علوم

كيف استغلَّت النباتات البشر؟

shutterstock_156352895نادراً ما نفكِّر في النباتات على أنها كائنات «مُخطِّطة» ذات إرادة وفكر. لكن التأمل في الحال التي وصلنا إليها عبر عشرات القرون من التعايش مع النباتات يكشف لنا أننا قد تم استغلالنا، واستغلال غرائزنا الأساسية كالجوع والرغبة في الاستقرار وتقدير الجمال، لصالح أنواع معيَّنة من النباتات يبدو أنها قد لعبت على تلك الأوتار لتضمن أننا سنوفر لها الحماية الكافية والقدرة على النمو والانتشار. فهل تعمدت النباتات استغلالنا، نحن البشر، جنباً إلى جنب مع الحيوانات والحشرات، كي تضمن أن تزهر حبوب لقاحها بعيداً ويستمر نوعها؟ وهل يكون تقدُّمنا الصناعي والزراعي المدهش في النهاية انتصـاراً مجيّراً لصالح النباتات التي قررت أن تحتال علينا بصمت ودهاء؟

لطالما تباهى البشر بقدرتهم على ترويض أصناف الكائنات الحية بكل أنواعها. فعلى مدار عقود طويلة، كان الإنسان متفاخراً بما توصل إليه من أساليب مبتكرة في عمليات الانتخاب الصناعي، إذ يُرجع الفضل له ولعقله بجعل الأبقار تدر حليباً أكثر، كما أنه «روّض» النباتات البرية بجعل طعمها أفضل، وأغنى بالفيتامينات والسكريات بتطوير تقنيات الزراعة والصناعة. وهذه النظرة الفوقية ليست وليدة اللحظة، فعبر العصور كان الفلاسفة وعلماء الأحياء يشددون على مكانتنا المميزة كأسياد لهذا الكوكب. ولعل أشهر هذه الأفكار تلك التي تجسدها «السلسلة العظمى للكائنات» التي توارثتها الثقافات عبر الأجيال، وتقول إن الموجودات أجناس مختلفة (المعادن والنبات والحيوان والإنسان … فمنها ما هو في أدنى المراتب، ومنها ما هو في أعلاها).

لكن ماذا لو كانت هذه المكانة المميزة للإنسان محض خيال اصطنعناه؟ ماذا لو كانت النباتات هي التي روّضتنا واستغلتنا – نحن البشر- لصالح مصالحها هي الشخصية في مخطط كوني كبير غرضه الانتصار وحفظ النوع؟

shutterstock_315472775النباتات وقدرتها على التأقلم
عندما نذكر الكائنات المعمِّرة، تحضر في أذهاننا على الفور السلاحف العملاقة التي قد تعمّر حتى 300 سنة. لكن هذه المدة الزمنية لا تقدَّر بشيء مقارنة بأعمار بعض النباتات. إذ قد يصل عمر أقدم شجرة إلى أكثر من 5 آلاف سنة. فالنباتات تُعد من أقدم الكائنات الحية التي عاشت على سطح هذا الكوكب، وسبقت وجود الإنسان بأكثر من 450 مليون عام. وعلى مدى هذه الفترة الطويلة كانت النباتات قادرة على التأقلم مع أشد البيئات تطرفاً، من أجدب الصحاري إلى أعماق المحيطات. ناهيك عن العراك المستميت بين بعضها بعضاً وبين آكلات النباتات الأخرى.

على مدى هذه الفترة الطويلة ابتكرت النباتات أساليب عدة للتكيف مع بيئاتها. فبالإضافة إلى كونها قادرة على استشعار مصدر الضوء ورطوبة التربة والبيئة المحيطة، أصبح بمقدور بعضها استشعار الحركة، كالنبتة الحساسة ميموزا بوديكا (التي تنطوي أوراقها على نفسها وتتدلَّى بمجرد تعرضـها للَّمس أو الاهتزاز)، أو كنبتة خناق الذباب الشهيرة (التي تتحسَّس فريستها عن طريق عدة شعيرات موجودة على أوراقها لتنقضَّ عليها في أجزاء من الثانية). بل إن علماء النبات أخذوا يبحثون في قدرة بعض النباتات الأخرى على التواصل مع بعضها بعضاً، عن طريق جذورها أو عن طريق نفث روائح وغازات خاصة بغرض تنبيه النباتات المجاورة على وجود مفترس قريب، كشجرة السنط (التي تبث غاز الإيثلين في الجو لتنبِّه جاراتها من الأشجار ليُفعّلوا بدورهم آلياتهم الدفاعية ويقوموا بزيادة سُمِّية أوراقهم، مما أدى بدوره إلى التحكم بأعداد قطعان ظباء الكودو الوحشية في جنوب إفريقيا.

shutterstock_308471531أما في الآونة الأخيرة فقد بدأت الأبحاث تشير إلى أن النباتات قد تمتلك ما يشبه الجهاز العصبي. إذ اكتُشف أنها تنتج بروتينات شبيهة بتلك الموجودة في الأجهزة العصبية للحيوانات والإنسان، وأنها تستجيب للعوامل الخارجية بنبضات كهربائية كما يحصل في الخلايا العصبية والعضلية الحيوانية. هذه النبضات الكهربائية تشكِّل لدى الحيوان ما يسمى بالسيال العصبي، وهو الذي يلعب دوراً مهماً في نقل المعلومات بين الأنسجة الحيوية المختلفة داخل الجسم. لكن هل تكفي هذه الاكتشافات للجزم بوجود جهاز عصبي معقد، وبالتالي ذكاء ووعي لدى النباتات؟

ليس بالضرورة، فما زالت الأبحاث جديدة في هذا المجال. لكن بغض النظر عن وجود الجهاز العصبي من عدمه، تتميز النباتات بقدرتها المتفوقة على استيعاب المعلومات من العالم المحيط بها، واسترجاعها والاستجابة لها بالطرق التي تراها مناسبة. وهذا وحده كان كفيلاً بأن يجعلها قادرة على تطويع كل من الحيوانات والبشر لخدمة مصالحها الخاصة، في عملية بطيئة لكن فاعلة امتدت عبر عشرات ومئات القرون!

استغلال النبات للحيوان
22إن العلاقة بين الحيوان والنبات معقدة للغاية. أشهر هذه العلاقات هي العلاقة التكافلية المتمثلة في عملية التلقيح الشهيرة بين زهور النباتات المختلفة. هذه العملية البسيطة والمبتكرة في آنٍ واحدٍ كانت أحد العوامل المهمة في انتشار النباتات واتساع بقاع وجودها جغرافياً.

قد تبدو لنا عملية كعملية التلقيح هذه عفوية بعض الشيء، حيث يقوم حيوان ما يتغذى على رحيق زهرة (عن غير قصد) بنقل حبوب لقاحها إلى زهرة أخرى. لكنها عملية بالغة التعقيد وتنم عن ذكاء وبصيرة ثاقبة من قِبل النبات.

لنأخذ هذه العلاقة من وجهة نظر النبتة قليلاً. يحتاج النبات إلى التلقيح بين كل فينة والأخرى من أجل تنويع جيناته، وبعد ملايين السنين من المحاولة والخطأ، توصلت النباتات إلى طريقة مبتكرة لتلقيح نفسها عن طريق الاستفادة من الحيوانات التي تشاطرها بيئتها. فكأن النباتات تستغل قدرة الحيوان والطير على التنقل لتعوِّض عن ثباتها هي داخل التربة.

في البداية، يقوم النبات بتلوين بتلات أزهاره بألوان جذَّابة ونفث روائح قوية لتكون زهوره ظاهرة للعيان من مسافات بعيدة. يكون هذا بمنزلة الشرك الذي تنصبه النبتة لاستثارة الحيوانات الفضولة واجتذابها. بعدها تقوم الغدد الرحيقية بعملية فسيولوجية معقَّدة لإنتاج وجبة دسمة من النشويات والبروتينات والأنزيمات والأحماض الأمينية تسمى الرحيق. هذه الوجبة الدسمة هي المكافأة التي تعطيها النبتة للحيوان لاستجابته لتلميحاتها وتعزيزاً لسلوكه. وفي الوقت نفسه، تكون النبتة قد جهَّزت حبوب الطلع مسبقاً لتكون كبيرة ولزجة ولتلتصق بسهولة بجسده. ينتهي الحيوان فرحاً بوجبته، وينتقل بكل أنفة إلى زهرة أخرى بحثاً عن المزيد، لكن ما لا يعلمه هو أنه كان الحلقة الأضعف وأنه الطرف الوحيد الذي كان مُستغفَلاً.

shutterstock_288510656تعتقد النحلة أنها هي المسيطرة وأن لها حرية الاختيار في غذائها. فبين كل مصادر الغذاء الأخرى المختلفة هي التي فضلت زهرة شجرة الليمون هذه أو زهرة البطاطا تلك دون غيرها. لكننا نعلم أنها لم تكن كذلك، وأنها بطريقة ما كانت مُسيّرة من قبل الزهرة نفسها لغرض التلقيح فحسب. فمن منظور آخر، النبتة هي التي تُطعم النحلة مقابل نقلها للطلع.

ليس النحل فحسب، فالنباتات نجحت في تطويع أنواع كثيرة من الحشرات والزواحف والطيور والثديات. بل إن كثيراً منها أصبح يعتمد بشكل تام على هذا السلوك من أجل بقائه. وهذا السلوك مستغرب من كائن «غير عاقل» تحرِّكه ردات فعله الطبيعية. إذ كيف بمقدور كائن حي كالنبات أن يستثمر قدراً كبيراً من الموارد والوقت وأن يتحمل مستويات عالية من الخطورة من أجل أن يقوم بتليين طباع كائن يظهر لنا بأنه أذكى منه؟ وإن كان هذا صحيحاً، فما الذي يجعلنا نحن معصومين عن هذه التأثيرات؟ ماذا لو كنا نحن المُستغفَلين كذلك؟

الإنسان: من الهجرة إلى الاستقرار
عاش الإنسان القديم حياة مختلفة جداً عن التي نعيشها اليوم. فوفقاً لعلماء الأنثروبولوجيا والآثار، لم يعرف أسلافنا لفترة طويلة حياة الاستقرار، بل كانوا دائمي التنقل من بقعة إلى أخرى بحثاً عن المأكل والمسكن. كان الصيد وجمع الثمار هما الاستراتيجيتان الوحيدتان للإنسان القديم من أجل تأمين مصدر طعامه الأساسي. كانت هاتان الوسيلتان نافعتين لفترة طويلة من الزمن، تقدَّر بعشرات الآلاف من السنين، حيث نجح الإنسان القديم في تطوير أساليب جديدة للاقتناص والصيد مما ساعد على تنويع فرائسه وبالتالي ازدياد فرص بقائه.

shutterstock_182500217لكن حياة الاصطياد كانت مرهقة ومضنية لأسلافنا البشر القدماء. فتغير الطقس المستمر وعدم الاستقرار الجغرافي كانا عاملين مهمين أعاقا الصيادين وجامعي الثمار عن تأدية مهامهم. وحتى لو كانت الفرصة سانحة وكل العوامل مواتية، قد يعود الصيادون إلى قبائلهم في نهاية اليوم – وفي أغلب الأحيان – خاويي الأيدي. هذا التقلب المستمر في توفر الغذاء كان مشكلة كبيرة تعاني منها المجتمعات البشرية القديمة، وكانت الهاجس الشاغل لكل قبيلة وعائلة.

لكن في وقت ما، قبل 12 ألف سنة تقريباً، حصل ما غيّر حياة الإنسان كلياً. إذ كانت تلك نقطة التحوُّل من الإنسان القديم البدائي إلى الإنسان الحديث الذي نعرفه اليوم. فكانت الثورة الزراعية، حيث الانتقال من صيد الحيوانات والأسماك وجمع الثمار والنباتات إلی الزراعة. ولأن إنتاج المحاصيل الزراعية وتربية الماشية في حاجة دائمة للاهتمام والمتابعة، انتقل الإنسان القديم من العيش في الكهوف والغابات إلى ضفاف الأنهار والأودية، حيث تتوفر المياه وتتسع رقعة الأرض الزراعية.

لكن الأهم من ذلك كان نجاح الثورة الزراعية في تغيير المجتمع بشكل سريع وملحوظ، الذي كان له الأثر الكبير على تطور الحضارة البشرية. إذ إن الزراعة كانت تتطلب قدرات عقلية خاصة ومختلفة عن تلك التي كانت تستخدم في الماضي، فتوجب على أسلافنا القدماء أن يكونوا قادرين على رسم خرائط ذهنية لمواقع النباتات المختلفة وتذكر أوقات نضجها والعلامات الدالة على ذلك، بالإضافة إلى تعلم الفصول الأربعة وملاحظة انتظامها وتكرارها. وبهذا تكون الثورة الزراعية قد أشبعت كافة حاجات الإنسان البدائي الأساسية، وغيرت علاقته مع الطبيعة، من علاقة شبه طفيلية إلى علاقة قائمة على التحكم بها والسيطرة على قوانينها. أو هكذا كنا نعتقد.

كيف استغلَّتنا النباتات؟

لا نعرف حتى الآن السبب الرئيس الذي جعل الإنسان البدائي يفكر بزراعة أول نبتة له. لكن من المؤكد أن المجتمعات البشرية القديمة لاحظت أن الاستهلاك المعيَّن لبعض أنواع النباتات أثار لديها بعض الاستجابات الجسدية أو السلوكية. ربما لم يكونوا قادرين على فهم مستوى العلاقة السببية كما نعرفها اليوم، لكنهم حتماً لاحظوا أن هنالك علاقة بين ما كانوا يأكلونه وبين ما شعروا به. وربما كان هذا السبب كفيلاً بوقوعهم في الشرك الذي نصبته النباتات لهم.

فنحن نظن أننا نختار بكل حرية البرتقال لطعمه الفريد وفوائده الغذائية، أو القمح لما له من خصائص واستعمالات، تماماً كما تختار النحلة بين أزهارها المختلفة. لكن ماذا لو كانت النباتات هي التي تقوم باستدراجنا ثم استعبادنا، حيث يجذبوننا بمركَّباتهم الكيميائية ذات الروائح العطرة والمذاق اللذيذ والفوائد الغذائية، وينفروننا بمركبات كيميائية أخرى ذات سمية عالية وروائح نتنة؟

النباتات بطبيعتها – وكغيرها من الكائنات الحية – تسعى للوصول إلى هدف واحد وهو التكاثر والحفاظ على جيناتها، ولا يكون هذا إلا عن طريق انتشارها عبر مساحات شاسعة. لكنه أمر مستحيل بالنسبة لنبتة لا تقدر على الحراك. لذلك ابتكرت بعض النباتات صفات تجعل من هذه العملية أمراً مضموناً وفي غاية السهولة.

الفكرة هي أن تجعل النباتات وسيلة انتشارها محبوبة ومرغوبة بحيث لا يمكن للحيوان المستهدف مقاومتها، كأن تقوم النبتة باستهداف الجهاز الهضمي الخاص بحيوان معيَّن، وبالتالي إغراء حواسه المتعلِّقة بها. فتقوم باستثارة حاسة النظر بألوان لافتة، وحاسة الشم بروائح عطرة وشهية، وحاسة الذوق بطعم حُلو وطيب. كما تقوم بتغليف بويضاتها الملقحة والجاهزة للاستنبات (البذور) بأنسجة وبمركبات كيميائية معينة تعطي إحساساً جميلاً للحيوان المستهدف عند تناولها، وتمده بمواد غذائية مفيدة. وفي الوقت نفسه تكون النبتة قد صممت بويضاتها الملقحة، بحيث يصعب على الحيوان هضمها وبالتالي إخراجها مع باقي فضلاته في مكان آخر من الغابة. بهذه الطريقة تتأكد النبتة من أن ضحيتها تلك ستحرص في المستقبل على أن تعود إلى الشجرة نفسها مرة أخرى لكي تقوم بالتهام ثمارها ونشر بذورها.

فعن طريق استهدافها الجهاز الهضمي، تكون النبتة قد استفادت من أقوى الغرائز في الكائنات الحية وهي الجوع، وجعلتها وسيلة لتطويع تلك الكائنات. نستطيع أن نرى هذا التأثير على حياتنا اليوم كبشر، فنحن ننتج أكثر من 600 مليون طن من الفواكه سنوياً، كما أن العاملين في قطاع الزراعة في 2014م قد تخطى عددهم المليار نسمة. بل أصبحت حياتنا تعتمد بشكل كبير على إنتاج هذه المحاصيل الزراعية وغيرها، كما أن دولاً كبيرة تعتمد في اقتصادها على إنتاج نوع أو نوعين منها فقط.

إن هذا الاستثمار والاستهلاك المادي والبشري لأصناف المحاصيل الزراعية المختلفة قد يخدمنا نحن كبشر إذ يمدنا بالغذاء والطاقة، لكنه يخدم أيضاً النباتات. بل نستطيع القول في هذه الحالة، إن النباتات استطاعت في غضون 12 ألف سنة فقط تطويع البشر في تنافسهم الأزلي للسيطرة على العالم. فنحن الذين نلقحها، نزرعها، نعتني بها، ندافع عنها ضد الكائنات الطفيلية والفيروسات، نشن حروب سيطرتها على الحقول والمساحات الزراعية عنها، ونوفر لها كل أساليب الراحة والغذاء.

قد يكون الجوع غريزة قوية لتطويع بني البشر، لكنه واحد من عشرات الاستراتيجيات التي تستخدمها النباتات لترويضنا. ونذكر هنا إدماننا العابر للقارات على الكافيين الذي تقدِّمه نبتات الشاي وثمار البُنّ. التي تدين بشكل مباشر لنا نحن البشر في انتشارها العالمي. وعلى الطرف النقيض من خط الإدمان، استطاعت عشبة مثل «الماريوانا» أن تخدع الإنسان بما يمكننا أن نسميه «تجميل السموم»، لتجعله وسيلة انتشارها، لكن ذلك كان له ثمنه الفادح من المال والأرواح. بل إن حروباً دولية شُنت لكبح انتشار هذه العشبة. وأكثرها شهرة هي حرب المكسيك ضد المخدرات القائمة منذ 10 سنوات والتي راح ضحيتها أكثر من 100 ألف إنسان. إن نظرة واحدة على أعداد ضحايا هذه الحروب، يعطينا تصوراً واضحاً لمقدار الأثر الذي يمكن أن تحدثه سيطرة النباتات علينا نحن بني البشر.

لكن الأكثر غرابة هو تمكن النباتات من الاستفادة من أكثر الدوافع التي تميزنا كبشر، كالجوانب العاطفية والحسية. فإعجابنا بالجمال والألوان الخلابة النَضِرة والتناظر الهندسي في الورد والأزهار جعلنا لا نستطيع منها فكاكاً. فأضحت تتلاعب بمشاعرنا، فنبتاعها لنقدِّمها في أكثر مناسباتنا ودية وأهمية. بل أصبحت في كثير من الثقافات عبر العصور رمزاً للتفاعلات الإنسانية والمناسبات الاجتماعية. ولعلنا نذكر أن أول كارثة لسوق الأسهم في التاريخ (أول فقاعة بورصة) قد وقعت في هولندا عام 1637م حين أدت المضاربة المسعورة على بصيلات زهر الزنبق إلى صعود رهيب تبعه انهيار مباغت في الأسعار، أدى إلى إفلاس – وانتحار – كثيرين حول أوروبا!

مَنْ المسيطر إذاً؟
عندما نقول إن النباتات تستخدم هذه الاستراتيجية أو تلك، أو إنها نجحت في تطويعنا، فإننا نعني ذلك مجازاً. إذ بالتأكيد لا يوجد دليل قطعي وحقيقي لوجود وعي مع سبق الإصرار لدى النبات. لكنها تظل طريقة فلسفية لرؤية الحياة من وجهة نظر مختلفة، من منظور النبتة الساكنة المفعول بها. نحن نظن أننا المسيطرون عليها وعلى غيرها من أشكال الحياة الفطرية. إننا سلاطين هذا الكوكب، لكنها مجرد نظرة قاصرة من قبلنا. فالنبات والبشر قد وصلا إلى مرحلة متقدمة من التطور المشترك جعلتهما كائنين لصيقين لا يستغني أحدهما عن الآخر. فلولا البشر لانقرضت أنواع كثيرة من النباتات، ولولا النباتات هي الأخرى لانقرض الجنس البشري كله في سنوات معدودة.

عندما نرى الحياة من منظور النباتات، فنحن نتعلَّم درساً قيِّماً في التواضع. إن الإنسان ليس إلا جزءاً صغيراً من منظومة كبيرة ومتشعبة، وإن تغييراتنا على البيئة والأنواع الأخرى – مهما بدت لنا صغيرة وهامشية – قد يكون لها الأثر الكبير علينا كجنس يريد أن يبقى مسيطراً.

 

 

أضف تعليق

التعليقات

عابر سبيل

عندما نرى الحياة من منظور النباتات، فنحن نتعلَّم درساً قيِّماً في التواضع. إن الإنسان ليس إلا جزءاً صغيراً من منظومة كبيرة ومتشعبة !
بكل تواضع موضوعك ممتع وشيق في حين انه كامل الدسم واستفدت منه شكرا.

ابراهيم

الموضوع مهم وجديد وغير من فهمي للحياة ومن يعيش معنا فيها. .شكرا من أعماق الأعماق.