الثقافة والأدب

أزهـار الكرز
المرأة اليابانية الشاعرة..

  • 75a
  • 75b
  • 68a
  • 74a
  • 74b

بتزايد انفتاح الثقافات على بعضها خلال القرن العشرين، كان الأدب الياباني مصدر إلهام وتأثير بالنسبة إلى العديد من الأدباء العالميين. علاء الدين رمضان يفاجئنا هنا بالدور الذي لعبته المرأة الشاعرة والأديبة والرسَّامة في تاريخ الشعر الياباني قديماً وحديثاً، معتمداً على عمل موسوعي صدرت منه حتى الآن عدة أجزاء.

للشعر الياباني تأثير رئيس على أدب العديد من الثقافات، ممثلاً في الواكا أولاً، ثم لاحقاً في الهايكو، حيث كافح الشعراء من أجل التكثيف والإيجاز إلى جانب العمل على تحقيق الحيوية القصوى لأعمالهم؛ حتى تألقت أعمالهم في أشكال شديدة الإحكام الفني، واجتذبت العديدين من الشعراء الغربيين المحدثين لينسجوا على منوالها.

وقد أسهمت المرأة في ذلك مساهمة مهمة، فسجلت المجموعات الشعرية الموروثة – منذ فجر التاريخ الياباني القديم وحتى الآن – جوانبَ مهمة من أدوارهن في هذا السياق. ومن أولئك الشاعرات الرائدات كانت السيدة أونو نو كوماتشي جا- آني، التي تنتمي إلى حقبة هيان المبكرة (794 – 898)، وهي شاعرة لطيفة ذات تصرف فني فريد، إذ مالت في عدد كبير من قصائدها إلى استعمال التورية المضاعفة (التي تسمى الكلمات المحورية ) لإنشاء طبقات معقدة من المعاني، فعلى أي نحو تقارن الشاعرة نفسها بأزهار الكرز في مطر الربيع؟.. إذ تقول:

صِبْغَةُ الكرز
تخبو بسرعة أيضاً .. في لمحة
كُلّ شيء للزوال
هذا جسد تعهده العجز
والمطر الربيعي ينهمر دون انقطاع.

شاعرات في عالم البلاط
كان يُقال دائماً إن الكاتبات والشاعرات اليابانيات على خلاف الحال في الغرب، ليس لديهن الوازع لإنشاء حرملك ، لأنهن كنَّ دائماً يمتلكن مكاناً مقبولاً في عالم الأدب الياباني الرفيع، وحتى في عالم البلاط الإمبراطوري. لذا سيجد أولئك الذين تآلفوا مع تاريخ اليابان الأدبي أن النساء من الناحية التاريخية والقومية تمتّعن بمكانة مرموقة بوصفهن كاتبات ومجددات رائدات؛ حيث لا غنى عنهن لإنشاء المجموعات الشعرية الكلاسيكية اليابانية المبكرة، التي ضمت أعمالاً كبرى ألفتها نساء، إلى جانب الأعمال غير الشعرية مثل تحفة القرن الحادي عشر للسّيدة موراساكي، حكاية جينجي التي تعد أولى الروايات الكبرى في الأدب العالمي. وبينما يعد الهايكو حتى الآن فناً ذكورياً، فإن كاجا نو تشايو (1703 – 1775)، التي درست علي أيدي سادة الهايكو، تُعدُّ إحدى أعظم شعراء الهايكو اليابانيين منذ حقبة إيدو (1615 – 1867)، وحتى الآن مروراً بحقبة مئيجي (1868 – 1912) التي تعد عصراً لانحطاط الأدب النسائي في اليابان.

ففي إحدى حقب التاريخ الياباني، عبّرت المرأة في شكل شاعري مستقيم، عن تعاليم الدراما والترجمة والتربية، لذا احتفت الذاكرة اليابانية بنسائها، وأبقت على مساهماتها حية في دواوينها الكبرى مثل الماني يوشي Manyóshú (مختارات أدبية من عشرة آلاف صحيفة، حوالي 780م)، والكوكينشو Kokinshú (مجموعة من العصور القديمة والحديثة، حوالي 905م)، فثلث القصائد في ماني يوشي Manyóshú كتبتها نساء، وثمان وعشرون كاتبة كُنَّ ممثَّلات في المجموعة الإمبراطورية الأولى من المختارات الأدبية الإحدى والعشرين؛ وشاركن كذلك في المجموعة الإمبراطورية اليابانية الشهيرة المعروفة باسم أوجورا هياكونين إزشو ، التي يرجع تاريخها إلى المرحلة الواقعة بين عهد الإمبراطور تينجي والإمبراطور جيانتونو، ويعني اسمها بشكل حرفي مائة قصيدة ألفها مائة شاعر مختلفين ؛ ومن بين هؤلاء المائة هناك أربع عشرة امرأة، تنتمي قصائدهن إلى فن الواكا وهو الأقرب إلى ما يعرف الآن بفن التانكا، وهي قصائد مكونة من خمسة أسطر في سياق يتألف من واحد وثلاثين مقطعاً. وكانت الواكا تمثل في ذلك العصر شعر البلاط الإمبراطوري؛ وسيدات هذه المجموعة هن: إيسي وإيسي نو أوسوكي، وأوكون، وإزومي شيكيبو، وكوشيكيبو نو نايشي، وسي شوناجون، وتايكين مون-إن نو هوريكاوا، وكاتائيكو دايني نو سانمي، وسوو نو نايشي، وغيرهن الكثيرات.

أما الشاعرات الثلاث اللواتي قدَّمْن أعظم القصائد للمختارات الأدبية الإمبراطورية الرابعة جوشيشو (وهي مجموعة اكتشفت مؤخراً وقد حوت 1218 قصيدة)، فهن: السيدة إيزومي Lady Izumi التي أسهمت بسبع وستين قصيدة، وساجامي بأربعين قصيدة؛ وأكازوئيمون باثنتين وثلاثين قصيدة. وأيضاً من أصل 2211 قصيدة في المختارات الأدبية الإمبراطورية السابعة عشرة فوجاشو (المجموعة الرشيقة، التي جُمِعَت ما بين 1344 – 1349)، كانت المشاركة النسائية لكل من: الإمبراطورة آيفوكومونين التي نظمت تسعاً وستين قصيدة؛ وبالطبع كانت من بينهن امرأة البلاط السيدة موراساكي، التي كتبت حكاية جينجي، تحفة القرن الحادي عشر، والرواية الأولى في الأدب العالمي.

وبينما كان معاصروهن من الذكور ينظمون بلغة صينية مهمة في الثقافة الرفيعة ؛ كانت النساء الكاتبات في القصر الإمبراطوري الياباني يُتْقِنَّ التعبير بلغتهن المحلية في أغلب الأحوال؛ فكان ميراثهن الشاعري من الرشاقة والمهارة التقنية ملتحماً دائماً بالجماليات المحلية.

ازدهار الدور النسائي
إن يابان اليوم، على أية حال، تختلف على نطاق واسع عن يابان البلاط منذ ألف سنة مضت. وكذلك، تختلف شاعراتها والكاتبات. فأدب المرأة الياباني كان دائماً مرتبطاً عن قرب بالسياق الثقافي والاجتماعي في أيهما نشأ. ففي حقبة هيان (764 – 1185م)، زمن السيدة موراساكي، كتبت الشاعرات واكا (من أنماط الشعر الياباني الكلاسيكي) حسِّيَّة وغير متحفظة، استدعت بعد ذلك تانكا (مقطوعات شعرية كلاسيكية قصيرة)؛ بخبرة كانت لا ترقى إلى مستوى الواكا – إذ تتشكل فقط من واحد وثلاثين مقطعاً طويلاً – تُنظم للإشارة إلى مناسبة ما. علاوة على ذلك، وتتخذ تيمة واحدة جاذبة كالعاشق، وكانت محصورة في نوع شعري واحد. وفي الوقت نفسه، تضمنت هذه الأشعار العاطفية غالباً أشكالاً لطيفة من النقد الاجتماعي أو تعليقاً متوارياً على العلاقات بين الرجل والمرأة.

وقد نشأت في اليابان مجموعة عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية فريدة، أدّت إلى ازدهار المشاركات النسائية في الفنون المختلفة ولا سيما الشعر والرسم. ففي القرنين الثامن والتاسع عشر، وعلى الرغم من الحقيقة القائلة بأنّ موقع النساء في مجتمع اليابان الأبوي آنذاك كان متدنياً جداً، فإن النساء جئنَ من القطاعات المتنوّعة من المجتمع، وعملن في العديد من المدارس والتقاليد، وأبدعن أعمالاً مهمة تعرض تشكيلة واسعة من الأفكار والأساليب. فكسبن مؤازرة نظرائهن وكُنَّ شخصيات مهمة في كل الأوساط الأدبية والفنية .

بونجينجا: طبقة الشاعرات الرسامات
لعل أسباب زيادة عدد الشاعرات من النساء أثناء حقبة إيدو (1600-1868) كانت منوّعة. فبعد حوالي قرن من الحرب الأهلية، كانت اليابان تتمتع بعصر من السلام والازدهار، فانتشرت الرفاهية حتى وصلت إلى الطبقات الوسطى والدنيا. وتطور المواطنون الجدد وكليات الفنون والآداب الجديدة. وشاركت النساء في الفَنِّ والأدب، وحفزهن أيضاً انتشار التعليم، ونمو المدارس الخاصة والأهلية، فشاع التعلّم والتثقيف بين كُلّ الطبقات؛ والنساء اللواتي تعلّمن كُنّ على الأرجح أكثر تطلعاً من غيرهن وتحرُّكاً إلى ما بعد الأدوار المصدّق عليها اجتماعياً ، أي الزوجة والأمِّ .

فمعظم النساء اللواتي انفصلن في تلك الحقبة عن أدوارهن التقليدية وحققن اعترافاً بوصفهن شاعرات أو فنانات كن أفراداً من الطبقات غير الأرستقراطية؛ وهذا لا يعني أن نساء الحاشية أو عائلات الساموراي العليا كن غير موهوبات. بل كان هناك عدد من الشاعرات نبيلات بارزات، إنما فاقتهن النساء اللواتي حاصرهن شظف الحياة. لكن نساء تلك الحقبة عموماً كنّ نشيطات في عدّة ميادين. فمعظم اليابانيات العظيمات الناجحات بوصفهن شاعرات كن فنانات موهوبات أيضاً. فالعديدات من نبيلات الأعصر المبكرة اشتهرن برواياتهن، وشعرهن، كما أن الحياة الأدبية في حقبة إيدو وطنت لتقبل النساء شريكاً مهماً فيها، فظهرت أشعار من فن الواكا كانت تعد المناسبة جداً للنساء آنذاك؛ ومعظم اللواتي كسبن الإطراء الشعبي، حققن ذلك لأن مواهبهن كانت متاحة للجمهور. وكثيرات منهن كن وصيفات، استخدمن في إحدى المهن القليلة التي فيها نساء ذكيات من طبقات العامة حيث شُجّعن على عرض مواهبهن. وضمن هذه المهنة كان هناك العديد من المستويات: في القاع كانت المحظيات من الطبقة الدنيا، لكن في القمة كانت النساء الموهوبات جداً الماهرات في الشعر التقليدي، وخط اليد، والتصوير.

هذه الثورة الفكرية دفعت الخبراء إلى البحث عن أشعار كتبتها وصيفات بارزات مثل أوهاشي، التي نشطت في منتصف القرن الثامن عشر، وكانت تكتب شعرها من فن الواكا على أوراق مُزَيَّنة، وتميزت بتصميماتها المعروفة باسم شيراشي جاكي أو الكتابة المبعثرة ، ومن بين أعمالها الفنية لوحة تضمنت قصيدة يشير موضوعها إلى الفراق الحتمي بين الأحبة عند بزوغ الفجر، والحزن الذي يتبعه، تقول فيها:

يأتي الصباحُ فيما بعدُ،
فدع فراقك
يكون مثل حلم
فأنا لا أستطيع نسيان
بكاء الطير التعس .

وقد بدأت الشاعرات من ذوات المواهب المتعددة يرتقين إلى مطالع الصفوف داخل البلاط وبين الشعب، حتى إن إحداهن من الوصيفات لم تكن مجرد وصيفة. وشاع أن هذا الوصف كانت تعرف به تلك التي برزت وتميزت لمهارتها الفنية في قصائد الواكا.

شاعرات من طبقة العامة
العديد من النساء غير أرستقراطيات المولد، مثل أوتاجاكي رينجيتسو (1791-1875م)، شاعرة من حقبة إيدو (1615 – 1867م) أحرزت شهرةً كبرى، إذ ظلت شاعرة الواكا النسائية المقدرة بسبب أسلوبها الرائع في الكتابة وفي الخط الذي عنيت به وطوّرته. فكانت تكتب قصائدها في شكل رقيق طويل يعرف باسم تانزوكو ، إذ كان هو الشكل المفضل لدى اليابانيين لكتابة الأشعار القصيرة؛ حيث تصبغ الورقة بألوان زاهية جميلة في أغلب الأحيان و/أو تزين بالذهب والفضة فيكتب بهما على التصاميم؛ أعمال رينجيتسو الفنية في هذا الصدد فريدة، ولأول وهلة، تبدو كتابتها الخيطية قد تبدو ناعمة ومحكمة، لكنها مكتظة بالتوتر الداخلي، وتوصف في أغلب الأحيان بأنها تشبه أغصان الربيع.

وكما أن النساء أصبحن أفضل تعليماً، فإمكاناتهن الفنية ازدادت كذلك. إذ كن مدفوعات من قبل العديد من الرجال علماء وشعراء إلى الانضمام إلى ركب الهايكو والجماعات الشعرية. وكانت واحدة من أفضل النساء المعروفات بشاعرة الهايكو الرسامة تاجامي كيكوشا- ني (1752-1826م). ومن أعمالها الشهيرة لوحة خطية رسمتها بلون أرجواني خفيف مصحوبة بقصيدة هايكو، تقول فيها:

بينما تُزهرين كثيراً
لا تَنْسي شذاك ،
أيتها الزهور الأرجوانية.

طاقة كيكوشا الكبيرة ترددت في الإيقاع النشط في أسطر الكتابة المنحدرة. وكذلك في الأوراق والزهور الأرجوانية، فالأزهار مُشَبَّعة بمثل هذه الحركة الحيوية التي تشبه فراشات مجنّحة أوشكت أن تشرع في الرحيل وترمز إلى التواضع والصفاء. فالزهور الأرجوانية أصبحت موضوعاً شعبياً بين الرسامين لأن أشكال هذه النباتات أعارت نفسها لأعمال الفرشاة الخطّية مبكراً على أيدي هؤلاء الشعراء الرسامين.

كثيرات من النساء الشاعرات أضفن بحكم العادة رسوماً يسيرة إلى أشعارهن. فالصورة والشعر على الرغم من أنهما لم يُعدا ليكونا شكلاً فنياً لصيقاً متميزاً في اليابان التقليدية، فإنهما اتحدا كثيراً على أيدي زمرة من الشعراء والشاعرات كانوا رسامين وخطاطين ماهرين بشكل دائم تقريباً إلى جانب ما عرفوا به من شعر. فكل شكل فني منهما يسهم في مماثلة تقنيات الفرشاة، المهارة المحترفة لم تكن القاعدة للأهمية الكبرى في العديد من الدوائر الأدبية اليابانية، والأهم هو المميزات الشخصية للشاعرة التي كانت معروفة فيها أو لأعمالها من الأشعار واللوحات. وحتى أواخر القرن التاسع عشر، كانت نساء قليلات جداً ببساطة شاعرات شهيرات، كما كن شريكات فاعلات في عالم الفنون التشكيلية ولاسيما عالم اللوحات الخطية الذي يسوده الرجال. هذه الصلة القوية جداً بالأدب سمة مهمة عند النساء اليابانيات. ويزيد من أهميتها هنا أن العدد الأكبر من النساء الفنانات المعترف بهن ظهرن من بين الصفوف التي درست الشعر والرسم الصيني بتعطّش، فالاهتمام بتقليد الأدباء الصينيين أثير لدى اليابانيين في حقبة إيدو بالترويج لحكومة كونفوشيوسية جديدة، أدّت إلى دراسة العديد من مظاهر الثقافة الصينية، في نهاية القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. تمتع الأدباء التشكيليون (تطلق عليهم الثقافة اليابانية اسم: بونجينجا bunjinga، أو نانجا nanga) بشعبية واسعة الانتشار بين قطاع عريض من الحضريين وسكان الأرياف.

لكن معظم هؤلاء الأديبات اللواتي مارسن فني الرسم والخط كن زوجات، أو أخوات، أو بنات لفنانين يعملون في تقليد الفنون والأعراف الفنية الصينية. فرسموا مواضيع الطبيعة قبل كل شيء. لذ صار المنظر الطبيعي هو الموضوع المسيطر لأنه يعكس حنين الفنانين المدرسيين إلى الوصول إلى مشاركة روحية مع الطبيعة. ومن بين هؤلاء الفنانات الشاعرات، الشاعرة كو راجكين من حقبة إيدو، التي كانت ناشطة في نهايات القرن الثامن عشر وأنجزت لوحات لمناظر طبيعية رائعة تبرز تفاصيل أنيقة في أعمالها من الرسوم التشكيلية.

ومنهن أيضاً الشاعرة إيما سايكو (1787-1861م) التي اشتهرت بأن لشعرها طرازاً صينياً، كما اشتهرت بلوحاتها الخيزرانية. وكان هذا الموضوع لوقت طويل مفضلاً لدى الأدباء الذين احترموا قوّة وقدرة النبات على التحمل. فأعواد الخيزران تظل خضراء طوال عام كامل وتقوّسها الريح لكنها 
لا تنكسر. فهو عندهم يضاهي السادة المحترمين كبار السن المستقيمين، بقدرتهم على مقاومة المشقة. وتُبْرِز أعمال سايكو التشكيلية الخيزران متموجاً ومتفكراً، مشبعاً بالقوّة، فنوعت التناغمات اللونية لأحبارها، مصورة الخيزران بالحبر الأسود الغني، وعلى نحو تدريجي خففت درجات اللون لخلق وهم انحسار المسطحات.

وهناك أيضاً أعمال للشاعرة تاتشيهارا شونسا (1814 – 1855م) في الفن التشكيلي يتجلى فيها التطبيق الهادئ للونها الشاحب. فقد أضافت شونسا إلى لوحاتها قصائدها التي من بينها رباعية تقول فيها :

في الريح الصافية وعربات الندى البيضاء شذى منفرد
ليس سوى الأقحوان يمكن أن يُرى عند هذا المساء البارد
عند ذلك أستدعي الشعر القديم
وفي هذه الأجواء أهمل كل طموحاتي الدنيوية .

نساء العصر الحديث
وخلال خمسمائة سنة قبل القرن العشرين – ذلك الامتداد الزمني الطويل جداً – أشاعت النساء الراويات المتجولات التقليد الشفهي من خلال قصصهن الشعبية الخيالية. وأثناء حقبة ميجي (1868–1912م)، عندما بدأ تحديث اليابان، شجعت الحكومة اليابانية بكل قوة دَوْرَ الزوجة الطيبة، والأم الحكيمة ، ذلك الدور الذي أكد فضائل الارتقاء بالعائلة والعناية بالقوانين. هكذا مُنِحت المرأة بعض الفرص لتكتب أو تنشر.

وبنهاية القرن التاسع عشر، كان هناك العديد من النساء الشاعرات النشيطات اللواتي لا ينتمين إلى عائلات فنية أو علمية. ويشير ذلك إلى أن أبواب عالم الآداب والفنون في اليابان أثناء تلك الحقبة، كانت مشرعة تماماً أمام النساء.

وفي العام 1911م, استطاعت النهضة أن تدفع بحركة المساواة بين الجنسين إلى التأثير على الحركة الأدبية الشعبية للعشرينيات. بعدئذ جاءت الحرب مع الصين والحرب العالمية الثانية فولدتـا تغييرات ثقافية أخرى؛ إذ بدأت المنشورات الأدبية بفتح المجالات للنساء الكاتبات، كما بدأ المحرّرون من الرجال بفتح الأبواب، مروجين للحركة الأدبية النسائية. وظهرت أيضاً مجلات جديدة للنساء، فكن ينتجن أعمالهن بانتظام وينشرن أعمالاً مميزة.

المرأة الشاعرة في اليابان المعاصرة
واحدة من تلك النساء اللواتي نشرن أعمالهن الأدبية والفكرية، وأظهرن جرأة جديدة، كانت أكيكو يوسانو، التي استطاعت بمجموعتها ميداريجامي (شعر معقوص) عام 1901م، أن تحيي الشكل القديم للتانكا، في جرأة حسية على نحو واضح.

في أثناء حقبة تايشو المبكرة (1912–1926م)، خضعت اليابان لعملية تغيير اجتماعي واسع النطاق اقتفى النموذج الغربي. فبدأت النساء اليابانيات بالكفاح من أجل الحقوق التربوية والقانونية والاجتماعية. وبدأت النساء الكاتبات من اليابانيات يُعانقن انفتاح هذه الحريات الجديدة في قصائدهن ومقالاتهن. وخاصة اللواتي نشرن في المجلة الأدبية رايشو هيراتسوكا سيئيتو (الجورب الأزرق)، والمجلة الشعرية مايوجو (نجم الصباح) التي أصدرها زوج الشاعرة أكيكو يوسانو، السيد تيكَّان، تلك المجلة التي كان لها تأثير كبير على الشعراء الرومانتيكيين الجدد في اليابان. بينما المجلات الشعبية النسائية مثل فوجين كورون (منتدى النساء، 1918م)، و نيونين جيياجوتسو (الفنون النسائية، 1928م)، دعمت نمو الوعي النسائي، والمجموعة السياسية للمرأة. أما شينفوجين كيوكائي (رابطة المرأة الجديدة)، التي كانت قد أسست في عام 1919م بوساطة فوساي إتشيكاوا، وموميو أوكو، التي دفعت بحنكتها السياسية العديد من النساء إلى الكفاح من أجل المساواة والفاعلية الاجتماعية.

في مقدمتها لكتاب فصل ممطر طويل ، استطاعت ليزا لويتز أن ترسم الحدود التاريخية والفكرية لتطور وعي المرأة اليابانية منذ مراحل مشاركاتها الأولى.، وأرجعت إلى المرأة اليابانية فضل تأليف الرواية العالمية الأولى حكاية جينجي ، وأحيتها مجدداً في العصر الحديث السيدة يوسانو أكيكو الشاعرة اليابانية المقدرة؛ وقد اشتركت مع ليزا في هذا العمل الذي يمتاز بالأهمية والقوة والضخامة كذلك كلا من مييوكي أوياما، وأكيميؤكا. وقد صدرت عدة أجزاء من هذا الكتاب في طبعات أنيقة عن دار ستون بريدج بكاليفورنيا؛ لتكون نواة منظمة لحديث طويل حول التاريخ الفكري والوجداني للمرأة اليابانية عامة والشاعرات منهن بخاصة.

سيدة الشعر الياباني الحديث
تعد أكيكو يوسانو أميرة الشاعرات اليابانيات وسيدة الشعر الياباني الحديث؛ ولدت في ضاحية ساكاي بالقرب من أوساكا، في اليابان في السابع من ديسمبر عام 1878م.

كانت واحدة من ثمانية أطفال في عائلة من الحلوانيين، لأب يملك متجر حلوى في ضاحية أوساكا، ومع ذلك كان محباً للفنون، ووالد جدها اشتهر بوصفه عالم العلماء في الإقليم، لمعرفته العميقة بالأدب الصيني الكلاسيكي ومنجزاته من الهايكو.

تخرجت أكيكو من مدرسة ساكي الثانوية العليا للبنات، ودرست المختارات الأدبية من الشعر الياباني الإمبراطوري الأول، ماني يوشي ، والأدب الكلاسيكي الياباني إضافة إلى الأدب والتاريخ الأوروبيين وشعراً معاصراً من عصرها.

في سن التاسعة عشرة بدأت كتابة الشعر، 
ونشرت قصيدتها الأولى من شعر التانكا في جريدة محلية، وخلال السنوات الثلاث التالية أصبحت بارزة في الدوائر الأدبية في نطاق أوساكا وكيوتو . حيث كانت الشاعرة الرئيسة، ثم تطورت إلى ناقدة اجتماعية .

وفي عام 1900م، انتقلت للعيش في طوكيو بعد أن تزوجت من الشاعر يوسانو هيروشي الشهير بـ تيكان الذي يعد زعيماً للحركة الرومانتيكية الجديدة في الشعر الياباني الحديث. وفي نوفمبر 1911م، سافرت بحراً معه في زيارة إلى فرنسا لسنوات ثلاث، لكنها بقيت هناك ستة أشهر فقط، ثم زارت ألمانيا، وهولندا، وإنجلترا، ومانشوريا، وألهمتها تلك السفرات وعززت إدانتها لما يتعلق باضطهاد النساء.

ماتت أكيكو يوسانو في الثالثة والستين من عمرها (1942م). وكانت قد أصبحت الشاعرة والكاتبة اليابانية الأكثر شهرة. فقد نشرت خمسة وسبعين كتاباً، منها عشرون مجلداً من الشعر المبتكر تحتوي على ألف وسبع عشرة قصيدة تانكا وخمسمائة قصيدة من الشعر الحر. وجمعت أيضاً خمسين مجلداً محققاً وموثقاً من حكاية جينجي التي ألفتها موراساكي شيكيبو، وأعادت صياغتها باللغة اليابانية الحديثة، والتي صارت حجر الزاوية في الأدب الياباني الحديث.

من قصائد أكيكو يوسانو
(1)
اختبار، يغريني إلى الأبد،
تلك الشفاه الغضة
على وشك أن تمس
قطرات الندى الباردة المكسوة بالصقيع
على زهرةِ لوتس بيضاء .

(2)
كانت ألفاً
تلك السنوات الماضية أم فقط
بالأمس افترقنا؟
فعلى كتفي، حتى الآن،
أشعر بيدك الودودة.

(3)
مطر على البحيرة…
وأوراق طافية، للوتس أبيض
فناني الصديق،
أنا سأمسك لك المظلة
هنا في مركبنا الصغير جداً.

(4)
يمكن أن أعطي أوامري
إلى تلك الريح كلما نفثت،
سأقول لها:
هناك .. هنا ..
شجرة وحيدة
من أيهما عليك أَن تبقي بعيداً .

(5)
ريح أثير
تأتي ملفحة بالظلام
في ليل ربيعي،
فلا تنفث فوق شعرها
حتى الآن لبرهة قصيرة .

(6)
أنا يجب أن أتركك الآن،
وداعاً.. !
قالها طائف الليل،
فاقتربت من حافة ردائه الذي يمر ماضياً
قطراتُ الرطوبة التي تبلل شعري.

(7)
بلا أسف :
السيف المكسور،
منكساً شنق
في غمده اختنق ؛
المثالي المطلق يجب أن يكون
زهرة بلا شوك .

(8)
مبللاً بمطر الربيع،
حبيبي يأتي أخيراً
إِلى داري المتواضعة
مثل إمرأة عاشقة
تحت أشجار الزهور الوردية.

(9)
همست، عم مساءً ،
وانسللت بصمت من غرفته
في مساء ربيعيْ .
ثم تمهلت عند عباءته
وجربت حجمها عليّْ .

(10)
القبطان الوسيم،
مغرداً، يمتطي النهر،
يملأني بالشوق
إنه استثار وحسب
ذكرى ليلة الأمس
لبنت ميناء الوداع.

أضف تعليق

التعليقات