إن أصعب ما قد يتحدث عنه الشاعر هو الشعر، الواضح الغامض، الشفيف المحجوب، القريب البعيد، المعبِّر المعبَّر به، الأنثى والوطن والحياة… لذلك وبذلك لن يستطيع أحد أن يضبط له حدّاً أو يحصره في مفهوم، إنه الحال والحالة والحيلة والمُحال… والمحال لا يُحال عليه، كما قالت القدماء.
لا طقوس معه هذا الشعر، يأتي هو بطقسه الذي يفرضه، أو يأتي عارياً من كل طقس واهماً موهوماً متوهماً…
في الشعر أقول ما لا أقوله في الكلام. هو الوحيد الذي يقول ما لا أقول، ويصرّح بما أخاف، ويغضب عندما أجبن، ويخلق من الحرف حرفاً ومن اللغة لغة أخرى حينما أعجز…
أما هذا النص: “أنثى وطريق” فهو محاولة للتماسّ مع المجهول، للاقتراب من الذات والحفر في تضاريسها، لرؤية الأنثى بعين متصوفة تجريدية
وبعد…
فلستُ من المخلصين له وأرجو أن أكون، وحسبي أنني أحبه وأحب كل شاعر محب للحق والجمال واللغة.
لكي أمضي الى المعنى وحيدا
تعال إليّ يا وجعـي فريدا
تفتّـتُ شكليَ الأرضيّ نُبلاً
وتدخلني سماواتي شريدا
وجوديّاً تجيء بفيض أنثى
تحررني: لكي أبقى وليدا
لنتْبع علّةَ الأشياء … غـيّـاً
ونجمع حلمنا : ألـقاً عنيدا
ونبكـي بعضَنا: وطناً مُضاعاً
لكي يهبَ البكاءُ لنا الخلودا
بكِ ابتهلَـت شغاف النفس وحياً
ومنكِ توالـت الأيامُ : عـيدا
وعنكِ تحدثت مُدنٌ حزانى
وفيكِ تمثّل الزمنُ الوجودا
تعالي.. كي يكون الكونُ كوناً
خرافياً .. مجازياً ..مـديـدا
لأن الشعر أغنيةٌ .. ونارٌ
سنبتكر الأنا : ناياً .. وغِيدا
لأن العشق أسئلةٌ وسِــرٌّ
يموت جوابُـنا كي نستزيدا
لأن الأرض والدةٌ .. سنسعى
لنسكن بطنها.. رَحِماً جديدا
لأن القربَ روحٌ ..لا نراهـا
مشَـتْ أجسادنا عنـّا بعيدا
لأن الحُـرَّ .. حـرٌّ كلّ حينٍ
سنبقى في مساحتنا عبيدا
لأني أنتِ .. نقترف الخطايا
لنبعث من تصوّفنا نشيـدا
طريقـةُ من يريد : بلا طريقٍ
سينتحر الطريق إذا أُريـدا
أردنا بعضنا : ناراً.. ونوراً
عزاءً .. بهجةً.. وعدًا.. وعيدا
شتاءً فيه من صيف التمني
حضوراً غائبا.. حيّاً فقيدا
بلا شكلٍ.. نسير ولا بـلادٍ
سيبقى الشكل للمعنى طريدا
طهورٌ جرحنا.. كحديـث بدوٍ
تساقَوا عند قهوتهم قصيدا
صبورٌ ليلـنا.. كبعـير جدّي
يموت بكلّ أضحيةٍ وحـيدا
لذيذٌ موتـنا.. فينا.. كأنّـا
شهيدٌ يلتقـي حُباً شهيدا
خليف الغالب الشمري
أكاديمي في كلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية، متخصص في النقد الأدبي الحديث، حاصل على جائزة شاعر شباب عكاظ 2016م، له ديوان تحت الطبع بعنوان: سماوات ضيقة