ليس من المستغرب أن تدهشنا الأبحاث العلمية باكتشافها المجهول وبنتائجها غير المتوقعة التي تؤكدها الأرقام والتحاليل. ولكن المدهش أكثر من ذلك هو أن علماء من معاهد وجامعات معروفة عالمياً بجديتها باتوا يقومون بدراسات ويتوصلون إلى نتائج أقل ما يقال فيها أنها من البديهيات التي يعرفها أي كان حتى ولو كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب.
وقد تناولت مجلة بوبولار ساينس في أحد أعدادها مؤخراً هذا الشأن. ونشرت ملخصات لعشرة أبحاث ظهرت نتائجها في مجلات علمية متخصصة خلال السنوات الأخيرة. ومنها على سبيل المثال:
• ابتلاع أكثر من مغناطيس واحد يشكل خطراً على الصحة في مجلة راديولوجي نوفمبر 2004م.
• التدخين يكلّف مالاً ، في نشرة مراقبة التبغ ، في ديسمبر 2004م.
• الذاكرة والتركيز يضعفان بالتقدم في السن ، مجلة علم النفس التجريبي ، مايو 2005م.
• استهلاك مزيج من الكحول والمخدرات يضر بالدماغ ، مجلة نورولوجي ، يونيو 2000م.
• الأشياء البعيدة تصعب رؤيتها ، في نشرة بسيكونوميك ريفيو ، فبراير 2005م.
وقد أجرت المجلة اتصالات بالعلماء القائمين بهذه الأبحاث وسألتهم لماذا تكبدتم هذا العناء؟ . فكل أولاد العالم يعرفون أن كبار السن تضعف ذاكرتهم، وأن ابتلاع أي جسم معدني أمر خطير فكيف الحال بابتلاع أكثر من مغناطيس واحد؟ وهل يحتاج العاقل الذي يعرف أن الكحول والمخدرات من السموم إلى عالم من جامعة جون هوبكنز ليقتنع بأن استهلاك السُمَّين دفعة واحدة أمر خطير؟
تفاوتت إجابات أصحاب هذه الأبحاث ما بين القول إن العلم لا يكتفي بالملاحظة بل يستوجب توافر الأرقام والمقاييس الدقيقة، وأن التكرار يرفع مستوى الوعي، وأن اكتشاف أثر الكحول والمخدرات على مناطق معينة في الدماغ يساعد على وضع العلاج اللازم وما إلى ذلك.
ولكن المؤكد من كل ذلك هو أن هناك إشباعاً يصل إلى حد التخمة فيما يتعلق بتمويل الأبحاث العلمية في أمريكا. فنرى البعض ينصرف إلى توكيد ما يعرفه الجميع وكأن البحث صار مجرد مشروع لصرف المخصصات أو الفائض منها. وعليه، يمكننا أن نطمئن إلى أن أصحاب الأبحاث الجدية في كل مجالات المعرفة بدءاً بعلم الفيروسات وانتهاءً بعلم الفلك، ينعمون بكل المخصصات المالية التي يحتاجونها، ولا أمنيات عندهم إلا النجاح وتحقيق الاكتشاف هنا أو إنجاز الاختراع هناك.
ألا يغيظ كل هذا القارئ العربي؟