حياتنا اليوم

كيف تبدأ عملاً حراً؟

  • 61a

ما بين سن التقاعد، خاصة إذا كان مبكراً، والشيخوخة، لا بد وأن يخطر ببال المتقاعد أن يؤسس عملاً حراً يُشغله. فكيف السبيل إلى ذلك؟ وما هي المخاطر والمحاذير؟
رياض ملك، يتناول هنا موضوع الانطلاق في العمل الحر، شاملاً حتى أولئك الذين يميلون إلى ترك وظائفهم الثابتة لإبدالها بالعمل الحر.

إضافة إلى كونه فرصة عمل متاحة للذين تقاعدوا من وظائفهم، وهم لا يزالون يشعرون بالعافية والرغبة في العمل، يبدو العمل الحر جذاباً بالنسبة إلى الكثيرين أكثر من الوظيفة الثابتة التي يمارسونها. ولذا، فلا بد من التوقف أمام سلامة القرار ببدء عمل حر والدوافع إليه.

فإذا كان الدافع إليه خلافاً مع رب العمل، على سبيل المثال، أو الحلم بالثروة الطائلة بدلاً من الراتب الشهري المحدد، أو الاستمتاع بالدوام الحر بحيث يأتي المرء إلى العمل ساعة يشاء ويغادر عندما يشاء… فإن ذلك يعني انطلاقة في الطريق الخطأ؛ لأن هذه الأسباب لا تشكل أساساً لعمل حر ناجح.

الدافع السليم إلى العمل الحر يجب أن ينطلق من فكرة يعتقد صاحبها أنها ستكون ناجحة تجارياً ومجزية على الصعيد الشخصي، وعلى صاحبها أن يتمتع بصفات ومؤهلات الذين يمارسون العمل الحر.

تشمل هذه الصفات أولاً الرغبة الملحة في امتلاك عمل خاص والقدرة على المثابرة، وبذل أي جهد لتخطي العقبات والمشكلات التي قد تنشأ خصوصاً في بدايات العمل الحر. وتشمل أيضاً المعرفة العملية بما هية العمل، إضافة إلى المال اللازم لوضع الفكرة أو المشروع قيد التنفيذ. وفي حين أن المتقاعد باكراً، أو الذي سبق له أن ترك وظيفته لسبب أو لآخر، يعتبر حراً في التصرف، فإن الموظف الذي سيتقدم باستقالته لبدء عمل حر، عليه أن يفعل ذلك وهو على علاقة طيبة مع رؤسائه وزملائه، لأن هؤلاء سيكونون على الأرجح أول زبائنه والمروجين المحتملين لعمله الجديد.

تحديد المشروع
منذ اللحظة الأولى التي يستقر فيها الرأي على دخول ميدان العمل الحر، تقوى ملاحظات المرء للنشاطات والأشياء وتصبح متابعته للأحاديث أدق وأكثر انتباهاً، وذلك لأنه في حالة استنفار لا شعورية بحثاً عن شيء. قد تكون الفكرة في بعض الأحيان أمامه، ولكنه لم يلحظها من قبل لأن تفكيره لم يكن يأخذ هذا الاتجاه. وفي كل الأحوال، فإن اعتماد مشروع معين هو الخطوة الأولى والأهم. ولذلك يجب أن تكون متأنية ومدروسة جيداً. ففيها مفتاح النجاح والفشل.

مبادئ أساسية
هنا، يمكننا أن نعدد للقارئ بعض المبادئ التي يمكنه الاستفادة منها لتلافي بعض مخاطر هذه الخطوة الأولية والكبيرة:
• لا تدخل مجالاً يتجه نحو الأفول، وابحث عن مجالٍ لا يزال في بداياته. وهذا ما يتطلب منك أن تكون متابعاً لما يجري في عالمك. فلا تبدأ مثلاً مشروعاً لبيع الآلات الكاتبة في حين أنه باتت أجهزة الكومبيوتر معتمدة حتى في أصغر الأعمال.
• ادرس البيئة التي ستعمل ضمنها جيداً، ولا تسقط عليها معطيات رائجة في بيئة أخرى بشكل تلقائي. فقد يستعمل الناس في بيئة معينة مثلاً ورق الجدران في بيوتهم. ولكنهم في بيئة أخرى يفضلون طلاء الجدران ويعتبرون الورق مجرد ساتر للعيوب.
• فكّر في المشروعات غير المثيرة التي تبدو أنها ستلازم مجتمعك لمدة طويلة، كمكتب المحاسبة، على سبيل المثال. فطالما أن هناك شركات وضرائب ستكون هناك الحاجة إلى مكاتب محاسبة، ولا يبدو أن هناك أي مجال لتغيير هذا الوضع في المستقبل المنظور.
• حاول أن تعرف حدة المنافسة في مجالك وأوضاع منافسيك في محيطك القريب. والنصيحة في هذا المجال أن لا تكون منافستك للغير مستندة على مقارنة الأسعار فقط. لأن هناك عناصر أخرى قد تقلب المفاضلة بينك وبينهم بالاتجاه المعاكس.
• عندما تتبلور لديك فكرة ما، ناقشها مع أصدقائك المقربين، ولا تعتبر أية تعليقات سلبية من جانبهم إحباطاً لهمّتك. بل حلل آراءهم بشكل موضوعي.
• لا بد أن تسأل نفسك إن كنت تود ممارسة هذا العمل المحدد دون غيره، وتجد فيه المتعة. فأكثر الناجحين في العمل الحر يحبون ما يقومون به، وربما كان هوايتهم أصلاً.
• السؤال التالي هو حول مدى علمك بما ستقوم به. ولا نقصد بالعلم هنا الشهادة الجامعية، وإنما المعرفة والدراية العملية بالموضوع. فإذا كان مشروعك مثلاً أن تفتح مكتباً لتأمين السيارات، ولم تكلف نفسك سابقاً عناء قراءة بوليصة التأمين الخاصة بسيارتك، فهذا يعني أنك غير مؤهل معرفياً لهذا المشروع.
إن هذا لا يعني حتماً أنك غير قادر على سد هذه الفجوة، وإنما عليك الانتباه إليها والعمل جاهداً لكسب اللازم من المعرفة. قد تحتاج إلى قراءة كتاب حول الموضوع، أو العمل متدرباً، ولو مجاناً لدى أحد مكاتب التأمين لفترة من الزمن.
• أما السؤال الأخير الذي لا بد وأن تطرحه على نفسك فهو حول استعداداتك لتغيير نظام حياتك الرتيب إلى آخر أقل رتابة وراحة خاصة في السنة الأولى من المشروع. فهي سنة العقبات والصعوبات. ستبذل فيها جهداً أكبر مما هو الحال في الوظيفة، والمردود المالي قد يكون أقل.. ومن الأفضل بحث هذه الناحية مع العائلة أيضاً كي تسير الأمور على ما يرام.

أول الخطوات التنفيذية: القانون
أما ويكون المرء قد اختار مشروعاً نظرياً، فمن أين يبدأ التنفيذ؟
تكمن الخطوة الأولى في التأكد من أن العمل المنوي تأسيسه هو ضمن القانون. وهذا ما يمكن إثباته بسهولة من خلال استشارة قانونية أو الغرفة التجارية في البلد. فهذه الجهات تستطيع تزويد صاحب العمل الحر بكل المعلومات عن النواحي القانونية لنشاطه، وعن أي شروط أو متطلبات قد لا يكون على علم بها. ولا داعي للقول إنه يجب القيام بهذه الخطوة قبل الدخول في أية ارتباطات أو توقيع أية عقود قد يترتب عليها التزامات يعجز عن تنفيذها.

أما كيفية التنفيذ فيمكنها أن تتخذ أكثر من شكل واحد، فإذا كان المرء متقاعداً يمكنه أن ينصرف كلية إلى مشروعه. وإذا كان موظفاً فمن الأفضل أن يحتفظ بوظيفته ويبدأ عمله الحر بنشاط محدود على سبيل الاختبار، الأمر الذي يسمح له بالاحتفاظ بمدخول ثابت لفترة تجنبه مأزقاً مالياً محتملاً. أما سلبيات هذا التدبير فتكمن في أن المرء قد يجد نفسه في موقف يضطره إلى مسايرة أحد العملين على حساب الآخر. أضف إلى ذلك أن الوضع قد يصبح أكثر تعقيداً إن كان العمل الحر يقترب بشكل أو بآخر من نوعية العمل الوظيفي. فهذا قد يؤدي إلى تضارب في المصالح والتصادم ما بين العملين. والحل المناسب في هذه الحالة، يتوقف على طبيعة المشروع. وفي جميع الأحوال، فإن فترة العمل في مكانين معاً لا بد وأن تكون مؤقتة وقصيرة قدر الإمكان.

بين التفرد والشراكة
بالوصول إلى نقطة التفرغ للعمل الجديد، تكون الخطوة التالية اختيار الشكل القانوني للعمل. فقد يصبح المرء صاحب مؤسسة فردية أو شريكاً لطرف آخر أو أكثر، أو مساهماً في شركة محدودة المسؤولية. ولكل من هذه الأشكال القانونية حسناته وسيئاته سواءً لناحية تنفيذ العمل نفسه أو لناحية الضرائب. وقد يتأثر اعتماد الشكل بالحاجة إلى التمويل، أو خبرات الآخرين. وبصرف النظر عن الشكل الذي يتم اختياره في النهاية، فإن أي اتفاق يتم التوصل إليه مع طرف آخر يجب أن يكون واضحاً تماماً، وأن يوضع بشكل خطي من قبل محامٍ ذي خبرة في حقل العقود والاتفاقات.

الجدوى الاقتصادية
عندما يصل صاحب العمل الحر إلى مثل هذه المرحلة المتقدمة، فلا بد من أن يكون قد استند مسبقاً إلى توقعات لنتائج العمل، توصل إليها أو دوّنها في صيغة أولية. هنا، لا بد من التدقيق بهذه التوقعات بشكل أعمق ومفصل، ووضعها خطياً بشكل مهني، وهو ما يسميه أرباب العمل بالجدوى الاقتصادية.

إن وجود دراسة من هذا النوع سيكون مفيداً في عدة أمور:
أولاً، إن وضع الأرقام على الورق سيحفز صاحب العمل على التفكير بها أكثر من مرة، ومحاولة تبرير كل رقم منها. فهو لا يستطيع أن يفترض كل شيء عشوائياً، خاصة بالنسبة إلى الأرقام الأساسية. إذ قد يضطر إلى الاستفسار عن بعض الأمور بشكل أدق مثل إيجار المكتب الذي قد يشكل عنصراً أساساً في المصروفات الثابتة. فهذه الأرقام المدروسة بعناية قد تكشف صورة لا تتطابق مع التصورات الأولية، وقد تدفع صاحب العمل إلى تغيير خططه في بعض المجالات.

ثانياً، إن وجود مثل هذه الدراسة هو أمرٌ حتمي عند البحث عن مصادر تمويل للمشروع من أطراف أخرى كالمصارف أو الشركاء وحتى الزملاء والأقارب. ومما 
لا شك فيه أن المشروع الذي أُخضع لدراسة دقيقة ومقنعة سيدل على أن صاحبه منظم التفكير وأهل للثقة، ويمكن ائتمانه على المال المطلوب.

ثالثاً، هناك حاجة للعودة إلى هذه الدراسة كلما تقدم تنفيذ المشروع، ليرى صاحبه إذا كانت الأمور تسير كما رسم لها، وإذا لم تكن فما هي الاختلافات، أسبابها، وحجمها وجديتها في التأثير على نتيجة المشروع النهائية.

ومن المفترض أن تشتمل دراسة الجدوى هذه على أرقام مستقبلية تظهر التوقعات لما ستكون عليه الأرباح والخسائر للسنوات الثلاث الأولى من بدء النشاط. كما أن هناك كشفاً مستقبلياً مهماً يجب إعداده بعناية حول الحاجات المتوقعة من السيولة. وذلك لأن ما تربحه من العمل لا يتحول بالضرورة بشكل فوري إلى سيولة، إلا إذا كان تعاملك كله على أساس نقدي. لذلك، فإن كان ربحك الصافي 20 ألف ريال مثلاً، فذلك لا يعني بالضرورة أن لديك هذا المبلغ. فقد يكون أكثر من نصفه ديوناً تطلبها من الآخرين. الهدف من حساب السيولة هذا هو أن يظهر لك متى سيكون لديك فائض من النقد، ومتى ستقع في العجز. وهذه المعلومات بالغة الأهمية إذا كنت تنوي الاقتراض لتستثمر في مشروعك. إذ ليس هناك أسوأ من الاكتشاف المفاجئ للحاجة إلى النقد. فحتى ولو تمكن المرء من الحصول عليه، فإن ذلك يكون عادة بأقسى الشروط، طالما أن موقفه التفاوضي سيكون في منتهى الضعف نظراً لحاجته الملحة. وهناك مشروعات ناجحة كثيرة انتهت إلى الفشل بسبب عدم توقع أصحابها سلفاً لحاجتهم من السيولة وتأمينها من دون ضغط وبشروط مقبولة.

عند بدء العمل
وبالوصول إلى مرحلة العمل الفعلي في الحقل الذي تم اختياره، يجد صاحب العمل الحر نفسه أمام مهمتين: مهمة التعريف بالعمل، ومهمة الاستمرار فيه.

يمكن للتعريف أن يتم بوسائل عديدة تبعاً لنوع العمل. فقد يعمد صاحبه إلى إرسال رسائل تعريفية إلى من يعتقد أنهم يهتمون بالأمر، وربما أرفق مع الرسالة كتيباً صغيراً فيه بعض الشروحات والصور. كما يستطيع الإعلان عن العمل في وسائل الإعلام وخاصة المجلات المتخصصة بهذا النوع من العمل. إضافة إلى إقامة حفل افتتاح يدعو إليه أصدقاءه الذين يزاولون عملاً على تماس مع عمله، لتعزيز اتصالاته الشخصية بهم. كما يجب عليه أن لا ينسى إدراج اسمه واسم مؤسسته الجديدة في دليل الهاتف والدليل التجاري وأية نشرة أخرى من هذا النوع. وفي عصرنا هذا، قد يكون من المفيد أن يكون له موقع على الإنترنت يعطي نشاطه دفعاً قد يكون مؤثراً.

أما لجهة الاستمرار، فالسبيل الرئيس والفاعل هو رضا الزبائن والعملاء. إذ لا شيء يأتي بالزبون الجديد مثل السمعة الطيبة عند زبون سابق مرتاح إليك. والواقع أنه في معظم مجالات العمل اليوم، يطلب ممن يتقدم بعرض لتنفيذ عمل ما أن يذكر أسماء عملاء سابقين وعناوينهم. وربما قام العميل الجديد بالاتصال بهؤلاء فعلاً، لأخذ شهادتهم ورضاهم عن العمل والطريقة التي عوملوا بها. وفي غياب سجل كهذا، فإن أي ترويج دعائي سيثبت أنه قصير الحياة وقليل الفاعلية وغالي الثمن.

أما السبيل الآخر للاستمرار فهو في الاطلاع المتواصل على ما يدور في مجال العمل وتطويره وتحديثه بشكل مستمر. فالجمود سواءً في مجال العمل هو طريق الزوال. الجمود الوحيد المقبول هو الثبات على نوعية ما تقدمه من سلع أو خدمات، وإعطاء عملائك دائماً الانطباع بأنهم يحصلون فعلاً على قيمة عادلة مقابل ما يدفعون.

أضف تعليق

التعليقات