مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
2023

بداية كلام

القراءة.. طقوسٌ وشغف


فريق القافلة

احتلت المملكة المركز الحادي عشر في القراءة على مستوى العالم حسب نتائج استطلاع ظهر عند بداية العام 2023م، أجرته صحيفة “إندبندنت” البريطانية وشركة “ستاتيستا” الألمانية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين. ويعكس هذا الأمر حراكًا ثقافيًّا كبيرًا، وانتعاشًا لسوق النشر.
وراء الإحصاءات وأعداد القراء ومعدلات القراءة هناك تفاصيل مهمة واختلافات مثيرة للفضول بين قارئ وآخر. فكلّ القرّاء لديه وقت ومكان يفضل القراءة فيهما، ولديه طقوسه أثناء القراءة، كما تتنوّع تفضيلات كل قارئ ما بين أشكال الكتاب، فمن الورقي إلى الإلكتروني إلى الكتب الصوتية المسموعة. وهذا ما نستطلعه هنا مع عدد من الشغوفين بالقراءة.

يمنى العمري – الظهران

الملاذ الأخير
لطالما كانت القراءة ملاذي الأخير.. في نهاية يومٍ مضنٍ، أنتظر أن ينام أبنائي لأختلس نفسي إلى صالة الجلوس، وأستغرق في قراءة كتبي التي كثيرًا ما تغنيني عن مشاهدة مسلسل تلفزيوني أو فِلم جديد. مع أني وللأسف الشديد، كدت أن أفقد شغفي في القراءة المتواصلة، في ظل الملهيات التقنية وتعدد وسائل التواصل الاجتماعي ومشكلة فقدان الاهتمام، حتى استطعت لاحقًا تدارك ما فاتني، ونجحت في إلزام نفسي بأن أنهي 5 صفحات على الأقل من كتابي كل ليلة.

ولأن القراءة ممارسة خاصة وطقس مرتبط بالهدوء، فأنا أفضل القراءة المسائية من دون أي مشتتات (لا موسيقى ولا تلفاز ولا جوال). أقرأ وأدوّن ملاحظاتي وأكتب بعض الاقتباسات لأعود إليها بين الحين والآخر. وداخل الكتاب، أكتب اسمي والمكان الذي اشتريته منه وتاريخ اليوم في أول صفحة، وفي آخر صفحة أضع تاريخ ومكان الانتهاء من الكتاب، متبوعًا برأيي وانطباعي الشخصي عنه وأبرز ما استفدت منه.

أفضل قراءة الكتب الورقية، ليس لأني أحب رائحة الورق وحسب، بل لأني أشعر أن امتلاك الكتب بشكل ملموس هو شعور استحقاق يسعدني كثيرًا. أعشق كتبي ولا أعيرها لأحد، كما أني لا أفضّل اقتراح أية عناوين محددة للآخرين، لأني أقدّر أن لكل قارئ اهتمامه الخاص وأحترم ذائقة الجميع، وأجد أن لكل شخص رحلته الخاصة والمختلفة في قراءة الكتاب ذاته.


صالح الشايع – الأحساء

شغف الإحساس بالورق
بعد أن أنتهي من مشاغل الحياة العملية، والاجتماعية، والأسرية، وفي نهاية كل يوم، أفوّض أمري لكتاب ما. قد يستغرق مني أحيانًا ما بين ساعتين إلى ثلاث ساعات، وربما أنهمك في القراءة حتى بزوغ الفجر في أحيان أخرى. اختياري هذا الوقت للقراءة بالتحديد مهم جدًا؛ لأنه يمثّل أول أوقات العزلة التي أنشدها كقارئ متصوّف.

لا يزال إيجاد المكان الملائم للقراءة يشكل لديّ العائق الأوحد، حيث إن الهروب والعزلة للقراءة مكلف نفسيًا. غرفة نومي هي المكان الأول الذي أهرب إليه، وإن استعصى ذلك، فالخروج من البيت إلى أبعد مكان أجد فيه نفسي منعزلًا. فالمكان هو مرحلة ثانية من مراحل العزلة. انفعالاتي أثناء القراءة وهذياني يجعلني أرغب كثيرًا بأن أكون بعيدًا عن الأنظار، حيث الشغف في البحث والتعلم والتعلق بالحياة.
روح المؤلف وصدى المعاني والكلمات تتجسد لي أثناء القراءة في حوار ممتد وبكل الحواس. لا أحاول أن أشرك معها شيئًا آخر. حالة من الهيجان تنتابني حينما أبحث عن كتاب ما ولا أجده ميسرًا للحصول عليه. ما زلت كقارئ عتيق أجد نفسي ملتزمًا ومتعلقًا بالورق، أبحث عنه قدر المستطاع، وإن عجزت عن تحصيله ألجأ إلى الكتاب الإلكتروني. إحساسي بالورق نوع من الشغف، لدرجة أني أمارس معه نوعًا من الطقوس، فأنا أشمّ رائحة كلّ كتاب أقرأه قبل كل قراءة وبعدها.


وائل السقّاف – الرياض

كبُرتُ.. وكبُرتْ اختياراتي
سألني صديقي مرة: ما الشيء الذي كلما أخذت منه ازداد اتساعًا؟
فأجبته ببداهة: الحُفرة.
نظر إليّ وقال: بل الكتاب!
كم كان حريًّا بي أن أفطن لمثل هذا الجواب، وأنا من اعتدت القراءة منذ سن مبكرة من عمري، بداية بـ “المغامرون الخمسة” وروايات أجاثا كريستي.

كنت أقرأ قبل نومي، حيث يخفت الضجيج اليومي وتقلّ مصادر التشتيت. ثم كبرت وكبرتْ معي اختياراتي: سلسلة مصطفى محمود، مرورًا بمرويات أنيس منصور، وصولًا إلى عبقريات العقاد.

مع دخولي معترك الحياة المهنية، بتُّ أقرأ في تطوير الذات والإبداع وفن القيادة وطرق وأساليب الإدارة. أما وقد بلغت الأربعين، فقد اتجهت نحو أدب الشعوب والغوص في ثقافاتها. وما زلت أبحث عن الوقت والمكان اللذين تتلاشى أو تتضاءل فيهما الملهيات والمشتّتات، فلا أجد غير تنقّلي عبر الطائرة أو القطار، حين تنقطع كل وسائل اتصالي التي تربطني بالعالم الخارجي، إذ يبدو أن لي ذهنًا سريع التشتت، فحتى الاستماع إلى الموسيقى التي أعشقها تشتتني عن الكتاب، فلا أحب أن أسمع منها شيئًا حين القراءة. وطالما أني لا أقرأ إلا بعيدًا عن المشتّتات فبكلّ تأكيد كتابي دائمًا وأبدًا سيكون ورقيًا.

برأيي أن القراءة هي السبيل الوحيد لأي أمة كي تستطيع أن تدفع بعجلة تطوّرها إلى مواكبة التقدم الكبير الذي يشهده ويسير به العالم. 


ظافر الحجري – جدة

اقرأ.. تُبصر!
أقول عادة: من يقرأ كل الوقت.. حتمًا سيبصر كل الوقت. القراءة شيء مُذاب في كل شيء بلا حدود للزمان أو المكان. نحن نقرأ الأشياء، والأشياء تنتظر قراءتنا بفارغ الصبر. لذا لن تجدني مُتصالحًا مع فكرة ما يُسمى بوقت القراءة. وقت القراءة هو من يختارك عادة، ولست أنت من يختاره!

القراءة تتضمن اتجاهين، هكذا أراها، الأول: أنت تقرأ لتُعرَف، والآخر: أنت تقرأ لِتتعرّف. واختيار المكان الذي تقرأ فيه لا بُد أن يحقق هذين الاتجاهين معًا؛ ربما تجد أن وقوفك أو جلوسك على حافة رصيف سيكون موقعًا مؤاتـيًا للقراءة! وربما هناك مواقع تناديك لتكون أشد رفقة مع القراءة.

أما بالنسبة للاستماع إلى الموسيقى وقت القراءة، فأظن الموسيقى نفسها ستكون سعيدة أكثر حين تتداخل مع تفاصيل كتاب ما. أما القراءة فستكون حذرة، لأنها ترغب أن تُقرأ هي بذات مستقلة.

قلت يومًا: ربما القراءة تستقبل وعثاءك وحدك..
الموسيقى ترتب دخولك بشكل أقل شراسة.
هناك مقولات شهية معتادة عن رائحة الكتب ومشاركة حسّك الجسدي بالارتباط بلمس ورق الكتاب. في اعتقادي أن الأمر تجاوز تلك الرومانسيات إلى مرحلة بعيدة، فأنت اليوم تجد من يقرأ لك في كل وقت من دون كلل أو ملل، وذلك من خلال ما يُعرف بالكتب المسموعة. وبحكم أنك لا تحمل معك كتابك في كل حين، ولكن بالتأكيد أنت تحمل هاتفك الذكي معك على الدوام، وهو بدوره من يقوم بحمل جميع كتبك نيابة عنك، سواء أكان بشكل مصوّر (الكتب الإلكترونية)، أو بشكل مسموع.

وأخيرًا..
القراءة: شوكةٌ تنتظر أن نشعر بوخزها.
الكتابة: غيمة تنتظر أن تراها حتى تهطل!


مقالات ذات صلة

هل تتصور أنك تعيش حياة كريمة طبيعية في عالمنا اليوم إذا لم تكن تعرف القراءة؟

التصنيف الأدبي مرتبط بشكل رئيس حول ما يستثيره من مشاعر لدى المتلقي. ولكن، هل هناك حد فاصل وعازل بين الأجناس الفنية؟

نستطلع في هذا المقال رأي بعض من خاض تجربة العيش في قرية عما تمثِّله الحياة في القرية لهم.


0 تعليقات على “القراءة.. طقوسٌ وشغف”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *