أكثر من رسالة

أكثر من رسالة

من جماليات اللغة العربية
اللغة العربية من أجمل اللغات وأكثرها تفرداً بين لغات العالم، فلعذوبة وتنوّع مفرداتها وسحر تراكيبها ميزة خاصة لم تتصف بها أي لغـة أخـرى من قبل.
ومن أجمل ما قاله غير العرب في اللغة العربية ، هو ما جاء على لسان المستشرق الفرنسي “وليم مرسيه”(1872 – 1956) الذي درس بشكل خاص العربية واللهجة العربية المغربية، فقال متحدثاً عن اللغة العربية عموماً: “العبارة العربية كالعود، إذا نقرت على أحد أوتـاره رنَّــت جميـع الأوتــار وخفقت، ثم تتحَرك اللغة في أعماق النفس حتى ما وراء حدودها”.
وعلى ضوء هذه الحقيقة نذكر بعض الأمثلة من جماليات اللغة العربية.
يقول القاضي الأرجاني: مودته تدوم لكل هول وهل كل مودته تدوم.
هذا البيت يُقرأ من الجهتين، دون اعتبــار لتشكيل الحروف.
ومن أغرب الأبيات التي نظمها المتنبي، قال:
أَلَمٌ أَلَمَّ أَلَمْ أُلِمَّ بِدَائِهِ إِنْ آنَ آنٌ آنَ آنُ أَوَانِهِ
أي بمعنى (وجعُ) (أحاط بي) (لم) (أعلم) (بمرضه)
(إذا) (توجع) (صاحب الألم) (حان) (وقت) (شفائه)

وبعدما أجمع الناس وقالوا إن تنقيط الأحرف هو روح اللغة العربية بالكلام، نهض الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، ملقياً خطبة عصماء شهيرة لا تحوي أي نقطة نهائياً، جاء فيها:
الحمد لله الملك المحمود، المالك الودود، مصوّر كل مولود، ومآل كل مطرود، ساطح المهاد وموطد الأطواد، ومرسل الأمطار ومسهل الأوطار، عالم الأسرار ومدركها، ومدمر الأملاك ومهلكها، ومكور الدهور ومكررها، ومورد الأمور ومصدرها، عم سماحه وكمل ركامه، وهمل، طاول السؤال والأمل، وأوسع الرمل وأرمل، أحمده حمداً ممدوداً، وأوحِّده كما وحد الأواه، وهو الله لا إله للأمم سواه ولا صادع لما عدل له وسواه أرسل محمداً علماً للإسلام وإماماً للحكام سدداً للرعاع ومعطل أحكام ود وسواع، أعلم وعلم، وحكم وأحكم، وأصل الأصول، ومهد وأكد الموعود وأوعد أوصل الله له الإكرام، وأودع روحه الإسلام، ورحم آله وأهله الكرام، ما لمع رائل وملع دال وطلع هلال وسمع إهلال اعملوا رعاكم الله أصلح الأعمال واسلكوا مسالك الحلال، واطرحوا الحرام ودعوه، واسمعوا أمر الله وعوه، واصلوا الأرحام وراعوها وعاصوا الأهواء واردعوها، وصاهروا أهل الصلاح والورع وصارموا رهط اللهو والطمع، ومصاهركم أطهر الأحرار مولداً وأسراهم سؤدداً، وأحلامكم مورداً، وها هو أمكم وحل حرمكم مملكاً عروسكـم المكرمــه وما مهر لها كما مهر رسول الله أم سلمة، وهو أكرم صهر أودع الأولاد وملك ما أراد وما سهل مملكه ولا هم ولا وكس ملاحمه ولا وصم، أسأل الله حكم أحماد وصاله، ودوام إسعاده، وأهلهم كلاً إصلاح حاله والأعداد لمآله ومعاده وله الحمد السرمد والمدح لرسوله أحمد.

أيمن عبد السميع حسن
مصر


الإيموجي
وظاهرة التعدد الثقافي

مفارقـة أن تكون آخر التطــورات في مجــال التواصل بين البشر مستوحاة من أيام الإنسانية الأولى. وأن تكون ذروة التطور الرمزي التواصلي، بالعودة إلى رسومات ونقوش الكهف، وأدوات ما قبل اكتشاف الكتابة.
لكننا بدل النقش في الكهف، أصبحنا نستخدم الهواتف الذكية. ومع استخدام الكتابة، أصبحنا في حاجة ماسة للتعبير باستخدام رموز تعبيرية “الإيموجي” في حواراتنا اليومية. والرموز التعبيرية هنا ضرورة لا ترف، وربما خلصتنا من مصائب بالمناسبة. ويعرّف قاموس كامبردج الرموز التعبيرية بأنها “صورة رقمية تضاف إلى رسالة في التواصل الإلكتروني بهدف التعبير عن فكرة أو شعور معيَّن”.
فقد اخترع الياباني شيجيتاكا كوريتا الرموز التعبيرية في التسعينيات الميلاديـة، واستخدمتها آنذاك شركات الهاتف المتنقل اليابانية. ثم اقتحمت تقنية الصور التعبيرية عالم الهواتف الذكية، فاستثمرت على نطاق واسع في أنظمة “أبل” للتشغيل، و”أندرويد”، وغيرها.

فعل تواصلي
لنتفق أولاً على أن استخدام الرموز التعبيرية فعل تواصلي، بمعنى أن هدفه إيصال رسالة إلى مستقبل. فقد تطوَّر التواصل البشري من الإشارات والهمهمات، إلى التعبير بالكلمات، ثم فرضت التطورات التقنية والهواتف الذكية نوعاً آخر من التواصل، يدمج سياقين لم يدمجا تاريخياً: الكتابة والتواصل الشخصي الآني.
ففكرة الكتابة كانت تتعلَّق بالتواصل عبر الأجيال (ضد الآنية) أو الوصول إلى أكبر عدد ممكن من البشر (ضد الشخصي). إلا أن الإنترنت،والهواتف الذكية، جعلت الكتابة آنية، وشخصية، فأنت تستخدم الكتابة للتواصل الفوري مع أصدقائك، وتنتظر تفاعلهم.
أوجد هذا التطور أزمة “تواصلية” جديدة. فالتواصل الكتابي الشخصي والآني جاف ومباشر. وأصبح مختصراً وخلق لغة خاصة به.
فـالأحرف الثلاثة “برب” اختصار وتعريب لـلكلمات الإنجليزية الثلاث (Be Right Back) و(تيت) اختصار وتعريب (Take Your Time). وعندما تقول (برب وتيت) لشخص خارج دوائر الإنترنت، قد يشكك في قواك العقلية، ولا يعرف أن لهذه التعبيرات معنى في مجال تداول آخر.
الأمر نفسه ينطبق على الرموز التعبيرية التي جاءت لمعالجة مشكلة كبرى، تتعلَّق بنقل المشاعر، بما يتجاوز الكلمات.
فخلال المحادثات الهاتفية، يمكن أن تعرف “مشاعر” طرف المحادثة الآخر، وانفعالاته، من خلال نبرة الصوت، الضحكة الساخرة التي يطلقها، أو اللغة الجادة التي يستخدمها. أما في التواصل الكتابي الآني فكل هذه “المشاعر” مهملة، ونحن أمام كلمات جافة لا غير. فلا يمكنك أن تعرف إن كان الطرف الآخر في المحادثة جاداً أو ساخراً، غاضباً أو في أفضل حالاته المزاجية.
الرموز التعبيرية حلَّت هذه الأزمة. وبدلاً من أن تكون مضطراً لكتابة (أنا جاد … أنا ساخر … أنا أمزح …أنا غاضب) لتوضيح مشاعرك للطرف المقابل، أصبحت الرموز التعبيرية تفي بالغرض. فالابتسامة الصفراء تعبير عن امتعاض، والقرد مغمض العينين تعبير عن الحياء، والقلب عن الحب، والوردة، لا يمكن أن تمنح الوردة معنى محدداً، فهي تعني كل شيء كما يوحي إمبرتو إيكو.
كيف ستبدو عبارة “لقد قتلتني” عندما تضعها بلا رمز تعبيري؟ أو تلحقها برمز تعبيري ضاحك؟.

الرموز التعبيرية والتعدد الثقافي
وانعكست خلافتنا الثقافية والاجتماعية على الرموز التعبيرية أيضاً. فارتدت بعض الرموز القبعة الغربية، وارتدت أخرى العمامة الشرقية. وبعض الرموز بات محجباً، ورموز أخرى أصبحت ترتدي ملابس السباحة. وفي تطور لاحق، أصبح لون بشرة الرموز التعبيرية مهماً. فلماذا على هذه الرموز أن تكون كلها صفراء؟ لماذا لا نمتلك رموزاً تعبيرية تعبِّر عن تنوعنا؟
هذا ما حصل، لقد أصبح للرموز التعبيرية مجتمع واسع، يضم أفارقة وعرباً وآسيويين إضافة إلى الأوروبيين، ورجالاً بلحى، وآخرين بشوارب كثــة، ونساء محجبات، وأخريات يرتدين التنانير القصيرة.
فعلى الرموز التصويرية أن تعكس حياتنا بأدق ما يمكن. وهناك رموز أكثر، لكل شيء. فهل سيأتي يوم نمتنع فيه ربما عن استخــدام الكلمـات نهائيــاً، ونكتفي بالرموز؟.

بدر الراشد
المملكة العربية السعودية – الرياض

أضف تعليق

التعليقات