يستيقظون في الصباح الباكر, يتناولون وجبة الفطور ثم ينطلقون إلى مدارسهم ليمضوا أكثر من ثلث النهار هناك وبعدها يعودوا ليأكلوا ويرتاحوا قليلاً، ومن ثمّ يبدأون بتحضير واجباتهم المدرسية. ينطبق هذا على خمسة من أصل سبعة أيام من الأسبوع على الأقل. لذلك يجب أن تكون الفترة التي يمارسون فيها واجباتهم المدرسية هي الفترة التي يجب علينا استغلالها للتقرّب منهم ومشاركتهم بعض أوقات نهارهم والمساهمة في اهتماماتهم. مهى قمرالدين تتحدث عن دور الأهل في هذا المجال.
قبل الحديث عن كيفية مساهمة الأهل في مساعدة أطفالهم في الواجبات المدرسية, يجب أن نسأل عن أهمية إعطاء فروض مدرسية من الناحية الأكاديمية. وفي هذا الإطار، يقول الأخصائيون بأن هناك فوائد أساسية ثلاث للواجبات المدرسية:
أولاً: إنّ الواجبات المدرسية تزيد من استيعاب المفاهيم المختلفة التي تم شرحها في المدرسة. أي أنه كلما أجاب التلميذ عن أسئلة تطبيقية أكثر، كلما استطاع فهم المادة بشكل أفضل.
ثانياً: يساعد إعطاء التلميذ واجبات مختلفة على توزيع الوقت بالشكل السليم الذي يسهل عليه إنجاز جميع واجباته على أكمل وجه.
ثالثاً: تساعد تلك الفروض على تنمية قدرات التلميذ الإبداعية وذلك من خلال القيام ببحوث لا يمكنه القيام بها خلال النهار الدراسي في المدرسة، وذلك لضيق الوقت المخصص للحصة المعينة.
الحضور وتوافر الجو الملائم
أمّا عن الطريقة المثلى لمساعدة الأهل لأولادهم في إنجاز واجباتهم المدرسية, ففي البداية جداً, كما تقول الخبيرة في الشؤون التعليمية مارشا باس حول موضوع مساعدة الأهل في تحقيق النجاح المدرسي لأولادهم: إن الأمر في غاية البساطة – أول الأمور هو أن نكون هناك . إن تواجد الأهل عندما يعود الطفل متعباً بعد نهار دراسي طويل يعطي الراحة النفسية والطمأنينة إلى نفس الطفل. كما أن تأمين الجو المريح يوفر له الراحة الملائمة للقيام بواجباته المدرسية. وهذا الجو المريح يتضمن التقليل من العوامل الخارجية التي يمكنها أن تشتت ذهنه مثل تواجد الزائرين الكثر في المنزل ومكالمات الأهل الهاتفية الطويلة, إلخ.
وضع النظام
ثم هناك أهمية وضع القوانين في المنزل التي من دونها يمكن للطفل أن يشعر بالضياع. إذ من المهم أن يعرف الطفل ماذا ينتظره. فمثلاً، يمكننا أن نحدد له ساعة واحدة للأكل والراحة ومن ثم الدرس لفترة ساعتين على الأقل يتخللها وقت قصير من الراحة, وبعدها يمكنه مشاهدة التلفزيون وتحضير نفسه للنوم. وهذا يساعده على تنظيم وقته بشكل فعّال. أمّا بالنسبة إلى فترة الدرس, فعلينا أن نعوّد أولادنا على وضع برنامج منظم لإنجاز كل المهمات. وحتى في المراحل الدراسية الأولى يمكننا أن نضع نحن برنامج الدرس اليومي, فمثلاً الحساب أولاً، ثم اللغة، ثم العلوم إلخ… إلى أن يكبر الطفل ويعتاد أن يضع البرنامج هو بنفسه.
المطلوب هنا هو الحزم في فرض هذا القانون أو البرنامج إنما ليس المطلوب القسوة. فهناك فرق بين الحزم والقسوة. الأصح والأنسب هو التحفيز والتشجيع مع بعض الحزم والشدة. إن التحفيز والتشجيع هما الأجدى كما يقول الخبراء, وليس فقط في الحث على الدرس وإنجاز الفروض المدرسية, إنما في جميع الأمور التربوية الأخرى. علينا تشجيع الطفل ومكافأته إذا ما قام بواجباته على أكمل وجه, خصوصاً إذا لمسنا لديه بعض اللهو و عدم الجدية في فترات سابقة.
خلال فترة الدرس يجب أن لا نتجاوز الخط الرفيع الذي يفصل بين إشرافنا على تدريس أطفالنا والقيام بواجباتهم المدرسية نحن بأنفسنا، وهذا خطأ يمكن أن يقع فيه الكثير من الأهل. وحتى إذا عجز الولد عن حل كل المسائل المطلوبة منه، فلا يجب علينا أن نحلّها له. لأن مجرد التفكير فيها من جهته هو تمرين ذهني مفيد قد يساعده على حلها في وقت لاحق.
أما إذا تركنا الأولاد يعتمدون علينا في كل شيء, فإننا نكون قد أسهمنا في جعلهم أولاداً تابعين لا يتحلّون بالاستقلالية. إذ أن الولد الاستقلالي يعرف الصعوبة التي تكمن وراء أي إنجاز، ويدرك أنه لن يصل إلى المكافأة إذا لم يعرف العناء. كما أننا بالتقرير عنه وأخذ المبادرة عنه، نحرمه من اكتساب مهارة التعامل مع المسؤوليات المحددة التي ستواجهه في المستقبل.
الإشراف
والإشراف على التدريس قد يتضمن إحضار المصادر العلمية التي تساعد في كتابة أي بحث مطلوب من التلميذ أو حتى الطلب إليه أن يشرح لنا الدرس بدل العكس، إذ أنه بمجرد هذه المحاولة يمكنه فهم المادة بشكل أفضل. وفي أحيان أخرى يمكننا فقط الإرشاد وإعطاء الأمثال عن الحياة اليومية.
وهذا الإشراف يجب أن يبدأ منذ السنوات الأولى, إذ إن الأساس هو الأهم. وعدم البدء من الصغر هو خطأ غالباً ما يقع فيه عدد كبير من الأهالي. إذ يسود الاعتقاد بين بعضهم بأن الطفل لا يزال صغيراً وليس من المهم تدريسه في المنزل أو إعطاء أية أهمية لواجباته المدرسية. ويبدأ التدخل عندما تقع المشكلة ويبدأ التقصير المدرسي. وهنا يكون التدخل متأخراً كثيراً. فتعلو الصرخة ويسرع الأهل للاستعانة بالمدرسين الخصوصيين، الذين يمكن أن يكونوا على درجة كبيرة من الكفاءة، ولكن يكون أساس فهم الولد لدروسه ضعيفاً. ومن الصعب البناء على أساس مهزوز كما أن مساعدة المدرّس الخصوصي
لا يمكنها تأمين هذا الرابط الذي ينشأ من مساعدة الأهل لأولادهم التي تعطي الأولاد هذا الرابط النفسي الذي يسهم كثيراً في تحقيق النجاح المدرسي. لذلك، إذا ما نظرنا إلى هذه التجارب فنجد أنه من النادر أن يساعد المدرّس الخصوصي في تحقيق النجاح المبتغى.
وهناك بعض الأهل الذين يلجأون إلى دعوة أصدقاء أطفالهم للدرس سوية لاعتقادهم أن الدرس في مجموعات يمكن أن تكون له فائدة أكبر. ولكن علينا تجنب هذا الوضع، خصوصاً في مرحلة الطفولة الوسطى، أي ما بين سن السادسة والحادية عشرة. إذ إنه لا يمكن للطفل في تلك الفترة التمييز بين ما هو اجتماعي ترفيهي وبين ما هو عمل جدّي. لذلك لا يمكن أن تكون لتلك التجمعات أية فائدة أو نتيجة مثمرة.
وفي أحيان كثيرة يعتري بعض الأهل الخوف. فهم ليسو على درجة عالية من التعلم، لذلك يتجنبون التدخل في المساعدة في تدريس أطفالهم. ولكن المطلوب هنا هو فقط تأمين الدعم النفسي والقليل من المعرفة، وليس المطلوب هو أن نحل مكان الأستاذ الذي يشرح ويعلم في المدرسة.
وكل ما ذكرناه آنفاً ينطبق على الأولاد العاديين الذين لا يعانون من مشكلات تعليمية كبرى، مثل الاهتياج الحركي أي مرض نقص التركيز والإفراط الحركي اللا إرادي. أو القِراء التي لا بد معها من الاستعانة بالخبرة المتخصصة التي لا يمكننا من دونها مساعدة أطفالنا إلى الوصول وتحقيق النجاح المدرسي والعلمي المطلوب.
وهكذا, فإن مساعدتنا لأطفالنا في إنجاز واجباتهم المدرسية لا تقف فائدتها فقط عند تحقيق النجاح المدرسي المباشر, وإنما تتعداها لتخولنا الدخول إلى عالم يمثل حيزاً كبيراً من حياتهم. وبهذا تكثر الموضوعات التي يمكننا التحدث بها معهم، لنبني هذا الجسر النفسي غير المرئي الذي يدعم أولادنا في الصغر فيساعدهم على تحقيق النجاح العملي في الكبر.