طاقة واقتصاد

النفط
عصره أطول مما يتوقعون

  • 28a
  • 23a
  • 24a
  • 25a
  • 26a
  • 27a

لأسباب كثيرة، وأهمها أن النفط يستخرج من باطن الأرض بسرعة تفوق بكثير تشكله الذي يتطلب ملايين السنين، تصل إلى مسامعنا بين الحين والآخر توقعات تتحدث عن نهاية عصر النفط الذي سينضب حسبما يطرح البعض بعد بضعة عقود.
مراسلو القافلة، تتبعوا هذا الموضوع وفندوا، من وجهات نظر مختلفة، هذه التوقعات من باب أن التطور الذي يستهلك النفط هو نفسه الذي سيمد بعمر هذا الوقود بحيث إن نضوبه لا يزال خارج المستقبل المنظور.

دفع الإنتاج القليل والأسعار المرتفعة بعض الخبراء إلى الحديث عن نهاية عصر النفط، ولكن هذه العوامل الاقتصادية نفسها هي التي حفزت التسارع نحو اختراعات قد تبقينا في عصر الذهب الأسود لسنوات عديدة قادمة.

فقد جاء في تحقيق كتبه في مجلة بزنس تو الأمريكية ماير ماتيوز أن الخبراء قد توقعوا نهاية عصر النفط في أوائل العشرينيات من القرن الماضي. وتكرر الأمر عينه بعد الحرب العالمية الثانية. ثم عاد وظهر مرة أخرى وبطريقة أكثر وضوحاً قبيل انهيار أسعار النفط من 38 دولاراً للبرميل إلى 9 دولارات. الأمر الذي يقلل من أهمية هذه التوقعات بنضوب النفط. إذ إنه في كل مرة، كان ارتفاع أسعار النفط هو الدافع القوي وراء سعي المنقبين عن البترول إلى إيجاد طرق جديدة لشفط الهيدروكربونات من الأرض.

وهذا ما يحدث مجدداً. فاليوم، ارتفعت أسعار البترول إلى حوالي 60 دولاراً للبرميل، وليس هناك أي مؤشر لانخفاضها في المدى القريب.. وبالتالي، فإن هذا الارتفاع يسرع إجراء الاختبارات العديدة لإيجاد طرق حديثة لإطالة عمر النفط مما يبشر بثورة في عالم الطاقة.

بعض هذه الطرق هي مجرد أساليب قديمة تمت إعادة النظر إليها من جديد. وبعضها الآخر يعتمد على قدرات الكمبيوتر الهائلة التي لم تكن متوافرة في السابق. ويقدر الباحثون في المسح الجيولوجي الأمريكي أن مصادر الطاقة وطرق التكنولوجيا التي سيتم مناقشتها في الصفحات التالية قد تنتج أربعة تريليونات برميل، أي أكثر من مجموع ما تنتجه كل مخزونات النفط المكتشفة حالياً. ستأتي نهاية عصر النفط بالتأكيد يوماً ما، ولكن إذا ما أثمرت تلك الأساليب، فلن تأتي تلك النهاية في وقت منظور كما يتوقع البعض.

التنقيب البحري العميق
لقد وجهت أعاصير العام 2005م الأنظار إلى مدى مساهمة الآبار البحرية البعيدة عن الشاطيء في خليج المكسيك في الإنتاج الأمريكي للنفط. إذ قدرت بثلاثين في المئة قبل هبوب الأعاصير، بينما انخفض الإنتاج بعدها ليصبح عشرة بالمئة فقط. أما عالمياً، فنصف الإنتاج السنوي من النفط يعود إلى عمل المنصات البحرية.

ويعتقد أكثرية مهندسي البترول أن هناك الكثير من البترول المخزن في المحيطات الواسعة، ولقد ساعدت التكنولوجيا المصنوعة من المواد البصرية البلاستيكية المتطورة، وخصوصاً الآلات المصممة للتنقيب تحت الماء، والرجال الآليين الذين يعملون تحت الماء، على الوصول إلى هيدروكربونات تحت أعماق البحار لم يتم التوصل إليها من قبل. وباستخدام هذه التكنولوجيا المتقدمة على عمق أميال من السطح بعيداً عن الشاطئ في إفريقيا وآسيا، توصلت شركات التنقيب عن البترول إلى آبار جديدة، وحققت شركة شيفرون ترانزأوشن، وهي شركة تمتلك بواخر للحفر تحت الماء، رقماً عالمياً جديداً عندما حفرت على عمق يتجاوز الميلين تحت البحر. ويقدر المحللون في المسح الجيولوجي الأمريكي كمية النفط الموجودة تحت سطح البحار في جميع أنحاء العالم بثلاثمائة بليون برميل.

أما شركتا إكسون وموبيل وشركة البترول البريطانية فقد استثمرتا في العقد الماضي حوالي خمسة عشر بليون دولار، في محاولة لاستخراج النفط من أعماق البحار. وهي خطوة ذكية تحسباً لارتفاع أسعار النفط. أما التحدي الأصعب أمام خيار التنقيب البحري فيكمن في السيطرة على الحفارات عندما تصل إلى عمق ثلاثة أميال أو أكثر، مما دفع بعض الشركات، مثل شركة شلومبيرغ المتخصصة، إلى ابتكار حفارات متقدمة يمكنها تصوير الموقع الذي يحيط بها، بالإضافة إلى التقاط صور لاهتزازات الزلازل، مما يسمح للفنيين بتعديل تلك الحفارات فوراً على منصات الحفر. أما شركة البترول البريطانية، فقد أنشأت حفاراً يمكنه الحفر على عمق خمسة أميال (ثمانية كيلومترات) في مياه يبلغ عمقها أكثر من ميل واحد (كيلو متر ونصف) بقيمة بليون دولار.

فقد أوجدت المتطلبات الصعبة التي يحتاجها الحفر في الأعماق الكبيرة حقلاً جديداً من تكنولوجيا الحفر الآلية، و سيبرنتكس من أهم الشركات في هذا الحقل. فهي شركة تكنولوجيا فرنسية اخترعت سلسلة من الآلات التي تعمل تلقائياً تحت الماء. كما تعمل الشركة على تحديث رجل آلي قادر على إصلاح الصمامات والأنابيب والأدوات الأخرى التي تعمل تحت الماء خلال عملية الاستخراج.

الزيت الرملي
طبقاً لتقرير الوكالة الدولية للطاقة، انخفض إنتاج البترول في 33 دولة من أصل 48 دولة منتجة للنفط. ولكن كندا لن تواجه هذه المشكلة إلا بعد مضي عقود عديدة. وذلك بسبب الأراضي الواسعة في شمال ألبرتا التي تبلغ مساحتها سبعة وعشرين ألف ميل مربع، ويحوي باطنها مخزوناً كبيراً من النفط. في الواقع، تعتبر كندا من الدول المعروفة بمخزونها الكبير من النفط، وذلك يعود إلى وجود حوالي 175 بليون برميل من النفط الرملي المنتشر في المنطقة الباردة، مما يعادل حوالي ثلثي المخزون النفطي للمملكة العربية السعودية، والذي يقدر بمئتين وثلاثة وستين بليون برميل.

من ناحية أخرى، فإن استخراج البتيومين، وهو شكل لزج من البترول الذي يمكن تكريره وتحويله إلى شكل مركب من النفط الخام، من رمال ألبرتا الكندية عملية مكلفة ومضرة بيئياً. أولاً، إن استخراجه يتم بحفر منجم ضخم باستخدام شاحنات قلابة. ومن ثم يتم طحن هذه الرمال وتوزيعها في مصانع ضخمة، قبل تخفيف كثافته بإضافة النافتا التي ترقق البتيومين الخام، وهي مادة سامة قابلة للاشتعال. وبالرغم من التطورات التكنولوجية الحديثة، فإن هذه العملية الصعبة تكلف منتجيها حوالي 20 دولاراً للبرميل الخام الواحد.

عندما كان سعر البرميل 25 دولاراً تقريباً طوال العقد الماضي، اعتبرت مشروعات استخراج البترول الرملي مكلفة أكثر من الإمكان، فشركة سونكر استخرجت النفط الخام من رمال ألبرتا منذ خمس وثلاثين سنة، ولكنه فجأةً أصبح من أهم المصادر التي تتجه إليها صناعة البترول، وذلك بسبب الارتفاع في الأسعار حيث وصل سعر البرميل الواحد إلى 60 دولاراً تقريباً. وحالياً، تنتج منطقة ألبرتا حوالي مليون برميل يومياً، وهو رقم متوقع أن يتضاعف خلال السنوات الخمس القادمة.

الآبار الذكية
لفهم كيفية تأثير التطورات في تكنولوجيا المعلوماتية على صناعة النفط، يجب أن تتجه أنظارنا إلى البود ، وهو غرفة من طراز إيماكس مجهزة بكمبيوتر عملاق، ومصممة من قبل لاندمارك غرافيكس، وهي فرع من فروع شركة هاليبورتون المتخصصة بتطوير المعلومات لصالح شركات النفط.

مكن البورد ، وبمساعدة شاشة بمقياس 450 قدماً، وجهاز تشغيل مصمم من قبل سيليكون غرافيكس ، شركات البترول من تصميم نماذج سيزمائية شديدة الدقة، تظهر الطبقات التي تكمن فيها جيوب البترول والغاز، مما يسهل بشكل كبير عملية الحفر.

وتساعد أجهزة الكمبيوتر الجديدة قليلة التكلفة في جعل التنقيب عن البترول بمثابة تخصص علمي دقيق. فشركة البترول النرويجية العملاقة ستاتويل مثلاً تستخدم أحدث المعلومات المتخصصة لتمكنها من حفر آبار في بحر الشمال من أجل الاستخراج الأفضل للنفط من المخزون الموجود في قعر المحيط. وتقدر الشركة حجم العائدات المالية الناتجة عن استخدام تكنولوجيا المعلومات بأربعمائة مليون دولار من مخزون الآبار الموجودة فعلاً. بينما توفر 200 مليون دولار من تكلفة الحفر في السنوات القليلة المقبلة.

كذلك تساعد التكنولوجيا المتقدمة في الاستشعار عن بعد والمسح السيزيامي الحفارات في إيجاد نفط جديد، مما يجعل عملية الاستخراج أكثر فاعلية من حيث الحجم. وبدأت أجهزة تحديد الحرارة والضغط بتزويد الشركات بصور دقيقة عن الآبار ومخزونها النفطي، مما يساعد على الوصول إلى المعدل الأمثل الذي يمكن الوصول إليه من أجل استخراجه.

الزيت الحجري
توقع العالم الجيولوجي كينغ هيوبرت في عام 1956م بأن يصل إنتاج النفط الأمريكي إلى ذروته في السبعينيات. وبالرغم من أنه قد تم التقليل من أهمية ما توقعه وقتها، إلا أننا نستطيع اليوم القول بأن توقعه هذا، أو ما يعرف بنقطة ذروة هيوبرت كان صحيحاً، وأن الإنتاج المحلي بدأ بالتراجع منذ ذلك الحين. ولكن الإنتاج المحلي الأمريكي يمكن أن يبدأ في التزايد مرة أخرى خلال العقود القادمة. ومن غير المحتمل أن يكون الحفر المقترح، الذي كثر الجدل حوله، في محمية الحياة البرية القطبية، هو المسؤول عن هذا الارتفاع بالرغم من إسهاماته في زيادة الإنتاج. ولكن المساهمة الكبرى ستأتي من النفط والترسبات الموجودة في الحجارة، أي ما يعرف بالزيت الحجري، الموجود بكميات كبيرة في شمال ولاية كولورادو وأجزاء من ولايتي وايومنغ ويوتا.

ويقدر العلماء التابعون للحكومة الأمريكية أن مخزون النفط الأمريكي من الزيت الحجري يبلغ 2.6 ترليون برميل. وينتشر في مساحة تبلغ حوالي 16 ألف ميل مربع من الأراضي الخاصة والحكومية، وتعتبر هذه الرقعة الغنية بالبترول من أكبر المخزونات النفطية في العالم.

ومثل الزيت الرملي، فإن الزيت الحجري عالي التكلفة بالنسبة للمردود المالي المتوقع. ولهذا تلاشت أية محاولات لاستثمار هذا النفط عند الانهيار المفاجئ لأسعار النفط بعد وصولها إلى القمة في نهاية سبعينيات القرن الماضي. ولكن منذ ذلك الوقت، تطورت التكنولوجيا المستخدمة في استخراج النفط من الزيت الحجري بشكل كبير، فقد اقتربت شركة شل من تحقيق طريقة مثمرة تجارياً، إلا أنها لن توضع حيّز التشغيل إلا بعد عدة سنوات.

وتتضمن هذه الطريقة حفر عدة آبار، يبلغ عمق الواحدة منها 600 قدم وتزوّد لاحقاً بأجهزة تدفئة متينة تعمل على تسخين الحجر إلى 700 درجة فهرنهايت. وتنتج عملية التدفئة مزيجاً من الزيت والغاز الذي يتم شفطه من الآبار.

يقول جيل دافيز المتحدث باسم شل: نحن واثقون من إمكانية استخراج النفط العالي الجودة من الأحجار، بكلفة 30 دولاراً للبرميل الواحد تقريباً. ومؤخراً، قدمت شركتا شيفرون وشل، بالإضافة إلى ست شركات أخرى، طلبات للحصول على ترخيص بحفر آبار تجريبية في المنحدرات الغربية من جبال الروكي، إلى مكتب إدارة الأراضي الأمريكي المسؤول عن معظم مخزون الزيت الحجري.

إعادة إحياء الحقول القديمة
طبقاً للنظرية البسيطة القائلة بأن البلايين من البراميل النفطية لا تزال عالقة في آبار النفط القائمة حالياً، فإن إعادة إحياء الحقول المكتشفة فعلاً هو المجال الأكثر مردوداً في عالم التنقيب عن النفط. عندما تكتشف إحدى الشركات الرائدة مثل اكسون وموبيل أو بريتش بتروليوم حقلاً مثمراً، فإنها تضع أجهزتها وتمضي سنوات وهي تستخرج النفط، إلى أن ينحسر الضغط من الآبار ويصبح شفط البترول من الأرض أكثر صعوبة وكلفة، فتبيعها غالباً إلى شركات صغيرة عندما يخف الإنتاج، وتنتقل إلى حقول أخرى. وبالتالي فإن هذه الشركات العملاقة تترك وراءها حوالي 70 في المئة من مخزون تلك الآبار غير مستخرج.

هذه الحقيقة دفعت بشركات مثل أناداركو بتروليوم ونيوفيلد اكسبلوراشن وغيرهما إلى التسابق على تطبيق تقنيات متطورة لاستخراج النفط من تلك الحقول القديمة. وتتراوح الأساليب المستخدمة بين ضخ الماء مباشرة في تلك الآبار لدفع البترول إلى الخارج، وتعبئة الآبار بميكروبات مصممة بحيث يجمع النفط العالق في الحفر الصغيرة مما يسهل عملية استخراجه. ويتم العمل على تطوير طريقة استخراج النفط بواسطة التعزيز الميكروبي من قبل باحثين في جامعة كنساس. وتشير التقديرات إلى أن تطبيق هذه التقنيات قد يزيد إنتاج البترول من حقول النفط الموجودة حوالي عشرة أضعاف. فشركة أباشي مثلاً، زادت الإنتاج السنوي في حقل فورتيز في بحر الشمال حوالي 100 في المئة إلى 80,000 برميل يومياً وذلك بتركيب مضخات جديدة لزيادة تدفق المياه.

ليست هذه التقنيات بقليلة التكلفة، إذ قد تصل تكلفة بعضها إلى ثلاثة ملايين دولار للبئر الواحدة، ولكن مع توقع المحللين بقاء أسعار النفط على ارتفاعها في المستقبل المنظور، تستقطب طرق استخراج النفط المستحدثة الكثير من اللاعبين الجدد. ويقول ريتشارد وارد مدير الأبحاث في جمعية كامبريدج لأبحاث الطاقة : إن معظم الناس يقولون إن النفط السهل استخراجه قد استخرج، لذلك فإن هذه التقنيات ليست فقط مغرية بل يجب فرضها لإبقاء النفط متدفقاً .

وإذا كانت كل هذه التقنيات تستطيع استخراج المزيد من البترول من الآبار الموجودة والمنتجة اليوم، بالإضافة إلى أنها ستجعل استخراج البترول من النفط الرملي والنفط الحجري رغم تكلفته العالية ممكناً، فلا شك في أنها ستعتمد في البلدان الغنية بالنفط فعلاً مثل بلدان الخليج العربي وشمال إفريقيا. ومما لا شك فيه أن الحكومات والشركات ستحقق الربح على الرغم من التكلفة الباهظة لاستخراج البترول من مصادر جديدة، ولهذا نجد أن من المنطقي المسارعة إلى تحقيق الربح في أماكن لن تبلغ كلفة استخراج النفط منها الحد الأقصى من التكلفة.

أضف تعليق

التعليقات