لطالما جذبتني الهالة الغامضة، تلك التي لا تتحيَّن فرصةً للظهور ولا ترد علينا التحايا ونحن نلقيها بحرارةٍ وإعجابٍ شديدين. الهالة تُحيط بشخصٍ لم يصادف الموتَ وعاش حياةً كاملةً وعظيمةً إلى حدٍّ بعيد، وقد تحيط ببناءٍ فشل الوقتُ في إحداثِ ضررٍ يتجاوزُ شروخاً سطحيةً وشيئاً من الرجفة المصاحبةِ للريح. هذه القصيدة على مفترق الطرق من الوحدة. للجبالِ كلمة.
ثقةُ الحجارةِ بالجبالِ
بأنها صوتٌ يُحرِّرُها من السجنِ السحيقِ لوطأةِ الإنسانِ
تعبدُ فكّها العملاقَ، قاهرَ جوقةِ الزلزالِ بالصمتِ الحكيمِ المُتَّئدْ
“يا ليتني جبلٌ”، تقولُ حصاةْ
“حتّى أوشوشَ للغيومِ عن التوقُّفِ ساعةً
لأخيفَها، ويكونَ حبٌ أو غضبْ
يا ليتني جبلٌ لتبتكرَ الشفاهْ
أنشودةَ الرعدِ البطيئةَ
وهْيَ – في إثري – ستبتكرُ المياهْ”
*
جدٌّ تُقيّدُهُ الخُرافَةُ
ضاعَ آباءٌ بظرفٍ غامضٍ
تتساءلُ النُّطَفُ الشَّريدةُ
تشرئبُّ إلى العظيمِ
ذوتْ محاجِرُها، تشكّلتِ الكهوفُ
تأوّدتْ خوفًا من المجهولِ
والسفحُ اعترافٌ هائلٌ بالقشعريرةِ
والندى عَرَقٌ يسيلُ على الصلابةِ
لا سؤالَ
علائمُ استفهامِها ملحٌ تعرّجَ هابطًا
*
جبال:
خُلِقنا فُرادى
نلثمُ البدرَ وحدَنا
ونَعوي على خدّيهِ
نحن ذئابُ
إذا ربّتتْ وَطفاءُ فوق رؤوسِنا
نقولُ: “خذينا، فالجبالُ ضبابُ”
خُلقنا وقوفًا
غير أن جلوسنا مُخيِّلةٌ
والحلمُ فيه صِحابُ
تسامرتِ الأغرابُ عند سفوحِنا
عرفناهُمُ بالنارِ وهْي خِطابُ
فهل تتساوى قبضةٌ من حميمِهِمْ
وقبضتُنا في الجوفِ وهْوَ يُذابُ؟
أضاعَ لنا جيلٌ من الصخرِ صوتَنا
عزاءاتُنا في الريحِ
أنتِ ربابُ
ولكنّنا قومٌ جلامِدُ
صاخبٌ توجُّعُنا
والصامتونَ سَرابُ
دعونا نزمجرْ
فالبراكينُ إرثُنا
هي الرحِمُ المهجورُ
حان إيابُ
*
صفعتْ حصاةٌ أختَها
كي تستفيقَ من الطفولةِ
“يصمتُ الجبلُ العظيمُ تألُّهًا
فدعي الخوارقَ للقصيدةِ واخرسي”
*
جبلٌ ويُفتأدُ
جبلٌ ويتّقدُ
“والعزفُ مُنفَرِدُ”
أبوظبي
12 إبريل 2020
كادر:
الشاعر
• محمد أحمد الخالدي، شاعر إماراتي من الفجيرة، مواليد عام 1991م.
• حاصل على شهادة البكالوريوس في الطب والجراحة من جامعة الإمارات العربية المتحدة، عام 2015م.
• طبيب مقيم في تخصص الطب النفسي، ومهتم بطب النفس الجنائي.
• يكتب الشعر منذ عقد من الزمان.
• له مجموعة شعرية بعنوان “تحديق”، صدرت عن دار الرافدين، بيروت، 2019م.
اترك تعليقاً