الصورة أو الصور الملائمة وعددها لاعتبارات كثيرة أهمها مكانة الصورة بالنسبة إلى النص والمساحة المتوافرة.
تجمع رئاسة كل قسم مواد كل صفحة بكاملها، ومن ثم يضع رئيس القسم رسماً تقريبياً لشكل توزيع هذه المواد على الصفحة. والمتفق عليه عموماً هو أن تكون الزاوية اليمنى العليا للمادة الأكثر أهمية، ومن ثم الجهة اليسرى العليا، فاليمنى السفلى وأخيراً الزاوية اليسرى السفلى. وترسل كافة المواد مع الصور ومخطط الصفحة إلى قسم الإخراج لتنفيذها في شكل شبه نهائي، بعد أن تمر بقسم المدققين الذين يصححون الأخطاء اللغوية والطباعية. هنا يكون التنفيذ شبه نهائي.. لأن قسم الإخراج قد يضطر إلى إعادة بعض مواد الصفحة إلى المحررين لاختصار النص هنا، أو لإضافة صورة هناك، أو للاختيار بين واحدة من صورتين.. وعندما ينتهي إخراج الصفحة كاملة يتم إرسالها إلى المطبعة لبدء تحضيرها للطباعة.
عامل الوقت
ما سقناه أعلاه ينطبق على المادة الإخبارية وتغطية الأحداث اليومية. ولو كانت الجريدة مؤلفة فقط من هذا النوع من الأخبار، لأمكن لدورة الحياة فيها أن تبدأ مساءً لتنتهي فجراً. ولكن الحياة في الجريدة تدب في كافة أقسامها منذ ساعات العمل الأولى صباحاً. والسبب في ذلك أن الكثير الكثير مما تنشره غير مرتبط بأحداث اليوم، ويكون معداً سلفاً وهذا ما ينطبق على الاستطلاعات المصورة التي يتطلب إعدادها عدة أيام، والقسم الأكبر من مواد الصفحات الثقافية، ومقالات الرأي والمقالات التحليلية التي تتناول حالات مستمرة لأكثر من بضعة أيام وصفحات التسلية والإعلانات وما شابه. هذا النوع من المواد الصحافية يخضع لعمليات التحرير وحتى الإخراج في بعض الأحيان منذ ساعات الصباح، وأحياناً قبل يوم أو يومين. أما المادة الصحافية الخاضعة لمجريات أحداث اليوم فتبقى معلقة حتى المساء.
يشهد المساء منذ ساعاته الأولى ما يعرف بـ إغلاق الصفحات تباعاً، أي وضعها في صيغتها النهائية تحريراً في وقت محدد بدقة ومن ثم إخراجاً في وقت محدد بدقة أيضاً، لا يقبل فيه أي تأخير مهما كان سببه.
وبسبب المنافسة مع الجرائد الأخرى، ومع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة التي صارت تنقل الأخبار والأحداث المهمة مباشرة، سخَّرت الجرائد اليومية طاقاتها حتى أقصى حد بغية التمكن من مواكبة الأحداث الجارية حتى آخر لحظة. ولذا تبقي عادة الصفحة الأولى مفتوحة لاستيعاب أية تطورات قد تستجد حتى منتصف الليل تقريباً.
وفي حالات استثنائية مثل اندلاع الحروب أو الأحداث الجسام، يتأخر إغلاق الصفحة الأولى حتى الثانية أو الثالثة فجراً رغم أن ذلك قد يؤخر الطباعة ومن ثم التوزيع لبضع ساعات. ولكن الجريدة ترضاه بدلاً من أن يلومها القارئ الذي قد يرى أن خبر اندلاع الحرب قد فاتها..!
التطور والتسهيل والتعقيد
مما لا شك فيه أن التطورات التقنية التي شهدها عالم الصحافة خلال العقود الأخيرة سهّل الكثير من جوانب إنتاج الجريدة. فأخبار الوكالات التي كانت ترد عبر التلكس حتى مطلع التسعينيات وتطبع على أوراق تتكدس تلالاً على الطاولات، صارت اليوم ترد على شاشة الكومبيوتر حيث يمكن للمحرر أن يختار منها ما يهمه أمره. كما أن المندوب الذي كان يكتب مقالته أو نص الخبر على الورق صار يطبعه على شاشة الكومبيوتر ويعطيه شكله الإخراجي الأولي إن شاء ذلك، أو إن كان مخولاً بذلك. كما بات من الممكن إبدال صورة بصورة أخرى قبل لحظات من توجه الصفحة إلى المطبعة إذا كان ذلك ضرورياً، لأن الصيغة الإلكترونية لتوزيع الصور باتت تسمح بذلك.. إضافة إلى أن التصوير الرقمي ألغى كل عمليات التحميض والطباعة على الورق في التصوير التقليدي.
ولكن الحداثة نفسها التي سهّلت إنتاج بعض جوانب الجريدة، جرّت هذه الجريدة إلى ميدان يزيد من تعقيدات إنتاجها. فسهولة الاتصالات الإلكترونية لم تخدم فقط المراسل والمصور في التواصل الدائم مع مكاتب التحرير.. بل أغرت جرائد عديدة بالانتقال من المحلي إلى العالمي عبر طبع الجريدة في أكثر من بلد في اليوم الواحد، الأمر الذي بات يتطلب عملاً ضخماً لم يكن مألوفاً في الماضي.
الشرق الأوسط مثالاً
المعروف أن جريدة الشرق الأوسط تُطبع كل صباح في المملكة العربية السعودية (في جدة والرياض والدمام) وأيضاً في مصر، لبنان، الإمارات العربية المتحدة، المغرب، العراق، أوروبا وأمريكا. وقد لا تتطابق صفحات هذه الطبعات من الجريدة الواحدة تماماً، بما في ذلك الصفحة الأولى.
فقد تتضمن طبعة العراق صفحات لا تراها في طبعة المغرب أو الإمارات. كما أن الطبعات السعودية الثلاث قد تتضمن بعض الاختلافات في بعض الصفحات بسبب المادة الإعلانية المختلفة في كل طبعة وتأثير وجودها على المساحة المتبقية لباقي المواد الصحافية. وهذا يعني أن الصفحات التي يتم إعدادها لإصدار عدد يوم واحد من الشرق الأوسط قد يصل إلى 140 صفحة، لكل منها ماكيت مختلف أو على أقل تقدير بعض التباين.
وتوزع الصفحات المائة والأربعون يومياً على الطبعات المختلفة على الشكل التالي: 28 صفحة للطبعة الدولية، 24 صفحة لكل من الطبعة السعودية والإماراتية، 28 صفحة للطبعة الأوروبية، 20 صفحة للطبعة اللبنانية، 16 صفحة للطبعة العراقية، و24 صفحة للطبعة المغربية.
ويعود هذا التباين بين الصفحات إلى التباين ما بين اهتمامات القرّاء في مختلف المواقع. حيث إن خبراً يهم قارئاً عربياً في واشنطن قد لا يهم بالضرورة قارئاً آخر في جدة أو القاهرة.
ولذلك، فإن طبعة كل منطقة تكون مصممة لتحمل الأخبار والمقالات التي تهم قرّاء هذه المنطقة أكثر من غيرهم. وعلى هذا الأساس يتم تقسيم أولويات نشر الأخبار عندما توزَّع الصفحات وتملأ بالمواد المحررة. وإضافة إلى ذلك، هناك معلنون لا يودون أن تظهر إعلاناتهم في كل الطبعات لأن جمهورهم المستهدف هو في الإمارات مثلاً وليس في المغرب. وبالتالي، ومن منظور اقتصادي، يمكن استيعاب معلنين أكثر في كل طبعة مختلفة، ويمكن تحديد وجهة هذه الإعلانات حسب اهتمام المعلن بالمنطقة التي يريد تغطيتها.
في المؤسسات الصحافية المشابهة، لا بد من وجود سكرتاريا تحرير مركزية وقوية توزِّع المادة الإعلانية أولاً على كل الصفحات في مختلف الطبعات. وهذه مهمة تتطلب التحديث يومياً وبشكل مستمر طوال اليوم. كما تحدد سكرتاريا التحرير هذه جدول العمل التنفيذي الذي يتوزع العمل بناءً عليه.
إلى ذلك تُنيط بعض المؤسسات الصحافية بسكرتاريا التحرير المركزية من المهمات ما يتولاه عادة رؤساء الأقسام في غيرها من المؤسسات الأصغر حجماً. فتتولى هي، كما الحال في الشرق الأوسط ، مسؤولية الإجازة النهائية لصفحات الجريدة عند توجهها إلى الطبع، وصولاً إلى بعض المسائل الإدارية مثل ضبط الإجازات وجداول تنظيم العمل الأسبوعي.. وغير ذلك.
الصحافي في الصحيفة
على الرغم من تعدد الاختصاصات المهنية التي لا غنى عنها للجريدة الواحدة، يبقى الصحافي في الطليعة، وكأن كل الاختصاصات الأخرى مسخرة لحمل ما عنده ليقوله من أخبار وآراء إلى العالم.
في البدايات الأولى للصحافة اليومية، كان الصحافي هو الشخص الذي يصدر جريدة فقط. إلا أن تطور المهنة بدءاً من أواسط القرن التاسع عشر زاد من احتياجات الصحف إلى صحافيين متنوعي الاختصاصات. وإن بقيت مهمة الصحافي عموماً هي البحث عن الخبر الجديد الذي يهم الناس، فإن تنويعات عديدة طرأت على عالمه.
إذ بات هناك الصحافي الذي تصله الأخبار إلى مكتبه من المندوبين ووكالات الأنباء، ومهمته هي اختيار ما يراه مناسباً منها وصياغتها وتخليصها مما يراه غير ضروري. وهناك الصحافي الذي يتابع الأخبار المنشورة وغير المنشورة ليكتب مقالة تحليلية يضمنها رأيه في موضوع معين، وهناك الصحافي الذي يحدد لنفسه موضوعاً لم ينتبه إليه أحد فيمضي أياماً يستطلع جوانبه المختلفة.. وهناك الصحافي المتخصص في شأنٍ واحدٍ مثل الاقتصاد، أو السياسة الداخلية لدولة معينة، أو الرياضة في بلده، أو حتى في نوع واحد من أنواع الرياضة.
يعرّف قاموس لاروس الصحافي بأنه الشخص الذي يمارس نشاطه لواحدة أو أكثر من وسائل الإعلام. ويؤمّن كلياً أو جزئياً العمل المطلوب لجمع ومعالجة وتقديم الأخبار المتعلقة بوقائع أو بأحداث راهنة .
والقانون الفرنسي الذي كان من أول القوانين في العالم التي سعت إلى تعريف الصحافي، يقول إنه الذي يمارس مهنته في مطبوعة يومية أو دورية أو في عدد من وكالات الأنباء، وتشكل هذه المهنة عمله الأساس، العادي، ومصدر دخله . وفي العام 1982م، امتد مفعول هذا القانون إلى الصحافيين العاملين في الوسائل السمعية – البصرية. ولا يحدد هذا القانون نشاط الصحافي، غير أن القضاء أوضح أن الصحافي يقوم بعمل فكري (بخلاف العمل المادي أو التقني البحت).
فما هي طبيعة هذا العمل الفكري؟
دور الصحافي
ليس هناك من دور محدد للصحافي. فهو يلعب أدواراً عديدة، وهي حسب ريمي ريفيل في كتابه نخبة الصحافيين يمكنها أن تكون الوساطة، تنظيم العلاقات، التحرير، التعليق، التشكيك، والمحافظة. ويرى الكثيرون أن الصحافي مراقب متميز وشاهد على التاريخ، وأن الجريدة مثل الإسفنجة: تمتص وتعطي. وبعض الصحافيين يتمتع بكتاباته متعة الأديب بأدبه.
والصحافي يعرف أكثر مما يكتب كما يعتقد البعض. فرغم ميل الصحافي إلى التمتع بحرية التعبير حتى أقصى حد ممكن، فهو يعي أن تأثيرات شتى تحد نطاق حريته. منها ما يتعلق بسياسة المطبوعة، وموقع صاحبها وارتباطاته ومصالحه. ومنها ما يتعلق بالعلاقة مع الدولة ورجالاتها وتوجيهاتها. فاستقلالية الصحافي تبقى نسبية يرسمها السياسيون وأصحاب كل جريدة على حدة. ناهيك عن الاعتبارات الإعلانية التي تملي على الصحافي أخذ مصالح المعلنين بعين الاعتبار.
ويتمتع الصحافيون بشيء من الشهرة طالما أن أسماءهم تصل كل صباح إلى الآلاف من الناس. ولكنها شهرة واهية وعابرة، إذ يكفي أن يغيب الصحافي لبعض الوقت حتى تختفي الشهرة وينساه الناس. والصحافيون الذين يتعاملون مباشرة مع الأحداث وأخبارها هم رغم كدّهم الكبير، أقل مكانة من الكتّاب السياسيين والمحللين، وأدباء الصفحات الثقافية الذين يعتبرون من المبدعين والفنانين.
وكما في كل المهن، هناك الصحافي المبدع واللامع والنشيط، وهناك الفاشل والمغرور والعاجز عن مقاومة إغراء المال والجاه والسلطة.. أما الخيط الرفيع بين النجاح والفشل فهو ما يسميه البعض الحس الصحافي .
والحس الصحافي هو تلك الموهبة المطلوبة التي تجعل صاحبها قادراً على قياس أهمية حدث معين وتوقع امتداداته ليجهز نفسه لمواكبتها. وهو أيضاً القادر على أن يكيل دفعة واحدة بمكاييل عديدة تبدأ باهتمام القارئ بهذا الحدث، وقابلية نشره في الجريدة من دون إغضاب صاحبها أو السلطات، والحفاظ على الدقة، وإطلاق التوقعات الصحيحة.
ولا بد لهذا الحس الصحافي من أن يتلازم مع شبكة علاقات عامة من أوسع ما يمكن، وقدرة على الصبر والتحمل، وصولاً إلى القبول بخوض مغامرة خطرة في بعض الأحيان.
يقول الصحافي العربي المعروف محمد حسنين هيكل كي يصبح المرء صحافياً، أو حتى يمكنه القول أنه فعلاً صحافي عليه أن يعمل لمدة عشرين سنة! . فمستوى الصحافي هو ما يحدد مستوى الأداء المهني في جريدة يومية. أما نوعيتها وشخصيتها فمسألة أخرى.
الجريدة بين التشابه والفرادة
إذا كانت سكك إنتاج الجرائد متشابهة في كل ما هو أساس وفق هرمية محددة. وإذا كانت مواصفات الصحافي الناجح شبه موحدة في الغرب كما في الشرق.. أفليس من المفترض أن تكون الجرائد كلها متشابهة؟
الواقع عكس ذلك تماماً، يشهد على ذلك تشبث بعض القرّاء بجريدة معينة دون سواها فيعتبرها الأفضل والأقرب إليه. إذ إن لكل جريدة يومية شخصيتها المستقلة المختلفة تماماً عن غيرها.
فمن جهة كان ولا يزال في كل بلد ما يسمى بالجرائد المحلية والأخرى القومية، ناهيك عن الجرائد المتخصصة. غير أنه ومنذ عقدين من الزمن ازداد التنوع في شخصيات الجرائد اليومية، فبعدما كانت ثورة الراديو، منذ بدايات القرن العشرين ثم ثورة التلفزيون خلال النصف الثاني من هذا القرن، قد أحدثتا تبديلات كثيرة ليس فقط في شكل الصحافة بل كذلك في جوهر مضمونها، بات واضحاً في زمن التلفزيون والفضائيات ثم الإنترنت، أن الصحافة اليومية لم يعد في وسعها أن تقدم خبراً طازجاً إلى قرّائها؛ لأن الخبر الطازج يذاع مرئياً ومسموعاً فور حدوثه.
ومن هنا يزداد اهتمام الصحافة بدروب من الصعب على التلفزيون أن يجوبها: صحافة التحليل المطول، وصحافة الإثارة… ولئن اتسم النوع الأول بالجدية وتوجه نحو جمهور نخبوي (ومن نماذجه الكبرى الغارديان و نيويورك تايمز في الولايات المتحدة، و لوموند في فرنسا و الحياة و الشرق الأوسط و الأهرام وعدد كبير من الصحف الأخرى في العالم العربي، و كورييري ديلا سيرا في إيطاليا، و يوميوري سيمبون في اليابان)، فإن النوع الثاني اتسم بالشعبية وبالاهتمام بالصفحة الأولى أملاً في اجتذاب القارئ عبر صورة مثيرة أو خبر فضائحي أو موقف غير متوقع.
ويلاحظ في بعض الأحيان أن الأمور تختلط بحيث تدنو الصحافة الجدية من الإثارة (وهو مطلب دائم لممولي الصحف وشركات الإعلان)، فيما تحاول صحافة الإثارة أن تكون جدية بعض الشيء (مواقف الميرور خلال الحروب الأخيرة التي عارضتها بقوة).
ولأن الجريدة اليومية هي أساساً مطبوعة سياسية، فإن التعامل مع الخبر السياسي الواحد يختلف من جريدة إلى أخرى. فإذا كان الخبر ملائماً لسياسة الجريدة، يمكنها أن تبرزه في أفضل موقع ممكن وتتوسع في تفاصيله حتى أقصى حد ممكن. وفي حالة العكس، تكتفي بنشره بشكل يكفي لرفع عتب القارئ في حال لاحظ غيابه عن صفحاتها. وإذا أمكن، فمن الممكن اعتبار الخبر وكأنه لم يكن!
إلى ذلك، فإن المادة غير الحديثة (وتسمى المادة الماغازينية) تعطي الجريدة هامشاً كبيراً في التحرك بعيداً عن زميلاتها. فإذا كانت الجريدة موالية للحكومة فإنها توفر المندوبين لإجراء استطلاعات مصورة عن بعض إنجازات هذه الحكومة، أما الجريدة المعارضة فتوفر المندوبين ليتفننوا في عرض تقصير الحكومة في معالجة مسائل بالغة الأهمية والخطورة .
والتفرد الشكلي أيضاً
لكل جريدة أسلوبها وشكلها وطابعها وشخصيتها. ويشكّل اسمها، ومعه صفحتها الأولى، وتبويبها الخاص، وعناوينها الرئيسة، وافتتاحيتها، العنصر الأهم في هذه الشخصية.
اسم الجريدة ليس هدفاً للقراءة، إنما هو الواجهة إذا صح التعبير. وهو الذي يضمن استمرارية الجريدة في طابعها ونهجها. والقارئ يرتبط واسم الجريدة بعلاقة خاصة. ويشكّل الاسم ممراً بين القراءة الخاصة للجريدة والقراءة العامة، بين قارئ الجريدة الفرد وبين مجموع قرائها.
والإخراج هو الذي يعطي الجريدة شخصيتها، وأيضاً شكل الحرف الذي تستعمله، لدرجة أن الصحف تتخوف كثيراً من إجراء أي تغيير في إخراجها وتبويبها وشكل صفحاتها، وخصوصاً الصفحة الأولى.
فلهذه الصفحة مكانة خاصة، وكثيراً ما يثير أي تغيير جذري فيها اعتراضات القراء وملاحظاتهم فهم يفتقدون في مثل هذا التغيير الجريدة التي اعتادوها وأحبوها. إذ أنه وسط تقلب الأحداث والأخبار من يوم إلى آخر، يبدو القارئ بحاجة إلى ما يوحي له بالثبات والاستمرارية.
بائع الصحف
منذ ظهور الجريدة اليومية وحتى سنوات قليلة خلت، كان بائع الصحف هو حلقة الوصل ما بينها وبين القارئ. وكان هو العامود الفقري للتوزيع؛ لأنه كان يوفر على القرّاء عناء الذهاب إلى نقاط البيع في المكتبات، طالما أنهم يلتقونه أينما كان: على الأرصفة، في المقاهي، عند إشارات السير، وحتى وهم في بيوتهم.
كان بائع الصحف يحمل عادة بضع نسخ من كل جريدة ضمن لوح كرتون مطوي على ساعده الأيسر. والمحترفون منهم كانوا ينادون بما يقوله المانشيت إثارة لاهتمام المارة علّهم يشترون الجريدة.
وكان باعة الصحف يعرفون زبائنهم والصحف المحددة التي يقرأونها، ومن خلالها يعرفون الميول السياسية لكل منهم.
ولكن، وتدريجياً طرأ تغيير على عمل بائع الصحف. فظهر بائع الصحيفة الواحدة، الذي يختلف كثيراً عن سلفه. ومن ثم راح عدد الباعة يتضاءل بشكل ملحوظ وإن لم ينقرض تماماً.
والأسباب، لم يبحث الكثيرون في هذه الأسباب. هل بسبب الاشتراك بالجريدة ووصولها إلى البيت محل البائع الجوّال في الشوارع؟ هل فقدت عناوين الجريدة قدرتها على الإثارة بعدما فقدت طابعها الإخباري المفاجئ والمدهش؟ هل كثرت نقاط البيع؟ قد يكون السبب كل هذا دفعة واحدة. ولكن تاريخ الصحافة سيظل يتحدث عن بائع الصحف كبطل من أبطال هذه الصناعة على مدى أكثر من قرن ونصف القرن. تشهد على ذلك كثرة الأعمال الفنية والأدبية التي عرفته واعترفت بدوره في إضفاء لمسة إنسانية فريدة من نوعها على عالم الجريدة.
الأكبر والأصغر
تصدر الصحف اليومية بمقاييس وأحجام مختلفة، غير أن أشهرها وأكثرها رواجاً هي المقاييس المألوفة في الصحف العربية (حوالي 37 * 57 سم) مثل الشرق الأوسط و الحياة و الأهرام وغالبية الصحف الصادرة في دول الخليج. وهناك مقاييس أصغر مثل صحف التابلويد التي تصل إلى نحو نصف مقاييس الصحف المذكورة أعلاه، وتعتمدها الصحف الشعبية البريطانية مثل صان و ميرور ، والفرنسية ليبيراسيون والإسبانية آل باييس . وما بين الاثنين هناك مقياس متوسط (32 * 47 سم تقريباً) مثل جريدة لوموند الفرنسية و الوطن السعودية، و لاريبوبليكا الإيطالية.
وفي هذا السياق قد يكون من الطريف أن نشير إلى أن أكبر صحف العالم حجماً كانت صحيفة كونستلايشن الأمريكية التي أصدرت في العام 1859م عدداً خاصاً لمناسبة يوم الاستقلال بلغ عرضه 89 سم وارتفاعه 180 سم!
أما أصغر صحيفة صدرت في العالم فهي دايلي باز الأمريكية أيضاً والتي بلغت مقاييسها 7.6 * 9.5 سم.. علماً بأنه في العام 1991م، صدرت صحيفة في فرنسا باسم لوبوتي فورما (أي الحجم الصغير) بلغ عرضها 7.5 سم وطولها 10.5 سم، ولم يكن يطبع منها أكثر من 200 نسخة.
قبل عصرالجريدة
قبل نحو ألفي عام، أصدر الرومان الصحف الأولى أو ما سمي آنذاك ACTA DIARNA أي أحداث اليوم التي كانت توزع في الأماكن العامة وترسل إلى كافة أنحاء الإمبراطورية الرومانية. وكانت أحداث اليوم تنشر الأخبار والأحداث المثيرة وأخبار الزيجات والوفيات والولادات والأخبار العسكرية والرياضية والمسرحية. وكان يتولى نسخها يدوياً عبيد ذلك الزمان. وكان العدد الواحد الصادر في 10000 نسخة يحتاج إلى 300 ناسخ.
وأصدر الصينيون في العام 800م صحيفة KAI-YUANTSA-PAU، التي صارت أسبوعية سنة 1361م وبعد أكثر من ألف سنة (1830م) تحولت إلى صحيفة يومية.
وعربياً، يلاحظ محمد رشاد الحمزاوي أن أديب مروة في كتابه الصحافة العربية نشأتها وتطورها ربط صحافة اليوم بوسائل الإعلام القديمة في العصرين الأموي والعباسي. إذ أن ديوان الرسائل و ديوان الإنشاء و الرسائل الأدبية كانت تتناول موضوعات صحافية من خلال اهتمامها مثلاً برسائل البيعات للخلفاء، وأولياء العهد، والقصص والسمر والحكاية على ألسنة الحيوانات. ويقول مروة: إذا علمنا بأن كل رسالة من تلك الرسائل كانت لا تتجاوز عشرين صفحة، وأن كل واحدة منها كانت رداً على رسالة أخرى سبقتها، استطعنا أن نسمي ذلك نشاطاً صحافياً.. .
الصحافة والسينما
طوال القرن العشرين، ومنذ اختراع فن السينما حتى الآن، شكل الموضوع المتعلق بالصحافة والصحفيين، من بعيد أو من قريب، الموضوع الأثير للفن السابع وصانعيه وجمهوره. وعلينا هنا أن نذكر قبل أي شيء آخر أن فيلم المواطن كين الذي يعتبر، في معظم استطلاعات الرأي، أفضل فيلم في تاريخ السينما، هو فيلم عن الصحافة، عبر تحقيق يقوم به صحافي لإماطة اللثام عن أسرار حياة واحد من كبار مالكي الصحف في أمريكا الأربعينيات.
وقبل المواطن كين وبعده، كانت الصحافة تشكل موضوعاً للسينما.. وكان الصحفيون شخصيات أساسية في أفلامها.. بحيث أنه يبدو لنا من الصعوبة بمكان إحصاء الأفلام الأمريكية أو غير الأمريكية، وحتى المصرية، التي جعلت من الصحافي والصحافة موضوعها.. ولنذكر هنا أن مهرجان لوكارنو السينمائي السويسري، أقام قبل عامين تظاهرة خاصة للعديد من الأفلام المرتبطة بالصحافة، وأصدر للمناسبة كتاباً عن ذلك. ولقد كشفت التظاهرة كم أن العلاقة وثيقة بين الوسيلتين، من خلال أفلام نموذجية مثل المهنة مخبر لميشال أنجلو أنطونيوني، و كل رجال الرئيس المتحدث عن فضيحة ووترغيت، وهو من بطولة داستن هوفمان وروبرت ردفورد.. وصولاً إلى فيلم فهرنهايت 11/9 لمايكل مور والذي اعتبر فيلماً عن الصحافة.. بل إن التظاهرة اشتملت على اعتبار سلسلة أفلام سوبرمان سلسلة تدنو من الصحافة، طالما أن سوبرمان نفسه هو في حياته العادية صحافي.
إن شخصية الصحافي تظهر في أفلام عديدة. وواحد من أسباب هذا الظهور، كون بعض المخرجين (ومنهم مثلاً بيلي دايلور جعل من الصحافي بطل أفلام كثيرة له، ومن أشهرها الصفحة الأولى ) كانوا في الأصل صحفيين.
وهكذا من فلليني إلى كابرا، ومن جان لوك غودار إلى كوروساوا، أنتجت أفلام مثل الحياة لذيذة و أن تعيش حياتك و فضيحة تتناول الصحافي. وبشكل هجومي في بعض الأحيان، كما الحال مثلاً في فيلم الرجل الذي فقد ظله من إخراج كمال الشيخ (مصر) عن رواية لفتحي غانم.. أو بشكل محايد يجعل من الصحفي شخصية تتدخل في الأحداث لمجرد إلقاء الضوء عليها، كما في العصفور ليوسف شاهين.. أو حتى، كشخصية كاريزماتية تنطق باسم الجمهور (كما في ضربة شمس محمد خان)، حيث يلعب نور الشريف دور مصور صحفي يلتقط الأحداث ساخنة من الشارع.
ومهما يكن من أمر، حتى لو دنت السينما من شخصية الصحفي بشكل شديد الذاتية، يحمل أحياناً من النقد والفضح ما يحمل، فإن معظم الأفلام السينمائية، غربية شرقية أو عربية، حين جعلت من الصحافي شخصيتها الرئيسة حرصت على أن تجعل منه، غالباً، ناطقاً باسم الضمير العام.. داعية هذا الضمير إلى التماهي معه، معيدة للصحافي دوره الأول والأساس، وأخلاقياته الأصيلة.
امبراطوريات إعلامية
صحيح أن الصحافة لا تزال تلعب دوراً مهماً، ولكن في المقابل يجب الاعتراف بأن مكانة الصحافة اليومية في مجتمعاتنا تزداد تقلصاً.
ونشر الصحف يتطلب مبالغ طائلة لا تتوافر إلا لدى الحكومات أو الأثرياء جداً أو المجموعات الاقتصادية أو الصناعية الكبرى. لذلك فمن المتوقع أن يتراجع أكثر فأكثر عدد الصحف المستقلة فعلاً في البلدان الديمقراطية وفي غيرها.
ومن جانب آخر صارت الدعاية التجارية تشكّل المصدر شبه الوحيد للدخل لدى الصحف، مما يشكّل ثقلاً على استقلالية الصحافة المادية والمهنية.
الصحافة اليومية لا تحتضر بالطبع، غير أنّها من دون شك تمر بصعوبات. ليس ثمة صحيفة في العالم، حتى بين أقوى الصحف وأكثرها انتشاراً، لا تواجه مشكلات تهدد موقعها ومكانتها وحتى استمراريتها. والأسباب كثيرة:
في عشرينيات القرن الماضي كانت وحدها الصحف تنشر الأخبار، غير أن هذا الاحتكار انتهى مع ولادة الإذاعة، وانتهى أكثر مع اختراع التلفزيون، ثم الفضائيات، ومع الإنترنت والوسائل التكنولوجية الحديثة التي باتت تتيح للراغب أن يطلّّع على أخبار العالم بأبسط السبل وأسهل الوسائل.
ومع ذلك تقوم إمبراطوريات إعلامية، وفيها الصحف اليومية، في كل مكان، وخصوصاً في الولايات المتحدة، وفي معظم البلدان الغربية واليابان، وكذلك في العالم العربي.
وإذا كانت هناك بعض القيود على شراء الإذاعات وشبكات التلفزيون، منعاً للاحتكار، إلا أن شراء الصحف اليومية في معظم البلدان الصناعية المتقدمة
لا يخضع عملياً لأي قيد أو شرط.
ولذلك تقوم إلى جانب إمبراطورية مردوخ في بريطانيا والولايات المتحدة، واساهي في اليابان، إمبراطوريات إعلامية أخرى تملكها شركات اقتصادية وصناعية كبرى مثل إمبراطورية برلسكوني في إيطاليا ومارسيل داسو ولاغاردير في فرنسا، وسبرنفر في ألمانيا.
والواضح أنه على الرغم من كل التحديات والصعوبات، ستبقى الصحافة اليومية حاضرة باستمرار، وهو حضور جميل ومفيد لا تعوضه الإذاعات وشبكات التلفزة والفضائيات ومعها الإنترنت وبقية التكنولوجيات الحديثة.
المصادر
عادة، لا تكون هناك أية صلة مباشرة ما بين الصحافي والحدث. فعلاقته بالأحداث تقتصر على كلمات وشهادات أبطال هذه الأحداث والشهود والخبر.. والمصادر التي تشكل رأس المال الحقيقي للصحافي تشمل الطبقة السياسية وكبار موظفي الدولة والقطاعين العام والخاص، والفاعليات الاجتماعية ووكالات الأنباء والمكاتب الإعلامية الرسمية وغير الرسمية وأيضاً الإنترنت، بنوك المعلومات، المكتبات والصداقات الشخصية. وبقدر ما تكون هذه الشبكة واسعة، بقدر ما تكون إمكانيات الصحافي أكبر.
ونسج الشبكة أو تشكيلها فن قائم بذاته، بالإضافة إلى التحدي الأكبر المطروح دائماً أمام الصحافي وهو في كيفية التعامل مع المصدر. من يتلاعب بمن؟
المصدر ليس حيادياً في الغالب. والمصالح التي يأمل في الحصول عليها من الصحافي كثيرة: تلميع صورته وحضوره، التأكيد على وجهة نظره، الإساءة إلى خصومه وتضليلهم… وثمة قاعدة متبعة بين الصحافي ومصادر الأخبار تقوم على ما يسمى تبادل الخدمات . إذ لا وجود للأخبار البريئة، ووراء كل خبر مصلحة. والخبر الذي لا يخدم مصدره يبقى طي الكتمان.
إلى ذلك، يذكر الصحافي أحياناً اسم مصدره، وأحياناً يتكتم عليه. وهذا من حقه، غير أن التكتم حول مصادر الأخبار ليس مطلقاً. إذ يمكن للقضاء أن يجبر الصحافي، عند الضرورة، على الكشف عن مصادره.
وحفاظاً على الصدقية، تسعى الجريدة إلى أن تذكر أسماء مصادرها سواءً أكانوا مندوبين أم وكالات أنباء فوق بداية كل مقالة إخبارية وكل خبر. أما تمييع اسم المصدر أو إخفائه تماماً أو الإيحاء به فيكون عادة ضمن الكتابات التحليلية شبه الإخبارية. فيقال مثلاً مصدر مقرّب من فلان أو مسؤول رفض ذكر اسمه … أما أكثر المسميات شيوعاً فهي مصدر مطلع الذي لكثرة رواجه حتى الابتذال في تغطية الأخبار المختلفة من قبل صغار الصحافيين، كان وراء اختراع تسمية جديدة من العارفون والأمر لا يشير هنا إلا إلى أفكار الكاتب أو ما سمعه في محيطه من مصادر غير جديرة بأن يذكر اسمها.
محطات في عمرها المديد
1624م
صدور الصحيفة الأسبوعية الإنجليزية ويكلي نيوز .
1645م
صدور الصحيفة الرسمية السويدية بوست أوخ انريكس تدننغار .
1770م
صدور صحيفة لو جورنال دي باري أقدم صحيفة في العالم لا تزال تصدر حتى اليوم.
1789م
إعلان حقوق الإنسان الذي صدر في فرنسا يتضمن ما يأتي: إن حرية نشر الأفكار والآراء تشكل أحد أثمن حقوق الإنسان. وبالتالي يمكن لكل مواطن أن يقول ويكتب ويطبع ما يشاء، على ألاَّ يتمادى في استعمال هذه الحرية بما يتعارض مع القانون .
1828م
صدور الصحيفة الرسمية المصرية التي رأس تحريرها حسن العطار، ثم رفاعة الطهطاوي (الوقائع المصرية).
1835م
رجل الأعمال الفرنسي شارل لوي هافاس يؤسس أول وكالة أنباء ويطلق عليها اسم هافاس ، وهي الوكالة التي أممتها الدولة عام 1944م وصارت وكالة الصحافة الفرنسية.
1839م
جاك داغير يخترع وسيلة بدائية لطبع الصورة بواسطة لوحة معدنية مؤسساً لعالم الصورة الصحافية.
1857م
اللبناني اسكندر شلهوب يؤسس أول صحيفة عربية السلطنة في اسطنبول، وينقلها لاحقاً إلى القاهرة حيث توقفت نهائياً بعد سنة.
1876م
صدور صحيفة الأهرام في مصر، وهي أقدم صحيفة يومية عربية لا تزال تصدر حتى يومنا الحاضر.
1916م
السلطات العثمانية تشنق مجموعتين من الصحفيين في بيروت ودمشق، فتحول يوم شنقهم إلى عيد للشهداء عموماً في البلدين.
1923م
صدرت في أمريكا مجلة تايم وهي أول مجلة إخبارية في العالم.
1948م
تأسيس الجمعية الدولية للصحف التي تضم أكثر من 15 ألف مطبوعة من 90 بلداً، وجمعيات ناشرين من 54 بلداً و175 وكالة أنباء محلية وعالمية و7 جمعيات صحافية.