فكرة

الأرغن البحري في كرواتيا

 

ضاق المهندس المعماري الكرواتي نيكولا باشيتش ذرعاً بمدينته “زادار” التي مزَّقتها الحرب وهو يشاهد أن عملية إعادة إعمار هذه المدينة لا تتحقَّق إلاَّ من خلال تشييد هياكل خرسانية قاتمة. فقرَّر إضفاء نكهة مختلفة إلى تلك المدينة التي يحب، وفكَّر بطريقة تُبرز تاريخ مدينته العريق الذي يعود إلى العصر الحجري. ولأنه كان يدرك أن الفن والموسيقى هما من أهم القنوات التي يمكنها إعادة التواصل مع الطبيعة، ابتكر آلة موسيقية لا تعتمد إلاَّ على الطبيعة، وأطلق عليها اسم “أرغن البحر.” وهذا الأرغن عبارة عن مجموعة من 35 من الأنابيب الجاهزة المثبتة في الرصيف البحري في المدينة تصدر أنغاماً موسيقية جميلة كلما ضربت الأمواج الشاطئ. واستوحى باشيتش تصميمه من آلة الهيدروليس التي اخترعها الإغريق القدامى، وهي أرغن يتم دفع الهواء في أنابيبه بقوة المياه التي تتدفق كالشلال.
يبلغ طول أرغن باشيتش البحري 70 متراً، وهو مثبّت في الفتحات الرخامية على الرصيف البحري المطل على البحر الأدرياتيكي، ويحول الأمواج إلى موسيقى إيقاعية عشوائية عذبة ومهدئة. وتحتوي كل فتحة من فتحات الرصيف على خمسة أنابيب تم ضبطها على وتر موسيقي مختلف. وتم توصيل الأنابيب ببعضها من خلال سلسلة من القنوات الضيقة التي تسمح لها بأن تتفاعل تبعاً لحركة الأمواج والرياح. وذلك بعد أن تم تطبيق مبادئ التناغم الموسيقي عليها من خلال تغيير طول الأنابيب السبعة الوسطى. وكانت النتيجة أوركسترا من الموسيقى الجميلة تربط المستمع بقوة الطبيعة وتجبر زوَّار البحر على الإبطاء للاستمتاع بالبحر وتموجاته وهو يتحدَّث إليهم بطريقة لم يسبق لهم أن سمعوها من قبل.
لاقى هذا الأرغن البحري استحسان السياح وأهالي المنطقة، كما حصل على عدد من الجوائز المعمارية، بما في ذلك الجائزة الأوروبية لعام 2006 للمساحات الحضرية العامة، التي وصفته بأنه “المدرج المثالي للاستمتاع بمنظر غروب الشمس فوق البحر ومشاهدة الخطوط العريضة لجزيرة أوغلجان المجاورة، أثناء الاستماع إلى الأنغام الموسيقية التي يعزفها البحر نفسه”.

أضف تعليق

التعليقات