رسالة رحلتي
تأليف: د. عبد الرب إدريس
الناشر: هيئة الأدب والنشر والترجمة السعودية، 2023م
“لما كانت الأغنية اليمنية تمثل جزءًا هامًا من التراث اليمني الحضاري، ولما كانت الأغنية قد تعرضت لما تعرض له اليمن من ظروف ومتغيرات أدت إلى طمس معالمها وجهل أصولها ومنابعها، كان حتمًا وقد تغيّرت الظروف وتطورت الحياة أن تمتد يد البحث العلمي للتنقيب في تلك الحضارة وهذا التراث، لتكشف جوانبه وتزيل عنه ما انتابه من عوامل ومؤثرات أعاقت كشفه وأوقفت مسيرته”.
بهذا الاستهلال التمهيدي يدخل الموسيقار والفنان السعودي الدكتور عبد الرب إدريس (المولود في يوليو 1946م)، كتابه الأكاديمي “رسالة رحلتي” المحلق في فضاء الأغنية اليمنية بشقيها “الحضرمي” و”الصنعاني” وعبر ثلاثة أبواب احتوت ستة فصول بواقع فصلين لكل باب.
يضم هذا الكتاب البحثي، الذي أُنجز بإشراف هيئة الأدب والنشر والترجمة السعودية، مادة معرفية علمية حول خصوصيات الأغنية اليمنية: أصولها وجذورها التاريخية، والأشكال والأنواع والمقامات الإيقاعية المفتوحة على التعدد والتنوع الذي تميزت به الأغنية اليمنية، الصنعانية منها والحضرمية، والشروحات التفصيلية للآلات الموسيقية المستخدمة فيها، مثل العود ذي الأوتار الأربعة، وآلات الإيقاع المختلفة، والخصائص الصوتية الفيزيائية للمقامات المختلفة التي يغنيها اليمنيون، مع تدوين لدرجاتها والمسافات بين هذه الدرجات. وقد أهدى الباحث عبدالرب إدريس الكتاب، كما ذكر في مقدمته، إلى وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، مرجعًا إليه فضل الدعم والتشجيع على إخراج هذه الرسالة العلمية إلى النور.
ومن خلال السير، قراءةً، مع جريان نهر الوجدان اليمني المنساب بين دفتي الكتاب، تتجلى للقارئ في سيرة الباحث والموسيقار عبد الرب الدريس قدراته في اللغة الأدبية والفنية والتحليلية، حيث استعرض علاقة الغناء بالشعر وأنواع الشعر الغنائي اليمني. كما أورد معلومات مختصرة عن بعض المغنّين اليمنيين البارزين أطلق عليهم: الحفظة الأمناء، الذين نقلوا التراث الموسيقي القديم إلى الأجيال الحديثة من خلال التسجيلات الصوتية والتلقي الشفهي، ومن بينهم الحفظة الباقون على قيد الحياة الذين عاشوا عصر التسجيل والشريط والفيديو.
في هذا العمل المعرفي والأكاديمي، يعيد إدريس تقديم جغرافية الأغنية اليمنية، ويعرّف القارئ على تنوعها الفني والإيقاعي والشعري والعروضي. ويقدم إدريس صورة شاملة للغناء اليمني، القديم والحديث، من الناحيتين العلمية والتاريخية.
يجمع هذا الكتاب بين الفضاء المذكراتي والدراسة الأكاديمية. فعنوان “رسالة رحلتي” يحيل العقل إلى معاني السرد المسترسل للتجربة الفنية الذاتية، حيث يروي عبد الرب إدريس تجربته الفنية وعلاقته بالموسيقى. أما المحتوى فهو دراسة أكاديمية تتناول الأغنية اليمنية في القرن العشرين من منظور علمي وتحليلي. وقد حصل إدريس على درجة الدكتوراه في الموسيقى من جامعة حلوان في القاهرة بناءً على هذه الدراسة.
البيانات الضخمة.. مقدمة قصيرة جدًا
تأليف: دون إي هولمز
ترجمة: أحمد عبدالمنعم
الناشر: هنداوي، 2023م
توضح الباحثة المتخصصة في الإحصاء التطبيقي بجامعة كاليفورنيا، دون إي هولمز، أن كتابها “البيانات الضخمة” يُعد مقدمة إلى آلية عمل هذه البيانات وكيفية تغييرها للعالم من حولنا وتأثيرها في الحياة اليومية وفي عالم الأعمال. وبهذا المعنى لا يُعتبر هذا العمل كتابًا دراسيًا متخصصًا في مجال الرياضيات لا يصلح إلا لطلاب الدراسات العليا، ولا عملًا مختزلًا لا يقدم تفسيرات واضحة عن هذا المجال الذي يشهد “انفجارًا” غير مسبوق من حيث الكم والكيف.
ينقسم الكتاب الذي صدر ضمن سلسلة “مقدمات قصيرة جدًا” التي تنشرها جامعة أكسفورد إلى ثمانية فصول تناقش ظاهرة انفجار البيانات وطرائق تخزينها وإدارتها وتحليلها، كما ترصد العلاقة بين البيانات الضخمة والطب وتستعرض تطبيقاتها في هذا المجال، وكذلك تحلل استخداماتها في ميدان الممارسات التجارية وعلاقتها بالمجتمع بشكل أعم. وتتناول أيضًا بعض مشكلات الأمان التي تحيط بالبيانات الضخمة وأهمية التشفير للحد من سرقتها وتسريبها، وتشرح كيف صارت جرائم الإنترنت من المشكلات المهمة التي يجب على البيانات الضخمة حلها. كما يبحث الكتاب في مفاهيم ترتبط بالبيانات الضخمة مثل المنازل الذكية والمدن الذكية المستقبلية.
وفي سعيها لوضع تعريف محدد لمصطلح “انفجار البيانات”، تصنف المؤلفة البيانات الرقمية التي تُستخرج من شبكة الويب إلى بيانات هيكلية، أو غير هيكلية، أو شبه هيكلية. وتوضح أن البيانات الهيكلية، المكتوبة يدويًا والمحفوظة في دفاتر الملفات أو خزانتها إلكترونيًّا، تُخزن في قواعد بيانات تتكون من جداول منسقة تتضمن صفوفًا وأعمدة، فكل صف يمثل سجلًا وكل عمود يمثل حقلًا محددًا مثل الاسم والعنوان أو السن. وتُستخدم هذه البيانات، على سبيل المثال، لتوفير المعلومات اللازمة لطلب سلعة ما عبر الإنترنت، وهي بيانات من السهل نسبيًا إدارتها، وتكون قابلة للتحليل الإحصائي. أما البيانات غير الهيكلية، فهي على النقيض، يصعب تصنيفها، وتحتوي على صور ومقاطع فيديو وتغريدات ومستندات معالجة النصوص. وتوجد البيانات شبه الهيكلية في مواقع شبكات التواصل الاجتماعي التي تستخدم الوسوم لتحديد الرسائل عن موضوع بعينه.
واستنادًا إلى هذا التمييز، تقول “هولمز” إن مصطلح انفجار البيانات يشير إلى هذه الأنواع الثلاثة من البيانات التي تُنتج كل دقيقة، لذا فإن مفهوم “البيانات الضخمة” لم يعد يُستخدم حاليًا للإشارة إلى إجمالي كمية البيانات الناتجة والمخزنة إلكترونيًّا فحسب، بل أصبح يشير أيضًا إلى مجموعة البيانات الكبيرة من حيث الحجم والتعقيد، التي تتطلب أساليب خوارزمية جديدة لاستخراج معلومات ذات فائدة منها.
وتؤكد المؤلفة في ختام كتابها أن البيانات التي ينتجها العالم ستزداد أكثر فأكثر، وأن أساليب التعامل معها بفاعلية وبطريقة مُجدية ستظل موضوعًا للبحث المستمر. فالبيانات الضخمة أحدثت بالفعل تغييرًا جذريًا في الطريقة التي يسير بها العالم، وأصبح الجميع، أفرادًا وعلماء وحكومات، يتحمّل مسؤولية أخلاقية لضمان استخدامها على النحو الصحيح، فكما توضح الكاتبة تظل “البيانات الضخمة قوة، وإمكاناتها للخير هائلة”. أما تجنب إساءة استخدامها، فيبقى “أمرًا متروكًا لنا”.
العقل الطفيلي
تأليف: جاد سعد
ترجمة: د. هناء خليف غني
الناشر: صفحة سبعة، 2023م
يدعو الأكاديمي ومدير كرسي أبحاث العلوم السلوكية التطورية بجامعة كونكورديا الكندية، جاد سعد، في كتابه “العقل الطفيلي” إلى ضرورة التفكير بعقلانية والسعي إلى فهم الحقيقة؛ حتى في أعقد المواقف الحياتية اليومية التي قد تثير ارتباكًا وحيرة في المجتمع الإنساني. ويُطالب قراءه بأهمية التحلي بالشجاعة في التعبير عن آرائهم بواقعية مع الابتعاد عما أسماه “مُسمِّمات الأفكار” التي تدمر، حسب رأيه، فهمنا للواقع والفطرة السليمة، والتي تتسبب في استجابات انفعالية هستيرية تجعل العديد من البشر ينساق وراء أهوائه، فتنتابه مشاعر الاستياء والغضب بشكل مبالغ فيه وغير مبرر، كما هو الحال مع المناضلين من أجل العدالة الاجتماعية في وسائل الإعلام، والأساتذة في الجامعات النشطين في التنظير لما بعد الحداثة بمفاهيمها الغامضة، والنسوية الراديكالية التي لا تلتفت إلى الاختلافات بين الجنسين والنسبية الثقافية؛ إذ يحيد هؤلاء في نهاية المطاف عن جادة الصواب.
يشير المؤلف إلى أن المشكلات تنشأ عندما يُطبّق نظام خاطئ على موقف ما، مبيّنًا أنه ليس هناك ضرورة لخلق نوع من التوتر الدائم بين ملكة الإدراك والعواطف التي تخصنا كبشر. ويؤكد من خلال مضمون كتابه، الذي ينقسم إلى ثمانية فصول، أن الالتزام بحرية التعبير، والمنهج العلمي، والتنوع الفكري، والأخلاقيات والكرامة الفردية “تمثل جميعًا عناصر غير قابلة للتفاوض عليها في المجتمع المتنور حقًّا”؛ لذلك فهو يسعى بعمله إلى إضفاء إحساس متجدد بالتفاؤل، فوفقًا له “لم يفت الأوان بعد للإمساك بطرف حبل العقل، والعودة إلى رحاب الضوء الدافئ للمنطق والعلم”.
ويحثّ الكاتب الأفراد على تبني نمط واعٍ من الإدراك والتبصر ضد فئة من الأفكار السيئة التي تهمين على حياتهم، والسعي بلا كلل نحو الحقيقة التي لا بد أن تكون أخلاقية، والتي لا ينبغي التضحية بها على مذبح أي قضية يتراءى لأصحابها أنها نبيلة. ويناقش الكاتب، من خلال أمثلة توضيحية، أحد أنواع اضطراب التفكير المرضي، وهو “متلازمة النعامة الطفيلية”. تُجرد هذه المتلازمة الناس من قدرتهم على التمييز بين الحقيقة والزيف، فتجعلهم ينكرون الحقائق الجلية. بل إنهم يلجؤون إلى خداع أنفسهم من خلال مجموعة من الإستراتيجيات التي تجعلهم يَحتَمون من الواقع ويصرّون على مواقفهم. ونتيجة لذلك، يصبحون مثل “المتفرج الخامل” العاجز عن التفكير بموضوعية.
ويُلِحّ، في هذا السياق، على أهمية التخلي عن هذا السلوك، ولا يعني ذلك أن يتجاوز المرء حدود التهذيب، ولكن المقصود أن يتحدى كل ما يقترحه الآخرون عليه من أشياء تبدو خاطئة له.
ولعل من أبرز ما يميز المنهج الذي تبناه جاد سعد في كتابه إدراكه الخاص بعدم إمكانية تعميمه على قضايا مجتمعية أخرى مهمة؛ لذا يعلّق على مجموعة من الانتقادات التي توجه له بشكل خاص لتصديه لعقليات “المُحاربين” من أجل القضايا ذات النزعة الإنسانية، بالإشارة إلى ما يواجه نوعًا مُحدّدًا من فيروسات العقل وطفيلياته؛ “لذلك لن يكون بوسعه التصدي لكافة القضايا الراهنة بالقدر نفسه من الحماس والاندفاع”.
علم الحياة الكمومي
تأليف: فياض محمد شريف
الناشر: هنداوي، 2023م
لا يتوجه كتاب “علم الحياة الكمومي”، وفقًا لمؤلفه الأكاديمي العراقي فياض محمد شريف، إلى الباحثين والطلاب في كليات العلوم والكليات الطبية والهندسية فقط، لكنه يخاطب كذلك عامة القراء “الذين يتوقون إلى معرفة كيف تتشكل الأشياء من الفوضى، وماذا تعني الحياة، وكيف نشأت الأرض، وكيف تعمل الظواهر الحياتية، وكيف يتكون الوعي الذي نعرف به كل ذلك”.
يدرُس “علم الحياة الكمومي”، كما في كلمة الناشر، الظواهر الحيوية مثل التمثيل الضوئي في النباتات، والرؤية عند الحيوان وشعور بعضها مع الطيور بالمجال المغناطيسي للأرض، كما أن له عديدًا من التطبيقات المستقبلية المتوقعة في مجال الطب وتحسين حياة البشر.
في مقدمة كتابه، يؤكد المؤلف أن تطور علوم الحياة، التي تدرس الكائنات الحية في تفاعلاتها المستمرة مع المواد غير الحية، ارتبط ارتباطًا وثيقًا بتطور مجموعة من العلوم الطبيعية مثل الفيزياء والكيمياء وعلم الأرض، بالإضافة إلى الرياضيات التي وفرت الوسائل لضبط القياس وصارت اللغة الدقيقة للعلوم من خلال قدرتها على التعبير التجريدي للعلاقة بين المتغيرات.
ينقسم الكتاب إلى ستة عشر فصلًا تناقش كافة المفاهيم المرتبطة بعلم الحياة الكمومي، الذي يُعنى بالمستوى الذري ودون الذري في المواد، تبدأ بمدخل شامل عن عمل الطبيعة وكيف تنتظم جميع الأشياء في الكون في منظومات متصاعدة التعقيد، مختلفة لكنها مترابطة في الوقت نفسه. ثم يناقش الكتاب نشأة هذا العلم الجديد نسبيًّا، ودوره في تعميق فهم الظواهر البيولوجية، وإبراز الخصوصية المميزة للكائنات الحية وعلاقته بالعلوم الأخرى، وكيف أنه يقدم نموذجًا مختلفًا من شأنه المساهمة في فهم تقنيات البحث العلمي وتطويرها في علوم الحياة وفي الفيزياء والكيمياء وغيرها من الميادين العلمية شديدة التخصص.
وفي إطار سعيه للتعريف بعلم الحياة الكمومي، يوضح الكاتب عبر استخدام لغة موجزة وسلسة أساسيات علم الحياة بمعناه الأشمل، وتتضمن تركيب المادة والعناصر الطبيعية والتفاعلات الكيميائية وتركيب الخلية وانقسامها وتكاثرها من خلال فهم آليات عمل الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (DNA) الذي يحتوي على المعلومات الوراثية داخل خلايا جسم الإنسان. كما يستعرض دور ميكانيكا الكم، التي تدرس المواد وهي في حالتها الجسيمية أو الذرية أو الجزيئية، وهي الحالات التي لا يمكن تحسسها كما نفعل مع الأجسام الكبيرة في الفيزياء التقليدية، فيبيّن أن لميكانيكا الكم دورًا في نشوء الطفرات في جزيئات هذا الحمض. ويناقش أيضًا مسألة الوعي في الإنسان والكائنات الحية، ويشير في هذا الصدد إلى أن “بذرة” الوعي نبعَت من الذرة، وكبرَت عبر الجُزيئات وتعقدَت وتنوعَت مع الأحياء البدائية، لتتطور بتصاعُد في الأحياء المعقدة وصولًا إلى الحيوان، وبلغَت قمتها في الإنسان حيث نتجَت عنها أنماطٌ غاية في التعقيد.
كما يشرح الكتاب مسألة نشوء الحياة على الأرض وكيف طوَّرَت الأحياء على مدى ملايين السنين جُزيئات وتراكيبَ جزيئيةً معقدة، تتمكن من استغلال الطاقة بكافة مستوياتها، وكذلك المواد وتحويلها لتحقيق أقصى استفادة منها عبر عمليات فيزيائية كيميائية شديدة التنوع.
اترك تعليقاً