نقاش مفتوح

“ستاند أب كوميدي”

هذا الفن الجديد وأحواله في المملكة

قبل نحو نصف قرن، ظهر في أمريكا نوع جديد من الفنون الكوميدية، قوامه ممثل يقف منفرداً على المسرح ليتناول بحديثه مواضيع شتى بأسلوب ساخر ومضحك. وتدريجاً، راح هذا الفن ينتشر في بلدان عديدة محافظاً على اسمه الإنجليزي “ستاند أب كوميدي”. ولأن هذاالفن الحديث العهد بات يكتسب مساحة متعاظمة بين الفنون الأدائية في المملكة، سواء أكان على صعيد المؤدين أم على صعيد الجمهور المتابع له، عقدت القافلة جلسة نقاش مفتوح في “نادي الكوميديا” في مدينة جدة، شارك فيها أبرز فناني المدينة، وناقشت مفهوم هذا الفن وبدايات ظهوره، ومسيرة انتشاره في المملكة، وما صاحب ذلك من تحديات واجهت الفنَّانين أنفسهم.

اللافت في الفنانين الكوميديين الذين جمعتهم جلسة النقاش هذه، هو أنهم جميعاً من ذوي اختصاصات لا تمتُّ بصلة إلى فن المسرح أو الكوميديا، بل أقبلوا على ممارسة الـ”ستاند أب كوميدي” بفعل جاذبية شدتهم إليه من اختصاصاتهم المختلفة. والمشاركون هم ياسر بكر (بكالوريوس هندسة كهربائية – مدير نادي الكوميديا بجدة)، وثامر الحازمي (بكالوريوس علوم حاسبات – موظف بالبنك الأهلي السعودي)، وأسامة سالمين (كاتب ومعد برامج في إحدى شركات الإنتاج)، وإسماعيل الحسن (طالب ثانوية عامة)، وعبدالرحمن زبيله (بكالوريوس موارد بشرية – موظف في شركة نستله العالمية)، وعبدالجليل شاكر (دبلوم شبكات – موظف في شركة يوتيرن للدعاية والإعلان)، ورضوان الريمي (فنان كوميدي)، وطلال الشيخي (طالب جامعي – موظف حكومي سابق وفنان كوميدي)، وشاكر الشريف (مُعلِّم لغة إنجليزية سابقاً – فنان كوميدي)، ونايف الظفيري (بكالوريوس إعلام – فنان كوميدي)، وخالد موس (فنان كوميدي).

ظهور فنّ “ستاند أب كوميدي”
بدأت الجلسة التي أدارها الزميل خالد ربيع، بتناول نشأة الـ”ستاند أب كوميدي”، ووصول هذا الفن إلى المملكة.

استهل عبدالرحمن زبيله الحديث بالإشارة إلى أنَّ فن الكوميديا عموماً انطلق من اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد، وكان الهدف منه انتقاد الأوضاع العامة، دون أن ينال الفنان أي عقاب أو حساب.

وأكمل ياسر بكر الحديث، لافتاً إلى أنه عند الحديث عن الكوميديا ينبغي التفريق بين فن المونولوج، وبين فن الـ”ستاند أب كوميدي”. إذ إنَّ الفرق بينهما بسيط جداً لدرجة يصعب الفصل بينهما. وعلى الرغم من أنه يوجد فرق بينهما، فإن الـ”ستاند أب كوميدي” شكل من أشكال الكوميديا بدأ في الخمسينيات في أمريكا، وهدفه أن يقدِّم الفنان نصاً فيه كثافة عالية لمحفزات الضحك، بدون الاستعانة بالأشياء الأخرى التي كان المنولوجست يستعين بها في الماضي. وهذا كان غريباً أول ما ظهر في الخمسينيات من القرن الماضي بأمريكا، ذلك أن المنولوجست عادة ما يقدِّم مجموعة متنوّعة من الأعمال تشتمل على أغانٍ ورقص، وتلاعب بالكلمات.. إلخ. ولذلك، عندما بدأ الفنَّانون في الخمسينيات بتقديم مونولوجات جافة على المسرح، ولد هذا الفن الجديد، ومن ثم تطوَّر ونضج، وأصبــح الفرق بينه وبين المنولوج واضحاً لدرجــة أن الجمهور أصبح يسأل: هل الفنَّان سيقدم مونولوجاً أم “ستاند أب كوميدي”؟

غير أن خالد موس رأى أنّه يمكن اعتبار ما كان يقدِّمه البعض مثل الشاعر حسن دردير من مونولوجات (سواء بشخصه أو مع فرقته) خطوة أولى لبداية الـ”ستاند أب كوميدي” في المملكة العربية السعودية؛ لأن غرضها الأساسي كان هو إضحاك الناس، وإدخال السرور إلى نفوسهم. ومثل ذلك أيضاً، ما كان يقوم به أحد الفنَّانين المشهورين سابقاً في تقليد للاعبي كرة القدم في الملعب، أمثال: ماجد عبدالله، وصالح النعيمة.

بداياته في المملكة
انتقل الحديث بعدها إلى بدايات ظهور “ستاند أب كوميدي” في المملكة، فقال ياسر بكر إن زميله ثامر الحازمي المشارك في الجلسة يُعدّ من أقدم فناني الكوميديا، لافتاً إلى أنه يعتقد أن بداية تقديم عروض “ستاند أب كوميدي” لمؤديين محليين في المملكة، كانت في عام 2005.

أما ثامر الحازمي نفسه فقال إن تلك العروض بدأت بصورة فعلية في المملكة منذ عام 2008، وذلك عندما قدمت شركة “Smile production” الأمريكية عروضاً في المملكة وأدى فيها كوميديون عرب/أمريكيون ، ومنهم أحمد جبراني.. وقتها كانت ولادة الـ”ستاند أب كوميدي” عندنا وظهوره بصورة رسمية. ويستذكر الحازمي العرض الثاني الذي ظهرت فيه مواهب محلية، مثل: عمر حسين، وإبراهيم خير الله، وفهد البتيري. وكانت بدايته معهم في عام 2009.

ويضيف الحازمي: تضمَّنت البداية في تلك المرحلة مشاركة فنانَين أمريكيين معروفين. وكانت دعواتها مقتصرة على رسائل الفيسبوك وغيرها، وكانت تقدّم في أماكن خاصة، مثل: النادي الإيطالي في القنصلية الإيطالية بجدة، حيث لم تكن معلنة ولا ظاهرة للناس بالصورة التي تقدّم الآن والتي تشتمل على دعاية وإعلان وتسويق. واختتم مداخلته في هذا المحور بالقول: الذي حصل بعد ذلك، هو أنه أصبـح لتلك العروض أندية مخصصة بدءاً من عام 2011 تقريباً، واستضافات رسمية، وتؤدَّى بشكل منتظم، وبمواعيد عرض أسبوعية، تسبقها الإعلانات، وبيع التذاكر. فقد قدمت عروض معروفة في ملاهي الشلال بجدة، وكلية دار الحكمة بجدة، ونادي الكوميديا.

عدوى الضحك
صوفي سكوت، الأستاذة في علم الأعصاب بجامعة لندن، تعمل على الكشف عن سلوك الناس داخل نوادي الكوميديا، أو المسارح الضاحكة التي يقف فيها الكوميدي على المسرح ويلقي النكات بينما يتابعه الجمهور ويضحك. تقول سكوت: “الأمر المشوق حول الضحك في حالة وقوف الممثل الذي يلقي النكات على المسرح، هو أنه تفاعلي. لقد استرعى انتباهي ما يحدث عندما يبدأ الجمهور في الضحك، ثم كيف تتلاشى الضحكات، سواء كنت متفاعلاً مع الناس حولك أو كنت غير مبالٍ، لأن التجربة هي فقط بينك وبين الشخص الواقف على المنصة. ومن المفارقات أن الكوميدي عادة ما يجد أنه من السهل عليه العمل في أماكن فسيحة وكبيرة، ربما لأن طبيعة الضحك المعدية تعني أن موجات المرح تنتشر بسهولة أكبر عندما يكون عدد الناس كبيراً”. وتذكر سكوت مقطع فيديو للكوميدي شون لوك وهو يتسبب في ضحك الجمهور بطريقة هستيرية بترديد كلمة معينة بين الحين والآخر، والسبب هو انتشار عدوى الضحك بين الجمهور.
(عن موقع بي بي سي عربي)

الإفادة من نجوم اليوتيوب
ويلفت ياسر بكر النظر إلى أن بداية “ستاند أب كوميدي” في المملكة، تزامنت مع ظهور “اليوتيوب” السعودي في عامي 2011/2012. وهنا حصلت صدفة غريبة استفادت منها “ستاند أب كوميدي” ، وأغلب الفنَّانين ممتنين لها، وهي: أنّ روَّاد اليوتيوب في السعودية كانوا يجيدون فن الكوميديا، إمّا لأنهم كانوا يمارسونه من قبل، أمثال: عمر حسين وفهد البتيري، أو بمجرد ما جرّبوه نجحوا فيه فوراً، مثل: بدر صالح وغيره. فهؤلاء (أي مشاهير اليوتيوب السعودي) عندما قدّموا “ستاند أب كوميدي” في بداياتهم، قدَّموه كنجوم شهيرة، وأفاد ذلك هذا الفن كثيراً. إذ بدؤوا من الأعلى، ومن العروض الضخمة، ومع الجماهير الكبيرة، وتم استثمار ذلك في عروض مسرحية حضرها الآلاف، وبأسعار تذاكر مرتفعة، وهذا خلاف ما يحصل في بقية دول العالم مع هذا الفن، حيث يبدأ المؤدي في تجمعات صغيرة ومقاهٍ وغرف ضيقة، ولا يشاهده سوى الروُّاد، ثم ينتقل إلى أندية خاصة، ثم إلى عروض جماهيرية.

بين “الكوميديا الارتجالية” و”ستاند أب كوميدي”
وجواباً عن سؤال حول دور الارتجال في تقديم عرض “ستاند أب كوميدي”، يقول ياسر بكر: “إن فن الـ”ستاند أب كوميدي” الذي يقدِّمه الفنَّانون السعوديون اليوم، هو الفن نفسه الذي نشأ في الخمسينيات، واشتهر في الستينيات من القرن الماضي، وأصبح ظاهرة عالمية بعد ذلك، منبّهاً إلى أنّ ترجمة الـ”ستاند أب كوميدي” إلى “كوميديا ارتجالية” هي ترجمة غير صحيحة؛ لأن هذا الفن يقوم على نص مكتوب، وليس ارتجالاً.

وأضاف أنه في بداية هذا الفن، كان هناك ما يسمى بـ “أندية الارتجال”، التي كانت مكاناً مخصصاً لتقديم المواهب الشخصية، مثل: كاتب شعر، أو مغنٍ، أو شخص لديه نصوص مضحكة، إذ كانت المطاعم أو المقاهي تخصِّص مسرحاً لهؤلاء ليعرضوا مواهبهم. ولذلك، كان أقدم نادٍ كوميدي في لوس أنجلوس هو (The Improvisation) بمعنى: (الارتجال)، وهو مكان ظهور الفنَّانين، ومع مرور الوقت استحوذ الممثلون على هذه الأماكن، وعزف عنها بقية الفنَّانين.

عند الحديث عن الكوميديا ينبغي التفريق بين فن المونولوج، وبين فن الـ”ستاند أب كوميدي”.
ياسر بكر

وكانت مسألة ترجمة اسم هذا الفن مدخلاً لإثارة قضية اللغة التي يقدِّم بها الممثلون عروضهم، فروى ياسر بكر بأنه خلال البدايات كانت العروض تؤدَّى باللغة الإنجليزية فقط، ثم جاءت نقطة التحوُّل عندما قرَّر بعض الممثلين تجريب الـ”ستاند أب كوميدي” باللغة العربية، وكان أولهم إبراهيم الخير الله الذي أخذ بزمام المبادرة، وهنا كانت المفاجأة، والتحوُّل! فقد لاقى العرض نجاحاً كبيراً، وأعطى استخدامه للغة العربية مساحة أكبر للتفاعل مع الجمهور بصورة أكبر. وهكذا مع مرور الوقت أصبحت تلك العروض تُقدَّم باللغة العربية، وتحوَّل الممثلون المحليِّون، أمثال ثامر الحازمي وفهد البتيري، إلى التقديم باللغة العربية.

وفي هذا الصدد يشير ثامر الحازمي إلى أنّ السبب وراء تقديم تلك العروض باللغة الإنجليزية، هو “أننا اعتدنا على أن الـ”ستاند أب كوميدي” يُقدم باللغة الإنجليزية، ولم نحاول تغييره. حتى جاءت نقطة التحوُّل تلك التي قادها إبراهيم الخير الله ومن جاء بعده، لدرجة أنهم لم يعودوا يستعينون بمؤدين من أمريكا، مما أدى لنجاح تلك العروض نجاحاً باهراً.

ويتذكَّر الحازمي، أنه في تلك الفترة التي كانت تؤدَّى فيها العروض باللغة الإنجليزية، كان بعض المؤدين يُدخلون كلمات عربية إلى النص بهدف قياس تفاعل الجمهور معها، الذي كان في غالبيته من السعوديين والعرب.

موضوعات “ستاند أب كوميدي”
انتقل الحديث بعد ذلك إلى موضوعات “ستاند أب كوميدي” وكيفية اختيارها. فبدأ نايف الظفيري الحديث في هذا المحور قائلاً: إن ذلك يرجع إلى اهتمامات الفنان نفسه، لكنّ الأصل هو وجود ملاحظة سلبية، أو شعور بالضيق من شيء موجود في واقعنا، ولذلك فكتابة النص تبدأ بالتساؤل عن المشكلة أو الظاهرة التي يرغب المؤدي في أن يتناولها، ويمكنه أن يبني نكاته عليها.

فن الكوميديا عموماً انطلق من اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد، وكان الهدف منه انتقاد الأوضاع العامة، من دون أن ينال الفنان أي عقاب أو حساب.
عبدالرحمن زبيله

غير أن أسامة سالمين، رأى أن الحديث عن أنواع “ستاند أب كوميدي”، يجب أن يسبق الحديث عن موضوعاتها، إذ إنَّ أنواعها تختلف باختلاف المؤدين أنفسهم. والبعض قد لا يعرف النوع المناسب له إلا مع التجربة والممارسة فهناك نوع القصة، وهناك نوع الملاحظة، وغيرها. هنا يمسك خالد موس بزمام الحديث، ويقول إنه لا ضير في اختلاف أنواع عروض الـ”ستاند أب كوميدي”، حيث إنّ الموضوعات هي التي تختلف. ويشير إلى أنّ العالم من حولنا (خصوصاً في أمريكا وبريطانيا) يعتمد موضوع السياسة وموضوعات أخرى حساسة. ويضيف موس بأنه ينبغي مراعاة جانب القيم الاجتماعية في عروض “ستاند أب كوميدي”، كما يجب البحث عن موضوعات فكاهية ومضحكة، بعيدة عن الموضوعات المحرّمة أو المبتذلة. ويعود طلال الشيخي بالحديث إلى اختيار موضوعات العروض، فيشدِّد على أنها تعود إلى شخصية المؤدي نفسه، كأن يعاني من مشكلة ما، أو لملاحظته مشكلة في المجتمع تواجهه شخصياً، أو لخواطر وملاحظات تجول في ذهنه. ويوافق ياسر بكر على أن الموضوعات هي دائماً ذات طابع شخصي. وإلى ذلك يضيف نايف الظفيري، بأن الموضوعات تعكس الشخصية الحقيقية للفنان. وشدَّد على أن المؤدي الذي ينجح في إيصال رسالته إلى الجمهور وإضحاكهم هو الصادق في أحاسيسه بالدرجة الأولى.

وحول ما إذا كانت موضوعات “ستاند أب كوميدي” هي خاصة أم أنها انتقادات للآخرين وللأشياء في المجتمع والمحيط، تحدَّث عبدالجليل شاكر قائلاً: هذه الجزئية هي الأهم والأساس. فالممثل يعتمد على المواقف التي تحدث معه كمعاناة حياتية، أو خلال مراحل عمرية معيَّنة: (طفولة، دراسة، زواج .. إلخ)، إضافة إلى الملاحظات التي يراها في النـاس من حوله، ويجد نفسه في مواجهة تلك القضايا والمواقف والقصص، فيتناولها من خلال النّكات والسخرية.

دعم رسمي “للستاند أب كوميدي”
منذ بداياته، لقي فن “ستاند أب كوميدي” الترحيب من قبل المشاهدين، وكذلك من المؤسسات الخاصة والرسمية في المملكة. ففي 15 مارس 2013، وبدعوة من أمانة الرياض، احتشد أكثر من 2000 شخص في مسرح مركز الملك فهد الثقافي في الرياض لحضور فعالية “ستاند أب كوميدي” أطلق عليها اسم “هب الهبوب”.وفي اليوم نفسه، كان مقدّم البرامج السعودي داوود الشريان قد استقبل عدداً من نجــوم هذا الفن في برنامج ”الثامنة”، وهم فهد البتيري وإبراهيم الخيرالله وميسيسيبي إبراهيم وإبراهيم صالح.وفي 16 يناير 2014، وخلال مهرجان جدة التاريخية، قدَّم فنانون شباب لأول مرة “ستاند أب كوميدي” بالتعاون مع نادي جدة للكوميديا برعاية صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالله. وشارك في الفعاليات بدر صالح، ياسر بكر، محمد بازيد، ثامر الحازمي، أحمد فتح الدين، قوقي، جوتارو، فيصل الزهراني، ياسر السقاف وغيرهم كثر.ثم كرّت سبحة الاهتمام بهذا الفن الجديد الذي يقدِّم الترفيه إلى الجمهور السعودي، والذي أبدى فيه الممثلون السعوديون قدرات فائقة تناهز ما يقدِّمه ممثلون عالميون. وباتت صفحات هؤلاء الفنانين على مواقع التواصل الاجتماعي تستقطب ملايين المشاهدين من المملكة ومن مختلف أنحاء العالم العربي.

عروض آمنة وحذرة
“بسبب الطبيعة المحافظة لمجتمعنا، نحاول أن تكون عروضنا “آمنة”، ونتلافى – بقدر الإمكان- الموضوعات التي تتحسَّس منها الجماهير”. يقول ياسر بكر: “نتجه إلى دغدغة الخط الأحمر، والحصول منه على ضحكة إضافية، وفي بعض الأحيان نتجنبه تماماً. ومع ذلك، فإننا في العروض والمناسبات الكبيرة نراعي المكان، حسب نوعية الجمهور وأعمارهم، والمكان الذي تقام فيه المناسبة. وهنا يجب أن نفهم أن طبيعة هذا النوع من الكوميديا صعبة ومتعبة. لأن الجمهور الحاضر ليس بينه وبين المؤدي أي معرفة، ويجب عليه أن يستحوذ على اهتمامهم وانتباههم في أول دقيقتين، ويجعلهم مهيئين للضحك بنهاية النكتة التي لا تتجاوز مدتها 5 دقائق، وهذا هو التحدي.

لكن ثمة عوامل أخرى مساعدة، كأن تكون الفعالية مهيأة للضحك، ويكون الجمهور حاضراً لأجل الفقرات الكوميدية.

ويتابع ياسر بكر باستياء: ما يحدث عندنا هو أنّ منظمي الفعاليات والمناسبات، يُقحمون فقرات الكوميديا في مناسبات بعيدة عن مواطن الضحك، حتى إنهم يشترطون في بعض الأحيان أن تكون الفقرات حول موضوع المناسبة، التي تتحدَّث عن مشكلة صحية مثلاً، أو عن الحوادث المرورية.

“المؤدي” والجمهور
ولأن السخرية قد لا تكون مستحبة من الكثيرين، كان لا بدّ من طرح السؤال حول ما إذا كان الناس يتضايقون من الملاحظات الساخرة التي تطولهم من خلال عروض “ستاند أب كوميدي”، فقال رضوان الريمي: “عندما يبدأ الفنان الكوميدي بازدراء نفسه وتناول مشكلاته وحياته الخاصة في ما يؤديه، فإن الجمهور سوف يكون على أهبة الاستعداد لتقبل أي انتقاد يوجّهه إليه؛ لأن الفنان يكون قد نفى هنا صفة التعالي عن نفسه التي يحس بها الجمهور في بعض الأحيان. وإلى ذلك يضيف ياسر بكر أن هذا الموضوع يظلُّ تحدياً قائماً يواجه المؤدي ومهما كان الفنان حسن النية وساخراً من نفسه في ما يؤديه من عروض، فإنّ الطرف الآخر (الجمهور) قد لا يكون في بعض الأحيان متقبلاً لتلك السخرية. ولذلك لو سخر الفنان مثلاً (من أحد الحضور، أو من أقلية موجودة، أو من شخص بسبب وزنه أو شكله أو لونه) من خلال نص كوميدي، فإن التحدي القائم أمام الفنان يبقى هو: ما المسموح وما الممنوع في هذا الإطار! وهذا لا يوجد له مقياس بالتأكيد. وفي السياق نفسه يقول ثامر الحازمي إن هذه السخرية والانتقادات لها علاقة بـ”الارتجال” الذي يُعد سمةً في الكوميديا، وفي عروض “ستاند أب كوميدي” لا يمكن التنبوء بردِّة فعل الجمهور تجاه النكات. ويشير هنا إلى دور “الكاريزما”، أي الجاذبية الشخصية، في مساعدة الفنان على التقرب من الجمهور عندما يجعلهم جزءاً من نكاته، ويضحكهم دون أدنى تضجر أو امتعاض منه. ويضيف خالد موس، بأنه توجد أساسيات لعلاقة الفنان المؤدي مع الآخرين، وكيفية إشراكهم في عروضه ونكاته، إلا أن ذلك يبقى أسلوباً مفتوحاً ومتطوراً، يمكن تشكيله وتطويعه حسب قدرات الفنان نفسـه. كما يرى عبدالرحمن زبيله بأنّ مربط الفرس هو نوعية الجمهـور التي تساعــد على تقبل النكات والتعاطي مع السخرية، عندما تكون متفتحة ومدركة وواعية لهذا الفنّ.

كيف تُختبر وكيف تتطوَّر النصوص؟
ما الذي يفعله الفنــان الكاتــب قبل أن يصبح المؤدي للنــص الذي كتبه؟
يقول خالد موس إن لكل فنان طريقته الخاصة في ذلك، فالبعض يستشير أصدقاءه المقربين ومعارفه، والبعض يختبر نصه في جلسات خاصة بطريقة غير مباشرة ويقيس ردة الفعل. والبعض يؤمن بفكرته ويقدِّمها دون تجريب أو استشارة.
ويشير ثامر الحازمي إلى ما يعرف بالـ”مايكروفون المفتوح” (Open mic). فقبل تأدية الفنان لأي عرض في أمريكا، هناك أندية للكوميديا لتجريب النكات أمام أشخاص جاؤوا من أجل الكوميديا.

يجب أن نفهم أن طبيعة هذا النوع من الكوميديا صعبة ومتعبة، لأن الجمهور الحاضر ليس بينه وبين المؤدي أي معرفة سابقة، ويجب عليه أن يستحوذ على اهتمامهم وانتباههم في أول دقيقتين.

ومن خلال هذه التجربة تُعرف ردة الفعل، ونجاح النكتة من عدمها، وهو ما لا يتوافر لدينا مما يضطر الفنَّان إلى تجريب نكاته في جلساته الخاصة، الأمر الذي قد ينتج عنه استهزاء وسخرية أو نتيجة غير صحيحة، أو المخاطرة أمام جماهير كبيرة دون اختبار مسبق . أما شاكر الشريف فتناول تطوير النكتة بقوله إنه من مدرسة ديف شبيل (وهو ممثل ومنتج وكاتب سيناريو وكوميدي أمريكي من أصل إفريقي) الذي يتعامل مع النكتة على أنها لوحة رسم.

فالنكتة قابلة للتطوير بعد عرضها. وهذا يتضمَّن مواكبتها ومناسبتها لتحوُّل جديد، أو لحدث طرأ حديثاً. ويضيف: “يحدث معي أن يسألني بعضهم: هل سبق وأن قلت هذه النكتة؟ فهو ليس متأكداً من سماعها، وذلك لأن %70 من عناصر النكتة تغيَّر واستُبدل بمادة جديدة، وبقي المفهوم الأساسي لها فقط. وهذا يساعد الفنَّان على تأدية العروض الخاصة التي تكون مدتها طويلة نسبياً. وأشار عبدالرحمن زبيله إلى أنه يعيد النكتة أكثر من مرة على المسرح مع الإضافة إليها طبعاً، لكنّ الجمهور – في بعض الأحيان- لا يدرك أن الفنَّان يعمل على نكتته بصورة مكثَّفة، ويحدثها ويطورها. وإلى ذلك يضيف شاكر الشريف: “النكتة ليست مرتبطة بنص مكتوب على ورقة، بل هي خليط مترابط ومتماسك بين النص والأسلوب والأداء. ولذلك لا يصلح أن يقدِّم شخص نكتة شخص آخر، لأنها مرتبطة بشخصيته وأسلوبه الخاص وآرائه وخامة صوته .. إلخ ذلك. بينما يرى طلال الشيخي، أنه بسبب الانتشار المحدود حتى الآن لهذا الفن في السعودية، فإن أكثر مدة يراها مناسبة لإعادة العرض هي 4 مرات. ويضيف ياسر بكر أنَّ العرف لدى فنَّاني هذا النوع من الكوميديا في أمريكا وغيرها، هو أن تمتد صلاحية العرض من سنتين إلى 10 سنوات. في حين أن الجمهور السعودي يتوقَّع منا أن نقدِّم عرضاً جديداً في كل مرة، ويشعر أنه مغشوش عندما نعيد ما عرضناه سابقاً في مدينة أخرى أو مكان آخر. ووسط هذا الشعور يتفاءل خالد موس بأن ذلك هو لصالح الفنان، ويرى أن هذه الظروف دفعت الفنَّانين إلى الكتابة المستمرة وتوليد الأفكار الجديدة، لمواجهة جمهور ذي طبيعة وخصوصية مختلفة.

“يحدث أن يسألني بعض الناس: هل سبق وأن قلت هذه النكتة؟ فهو ليس متأكداً من سماعها، وذلك لأن %70 من عناصر النكتة تغيّر واستُبدل بمادة جديدة، وبقي المفهوم الأساسي لها فقط”.
شاكر الشريف

ولأن في الإعادة إفادة، يقول ثامر الحازمي إنَّ بعض الفنانين في الخارج اتجهوا إلى منع تصوير عروضهم تماماً، لمنع انتشارها على شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها، كي يتمكَّن من تقديم العرض في عشرات الأندية في ولايات ومدن مختلفة. لذا، فأنا ضد أن يقدِّم الممثل نكتة جديدة كل شهر مثلاً. غير أن أسامة سالمين خالف زملاءه في هذا الشأن، ورأى أن خروج الممثل المؤدي أمام الجمهور كل شهر بنكتة جديدة هو أمر جيد، وأنّ الموضوعات كثيرة وأصبحت في متناول الفنَّان، عكس ما كان عليه الحال في السابق. لكنه يستدرك مشيراً إلى أنه بسبب وجود نادٍ كوميدي واحد فقط، وعرض أو عرضين كل شهر؛ فإن الممثل قد يضطر للإعادة، ولكن بما لا يزيد على ثلاث مرات. ودفعت الإشارة إلى وسائل التواصل الاجتماعي بخالد موس لإبداء ملاحظة مفادها أن من المشكلات التي تعانيها الكوميديا هي ربطها بشبكات التواصل الاجتماعي، على الرغم من أنهما شيئان مختلفان: فالمسرح شيء، والكاميرا شيء آخر، وما يضحك الناس داخل المسرح، قد لا يضحكهم خارجه.

رعاية المواهب وتنميتهاومع تزايد أعداد الراغبين بالعمل في هذا المجال وهواته، طرح مدير الجلسة سؤالاً حول حجم هؤلاء ومسألة الاهتمام بهم ورعايتهم، فقال ياسر بكر: هذا هو الأساس الذي قام عليه “نادي الكوميديا”. فخلال السنوات الخمس الماضية ، شهد النادي تجارب أداء لأكثر من 2000 متقدم يرون أنفسهم قادرين على تقديم عروض “ستاند أب كوميدي”، أي ما يتراوح بين 30 و50 شخصاً جديداً كل شهر. والواقع أن ما بين %5 و %10 منهم فقط هم من القابلين للتطوير، وذوي موهبة يمكن تنميتها.

ويضيف: الحق أننا كنا متشددين في الشروط، وكنت شخصياً أعقّد الأمور في بادئ الأمر، لكنني بعد ذلك أصبحت أبحث عن شيء واحد فقط، حتى ولو كان الشخص ضعيف الأداء، ألا وهو: قدرته على بناء النكتة. لأن النكتة حرفة، وعندما يكون الشخص ذا جاذبية شخصية عالية وحضور قوي دون قدرة على كتابة النكتة، فعليه أن يبحث عن فرصته في مجال آخر كالتمثيل أو غيره..

ما زال غير مفهوم كفاية
وفي ختام الجلسة، كان لا بدّ من التطرّق إلى مسألة تسويق هذا الفن بالشكل الصحيح، وما إذا كان يتم حالياً بالشكل المناسب، وفي هذا الصدد قال ثامر الحازمي إن شركات تنظيم الفعاليات والمناسبات تلتقط أي شيء جديد وتضمه إلى خدماتها، ومن ضمن ذلك عروض الكوميديا التي أصبحت ضمن الحزم التي تباع. ويضيف وهو ممتعض: “في بعض الأحيان نُطلب لتقديم عروض في أماكن غير مناسبة، لا تصلح لتقديم عرض “ستاند أب كوميدي” تماماً، ولكننا نوافق عليها بسبب الطلب.

المسرح شيء، والكاميرا شيء آخر، وما يضحك الناس داخل المسرح، قد لا يضحكهم خارجه.

ويختتم ياسر بكر بقوله: نحن نبادر إلى خدمة هذه الشركات، إلى نصحها وتوعيتها أكثر. فنقول لهم مثلاً أنتم بحاجة إلى مُقدِّم ناجح يستخدم أسلوب “التنفيس الكوميدي” الذي يهدف إلى الترويح وتخفيف حدة المشاعر عند المتلقي، وليس إلى فقرة كوميدية كاملة ثقيلة وحساسة، وإنما مقدم يرّوح عن الجمهور.

ويضيف: نقول لهم إن هناك خيارات أخرى، مثل: فنون الارتجال، أو “الاسكتشات”. وهي تتوافق مع طبيعة تلك الفعاليات التي تمتد لساعات، فتكون هذه الفقرات خفيفة ومتوسطة بين فقرات الفعالية الثقيلة. ولذلك أصبحنا نطوِّر مهاراتنا، ونعمل على كتابة اسكتشات بسيطة.

 

أضف تعليق

التعليقات