لماذا تنجح بعض المواقع التجارية على الإنترنت، ويتعثر بعضها الآخر؟ ولماذا ذهبت استثمارات عربية ضخمة في تأسيس المواقع أدراج الرياح، بينما نجح البعض الآخر في الاستمرار والتطور؟
الدكتور عمّار بكار يجيب عن هذه الأسئلة وغيرها انطلاقاً من بعض مقولات مؤسسي المواقع، وبالاعتماد على خبرته كرئيس تحرير لموقع العربية.نت .
عندما وصلت طفرة تأسيس بوابات ومواقع الإنترنت التجارية إلى المملكة العربية السعودية، تحديداً في عام 1999-2001م، كانت هناك دهشة عامة صاحبت هذه الطفرة بإمكانات الإنترنت التقنية. استثمرت ملايين الريالات في هذه المواقع، والتي لم يعد أكثرها موجوداً في يومنا هذا، وكان أصحاب هذه المواقع يظنون أنهم بمجرد أن يؤسسوا الموقع المتاح على الشبكة لملايين المستخدمين فإنهم بذلك كسبوا المباراة ، والأرباح الكثيرة التي ستعود عليهم.
فيما يلي استعراض لأهم التصورات الخاطئة التي سيطرت على الباحثين عن الذهب في الفضاء الافتراضي. وهي تصورات ما زالت موجودة في أوساط المستثمرين في الثورة الإلكترونية رغم مرور عدة سنوات الآن على بدء التجربة:
(1) عندما يزورني ملايين الناس، فإن المعلنين سيأتونني من كل حدب وصوب :
بالرغم من تحسن سوق الإعلان عن طريق الإنترنت عبر السنين، إلا أن الدخل الإعلاني ما زال محدوداً ولا يغطي التكاليف في كثير من الأحيان فضلاً عن تحقيق الأرباح، وذلك لأن سوق الإعلان ووكالاته تعمل بطريقة مختلفة وخاصة جداً ويتحكم فيها الكثير من العوامل الغريبة، فضلاً عن أن كثيراً من المعلنين لم تصلهم دهشة التكنولوجيا بعد، وغير مقتنعين بأن الإنترنت منتشر أصلاً في المنازل، خاصة إذا كانوا من أولئك الذين لا يجيدون استخدام الكمبيوتر. كيف إذن ستحقق المواقع دخلها إذا كان الإعلان لن يأتيها بأموال الشركات والتجَّار؟ الجواب: استثمار الإنترنت هو استثمار طويل المدى، يتطلب سنوات من الإنفاق المقنن والتسويق المكثف والجودة العالية حتى يؤتي ثماره. الجواب الآخر: هناك بعض شركات الإعلان والمعلنين الذين بدأوا يفهمون قيمة شبكة الإنترنت ويهتمون بها، ولكن عليك أن تبحث عنهم في كومة القش، والجواب الثالث: عليك أن تلجأ إلى اللاعبين الكبار في سوق الإعلان وتعتمد عليهم.. لو استطعت ذلك!!
الروابط والتأسيس والتجديد
(2) لدينا في الموقع عشرات الأقسام
المنوعة وعشرات الخدمات :
تصدر هذه المقولة عادة عندما يسعى فريق الموقع للاستفادة من إمكانات التكنولوجيا، فيؤسس موقعاً فيه الكثير من الأقسام والأفكار والخدمات، وهذه لها ثلاث مشكلات رئيسة:
الأولى: أن القارئ العربي لم يتعود بعد على التصفح الدقيق للروابط الكثيرة، فهو يحتاج روابط قليلة وأقساماً قليلة جداً، وإلا فإنه يضيع بين هذه الروابط مما يضعف الإقبال عليها ويذهب الجهد المبذول فيها سدى.
الثانية: أن الصفحة الأولى للموقع لا تتحمل الكثير من الروابط لأنها محدودة، وإذا أردت أن تبرز كل الأقسام بالشكل المناسب مع تشكيل صفحة مميزة تتضمن محتوى جذاباً يتجدد كل يوم، فإنك ستضطر إلى وضع بعض الأقسام في وضع ثانوي مما يقلل الاستفادة منها.
الثالثة والأكثر أهمية: أن تجديد وصيانة الصفحات بالمحتوى المتميز هو أهم من تأسيس هذه الصفحات، ولأن إمكانات مواقع الإنترنت محدودة عادة، فستجد لديك أقساماً كثيرة، ولكنها ليست مصانة بالشكل المناسب، ولا تجدد بالسرعة المطلوبة.
بناءً على ذلك، فإن النصيحة هي تأسيس أقسام قليلة، بحيث يتم اختيار كل قسم بعناية، ويبرز على الصفحة الأولى بعناية، ويتم تحديثه بعناية، بحيث يصبح كل قسم نقطة قوة للموقع وليس نقطة ضعف.
الاستراتيجية وحصر
التوجه والتميز
(3) نريد تأسيس موقع ضخم ومتميز وقوي ومتخصص في المجال التالي :
تمثل هذه العبارة أو ما يشابهها العبارة الاستراتيجية الوحيدة التي يحملها كثير من المواقع والتي تشرح أهداف الموقع وخطته المستقبلية. ويمثل هذا في الحقيقة خطأ غير عادي، ويلجأ إليه الناس عادة بسبب الغموض الذي يكتنف سوق الإنترنت. مواقع الإنترنت هي مشاريع تجارية طويلة المدى عالية المخاطرة وتحتاج إلى استراتيجية واضحة تسترشد بها، والاستراتيجيات كما هو معروف تقوم على أهداف، وتقوم على فرضية استراتيجية معينة، وعلى كل الخطط التي ستبذل لتحقيق هذه الفرضية وتحويلها إلى واقع يصل بالموقع إلى النجاح في المنافسة. وفي رأيي الشخصي، من النادر أن ينجح موقع بلا استراتيجية واضحة.
(4) ما دمنا نستطيع عمله، فلماذا
لا نعمله؟ :
الخطأ هنا أن كثيراً من أصحاب المواقع يبحثون عما يمكن عمله في الموقع ثم ينطلقون إلى عمله. والمشكلة هي أن مدير الموقع يكتشف بعد فترة قصيرة أن هناك الكثير جداً مما يمكن عمله وهذا يعني تراكم الأفكار وأحياناً ترك أفكار مميزة لصالح أفكار ضعيفة. السؤال الذي يجب أن يُسأل: ما الذي يجب ألا نعمله؟ ، بمعنى أن تكون للموقع قائمة من الأفكار التي يتجنبها لأنها ضعيفة أو لا تتسق مع رؤيته الاستراتيجية وأهدافه التي يسعى لتحقيقها. الأفكار الجيدة نادرة جداً، وإذا شعرت بوفرة الأفكار لديك فهذا معناه أنك بحاجة لقائمة ما لا نريد عمله .
(5) نحن أفضل من المواقع الأخرى :
الخطأ الكبير هنا هو الشعور بالرضا بسبب أن الموقع أفضل من المواقع الأخرى المنافسة، لأن الناس سرعان ما ستقلدك وتنتهي الأفضلية خلال أيام. النجاح في الإنترنت يتطلب عملاً يومياً دؤوباً في التطوير والبحث عن التميز وتحقيق الأفضلية. أردد دائماً في اجتماعات العربية.نت مع زملائي إنه لا يكفي أن نكون متقدمين على الآخرين بخطوة واحدة، لأنهم سيلحقون بنا غداً، ولا خطوتين لأنهم سيلحقون بنا قبل أن نبدأ في الحركة، بل بثلاث خطوات، حتى نبقى دائماً في المقدمة (لا أذكر الآن إذا كانت العبارة من تأليفي أو أنني قرأتها في مكان ما!).
(6) صفحتنا قصيرة، ولا تحتاج فيها للكثير من النزول إلى الأسفل حتى تراها كلها :
هذا خطأ في المرحلة الحالية، حيث الإنترنت ما زال بطيئاً في العالم العربي. فبالنسبة لعموم المستخدمين العرب، من الأفضل لهم أن ينزلوا إلى الأسفل بحيث تكون الصفحة طويلة، من أن يكون عليهم أن يضغطوا الكثير من الروابط حتى يصلوا إلى المعلومة التي يريدونها. لقد نجحت بعض المواقع في فكرة التعليقات رغم أن عدة مواقع أخرى حاولت في السابق تنفيذها، لأنك لا تحتاج إلى أن تضغط على أي رابط لقراءة التعليقات الخاصة بموضوع معين، بل تستطيع أن تقرأ التعليقات تحت الموضوع مباشرة. وحين طبقنا هذه الفكرة صار الناس يضغطون على المبرمجين ليضعوا التعليقات تحت الموضوع مباشرة من دون وجود رابط للضغط عليه (المبرمجون عادة يحبون وضع الروابط، لأن وضع عدة كائنات برمجية غير متجانسة في الصفحة يحتاج المزيد من الجهد!).
أم الأخطاء: تقليد موقع ياهو
(7) نريد أن نؤسس موقع ياهو العرب :
هذه أم الأخطاء، فمحاولة تقليد موقع ياهو Yahoo هي محاولة فاشلة في الصميم، وكثيراً ما سمعت هذه العبارة، وكل من حاول تنفيذها فشل، وذلك لأسباب بسيطة، منها أن المستخدم العربي ليس متعوداً على المواقع المتشعبة، وليس متعوداً على تغذية المواقع بالمعلومات الشخصية، وهناك سبب آخر وهو أن نجاح موقع ضخم كهذا يحتاج اسثتماراً كبيراً وسوقاً إعلانية نشطة، وهذا غير متوافر الآن. وبالمناسبة، يسعى موقع Yahoo.com إلى تأسيس صفحة عربية له مثل صفحات اللغات الأخرى التي يمتلكها، ولكنه يشترط أن يصل حجم السوق الإعلاني العربي على الإنترنت إلى عشرة ملايين دولار، بينما وصل مجمل السوق الإعلاني العربي على الإنترنت عام 2005م إلى خمسة ملايين دولار (هذا حجم الإعلانات التي تدفع نقداً، بينما هناك حوالي سبعة ملايين دولار أخرى قيمة لإعلانات متبادلة بين المواقع والشركات المعلنة)، ولموقع Yahoo.com مكتب في دبي يقوم بجمع هذه المعلومات كل عام في انتظار أن يصل الرقم إلى الهدف المحدد.
إن النصائح السابقة تدخل ضمن فن جديد اسمه استخدامية الإنترنت (Web Usability)، وهو فن بدأ يُدرَّس في الجامعات العالمية، وما زال جديداً على العالم العربي، ويتضمن مجموعة القواعد والأفكار التي من المطلوب تحقيقها للوصول لمستوى عالٍ من الاستخدامية أي القدرة على جذب المستخدم لتصفح الموقع والبقاء فيه لأطول فترة ممكنة ثم العودة إليه في اليوم التالي.
إذاً لا يمكننا تطوير فن استخدامية خاص بالعرب ومتناسب مع رغباتهم وعاداتهم التصفحية للإنترنت إلا بالاعتماد على البحث العلمي والخبرات، وهذا يحتاج من يقوم به، وحتى ذلك الحين، ابدأ بالنصائح التي ذكرتها أعلاه!