الأزياء المستدامة أو الأزياء الصديقة للبيئة هي نوعية جديدة في عالم تصميم الأزياء، تهدف إلى إيجاد نظام رفيق بالبيئة. والأزياء المستدامة هي جزء من اتجاه جديد يهتم بجميع المراحل التي يمر فيها تصنيع الملابس ويركز على مجمل ∩البصمة الكربونية∪ التي تؤدي إلى تكوينها. والبصمة الكربونية هي التي تأتي نتيجة أفعال الشخص وممارساته المباشرة على البيئة فيما يتعلق بانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. ولا يبدو أنّه اتجاه يقتصر على المدى القريب، وإنما قد يستمر في المستقبل مع استمرار الانتهاكات التي تحدث بحق البيئة وزيادة الوعي العالمي لأهمية حمايتها. بينما كانت في السابق حماية البيئة في عالم الأزياء تقتصر على وهب جزء من مجمل المبيعات إلى قضايا خيرية، أصبح مصممو الأزياء الآن يُدخلون أساليب صديقة للبيئة في عملية التصنيع من خلال استخدام أقمشة صديقة للبيئة ووسائل تتحلى بالمسؤولية الاجتماعية.
وفقاً لمنظمة «تعهّد الكرة الأرضية» (Earth Pledge)، وهي منظمة لا تبغي الربح تهتم بتعزيز ودعم الإنماء المستدام، «هناك، على الأقل، 8000 مادة كيميائية تستخدم في تحويل المواد الخام إلى منسوجات، و25 في المائة من المبيدات في العالم تستخدم في زراعة القطن غير العضوي، ويتسبب ذلك في دمار لا رجعة عنه للناس والبيئة، على حدّ سواء. ومع ذلك تتكوّن ثلثا البصمة الكربونية لأي قطعة من الملابس بعد شرائها وليس قبله». هناك عدة أمور يجب أخذها بالاعتبار فيما يتعلق بعنصر استدامة الألياف المستخدمة في الأقمشة: مصدر الألياف وقدرتها على التجدّد، العملية التي تحّول الألياف الخام إلى نسيج، وظروف العمل التي تحيط بالعمال الذين يصنعون الملابس في مختلف المراحل، ومجمل البصمة الكربونية للمنتج النهائي.
أنواع الألياف التي تُحوَّل إلى أقمشة
الألياف الطبيعية هي الألياف الموجودة في الطبيعة التي لا تعتمد على مواد بترولية. ويمكن للألياف الطبيعية أن تصنف إلى ألياف السليلوز أو الألياف النباتية، وإلى ألياف البروتين أو الألياف الحيوانية. أما الألياف النباتية فتشمل القطن الذي يُعد من المحاصيل الأوسع انتشاراً في العالم والأكثر استخداماً للمواد الكيميائية. وتكمن المشكلة في القطن المزروع بالطريقة التقليدية بأنه يستخدم 35 في المائة من المبيدات التي تستخدم عالمياً. ومن الألياف النباتية الأخرى: القنّب، والجوت والكتّان، والصويا، والخيزران، والأباكا، وتضم الألياف الحيوانية الصوف والحرير والكشيمر والأنجورا وغيرها.
الألياف المعادة التدوير
تصنع الألياف المعادة التدوير من بقايا الأقمشة المجمعة من المصانع ومن ثمّ يُعمل على إعادة حياكتها في ألياف قصيرة تحّول إلى غزل جديد. هناك عدد قليل جداً من المصانع حول العالم يمكنها إعادة تصنيع بقايا الأقمشة وتراوح منتجاتها بين مزيج من القطن المعاد التدوير مع إضافة غزل جديد لتعزيز متانته، وبين ألياف القطن المعادة التدوير المضاف إليها ألياف الأكريليك الخام من أجل تناسق الألوان والمتانة.
اتجاهات حديثة
يتجه المصنِّعون في الوقت الحالي إلى إدخال عدد من الممارسات المستدامة في الأزياء العصرية. وبسبب الجهود التي تبذل في تصنيع وشحن تلك المنتجات، فالأزياء المستدامة هي أغلى ثمناً من الملابس المنتجة بالطرق التقليدية. وهناك عديد من النجوم والأشخاص البارزين في العالم الذين حاولوا لفت الانتباه إلى هذا النوع من الأزياء، وذلك مع زيادة الوعي البيئي والاجتماعي. وأصبح هناك أقسام من عروض الأزياء في العالم مخصصة لهذا النوع من الملابس مثل عرض «Estethica» الشهير في أسبوع الموضة في لندن المخصص للأزياء الصديقة للبيئة.
وبرزت هناك مؤسسات عالمية تهتم بزيادة الفرص لمصممي الأزياء المستدامة، مثل «الرابطة الوطنية لمصممي الأزياء المستدامة»، وهي مؤسسة لا تبغي الربح، وتهدف إلى مساعدة أصحاب الريادة الذين يمتلكون مؤسسات لها علاقة بعالم الأزياء ويهتمون بإحداث فرق اجتماعي وبحماية البيئة. كما تهتم بتقديم التعليم والتدريب، وتسهل الوصول إلى الأدوات والموارد التي تدعم المؤسسات المبدعة.
الجدال القائم حول الأزياء المستدامة
على أرض الواقع، هناك تعريفات متعددة للأزياء المستدامة. فكلية لندن للأزياء تعرِّف الأزياء المستدامة على أنّها تلك التي تعتمد في إنتاجها على «تسخير الموارد بطريقة أخلاقية ومسؤولة دون تهديد التوازن البيئي والاجتماعي». ويقول المصمم أوسكار دي لارنتا إنّ «الملابس المستدامة تعني تبنّي التقنيات التقليدية في التصنيع، ولا تقتصر فقط على فن صناعة الأزياء». وتشدد المصممة فريدا جيانيني على أن الأزياء المستدامة هي أزياء «ذات نوعية عالية تتحدى مرور الزمن ويمكن توارثها من جيل إلى آخر». وتقول المصممة أنيا هندمارش بأنها تعرِّف مبدأ التصميم المستدام على أنّه «ذلك الذي يلجأ إلى استخدام الموارد المحلية التي لا تلوِّث البيئة لا خلال عملية تصنيعها ولا عند التخلص منها، والتي تستغرق مسافات شحن قصيرة لتصل إلى المستهلك».
ومع وجود كلّ تلك التعريفات المختلفة لا يوجد هناك تطبيق موّحد يمكن للمستهلك الرجوع إليه. حتى إنه ليس للأمم المتحدة تعريف متفق عليه لما هو مستدام. إذ طالما كان عالم الغذاء يتصارع على مدى سنوات لتحديد ما هو «عضوي» أو «لايت» أو «مغذّى بالحبوب». لذلك، هناك على أرض الواقع كثير من الشكوك والغموض في الادعاءات التي يطلقها بعض مصممي الأزياء المستدامة، كما أن هناك تزايداً في استخدام ملصقات على الملابس مثل «مستدام» أو «أخضر» أو «صديق للبيئة» أو حتى «أخلاقي».
والمسألة ليست أخلاقية فقط، ولكنّها اقتصادية في الوقت نفسه. إذ تشير شركة مينتل (Mintel) العالمية التي تُعنى بأبحاث السوق، إلى أنّه «مع ازدياد متطلبات المستهلكين من الشركات التي يتعاملون معها، بدأوا يطلبون مزيداً من التفحص للادعاءات الأخلاقية التي تدّعيها تلك الشركات في ما يتعلق بمنتجاتها».
يجب النظر إلى الموضوع بطريقة أشمل وأعمق. إذ ليس من المهم وضع ملصق ما، وإنما يجب فهم ما يعنيه بالتحديد. قد تدّعي بعض العلامات التجارية بأنّها تستخدم قطناً غير مبيض، ولكن ذلك لا يشير أبداً إلى ما كان يحدث خلال عملية زراعة القطن ونوعية المبيدات المستخدمة. وقد تذكر بعض الملصقات بأنّ القطن المستخدم هو قطن «ما قبل العضوي»، وقد يعني ذلك بأن مصدر القطن مزرعة في طريقها لأن تصبح عضوية، وبالتالي فهي ليست عضوية على الإطلاق. وقد يكون ذلك الحذاء الذي يعد بإمكانية إعادة تدويره لأنّه مصنوع من البلاستيك، حذاءً عضوياً من ناحية المبدأ وإنّما، في الواقع، لا توجد هناك مصانع تقبل إعادة تدوير الأحذية.
وهكذا، تكمن المشكلة بعدم وجود تعريف محّدد، مدعوم بالحماية القانونية، للأزياء «الخضراء» أو «العضوية» أو «الأخلاقية»، تعريف لا يدفع بالمستهلك الذي يتحلى بالوعي البيئي أن يقوم، شخصياً، بالأبحاث عن المنتج الذي يشتريه لمعرفة مصدره الفعلي وكيفية تصنيعه. ولكن، على الرغم من ذلك، هناك عديد من المصممين الذين يقومون ما بمقدورهم لإنتاج الملابس المستدامة، ولو ليس بالمفهوم الكامل لما هو مستدام. ولكن، ممارساتهم تدخل في روح العصر الجديد.