ما القاسم المشترك الذي يجمع كلاً من ملفات الصوت إم بي 3 (MP3)، واللغة، والإنترنت، والثقوب السوداء؟
لكي نستطيع الإجابة عن هذا السؤال يلزمنا التعرف على إحدى أكثر النظريات أهمية في عصرنا الحديث، التي صاغت بدورها معالم العالم الرقمي الذي نعيش فيه الآن.
عُرضت نظرية المعلوماتية Information Theory عام 1948 في ورقة بحثية بعنوان “نظرية رياضية في الاتصال”، من قبل العالم والرياضي الأمريكي كلود شانون. وكانت هذه النظرية البسيطة حجر الأساس لأهم فروع الرياضيات التطبيقية، إذ فتحت آفاقاً جديدة في مجالات عديدة لا حصر لها كالفيزياء، والبرمجة، وحتى اللسانيات.
آنذاك، كانت تقنيات الاتصال تواجه تحديات صعبة في عملية نقل المعلومة عبر المساحات الشاسعة والمتباعدة. إذ إن السبل التقليدية في نقلها كانت تصطدم بحدود فيزيائية تمنعها من الوصول بشكل واضح، فضلاً عن عدم وجود وحدة معيارية لقياس قيمة “المعلومة” على نحو عالمي يسري على كل أنواع المعلومات التي تدركها حواسنا وبمختلف اللغات.
لنستعرض مثلاً نظام اتصال “بدائي” كالتلغراف، ولنفترض أن جندياً (المصدر) يريد أن يرسل رسالة استغاثة “النجدة!” إلى قياداته (المُستقبِل) في دولة أخرى. كل ما كان على الجندي فعله هو ترميز رسالته (استبدال الأحرف برموز بسيطة) ثم بعثها عن طريق التلغراف (القناة) إلى الطرف الآخر الذي تكون وظيفته فك الرمز وقراءة الرسالة. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، إذ يجب على الرسالة أن تمر بمحطات تضخيم تقوم بتقوية الإشارة فيها. لكن المشكلة كانت في أن محطات التضخيم هذه لا تفرق بين الرسالة وبين الضجيج المصاحب لها، فتقوم بتقويتهما معاً، مما يصعب عملية وصول الرسالة للمستقبل بشكل دقيق. كأن يصل للقيادة رمز “AS” الذي يعني “انتظر” أو ربما “SNJ” الذي لا يعني شيئاً، بدلاً عن الرمز الأصلي الصحيح “SOS” والخاص بكلمة “النجدة!”.
ابتكر شانون آلية فريدة من نوعها في نقل البيانات عن طريق تقسيمها إلى وحدات صغيرة رئيسة يمكن تخزينها ونقلها بسهولة، وأطلق على أحدها اسم “البتّ” Bit، يمكننا أن نعبّر به عن أية معلومة بمزيج من القيم الثنائية (آحاد وأصفار) ونقلها في حِزم عبر المسافات المختلفة. أما فيما يتعلق بمحطات التضخيم، فاستبدلها شانون بمحطات تقوم بقراءة الرمز والتحقق من صحته، قبل إرساله إلى النقطة التالية في الطريق إلى المستقبل النهائي، وهي بنية شبكات الإنترنت كما نعرفها اليوم.
مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
يناير - فبراير | 2018
نظرية..المعلوماتية
راكان المسعودي
مقالات ذات صلة
في عام 2077م، شهد معظم سكان أوروبا كرة نارية تتحرك في عرض السماء، ثم سقطت كتلة تُقدّر بألف طن من الصخور والمعادن بسرعة خمسين كيلومترًا في الثانية على الأرض في منطقة تقع شمال إيطاليا. وفي بضع لحظات من التوهج دُمرت مدن كاملة، وغرقت آخر أمجاد فينيسيا في أعماق البحار.
نظرية التعلم التعاضدي هي: منهج تتعلم عبره مجموعة من الأفراد بعضهم من البعض الآخر من خلال العمل معًا، والتفاعل لحل مشكلة، أو إكمال مهمة، أو إنشاء منتج، أو مشاركة تفكير الآخرين. تختلف هذه الطريقة عن التعلم التعاوني التقليدي، فبين كلمتي تعاون وتعاضد اختلاف لغوي بسيط، لكنه يصبح مهمًا عند ارتباطه بطرق التعليم. فالتعلم التعاوني التقليدي […]
حتى وقتٍ قريب، كان العلماء مجمعين على أن الثقافة هي سمةٌ فريدةٌ للبشر. لكن الأبحاث العلميّة التي أجريت على الحيوانات، منذ منتصف القرن العشرين، كشفت عن عددٍ كبيرٍ من الأمثلة على انتشار الثقافة لدى أغلب الحيوانات. وعلى الرغم من الغموض الذي يلفّ تعبير الثقافة، حسب وصف موسوعة جامعة ستانفورد الفلسفيّة، هناك شبه إجماعٍ بين العلماء […]
اترك تعليقاً