قصة مبتكر
قصة ابتكار
جورج فريس
آلة البيع
تكاد سيرة المبتكر جورج واشنطن فريس أن تلخص سِيَر جيل كامل من المبتكرين الذين عاشوا في القرن التاسع عشر: طفولة متواضعة جداً, وطموح كبير, وعزيمة لا تلين أمام المصاعب.. غير أنه يختلف عن البعض في أنه أضاع فرصة الاستفادة من ابتكاره, فلم يحصد منه غير خلود اسمه. ولد جورج فريس في جاليسبورغ بأمريكا عام 1859م, من أب مزارع, وعندما كان في الخامسة من عمره انتقل مع ذويه إلى نيفادا, حيث أمضى السنوات التسع اللاحقة في مساعدة أبيه في أعمال المزرعة. وفي العام 1873م, انتقل فريس إلى إحدى مدارس كاليفورنيا, ومنها إلى معهد رينسلر للتكنولوجيا في نيويورك, ليتخرج مهندساً في العام 1881م. عمل المهندس الشاب في الهندسة المدنية بمدينة بيتسبورج, حيث تخصص ببناء الهياكل الفولاذية للجسور والأنفاق. ومن ثم أنشأ شركة تحمل اسمه وتُعنى بدراسة المواد المعدنية اللازمة لبناء الجسور والسكك الحديدية ومراقبتها. في العام 1893م, كان فريس في الثالثة والثلاثين من عمره, عندما أقيم معرض كولومبيا العالمي في شيكاغو. وطلب القائمون عليه من المهندسين الأمريكيين التقدم بمقترحات لابتكار قطعة تكون علماً للمعرض. كان فريس آنذاك مشدوهاً ببرج إيفل الفرنسي الذي كان تحفة المعرض العالمي الذي أقيم في باريس قبل أربع سنوات فقط (1889م). ولهذا، تقدَّم خلال الإعداد لهذا المعرض الأمريكي بمخطط لدولاب معدني يحمل عربات ضخمة. فكانت النتيجة الرفض القاطع وطرده من المنافسة كما لو كان شخصاً مجنوناً. والسبب أن مثل هذا الدولاب كان معروفاً منذ ما قبل ربع قرن, ولكنه كان من الخشب وبمقاييس معقولة, أما دولاب فريس فبدا بمقاييسه وهيكله الفولاذي غير قابل للتطبيق. ولكن المبتكر لم ييأس. فبعد بضعة أسابيع, عاد فريس إلى اللجنة نفسها التي طردته سابقاً, ولكنه كان هذه المرة مصحوباً بمهندسين يؤيدون فكرته, ومستثمر مغامر مستعد لتحمل كل التكاليف اللازمة. فرضخت اللجنة, وبدأ فريس العمل على نقل مشروعه من الورق إلى أرض الواقع. ارتفع الدولاب 80 متراً, وحمل 36 عربة على شكل باص مدرسي، ويستوعب 40 شخصاً جالساً, أو 60 واقفاً, ويعمل هذا الدولاب بمحرك بخاري تبلغ قوته ألف حصان، ويتوقف عن العمل بواسطة مكابح هوائية. وبالفعل ,كان دولاب فريس تحفة معرض شيكاغو في عام 1893م, تماماً كما كان برج إيفل في معرض باريس. فقد زاره مليون ونصف مليون شخص. ودفع كل زائر نصف دولار ليركب دولاب الملاهي هذا المرة عشرين دقيقة. ولكن فريس واجه مالم يكن في الحسبان. فأصحاب المنتجع الذي أقيم على أرضه المعرض, سرقوا فكرته وصنَّعوها بأنفسهم, كما أن القائمين على المعرض سرقوا حقوقه وحقوق المستثمر البالغة 7.5 ملايين دولار! قضى فريس السنتين التاليتين في أروقة المحاكم يحاول استرداد حقوقه, ولكنه توفي قبل أن يتحقق له ذلك في عام 1896م, بعد إصابته بحمى التيفوئيد وقصور في وظائف الكلى. ولم يترك خلفه غير البسمات والضحكات على وجوه أطفال العالم وهم يستمتعون بركوب دولاب الملاهي حتى اليوم.
آلة البيع التي تبتلع قطعة نقدية لتعطي صاحبها سلعة محددة بكبسة زر واحدة, ابتكار قديم جداً، غير أنه تطور وراج عالمياً بدءاً من أواخر القرن التاسع عشر. إذ يروي المؤرخون أن عالم رياضيات يونانياً يعرف باسم هيرو الإسكندراني ابتكر آلة لبيع المياه في المعابد الوثنية الفرعونية في مصر. وبعد ذلك انقطعت أخبار هذا الابتكار حتى القرن التاسع عشر. ففي العام 1880م, ظهر أول إعلان في لندن لآلة تبيع البطاقات البريدية, وتعمل بواسطة القطع النقدية المعدنية. ومن هذه الآلة استوحى البريطاني ريتشارد كارلايل، الذي كان يعمل ناشراً وصاحب مكتبة, فكرة ابتكار آلة تبيع الكتب. فابتكر آلة تعرض 6 كتب مختلفة للبيع الآلي, وهي أم الآلة التي راجت في وقت لاحق لبيع المجلات والجرائد. وفي عام 1888م, وصل هذا الابتكار إلى أمريكا. ولكن أشهر تطبيقاته هناك, كانت أولاً آلة بيع العلكة التي صممتها شركة توماس آدمز للعلكة, ومن ثم أضيفت إليها الألعاب لتحفيز المستهلكين على شراء العلكة, وذلك عام 1897م. مع حلول القرن العشرين، شهد هذا الابتكار تقدماً كبيراً, عندما ابتكر الأمريكيان جوزف هورن وبول هاردارت عام 1902م آلة سمياها المطعم الآلي, وهو عبارة عن آلة تضم في جهتها الخلفية مطعماً لتحضير وجبات الطعام, وأمامها مقاعد يتناول عليها الزبائن أطباقهم المختارة, وقد انتشرت هذه المطاعم الآلية انتشاراً واسعاً في حقبة الركود الاقتصادي. وشيئاً فشيئاً, صارت هذه الآلات التي تغني عن البائعين ورواتبهم تعرض كل شيء بدءاً بطوابع البريد وصولاً إلى السجائر والحلويات. وما إن حل العام 1920م, حتى كانت المشروبات الغازية هي الأكثر مبيعاً من طريق هذه الآلات. وفي منتصف القرن العشرين انتشرت المصانع التي تصنِّع هذه الآلات أينما كان في العالم. واستوحت من الابتكار الأساسي جملة مبتكرات مشابهة تقدم أنواعاً مختلفة من الخدمات, لا السلع المختلفة فقط. إذ صُنعت آلات حلاقة الذقن, وأخرى لقياس ضغط الدم, ومسح الأحذية وما إلى ذلك. أما الرواج الأكبر لهذه الآلات على الصعيد العالمي, فقد كان في اليابان، حيث توافرت العناصر الضرورية لهذا الرواج، وهي: كثرة المستهلكين, وارتفاع أجور الباعة, وحسن السلوك الاجتماعي الذي يضمن سلامة هذه الآلات غير المحروسة من السرقة والتخريب. ولذا تنوعت السلع في آلات البيع اليابانية تنوعاً لا مثيل له، لتشمل الوجبات الخفيفة، والأطعمة المقلية, والخضراوات, والأزهار, والألعاب، وحتى.. المجوهرات.