تطالعنا في متاجر الأطعمة وخاصة في أجنحة الفاكهة والخضراوات، أصناف تفوق أسعارها بشكل ملحوظ أسعار أصناف أخرى من النوع نفسه. ولتبرير الفرق في اختلاف الأسعار، نجد الباعة قد أعلنوا عن الصنف (وبجوار سعره المرتفع) أنه «عضوي». فماذا عن الأصناف الأخرى؟ وتحديداً الأصناف المعدَّلة وراثياً؟ لماذا يتم الإعلان عن تلك وليس عن هذه؟
المنتجات «العضوية» التي نراها اليوم فاخرة، هي ما كان يأكله آباؤنا وأجدادنا كل يوم. ولكن التطور العلمي في مجال الأبحاث الجينية، أغرق الأسواق بالمنتجات المعدَّلة وراثياً، بحيث صارت لائحة المواد الغذائية شبه الخالية تماماً من الحمض النووي الأصلي أو تحتوي على نسبة قليلة منه تشمل من جملة ما تشمل: القمح والذرة والصويا والكانولا والقطن والشمندر السكري (أي السكر) والبطاطس والبابايا والأجبان… وصولاً إلى آخر المبتكرات: اللحوم وفي طليعتها سمك السلمون. ومن ضمن هذه اللائحة الطويلة تثير الحبوب، وخاصة الذرة، إشكالية كبيرة بسبب كثرة مشتقاتها الداخلة في صناعات غذائية كثيرة، وخاصة الزيوت والنشويات التي تُضاف إلى العصائر، ويدخل بعضها ضمن مواد حفظ المعلبات.
بين السماح والحظر
يقع الإعلان
من المعروف أن هناك خلافاً كبيراً بين دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية في الموقف من الزراعات المعدَّلة وراثياً. فمقابل توسع هذه الزراعات في أمريكا، هناك تحفظ أوروبي شديد عليها. وشهد العام الماضي تخلص بعض البلدان من بقايا الزراعات المعدَّلة وراثياً، كما حصل في المجر التي أحرقت كل حقول الذرة المعدَّلة.
ولكن منع الزراعات المعدَّلة لم يعد كافياً لإخلاء المتاجر من الأغذية المعدَّلة جزئياً، بسبب تغلغل مشتقاتها بنسب مختلفة في معظم المنتجات الغذائية. ومع ازدياد الحملات الإعلامية والتوعوية تجاه المخاطر المحتملة لاستهلاك الأطعمة المعدَّلة وراثياً، صارت نوعية الأغذية المعروضة في المتاجر موضع التباس عند المستهلكين. وتفضيلهم للمنتجات العضوية، وخاصة غير المعدَّلة وراثياً، يبدو واضحاً في الأسعار المرتفعة التي هم على استعداد لدفعها مقابلها. وهنا وقع المشرِّعون في حيرة حيال التدابير الواجب اتخاذها للإعلان عن طبيعة الغذاء المعروض للبيع.
حتى نهاية العام 2013م، بلغ عدد دول العالم التي تفرض الإعلان على المنتج ما إذا كان معدَّلاً وراثياً 64 دولة، ثلثها من دول الاتحاد الأوروبي. وفي هذا المجال اعتمد المشرِّعون وجوب احتواء الغذاء على نسبة (تختلف من دولة إلى أخرى) من المواد المعدَّلة وراثياً ليصبح الإعلان عنها إلزامياً.
وفي حين أن دول الاتحاد الأوروبي تحدد هذه النسبة بـ %0.9، فإن فحص بعض الأطعمة في جنوب إفريقيا (وهي واحدة من الدول الأربع والستين) أكد وجود أكثر من %31 من العناصر المعدَّلة ضمن الأغذية التي لم يُعلن عنها أنها كذلك. في حين أن أسواق الدول التي لم تفرض هذا النوع من الإعلان، تشهد استهلاكاً لمنتجات هي %100 معدلة وراثياً مثل الذرة ودقيقها وزيتها ومشتقاتها، والقطن وزيته، وغير ذلك الكثير.
في آخر فصول المواجهة ما بين الجهات المختلفة المناهضة للزراعات المعدَّلة وراثياً والشركات الكبرى العاملة في مجالها وتبيع بذورها وتروِّج لها، نجح الفريق الأول في الوصول إلى عقر دار هذه الشركات في أمريكا. فبدأت بعض الولايات بفرض الإعلان عن المنتج المعدَّل وراثياً، الأمر الذي لا تزال الشركات المنتجة تحاربه بضراوة. بحيث إن الإعلان في المتاجر لا يزال مرافقاً للمنتجات العضوية غير المعدَّلة وراثياً.